فضاء حر

التصالح والتسامح وأكثر من ربع قرن ضائع من عمر الجنوب !!

يمنات

نحن أمام كوميديا وملهاة يجترحها البعض معولاً على أن ذاكرتنا مثقوبة, كما يعول على نسياننا… طرح الشهيد جار الله عمر في العام 1988م رؤى ثاقبة هدف من وراءها بلسمة جراح الجنوب من خلال مشروعه للتعددية السياسية والحزبية والحوار مع فرقاء العمل السياسي الجنوبي جميعهم ودون استثناء قبل الدخول بمشروع دولة الوحدة, عوضاً عن دعوته إلى المصالحة الجنوبية بين فرقاء يناير86 طغمة وزمرة, وكأنه كان يستشرف مشكلات المستقبل إذا دخل الجنوب منقسماً على نفسه, وأمام هذه الدعوات التي استلهمت فكرة التصالح والتسامح مبكراً, وقف البعض ضد هذه الدعوات ووصل الأمر ببعضهم ـ علماً أن هؤلاء البعض اليوم يتبجحون بقيم التصالح والتسامح ويتصدرون المشهد السياسي الجنوبي ـ بأن وصفوا الشهيد جارالله حينها بالخائن والمرتد عن النهج الاشتراكي العلمي, مثلما وصفوا جورباتشوف قبله وحاكموه حزبياً بالخيانة, هؤلاء اليوم يرفعون شعارات التصالح والتسامح, وهذه المبادئ إنسانية عامة ولا غبار عليها, كما يستحيل أن تقبل القسمة إلاّ على نفسها أي أن تكون منطلقة من الإنسان وإلى الإنسان.

وعلى الرغم أن الأحداث في واقع الجنوب تؤكد أن التصالح والتسامح شعاران ينقضهما سلوك الفاعلين السياسيين الذين يتصارعون على منصات الخطابة, وسلوك التنابز بالألقاب وسباق الكل صوب الاستئثار بإظهار تضحياته على ألقاب شهداءه, وكأنه يعد فاتورة آجله أو مؤجلة الدفع إلى ما بعد الحصول على الدولة. وفي كل فعالية يجري إنتهاك المبدأين وأغتصاب نُبلهما, ولا زلنا نسمع من يردد أن الجنوبيين أبرياء وخدعوا من قبل الشماليين الأشرار بطبعهم وطباعهم, وتقسيم المجتمع إلى دار أخيار ودار أشرار, كل ما يأتي من الأخر شر بطبعه وطباعه وكل ما يأتي مننا خير بالمطلق, وليس في حينا الجنوبي أشرار, هذه النفسية المأزومة وغير المتصالحة مع نفسها بحاجة إلى نقد وتفكيك, إنه واقع مريض ومأزوم جرى فلترته خلال الأعوام الماضية حتى بات كل أشراره ومن كل الجهات الأربع كثر وصوتهم عال, بينما الأخيار قلة وصوتهم منخفض أو مقموع.

 

لقد دفع الجنوب كثيراً بسبب نزق البعض, أكثر من ربع قرن أو قل نصف قرن من الأفكار النزقة والمتشددة يستوي فيها المتشدد اليساري على المتشدد اليميني المتشدد بإسم المعتقد الأيديولوجيا والمتشدد بإسم الدين في غياب أو تغييب العقل..

ربع قرن منذُ طرح جارالله عمر دعوته وما أكثر الأفكار التي طرحها وكان محقاً فيها ولم يستمع إليه أحد!!

سلاماً عليك أيها الرائي يوم ولدت, وتحية لفكرك ونُبل مقاصدك!!! ويخطئ من يعول على الذاكرة المثقوبة, فإنه يعول على شعب بلا تاريخ وهذا مستحيل !!!

زر الذهاب إلى الأعلى