أخبار وتقارير

في جبل حبشي.. القبيلة تغتال الحب وتحرق المنازل

المستقلة خاص ليمنات

في غفلةٍ من الواقع تسللت مشاعر الإعجاب إلى قلبين، فاجتمعا على الحب، لتكتب الأيام في صفحات وردية قصة ذهبية بطلاها فتاة قبيلية بيضاء وشاب مهمش أسود، اصطدما بالواقع المثقل بالعيب والعادات والعرف وعيون كثيرة لا ترحم، فقررا النجاة بحبهما الاستثنائي الممنوع بموجب ثقافة الدونية والانتقاص والطبقية، فهربا لينال الحب حريته  بعيداً عن سلطة القبيلة ونفوذها.. إلا أن غضب القبيلة وردِّة فعلها فاق التصورات فهدمت بيوت قرية المهمشين السود وأحرقتها، فطغى على القرية المحروقة لون رمادي يمكن لنا أن نسميه رماد الحب المنصهر من نار العنصرية.

طيف من الألوان صار رماداً، وهو الذي بدأ تكونه برحيق الورود وألوانها.. في منطقة بني بكير بجبل حبشي بدأت القصة بحب كسر الحواجز كلها، حين جمع بين فتاة القبيلة والشاب المهمش (الخادم)، أرادا له أن يزهر ويؤتي ثماراً طيبة، فنشأ وترعرع مع الأيام، لكن سرعان ما قطفته يد العيب قبل أن يتفتق براعماً زهرية، حيث تأكد للشاب والفتاة أن الكبار لم ولن يوافقوا على اكتمال هذه القصة، أصبحا في حيرةٍ من أمرهما، بينما عاصفة الغرام في أعماقهما تمنعهما من الاستسلام للأمر الواقع.. فقررا وبدون تردد مغادرة القرية بل المديرية بأكملها والرحيل إلى مدينة تعز، حيث اعتقدا أن أمر عقد قرانهما هناك وإتمام الزواج سيكون أيسر من أي مكان آخر، لم يتدارسا ما قد يترتب من عواقب كارثية على مثل هذا القرار.. انتظرا بفارغ الصبر حتى حانت الفرصة المناسبة، فانطلقاً معاً قلباً وجسداً تسابقهما الأشواق والأشجان إلى ما سوف يحدث في القريب العاجل.. ولم يطل الوقت كثيراً، ليكتشف الحبيبان أن ما كانا يرتبان لحدوثه صار في ذمة المستحيل، وأن ما حدث فعلاً لم يكن غير بداية لمأسات مؤلمة..

بمجر أن علم أهالي الفتاة بأمر الهروب إلى تعز، صاروا في قبضة الصدمة، وساد غضب عارم برائحة القبيلة العصيبة ولونها الأبيض، فتنادى اهالي قرية العروس واجتمعوا على كلمة رجل واحد، وقد أخذتهم العزة بالعرف، فطردوا المهمشين السود (الأخدام) من القرية وهدموا منازلهم العشرة وأنباء أخرى تتحدث عن تهديم ثلاثين منزلاً بعد احراقها بما فيها من أثاث وملابس ومتاع، وشردوا 40 شخصاً غالبيتهم نساء وأطفال كل ما اقترفوه من ذنبٍ وخطيئة أن لوناً أسود مرسوماً في بشرتهم بريشةٍ إلهية ربانية حكيمة.. لكن هل في عقل القبيلي الأبيض متسع للحكمة؟!

الشاب وهو يتهاوى تحت وطأة سماع الخبر الكارثة، قرر أن يقطع حبل الوصل بينه وبين قلبه وأن يقيم علاقة جديدة مع العقل لمسايرة مجتمع كل ما يحدث فيه يتسم بالجنون، فقام بتسليم نصفه الآخر وحلمه الجميل وحبه المحكوم عليه بالعيب المؤبد” فتاة القبيلة البيضاء”، إلى أحد المشائخ الذي يقيم  في مدينة تعز وينتمي لمديرية جبل حبشي، لإعادة الفتاة إلى أسرتها في ظل غموض المصير الذي ينتظرها لديهم، بعد أن استبدت بعقولهم منقصة “أنها قد جلبت عليهم الفضيحة”..

العائلات المشردة من فئة المهمشين والمحروقة منازلهم فلم يجدوا سوى خيار الاعتصام أمام مبنى المحافظة، وانتزعوا من أحد وكلائها أمراً إلى مدير أمن المديرية للتحقيق فيما تعرضت له منازلهم من هدمٍ وحرق وما أصابهم من تشريد.. فهل سيحالفهم القدر في الحصول على تعويض عادل بعد محاسبة مقترفي العدوان، أم ستحل عليهم لعنة اللون الأسود أطول مما يتوقعون؟! .. ولا عزاء لحب ممزوج بألوان الفرقة والتمايز!!

زر الذهاب إلى الأعلى