أخبار وتقارير

نيران حرس الحدود السعودية تلتهم أرواح اليمنيين “تفاصيل هامة”

يمنات – الشارع – خالد مسعد

كنت في طريقي بمعية زميلي العزيز المصور زكريا الهاتف إلى منفذ "الطوال" البري في "حرض" وفي طريقي هالني سوء المنظر الذي يحزّ في النفس: مجاميع من الشباب تتراوح أعمارهم بين 17- 30 سنة في حالة يرثى لها, أقدام حافية مليئة بالأشواك, ووجوه يكسوها الغبار, والقلق باد على محياهم.

عرفني أحدهم عن بعد وصاح بي: "يا عم خالد! انشليت مطفرن, أشتي أروح معاكم" طبعا يقصد بكلمة "انشليت" يعني لم ينجح في عملية التهريب.

في حديثة معنا شجون وآلام ومآس, لفظها بكل وجع والدمعة تترقرق من عينيه.

"ابن عبدالله داود قتل برصاص سلاح الحدود أمامي, حينها رميت ما على ظهري وأطلقت لساقي العنان والرصاص المحرق يتطاير بين قدمي وفوق رأسي. كنت اركض وأنا أشعر بالموت يحيط بي من كل جانب. كنت سأذهب ضحية 200 سعودي, قسوة العيش وغياب فرص العمل والانقطاع عن التعليم وسوء الحال والمال هي ما أوصلني وأوصل صديقي رحمة الله عليه إلى هذه الحالة وذلك المكان" قال هذا قبل أن يصيح: "نحن بشر ولسنا بجرذان نموت كما تموت الفئران".

أبادله الحديث: احمد الله على سلامتك واتعظ وليس كل مرة تسلم الجرة. رد: "لقد أدمنا هذه الشغلة وكأن رزقنا كتب علينا في تلك الطريق وسأعود إليهم مرة أخرى".

حينها أدرت السيارة واتصلت بصديق لي يلعب في نادي رحبان حرض سابقاً وكان واحدا من مهربي القات وشاهد عيان على قتل سلاح الحدود للمهربين, وهو النجم الكبير علي خميسي, صاحب الهدف التاريخي في مرمى التلال.

الخميسي قال إنه "ما من يوم يشرق إلا والرصاص السعودي يأكل من أجسادنا وأرواحنا ويدمي أسرنا. في عام 2009م وبعد مباراة 22 مايو بدوري الدرجة الثانية لعبت المباراة وسجلت هدفين وفي الوقت الذي كان الكل يحتفل بالفوز على فريق كبير من صنعاء اتصل بي صاحب القات "الكنج" وطلب مني إيصال كمية من القات, وعلى الفور انطلقت للحمولة من أجل الذهاب بها, وفي طريقنا داهمنا حرس الحدود السعودي وأطلق وابلا من الرصاص, قتل حينها شخص من رداع كان مستقراً في حرض ويمارس مهنة تهريب القات, ونحن رميناً بحمولتنا وفررنا والله ستر علينا".

"في اليوم الثاني (والحديث للخميسي المعروف) صحيت على عويل النساء وهن يبكين. أقمنا ماتما بلا جثة تصل إلينا, انتهى كل شيء بانتهاء المأتم".

 

في المنفذ التقينا مسؤولا في السلطة المحلية في حرض وسألناه عن عدد حالات القتل على الحدود اليمنية السعودية, فقال: لا يوجد مرصد يوثق حالاتهم, ولا قنوات تنقل صورهم, ولا متحدث باسمهم سوى بعض الأخبار والتقارير التي تنشرها صحيفة الشارع ومن قبلها الأولى.

قال إن القائمة بالذين لقوا حتفهم من مدينة حرض على أيدي سلاح الحدود السعودي تطول وبالمئات, "نتذكرهم جميعاً, ولن ننساهم, رحلوا في ريعان شبابهم".

ويضيف المسؤول المحلي, الذي فضل التحفظ على اسمه: "الإحصائيات تشير إلى ارتفاع نسبة القتل في 2012 أكثر من الأعوام الماضية, وتابع قائلاً: "أظن أن الذين سقطوا على الحدود الإسرائيلية من الفلسطينيين اقل من اليمنيين الذين قتلهم الحرس السعودي".

اتجهنا بعد ذلك نحو الحدود السعودية لنشاهد أفواجا من المهربين, مهربي القات ومهربي بشر. استوقفنا نفرا منهم وبادرناهم بالسؤال عن ماذا يحدث أثناء مطاردتهم من قبل دوريات حرس الحدود السعودي.

أجابني أحدهم: "عندما يتم مداهمتنا فإن الشخص الذي يهرب يطلقون عليه النار بطريقة مباشرة والذي يسلم نفسه بعد الضرب والتفتيش الدقيق يتم إدخاله في شبك صغير لا يصلح أن يكون حظيرة للحيوانات ويعرضك لاحتقان البول لعدة أيام".

 

يقاطعه احدهم بالقول: "رجولتك وشجاعتك تصير رمادا عند الجندي السعودي, وتتحول إلى متسول يرجو رفع العقاب عنه. أي تنهيدة أو حركة ضربة بكيبل بسببها تصبح عليلا مدى الدهر او دقة بالآلي تكور ظهرك أو ركلة بالجزمة تجعلك تتبول دما".

 

شخص أخر ويدعى مروان الحرضي تحدث عن أشخاص قتلوا على يد حرس الحدود وكانوا رفاقه في رحلات التهريب.

يقول: "لن أنسى ما عشت شيخ المهربين ونجم رحبان حرض حسن جمعان الملقب بحسونة. لقد قتل على يد سلاح الحدود في 3/4/2008م, أجبرته الظروف على امتهان هذه المهنة. أمه ماتت بعده من الحزن".

ويتابع: "لن أنسى أيضا السائق المشهور علي شوعي فضالة وهو من خيرة شباب مديرية عبس, قتل على يد سلاح الحدود مطلع 2004 , وكان عريسا في قمة شبابه. لن أنسى ما دمت حيا إبراهيم قدري, أبو الكرم, كان يهرب القات, والله, لا غيره, قتلوه دون رحمة في عام 2000م رغم أنه سلم نفسه أثناء المداهمة بتهمه أنه قتل جندي سعوديا. وكذلك ماجد صالح من مديرية خيران, خريج كلية التربية بعبس قسم الانجليزي قُتل في نهاية 2012م. ومحمد مرعي من مدينة الزهرة التابعة للحديدة قتل أيضا في منطقة الحصامة يوم 1/5/2012م ولا تزال جثته في الثلاجة".

 

هناك ألاف لقوا حتوفهم في الشريط الحدودي, لعل أشهرهم أولاد الحاج علي حافظي من مديرية عبس.

لقد فقد حافظي ثلاثة من أولاده في الشريط الحدودي إضافة إلى الخمسة الذين قتلوا بقنبلة رماها سلاح الحدود عليهم قبل حوالي 10 أيام.

أيا كان الأسباب فإن ما يحدث في الشريط الحدودي من قتل للمهربين, هو إرهاب مروع وقتل مجاني لا يراعي أي شيء, انتهاك صارخ لمبادئ حقوق الإنسان والقيم الانسانية.

على الحكومة اليمنية إلا تقف مكتوفة اليدين إزاء هدر الدم اليمني. عليها أن تفعل شيئاً بالتنسيق مع الحكومة السعودية لتقييم هذه المظاهرة وفهم جذورها, وبحث الحول المناسبة والمتوازنة التي تحد من ظاهرة التهريب وتحمي أرواح من تدفعهم الحاجة إلى السقوط في هذا الشريط المميت.

زر الذهاب إلى الأعلى