أخبار وتقارير

نص “الإسلام دين الدولة” أم “دين الشعب” يعيد مشائخ “الإصلاح” إلى خندق “التكفير”:

يمنات – الأولى

صاعدت حدّة ردود مشائخ الدين في سياق الخلاف حول نص يتعلق بهوية الدولة اليمنية القادمة، بعد دخول الشيخ الزنداني في الخط من الأزمة، وفرض خطاب استباقي، وأحيانا تحريضي، لمحاولة منع تمرير توصيات فريق بناء الدولة في مؤتمر الحوار الوطني، التي تمت إحالة تقريرها إلى لجنة التوفيق بعد حصوله على أغلبية أعضاء الفريق، ورفض حزبي الإصلاح والرشاد السلفي لمقتضياته.

وسادت حالة من الجدل في الأوساط السياسية، قاد معظمه ناشطون محسوبون على التيار الديني، وذلك بعد أن وضع مقترحان للتصويت عليهما من قبل فريق بناء الدولة، الأربعاء الماضي.

وبحسب الاستمارة التي رفعتها لجنة بناء الدولة إلى لجنة التوفيق، ينص المقترح الأول على أن تكون "الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع"، وحاز على 37 صوتاً، وبما نسبته 84.1%، وصوت لصالح هذا المقترح أغلب المكونات، كما صوت على المقترح الثاني "الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات" 7 أصوات فقط، وبما نسبته 15.9%، وصوت لهذا المقترح مكون الإصلاح والرشاد، ومن مكون المجتمع المدني كمال بامخرمة.

والمقترح الآخر هو أن يكون "الإسلام دين الدولة"، وصوت عليه 9 أعضاء، بما نسبته 20.5%، وصوت لهذا المقترح مكون الإصلاح والرشاد، ومن مكون الحراك أحمد السليماني، وكمال بامخرمة من منظمات المجتمع المدني، ومن مكون الرئيس خالد عبدالواحد، ومن مكون أنصار الله أحمد عقبات، وكان هناك مقترح ثانٍ تقول الاستمارة إنه تم سحبه، وينص على أن "الإسلام دين الشعب".

وعرضت الاستمارة مقترحا ثالثاً، هو "اليمن دولة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها، وهي دولة مدنية تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وسيادة القانون"، وصوت 35 عضوا وعضوة على ذلك، وبنسبة 79.5%، وصوت على المقترح أغلب المكونات.

ويقول المراقبون إن حزبي الإصلاح والرشاد ذوي التوجه الديني، خسرا معركة نتائج تصويت في قرارات الفريق، وهو ما اضطر الفريق إلى إعادة القرارات المقترحة إلى لجنة التوفيق للنظر في المقترحات، ومحاولة التوفيق بينهم، خاصة وأن نتائج التصويت رغم حصولها على أغلبية، لم تحصد نسبة 90%؛ النسبة المطروحة في لائحة مؤتمر الحوار لتمرير أي قرارات وتوصيات نابعة عن فرق المتحاورين.

وبحسب ذات اللائحة، من المتوقع أن تقوم لجنة التوفيق بالعمل على تقريب الرؤى، ومن ثم تحويلها مرة أخرى للفريق لإعادة التصويت عليها، وقد يتم تمريرها إذا حصدت النتيجة السابقة، وهو ما يتخوف منه الإسلاميون والسلفيون.

وأمس؛ ظهر مجدداً رجل الدين المتشدد المثير للجدل عبدالمجيد الزنداني رئيس مجلس شورى حزب الإصلاح، في بلاغ له وصفه بالعاجل، وقال: إن مقترحي فريق بناء الدولة "مؤامرات ضد الدين وضد الشعوب وضد حكامها الصادقين، لأنهم يريدون أن يفرضوا علينا حكاما عملاء يرتاحون لهم"، حسب قوله.

وقال الزنداني إن بلاغه هذا "سببه حدث عاجل ومفاجئ دفعني إليه بيان صادر من أحد العلماء الأجلاء من الذين شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني، ليس باسم العلماء، لأن العلماء غير معترف بهم في مؤتمر الحوار كمكون من المكونات، حيث أقصوا العلماء والمشائخ والضباط الأحرار الذين وقفوا مع الثورة، وأقصوا غيرهم، لأن الانتقاء كان بشروط مخصوصة عند الذين تبنوا فكرة المؤتمر، والذين أشرفوا على تحديد أسماء الأعضاء، وكلهم لا شك أنهم لم يرجعوا في ذلك إلى الشعب اليمني"، حسب قوله.

وأضاف الزنداني: "هذا الأمر أزعجني، وأزعج الكثير من العلماء، وسيزعجكم، ولكن يجب أن نعرف الأمور على حقائقها، ويجب أن نعرفها في وقتها قبل أن تستفحل. والبيان الذي صدر من الشيخ الجليل كامل بامخرمة، يقول فيه: هناك مؤامرة على دين الإسلام وعلى شريعة الإسلام، وعلى الدولة اليمنية. وأصدر في بيانه تفصيل ذلك يتكلم فيه على أن الأمور قد طبخت ورتبت ودرست ووزعت الأدوار، لماذا؟ لإلغاء مادة في الدستور تنص على دين الدولة في اليمن".

وطالب الزنداني بالإبقاء على الدستور الحالي: "معروف أن الدستور القائم قد جاء نتيجة حوار ومدارسات ومشاورات ولقاءات، ثم استفتاء على ذلك، وهو الدستور الشرعي الذي يحكم بلادنا اليوم، وليس هناك وثيقة شرعية غير هذا الدستور الآن، والذي أقره الشعب اليمني".

وحول الجدل الدائر بشأن "دين الشعب" ودين الدولة"، قال الزنداني إن "دين الشعب" هو "احتيال على الناس". وأضاف: "أن يأتي يهودي من المواطنين يختاره الشعب ويحكمنا، ويمكن أن تأتي امرأة لتحكم".

واعتبر رجل الدين المتشدد الأمر "إقصاء للدين ومنعاً للدولة اليمنية من أن يكون لها دين، وهو دين الإسلام. إن هذه المادة ليست فقط في دستورنا، بل هي في دساتير كثير من الدول العربية والإسلامية، يريدون إلغاءها وتبديلها بهذا النص "الإسلام دين الشعب اليمني"..".

وبشأن مقترح "الإسلام المصدر الرئيس للتشريع"، أشار الزنداني إلى مسألة الخلاف حول هذه المادة (وهي مادة كانت مدرجة ضمن دستور دولة الوحدة قبل أن يتم تعديلها بعد حرب 94 على الجنوب)، حيث قال: "لا يريدون أن يكون الحكم لله خالصا له، بل يريدون له شريكاً في ذلك، هم يريدون الآن أن يجعلوا لله شركاء في الحكم، ومصادر أخرى تحكمنا. نريد أن نقول ونبين ماذا يعني ذلك؟ إن الله هو الذي خلقنا وهو الذي يملكنا، ولأنه المالك فوحده صاحب الحق بأن يتصرف فينا، وأن يحكم بنا بشرعه وبما يشاء من"، حسب قوله.

واعتبر الزنداني أن المقترح "موجود في كثير من البلاد العربية تحت تأثير ووطأة الاستعمار". وتوعد بعقاب الله: "إن الذين يرفضون ويعرضون ويأبون أن يحتكموا لشرع، اعلموا أيها الناس أني قد أردت أن أنزل فيهم العقاب، ووالله سينزل الله العقاب، وسينزل الله فيهم عقابه لأنهم يريدون أن يخضعونا للطاغوت، والطاغوت هو كل حكم يخالف شرع الله، سواء كان قانونا قبليا أو كان قانونا دوليا".

وتطرق الزنداني لما يجري في مصر، ودعا إلى الاعتبار: "اعتبروا مما يدور في مصر لأنها مؤامرات ضد الدين وضد الشعوب وضد حكامها الصادقين، لأنهم يريدون أن يفرضوا علينا حكاما عملاء يرتاحون لهم، وقد قال حسني مبارك "اللي ما يخفش من أمريكا ما يخفش من ربنا"، وقال المسؤولون الإسرائيليون عن حسني مبارك "إنه كنز إسرائيل الاستراتيجي"، فلما ثار عليه الشعب المصري وأطاح به، جن جنون إسرائيل، فتآمروا على الثورة المصرية وعلى قادتها".

كما دعا إلى النظر في ما يقدمه الشعب المصري: "ماذا يقدم الشعب المصري اليوم، انظروا إلى مظاهراته واعتصاماته والشهداء في الميادين، ونحن يسعنا الآن أن نعلن كلمة ونقول لا، وأن نعبر عن ذلك في كل صور التعبير، في مهرجانات، في اجتماعات، في وقفات، في برقيات، في اتصالات تليفونية".

واختتم الزنداني بلاغه: "نقول للذين يسلكون هذا الطريق، ويسيرون في هذا الطريق، نحن نرفض هذا ونأباه، ولن نقبله، ولن يقبله شعبنا اليمني أبدا. ليعلم كل متآمر يتآمر على ديننا وعلى شريعتنا وبلادنا، أن الله سيعاقبه، وأن الشعب اليمني سيتصدى له، وسينتصر لدينه".

من جانبها، انتقدت عضوة مؤتمر الحوار الوطني أمل باشا، اعتراض حزبي الإصلاح والرشاد على نتائج التصويت في المقترحات السابقة، وقالت الباشا: "الإخوة الزملاء ممثلو حزب التجمع اليمني للإصلاح وحزب الرشاد السلفي يوافقون قبل أمس على مبدأ دستوري ينص على التزام الدولة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها الدولة، وهي كما يعرف الجميع تعتبر مصدراً آخر من مصادر التشريع".

وأضافت الباشا في صفحتها على "فيسبوك"، أنهم "يعترضون على مقترح لمبدأ دستوري ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ويصوتون على مقترح نص دستوري: الشريعة مصدر جميع التشريعات، بحجة أن النص الأول يجوز للدولة اللجوء لمصادر فرعية أخرى للتشريع، إلى جانب الشريعة الإسلامية، وهذا شرك بالله كما عبر عنه الزميل كمال بامخرمة، الشيخ السلفي ممثل جمعية الإحسان في فريق بناء الدولة، في ندائه العاجل نشره مساء البارحة، والذي اعتذر لنا عنه مساء اليوم في اجتماع فريق بناء الدولة".

وتساءلت أمل الباشا: "هل ترون أن في موقف الحزبين تناقضاً في مسألة قبول مبدأ ورفض مبدأ آخر يتسق مع مبدأ قبلوا به، أم أن الصوم يلعب دوراً سلبيا في تعطيل القدرة على الاستيعاب".

وكان محمد بن موسى العامري، رئيس حزب الرشاد السلفي، قال في صفحته الرسمية على "فيسبوك"، الخميس، إن هذا: "الاستدراج إلى هذا الفخ الذي سيؤدي إلى خلق الاضطرابات والفوضى في أوساط المجتمع، وهو ما تسعى إليه بعض القوى التي لا تريد لليمن أن ينعم بالأمن والاستقرار"، حد قوله.

وبعث العامري بعدة رسائل لمن سماهم "كل من له علاقة بأعضاء في لجنة التوفيق لتذكيرهم بالله وبمسؤوليتهم أمام الله سبحانه تعالى، وستجدون بعضهم لديهم وعي وإدراك بالمسؤولية".

كما وجه رسائل أخرى، إلى "علماء اليمن، إلى رئيس الجمهورية وهيئة رئاسة المؤتمر ولجنة التوفيق"، ودعا "جميع الخطباء غداً إلى أن تكون خطبة الجمعة حول أهمية الشريعة الإسلامية وعدم فتح أي مجال للقوانين التي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، مع التذكير على ضرورة أن تكون الخطبة راقية وبعيدة عن التهكمات أو الشطح في العبارات، ولكن بالتي هي أحسن، وما كان الرفق في شيء إلا زانه"، حسب قوله.

وذكّر العامري "أعضاء المؤتمر الشعبي العام بالميثاق الوطني الذي يعد من أهم برامج المؤتمر وضرورة التزامهم بمضامينه الإيجابية، والتي من أبرزها مضمون الشريعة الإسلامية وضرورة التحاكم إليها دون ما سواها، وستجدون الكثير من أعضاء المؤتمر الشعبي على خير وإحساس بالمسؤولية"، حد تعبيره.

وقال العامري إنه فوجئ بالناصري والاشتراكي "في التصويت (وهم) يغيرون موقفهم هذا! وأعتقد أن فيهم بعض العقلاء لو تواصل الناس معهم لغيروا رأيهم، فالوقت لا يسمح بالمناكفات السياسية والمزايدات الحزبية على حساب هوية الأمة وشريعتها الإسلامية".

وفي إطار التحريض على أعضاء مؤتمر الحوار، وبعد يوم من فتوى لأحد رجال الدين المحسوبين على منظمات المجتمع المدني والمشاركين بالحوار، نشر الزنداني (الابن) في صفحته على "فيسبوك"، أمس، أسماء كل المصوتين لصالح مقترح أن يكون "الإسلام المصدر الرئيس لجميع التشريعات"، وهم 37، وقال إنهم "رافضون لأن تكون الشريعة الإسلامية مصدر كل التشريعات".

زر الذهاب إلى الأعلى