فضاء حر

لا شرعية لرئيس

يمنات

كثر الحديث عن رئيس شرعي او غير شرعي , مع ان " الشرعية " ليست صفة من صفات الوظيفة او من صفات الشخصيّة , فلاوجود لموظف شرعي وموظف غير شرعي , وما يوجد هو اما موظف او غير موظف , ولا وجود لشخص شرعي وشخص غير شرعي وما يوجد هو اما شخص او ليس بشخص , والقول بغير ذلك يترتب عليه عبثيّة كل الشرائع والدساتير والقوانين والانظمة ونحوه مما يحكم علاقات الشخصيات ببعضها في المجتمعات .

" الشرعية " صفة من صفات التصرفات التي تقوم بها الشخصيات بصفاتها المعنوية او الاعتبارية , فأما ان يكون تصرفها شرعي او غير شرعي .

تحتاج اي شخصية معنوية او اعتبارية في اي مجتمع الى " الشرعية " لكل تصرف تقوم به حتى يكون تصرفها نافذا على المتصرّف فيه او له او عنه , و " الشرعية " هي صفة تتسم بها التصرفات اذا توفّر لها عاملين , الاول هو " السّيادة " والثاني هو " التأهيل " .

" السّيادة " هي حق الشخصية في التصرف لتحقيق المصلحة التي تقع عليها مسئولية تحقيقها . و " التأهيل " هو ان تحقق التصرفات التي تتم بموجب " السّيادة " تلك المصلحة .

" السّيادة " و " التأهيل " عاملان يجب ان يتوفّرا معا لأي تصرف كان حتى يكون تصرفا " شرعيا " ولا يمكن ابطاله , كما انهما عاملان متلازمان , فيفقد التصرف صفة " الشرعية " بفقد كليهما او بفقد واحد منهما , فعندما يكون التصرف صادرا من غير من له حق القيام به ويكون تصرفا خاطئا فهو تصرف غير شرعي لفقده " السّيادة " و " التأهيل " معا , وعندما يكون التصرف صادرا من غير من له حق القيام به فهو تصرف غير شرعي حتى لو كان تصرفا صحيحا لفقده " للسّيادة " , و كذلك عندما يكون التصرف خاطئا فهو تصرف غير شرعي ولو كان صادرا من صاحب الحق في التصرف لفقده " التأهيل " .

الدولة هي شخصية اعتبارية من شخصيات المجتمع , وهي مفترضة " السّيادة " , اي مفترضة الحق في التصرف بما يحقق المصلحة العامة لشخصيات المعنوية والاعتبارية التي تشكّل المجتمع باعتبار انها من مسئوليتها . وتنافس باقي الشخصيات المعنوية والاعتبارية على ان تكون هي من يمارس حق التصرف باسم الدولة استنادا على " سيادتها " المفترضة .

يتكون كيان الدولة من ثلاثة مكونات , هي المكون الانساني وهو الذي يقوم بالتصرف , ومكوّن الوسائل وهو المتصرف فيه , والمكون الحاكم وهو المتصرف وفّقه . وعادة ما يكون التنافس بين شخصيات المجتمع للتواجد في المكون الانساني للدولة, ويكون التنافس اكثر حدة على المواقع العليا فيه . وتلتزم العديد من الدول للحسم في هذا التنافس آلية " الديمقراطية " , وهي الآلية الممكنة لقياس اي شخصية من الشخصيات المتنافسة هي التي تحظى بالعدد الاعلى من رغبات الشخصيات في المجتمع ليتم" تمكينها " من الموقع المتنافس عليه و" تفويضها " بالتصرف باسم الدولة .

تعبّر الشخصيات في المجتمع الديمقراطي عن رغبتها عن طريق صوتها في صندوق الانتخاب , وتكوينها لتلك الرغبات يكون بناء على توقّعها بان الشخصية التي ستمنحها صوتها هي الشخصية الاكثر احتمالا ان تجسد مسئولية الدولة في تحقيق الصالح العام , اي ستتصرف " التصرفات الشرعية " .

ما يقوم به الصندوق هو " اختيار " وما يمنحه " الاختيار " هو " تفويض " بممارسة حق الدولة في التصرف "سيادتها " , وهذا هو العامل الاول المطلوب " لشرعية " اي تصرف يقوم به " المفوّض " باسم الدولة . وتجسيد مسئولية الدولة بتصرّف " المفوّض " بما يحقق المصلحة العامة يجعل من تصرفه تصرف " مؤهل " , وهو العامل الثاني المطلوب " لشرعية " تصرّفات " المفوض " .

يقاس للعامل الاول " السيادة " عن طريق الصندوق , ويأتي " التفويض " بممارستها بالحصول على غالبية الرغبات " الاصوات " للشخصيات المختارة . والاخذ بالغالبية في " التفويض " يقوم على ان لحظة الاختيار " الاقتراع " هي لحضه توقّع بان من سيتم " اختياره " و " تفويضه " هو الاقدر على تجسيد مسئولية الدولة من خلال الالتزام " بتصرفات شرعية " . ويقاس العامل الثاني " التأهيل " بانسجام التصرفات التي يقوم بها " المفوض " مع الدساتير و القوانين والانظمة ( المكون الثالث للدولة المتصرف وفقه ) .

لا يوجد شيء اسمه رئيس شرعي و رئيس غير شرعي , وانما هناك رئيس منتخب او رئيس غير منتخب . والرئيس المنتخب لا يتصرف بشخصيته المعنوية وانما بشخصيته الاعتبارية اي يتصرف باسم الدولة , والدولة ليست معنية ( مسئولة ) بتحقيق مصلحة رئيسها او بمصلحة شخصيات معنوية او اعتبارية محدده في مجتمعها , ولا حتى بمصلحة الغالبية التي تم " التفويض " بناء على رغباتها , وانما هي معنية بتحقيق المصلحة العامة للمجتمع بكامله .

" التفويض " الذي يحصل عليه رئيس الدولة بالتصرف هو بمثابة التزام منه بان تأتي تصرفاته " شرعية " متوافقة مع التوقّع الذي بناء عليه تم " اختياره " ومن ثم " تفويضه " , ومالم تكن تصرفاته كذلك فان رئيس الدولة يفقد ذلك " التفويض " , ويجوز ابطال تصرفاته بلجوء من تضرر منها الى القضاء .

و قد يلحق تصرف رئيس الدولة الضرر بشريحة واسعة من المجتمع , وتقرّر ان تحتشد لإعلان تضررها ورغبتها في " إبطال " التصرف او في " سحب " التفويض " تبعا لطبيعة التصرف وحجم الضرر الذي الحقه بها , و المطالبة بذلك هو حق لها لا يوجد ما يمنع منه . وسواء كانت تلك الشريحة الواسعة هي ممن منحه التفويض ام لا , لكونه ريس للدولة ومعني بتحقيق المصلحة العامة لا مصلحة من اختاروه وحسب , وسواء كانت هي الغالبة في المجتمع ام لا , فاختياره يتم بالغالبية لأنه قائم على توقّع بينما المطالبة بإبطال التصرف او بسحب " التفويض " يكون بناء على وقوّع ضرر , ويكفي فيه ان تحتشد للمطالبة بذلك شريحة واسعة من المجتمع .

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى