فضاء حر

تاريخ يتكرر في غير مرة !!!

يمنات

بعد أقل من ثلاثة أسابيع تحل علينا الذكرى23 للفعل الذي يصر أن يوصفه البعض بـ"الوحدة" مثله مثل كل المفاهيم والمسميات التي جرى توصيفها بما لا يدل على ماصدقاتها (الماصدق لفظ منطقي يعني انطباق الأشياء على المفهوم) مثل الثورتين سبتمبر 1962م وفبراير2013م دون أن تعنيان ذلك, وكما هو معروف الثورة بالتعريف السياسي هي حركة فعل جماهيري تهدف إلى إحداث قطيعة مع الماضي وتأسيس سلوك وفعل جديد وهذا لم يحدث فيهما على الأقل الحكم بات بالنسبة لانقلاب سبتمبر62م, وهذه المسماه بـ" الوحدة" أعتباطاً ينطبق ما ينطبق على سابقاتها, فلا يمكن لوحدة أن تتأسس بالمؤامرة وكما لا يمكن أن تكون النوايا الساذجة أداة ناجعة لها, لقد تأسست على وسيلتين المؤامرة من طرف والسذاجة وحسن النوايا من الطرف الأخر.

ومنذُ اليوم الأول وهناك طرف ينسج خيوط تأمره للانقضاض مشروع كبير كهذا (يمكن العودة إلى مذكرات الشيخ الأحمر الأب لمعرفة تفاصيل هذه المؤامرة) وحينها وظف الطرف المتآمر الإفساد والترغيب وسيلة من وسائله الكثيرة التي لا تحصى, فلقد كان الدين مثلاً وسيلة ابتزازـ ولازال ـ استخدمها في ترهيب وتخويف الطرف الساذج, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد, بل صارت الفتاوى تسبق فرق اغتيال أصلب وأنظف عناصر الطرف الأخر"الاشتراكي" الساذج, تلك التي لم تأتي بالإفساد عبر الترغيب طالتها يد الغدر.

ولقد كان الطرف الأخر "الساذج" يعول على وسيلة الإقناع, وأختط سياسة نقد ومكاشفة مع النفس حد الجلد بغية التخلص من أرث ثقيل, في حين مارس الطرف الأخر سياسة أتسمت بالحقارة والوضاعة واستغل هذا الماضي للانقضاض عليه. واستخدم أسوأ الوسائل على الإطلاق ؛ إذ وظف الدين بوصفه وسيلة أسرع, وهذه الوسيلة كما قال فرج فودة ذات مقال, لا يلجأ إليها إلاّ ذوي السياسات الفاشلة " المسألة كلها باختصار, أنه عندما تفلس الأحزاب ويفلس السياسيون يلعبون على المشاعر الدينية لأنها المدخل السريع لمشاعر الناس وليس عقولهم وهذا الخلط بين الدين والسياسة هو الخطر" وهذا ما حصل حينها وما زال يحصل مع الأسف, ويبدو أنه عز أن تجد من يخاطب العقول, فصار الكل يزايد على مشاعر الناس الدينية لأنها أسرع وأنجع, وغاب عن هذه النخبة أن السياسة ليست إلاّ حقل كريم تكتسب شرفها من قيم تعتمد على الأقناع, وفي الممارسة السياسية يمكنك أن تستعين بوسائل القبح وأدوات تتسم بالخسة والنذالة والوقاحة والوضاعة وقد تحقق مرادك أو تنتصر في غفلة من الزمن, لكنك تظل في حكم التاريخ وضيع وحقير. والتاريخ لا يرحم.

كتب ماركس في مستهل كتابه الثامن عشر من برومير يقول " أن أحياناً وقائع التاريخ تتكرر, مرةً تكون بصورة مأساة وفي المرة الثانية بشكل ملهاة" وهذا فعلاً ما يحدث, ومن ينظر إلى أحداث هذا البلد يدرك صحة هذا الحكم, فلقد سبق خطاب الحرب 27 أبريل94م حوار أسفر عنه التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في 21فبراير94 في عمان وتحت إشراف إقليمي, كما سبقته توظيف الدين وفتاويه ضد الخصوم وترهيبهم, وعليه تم الانقضاض وتواصل خلالها عمليات تصفية الخصوم واستهدافهم, وإذا كنا حينها أمام مأساة بالتوصيف الماركسي للتاريخ, فإننا اليوم أمام ملهاة, حيث تجد نفس الوسائل تستخدم ونفس الأحداث تتكرر, إذ نجد أنفسنا أمام حوار وتحت رعاية إقليمية ودولية ولغة تكفير يمارسها رجال الدين تجاه الآخرين, والقاعدة المنطقية تقول إذا تشابهت المقدمات تشابهت النتائج بالضرورة. ومن لا يتعظ من التاريخ إما مخبول عقلياً أو ساذج في أحسن الأحوال.

وما نشهده اليوم يؤكد أن الساذج لا زال على سذاجته, لقد أخذ يقترب ويقلص الاختلافات مع خصومه ظاناً أنهم يتعاملون بالمثل, مع أن الوقائع تؤكد أنهم لا زالوا تحت وطأة التأمر يعمهون, وهو على سذاجته يمارس غواية التحول أو يجترح مأثرة تغير سلوكه وحيداً, إن أي تغيير مجتمعي يتطلب أن يكون تغييراً في كافة مفاصله حتى يكون تغييراً أصيلاً ومنطقياً, إن جدل المنطقي والتاريخي في المواقف والسلوك وحركة الأحداث ينبغي أن يعضدها منطق التلازم, خلاف ذلك يغدو الأمر عبث وسذاجة.

لا يعقل أن يقترب الساذج مثلاً ويتخلص من بعض أطارحه القديمة, بينما أولئك المتأمرون عليه لا زالوا يتمسكون بمواقفهم وسلوكياتهم السابقة. هذا يدل على أن الساذج لا زال على سذاجته, وعليه؛ فإن واقع الأمر يقول أن لا شيء يتغير ويقدم صورة كاريكاتيرية وشائهة لا مثيل لها أو يمكن القول أننا أمام صورة مجتمع سوريالي, باتت فيه السذاجة هي العنوان الأبرز فيه. هناك من يصر أن يظل ساذجاً وأخر يقدم نفسه متذاكياً.

عن: الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى