تحليلات

الجرحى الذين كشفوا عورات اولياء الله وتجار الثورة.. منصور السروري

 يمنات – خاص

لا تفصل الأرضية التي يفترشها عدد من جرحى ثورة الشباب السلمية عن مكتب رئيس الحكومة سوى عشرات من الامتار.

في مقدور باسندوة احد بقايا شيوخ المناضلين الأحياء ان يطل على ساحة الحرية المتاخمة من جهة الشمال لسور مجلس الوزراء الذي يراسه.

في مقدور باسندوة ان يحترق غيضا ويسجل موقفا مشرفا ليس لاعتبارات منصبه الحكومي وانما لاعتبار سجله الوطني النضالي .

بيد أن المعطيات حتى هذه اللحظة تفصح أن الرجل لا يبدو أنه حريصا على سيرته النضالية ، وضرورة ان يكون ختامها مسك انساني يغفر له المواقف السوداء التي جبل على أن يختطها في فترات من الصراعات الوطنية وحروبها نحو _ 1994 مثالاً _ من قبيل الانتقام السياسي الموجه لحساب أطراف اثبتت السنوات انها كانت مخطئةً ، وتتحمل وحدها – اي هذه الاطراف – مسؤولية ايصال هذا البلد الى ما هو عليه اليوم من وشيك الانهيار والتشظي.

حقاً لا يبدو (رجل الحكومة الاول) حريصا على اغلاق الفصل الأخير من رواتبه الوطنية بمشهد النهاية التي تختلط فيها السعادة بالدموع المنتصرة.

سعادة جرحى الثورة الممتزجة بدموع الإحساس بتقدير تضحياتهم في التغيير ..و سعادة باسندوة الممتزجة بدموعه المنتصرة لحقيقة ان هؤلاء الجرحى المضربون عن الطعام منذ صباح الثلاثاء 29 يناير 2013م هم اشرف واخير رجالات هذا الوطن.

هؤلاء الجرحى هم اقمار هذه الثورة.

هؤلاء الجرحى المعتصمون عند ركن مجلس الوزراء .. هم وجه الثورة الناصع ، وعنوانها الفارق عن كل الجرحى.

هكذا يجب ان ينظر باسندوة الى أولئك الجرحى المعتصمين وراء اسوار وجدران مكتبه الوزاري.

جرحى لا ينتمون الى فخذ قبيلة مبجلة ، ولا الى حزب يرى كيانه حارسا لا ملاك الله في الارض .

جرحى رفضوا ان تمن عليه جمعية خيرية او تزايد او تتاجر بملفاته.

هؤلاء الجرحى يا باسندوة – طراز فريد من الشباب .

من طراز اولئك النادرين ندرة المعادن الثمينة في وعيهم وثقافتهم.. في احلامهم وطموحاتهم وغاياتهم الكبيرة.

هؤلاء الجرحى .. حلموا بدولة جميلة بجمال احلامهم .. دولة خالية من الفساد ، والتخلف والمحسوبية والوساطات ، دولة يترجمون داخلها افكارهم من احلام الى مشاريع لا تقف نتائجها عند حدود ذواتهم وانما ستعم فوائدها كل ابناء وطنهم.

هؤلاء الجرحى – ياباسندوة – ضحوا بارواحهم حتى يروا بلادهم تطاول النجوم ، لا يحتقر اليمنيون في صالات المطارات خاصة الخليجية ، ولا يحرقون في خميس مشيط او تنتهك كرامتهم في الملاحيظ ، وجده ، والرياض.

هؤلاء الجرحى كانوا على يقين ان الواقع يجب ان يتغير حتى لا يروا ثانية رئيس قسم البوليس يطالبهم بدفع اجرة الطقم ، وبعد أن كان ابائهم يشتكي من اجرة العكفي فاذا به مطالب بأجرة العكفة ، وحتى لا يروا طفلا يتسول في جولة او شيخ يشحذ في سوق او نساء ترابط عند اسوار الجامعات والوزارات وتحت الجسور.

هؤلاء الجرحى ياباسندوة عندما وجدوا ان كل ما كانوا يتوقون اليه قد افل وراء التسويات السياسية ، وأنه من جديد قد أخذت تتطور اجنحة الظلام فصارت تبيع وتشترى بكل شيء حتى بإصاباتهم المثخنة الجراح رفضوا ان يكونوا سلعا تباع وتشترى في اسواق المدعين بالوصايا السماوية خصوصا بعد ان ثبت وتبين لهم ان تجار الله لا يرونهم الا كائنات فائضة عن الحاجة يجب ان تتحلل وتتآكل حتى تنتهي لأنها – اي الجرحى – ليسوا من جرحاهم.

ان الجرحى المرابطين بين برد كوانين القاسية فوق رصيف احجار ساحة مجلس الوزراء .. لا طعام ولا شراب إلا ما يسد الرمق لم يلجئوا الى هذا الاجراء سوى بعد تأكدهم من ان الذين يقفون معرقلين لتنفيذ الحكم ــ الصادر من المحكمة الادارية منذ 14/11/2012م سواء كان المعرقلون يتبعون الحكومة ام جهات غير رسمية خارجها ـــ إنما يقومون بذلك بدوافع متعمدة تنطوي على اهداف وقيم خبيثة وتريد ايصال اكثر من رسالة مباشرة وغير مباشرة اهمها:

• ان القضاء والقانون اصغر من صخر الوجيه ومن يقف معه وخلفه:

– إذ ماذا يعني مرور شهران ونصف الشهر من تاريخ صدور الحكم الملزم حكومة الوفاق بمعالجة جرحى الثورة السلمية في مراكز متخصصة في الخارج على نفقة الدولة الى جانب (خمس توجيهات) من ذات المحكمة وصخر الوجيه يتلاعب كبرلماني يتقن فن توظيف الثغرات التشريعية بالحكم والتوجيهات الخمسة الملزمة إياه بتنفيذها ؟

الا يعني هذا ان القضاء اصغر من صخر الوجيه؟.. وان الرسالة التي يجب أن يفهمها كل اليمنيين وخاصة التواقين للتغيير ان صخر الوجيه ومن يدعمه هم أكبر من وفوق القضاء والقانون؟

ويعني أيضاً ان هذا النوع من الجرحى – بما تتسم به صفاتهم من شجاعة نادرة واحلام كبيرة واستقلالية رايها واصرارها في نشدان حياة مدنية ووطنية خالصة – يجب ان لا يعالجوا وان ينتهي أمرهم من الوجود …. لكأنه هكذا يجب أن نفهم … حتى لا يؤدي علاجهم الى بقائهم أحياءً لا يؤمن جانبهم من قيامهم بثورات او احتجاجات ضد كافة اشكال المشاريع الرافضة للتغيير الشامل ومن جانب اخر حتى يؤدي عدم علاجهم الى لعن التضحية وقتل روحها في أنفسهم من ناحية وفي انفس كل الذين قد فكروا بالتغيير ذات يوم من ان مصيرهم سيكون مصير هؤلاء الجرحى من ناحية اخرى .

فهل نفهم أنها رسالة غير مباشرة هدفها معاقبة هؤلاء الجرحى لأنهم ضحوا بأنفسهم وتهديد لكل من قد يفكر بالتضحية بنفسه مستقبلاً ؟.

تلك كانت اهم رسالتين اراد صخر الوجيه والواقفين معه ايصالها الى كل من يريد ويسعى الى التغيير اكان مواطنا ام ثائرا ام جريحا.

 

في تقديري ان عظمة الجرحى المضربون عن الطعام جوار مجلس الوزراء لا تقف عند حد تضحيتهم فحسب وانما وصلت الى حد تعرية من يظنون انفسهم اولياء الله على الثورة.

اولياء الله في اللجنة الطبية لم يستحوا من الله وهم يستبدلون لشخص أخر منحة علاجية من تركية خاصة بالمهندس المعماري يوسف محمد الفاشق الشميري الذي نجا من الموت بأعجوبة ليلة المحرقة بساحة الحرية بتعز 29/5/2011م وتعرضه لشظيتين الاولى في الراس والثانية في منطقة الجذع اسفل العمود الفقري افقدته النصف الاسفل، وصادرت منه حياته الطبيعية.

وبعد رحلة علاجية بين مستشفيات "الروضة" و "اليمن الدولي" و"المستشفى الميداني" بساحة صنعاء و "مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا" الى اللجنة الطبية التركية حصل من الأخيرة على قرار طبي وكان ضمن قائمة المرشحين للسفر للعلاج بتركيا، واثناء طلب اللجنة التركية من اللجنة الطبية اليمنية إرساله للعلاج الى تركيا أُرسل مريضا اخرا عوضا عنه وكان مبررها ان (يوسف الفاشق) سافر الى دولة اخرى للعلاج في الوقت الذي كان فيه المسكين ينتظر في تعز ابلاغه بالسفر للعلاج.

هذا فقط نموذج واحد من بين الـ(11) جريحا صدرلهم حكما قضائيا بعلاجهم في المانيا وكوبا ناهيك عن اكثر من (60) جريح ينتظرون من المحكمة الادارية ان تصدر حكما بشأنهم في غضون الاسابيع القليلة القادمة بينهم جرحى حالاتهم حرجة جدا وناهيكم عن جرحى ينتظرون العلاج غير هؤلاء الذين تقدموا برفع دعوى قضائية ثانية ضد الحكومة.

أنموذج "يوسف الفاشق" وصمة عار في جبين الذين صادروا حقه في العلاج وجعلونه فوق عربة المعاقين يصارع نوبات الالم دونما تتحرك في قلوب الذين صادروا حقه أدنى ذرة رحمة أو تانيب من ضمير هذا ان كان هنالك بعضا منه لا يزال باق في نفوسهم.

حكاية الفاشق ليست الوحيدة التي تعرى حقيقة الاطباء الذين تاجروا برحلته فهناك أحد أول بقايا جرحى الثورة السلمية بتعز.. جريح لا تفصله عن اكتمال العامين على اصابته سوى ايام معدودة انه (عبدالله العزي فارع العبسي) اشهر جرحى اول جمعة ثورية في اليمن .. "جمعة البداية " 18 فبراير 2011م بساحة الحرية بتعز.

هذا الثائر الذي لا يستطيع التحرك إلا بعكاز يستعين به عوضاً عن ساقه الممزقة الاعصاب والعظام المهشمة افادت البعثتين (المصرية والتركية) باجراء عملية جراحية له في الخارج نظرا لعدم وجود الاجهزة اللازمة لاجرائها هنا في اليمن وهاهو يكاد يفقد ساقه التي بدأ الدود ينخر عظامها .

ترى اين مؤسسة(وفاء) من الوفاء امام طعنات الاوجاع اللاتي باتت صديقا ملازما لـ"يوسف الفاشق وعبدالله فارع العبسي و محمد عبدالله سعيد سيف وعيسى عبد الله الصوفي )؟

وما دلالة ان يكون هؤلاء الاربعة احدهم من المصابين يوم دشنت اول جمعة ثورية واثنان اصيبا يوم المحرقة الشهيرة والرابع (الصوفي) يوم24/7/2011م ؟

بل ما دلالة ان يكون اول جريح في صنعاء أجبر رفاقه بتدشين ساحة التغيير ليلة 19 فبراير 2011م على اثر اصابته بنهار ذات اليوم نفسه؟

ان يكون اول جرحى الثورة بتعز وصنعاء خارج حسابات مؤسسة وفاء واللجنة الطبية فذلك ليس من قبيل النسيان ، ولا الخطأ ، وانما من قبيل التعمد خصوصا عندما يتاكد من أن الجريحان ثوريان من الطراز الكبير الذي يابى المتاجرة بنضاله وآلامه .

وماذا لو كانا (الاكحلي والعبسي) من حزب الاصلاح ؟

بل ماذا ان كان (سامر عبدالجبار الصلوي المصاب منذ 11/5/2011م وخالد احمد اليريمي 2 يونيو ، عبد الله القطيبي 3 يوليو ، عادل سيف العماري 12 يوليو ، محمد حميد القباطي 19 سبتمبر ، وحمدي ردمان ) ماذا ان كان هؤلاء من الاصلاح؟.. هل كانوا سيضطرون الى اللجوء الى القضاء ؟ .

ثم لماذا لم نرى الجرحى من المحسوبين على الاصلاح ، أوالقبائل كحال هؤلاء الـ(11) جريح، وقرابة (65) جريحا تتطلع عيونهم الى صوت القاضي الحر بدر بن زيد الجمرة عله يضع حدا لنهايات آلامهم ويفتح دربا لقادم حياتهم في ظلال قضاء مهاب سلطته واحكامه ، وبالمناسبة أشكر هذا القاضي الذي مازالت سمعة أبيه القاضي زيد الجمرة خصوصاً عندنا في تعز تعانق السماء شموخا ، وفخراُ بعدله الذي كان مضرباً للأمثال .

نعم ان خلاصة الدلالات التي يمكن استخلاصها من عرقلة تنفيذ حكم القضاء هي انتهاك سيادة القضاء واحكامه ، وعودة الى ماض احتقار القوانين وتحديها وعدم استشعار ما قد يضاعفه هذاالانتهاك والاحتقار من احتقان ثوري وحراكي في اوساط المجتمع في ظل معطيات اللحظة التاريخية العصيبة من تاريخ شعبنا المغقد أيما تعقيد بما قد بفضي إلى تجديد روح الثورة في الوعي المجتمعي لا سيما بعد أن هربت (حكومة الوفاق ) لعقد اجتماعها هذا الأسبوع إلى محافظة الحديدة ، وإقدام الأديب الشاعر منيف إبن الأديب والشاعر محمد أحمد الزبيري بإحراق نفسه احتجاجا على هروب الحكومة إلى الحديدة من عقد اجتماعها بمقرها المرابط جوار أسواره مجموعة الجرحى المضربون عن الطعام منذ بضعة أيام هروباً ليس له من تفسير سوى مراكمة الأدلة على التهرب من تنفيذ حقهم في العلاج أ، واي تمادي في هذه الحقوق لا يستبعد إلى جانب الإرهاصات القائمة أن يفضي من جديد إلى إشعال فتال الثورة ولا شك ستكون هذه المرة اعنف من سابقتها خصوصاً ومؤثرات الشارع المصري عنا ليست ببعيد.

ومن الدلالات المستخلصة أيضاً ازاء ملف الجرحى هي تلك الإتهامات المختلفة الموجهة لوكيل الجرحى القاضي احمد سيف حاشد بالمزايدة من قبل الأطراف الذين اثبتوا سوداوية وخبث قلوبهم .. اتهامات تزيدنا يقيناً أكثر فاكثر بعدالة قضية الجرحى .

فاين هي المزايدة وقد وصل الحال ببعض الجرحى المعتصمين جوار مجلس الوزراء المضربين عن الطعام الى حد الدخول في الغيبوبة ، واسعاف بعضهم أكثر من مرة للعلاج من مضاعفات الإضراب عن الطعام كالجريح ( اكرم عبد الله عبد الصمد الشميري) الذي يعيش على كلية واحدة فقط ومثله (معاذ اليوسفي) ؟

أين المزايدة وجنود الفرقة تعتدي بالضرب لمن يعتصم معهم من المواطنين كما حدث مع عبد المعين الأصبحي الباحث في اللجنة الوطنية للطاقة الذرية ، واحد أشهر قديسي ساحة التغيير مرابطة وتثقيفاً وتنويراص للشباب ، والذي تعرض للضرب المبرح بينما كان خارجاً من الساحة تجاه بقالة لشراء حاجة له ؟

وماذا سيكسب النائب حاشد من الاضراب عن الطعام بضعة ايام غير الجوع والبرد والوجع والغبن على انتكاسة قيم وانحطاط اخلاق المتاجرين بآلام جرحى الثورة؟

على الذين يتهمون القاضي والجرحى والمتضامنين معهم بما ليس فيهم من تهم ان يبرهنوا انسانيتهم فيدعموا قضية الجرحى قبل ان يتركوا خصومهم يتضامنون مع الجرحى ان كانوا يفقهون؟

حقاً ان هذه الثورة مفرزة للرجال .. ومهما يظن مزيفوا التاريخ أنهم قادرون على تزييفه .. فهم واهمون كل الوهم .. يكفي أن عبدالرقيب عبد الوهاب بطل فك حصار السبعين الذي نصادف هذه الأيام ذكرى اغتياله حاولوا تسويد سيرته ، ومن انه كان يسب الرب والدين حتى يبرروا جريمة اغتيالهم له ، يكفي أن هذه الثورة أنطقت أوناس من أنه كان مثالاُ للأخلاق والطيبة والشجاعة ، ويكفي أيضاً أنه في أنفسنا يزداد عملقة وفخراً ، وهكذا هو احمد سيف حاشد مهما يقولون عنه يثبتون مدى التصاق ما يقولونه بأنفسهم ، ومدى عظمة هذا الأنسان وطنية وجوداً وإخلاصاً لقضية التغيير والعدل والحرية والمساواة ، وتوجهاً لبناء الدولة اليمنية الفيدرالية الحديثة .

زر الذهاب إلى الأعلى