قضية اسمها اليمن

في تعز.. قتلوا عبد الله وهو في طريقه لصلاة الجمعة

المستقلة خاص ليمنات

ما الذي يحدث في تعز؟! كيف تحولت تلك المدينة الحالمة إلى مستنقع للقتل المجاني بدمٍ باردٍ ووحشيةٍ منقطعة النظير؟ لم تعد الحارات ولا الشوارع اماكن آمنة مثلما تعود أهلها عبر سنواتٍ مضت.. حتى الطريق إلى بيوت الله غدت محفوفة بالقتل والموت والاغتيال..

أخذ المواطن المتعب ذو الخمسين عاماً من العمر عبدالله حمود محمد يتهيأً لأداء صلاة الجمعة مع الناس مثلما يحدث في ذلك الوقت من كل أسبوع، فبادر إلى الاغتسال ولبس ثياباً نظيفة بعد أن طيبها، كانت تنتابه مشاعر لم يعرفها من قبل، ولم يسبق له أن أحس بها، وكأنه عندما يغادر المنزل لأداء الصلاة لن يعود مرة أخرى، ودع زوجته واتجه خارجاً لكنه سرعان ما عاد يودعها من جديد، ثم ودعها للمرة الثالثة والأخيرة مغادراً المنزل، حيث صعد سيارة صهره- هائل علي بجاش- وانطلقا معاً مغادرين حارة المفتش باتجاه وادي القاضي ليقوما هناك بأداء صلاة الجمعة في جامع التوحيد.. لم يعلم الحاج عبدالله أن رحلته لن تكتمل وأنه لن يصلي الجمعة التي كتب الله له أجرها بمجرد خروجه إليها بقصد الصلاة، لم يعلم أنه على بعد أمتار قليلة من النهاية.. النهاية المؤسفة التي لم يتصور حدوثها يوماً من الأيام، فقد قضى حياته مواطناً صالحاً مسالماً بعيداً عن الشر والأذى، وقبل ان تصل السيارة محطة وادي القاضي.. حلت الكارثة!!

اعترضهما ثلاثة أشخاص مسلحين ملثمين من أولئك الذين يوزعون الموت المجاني على الشوارع والأرصفة سيارة الحاج عبدالله وصهره هائل.. أمطروها بوابل من الرصاص الكثيف بشكل جنوني وطريقة وحشية بشعة.. كانت الطلقات النارية تخترق السيارة بكثافة تلقى عبدالله بجسده  الذي يعاني من الأوجاع والألام عدداً من الطلقات الغادرة التي اخترقت رأسه وأماكن مختلفة من جسده (وفي الجنب والظهر والكتف) حتى أصابع اليد لم تسلم من أعيرة النار القاتلة، بل إن عدداً منها مرت عبر جسده لتصل إلى صهره هائل حيث أصابته ثماني طلقات في أماكن متفرقة من جسده، أنسحب هائل من الجانب الآخر للسيارة يريد أن ينجو بنفسه فر مسرعاً رغم الطلقات التي أصابته، ومع ذلك حاول المسلحون ملاحقته وإطلاق النار عليه.. مما يؤكد الرغبة المتوحشة لدى الجناة بممارسة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، استطاع هائل أن يقطع مسافة لا بأس بها والدماء تنزف من جسده، وصل إلى الخط الرئيسي، وألقى بنفسه داخل حافلة نقل الركاب (باص) وهو يصرخ: “أسعفوني.. أسعفوني”، وهو ما تم فعلاً اسعافه إلى مستشفى الصفوة، حيث أجريت له الإسعافات الأولية الضرورية وبمجارحة سريعة تم استخراج طلقتين سكنتا جسده، لينقل بعدها إلى مستشفى “اليمن الدولي”، وما يزال يتلقى العلاج ولم يتماثل للشفاء رغم أن خسائر أهله قد فاقت المليون ريال..

وفي مكان الجريمة، كان هناك مشهد آخر، يجسد مدى ما يحمله القتلة من نوازعٍ الشر والإجرام بقلوب قاسية لا ترحم ولا تلين، كان جسد عبدالله بسبب غزارة وكثافة الطلقات النارية التي تعرض لها قد تحول إلى أشلاء، حيث فارق الحياة طاهراً متوضئاً قاصداً بيت الله، فاستقر إلى جوار خالقه ومولاه، جمع المسعفون أشلاءه في بطانية وتم نقلها إلى الثلاجة، وبقيت جثته هناك ثلاثة أيام، ليتم نقلها بعد الصلاة عليه إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه بقرية (الكحل) في الهشمة.

ما الذي فعله المرحوم الشهيد عبدالله لتكون نهايته بهذه الجريمة البشعة.. فزوجته وشريكة حياته وأرملته وأم أولاده تسرد لنا مشهداً عن حياة هذا الضحية المغدور به لنعلم مدى بشاعة الجريمة ودناءة مرتكبيها وإجرامهم حيث تقول بصوت ملؤه الآهات والحزن العميق وبلهجة تعزية دارجة: “خرج شِصَلي ركعتين.. ثلاث مرات وهو يودعني، وبعد دقائق أجا الخبر إنه قتل،  ولا نعرف ما هو السبب.. عمره ما أذى إنسان، ولا معه مشاكل مع أحد، مسكين حاله وحال نفسه، وطيب مع كل الناس، يلعب حتى مع الطفل.. عمري ما حصلت منه كلمة تجرحني.. ولا تعجبه المشاكل، ولا يدور حق أحد” وتضيف: “التحق المرحوم بالشرطة عام 1983م، وخدم الوطن، وكان يستلم راتبه من الدولة، وبعدين أصابه مرض، حدث له انزلاق بالعمود الفقري، وظل مقعد في البيت، وهم قطعوا عليه الراتب من قبل 15 سنة، افتكروا إنه هارب، وهو مقعد ما معه أحد يطلع يراجع له، ولا أقدر أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل..”.

وتعلق بناته “اليتيمات” على جريمة مقتل والدهن بالقول: “بعد الحادث نزلوا من القسم والبحث الجنائي، واثبتوا الواقعة، وعملوا التقرير، والطب الشرعي عمل تقرير، ووصف الجريمة بالبشعة، وأنها مستحيلة الوصف لبشاعة طريقة القتل والإسراف في إطلاق النار، القضية بالنيابة لكنهم لم يقوموا بفعل شيء حتى الآن.

وتناشد أرملة الضحية وأبناؤه وبناته الأيتام النائب العام ونيابة تعز والمحافظ شوقي ووزير الداخلية العمل على انصافهم والتسريع بكشف الجناة وضبطهم وتقديمهم للعدالة.

رحل عبدالله حمود وخلف تسعة من الأبناء بينهم خمس بنات، وأطفالٌ صغار وجدوا أنفسهم في ظل اليتم والاحزان، محتفظين بكل ما يذكرهم بوالدهم ومن ذلك غترته الملطخة بالدماء، لتظل شاهدة على بشاعة الجريمة التي ارتكبت بحق والدهم الضحية.

زر الذهاب إلى الأعلى