فضاء حر

طوفان الاقصى حدث غير مسبوق ودروسه غير مسبوقة

يمنات

عبد الوهاب الشرفي*

امام عملية طوفان الاقصى والرد الصهيوني عليها لا مجال للمنابزات والمكايدات والاتهامات المتبادلة. وليس لنا امامها الا التقييم والخروج بالنتائج والمضي في المعالجات وتوجيه كلما هو متاح في وجه الصهاينة من الكيان وداعميه.

حقيقة لم يمر الصراع الانساني الصهيوني في فلسطين بحدث في حجم عملية طوفان الاقصى. فهي عملية نوعية غير مسبوقة بمعنى كلمة غير مسبوقة، وهذا التوصيف لايحتاج نقاش لاظهاره فيكفي الحالة العالمية التي قامت في اثر هذه العملية والتي بالفعل وضعت العالم لاول مرة امام احتمال جدي لانفجار كبير يعصف بالمنطقة ومن ثم بكل العالم.

رد فعل الكيان الصهيوني على هذه العملية كان ردا بذات خامته الصهيونية العدوة للانسان الاخر والمجردة من القانون والقيم والاخلاق وهذا هو امر متصور كرد فعل من صهاينة ولا غرابة فيه وليس مفاجئ. وما متصور منه امام عملية سبق انها نوعية غير مسبوقة غير ماصدر منه، وهذه هي حقيقة ايضا.

ردود الفعل تجاه الحرب الصهيونية التي اقدم عليها الكيان من جانب الدول الغربية التي تتحكم بها الصهيونية من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا و المانيا لا غرابة فيها ايضا، فقرار هذه الدول متحكم فيه صهيونيا والمواقف تجاه ماتعرض له كيانهم من ضربة غير مسبوقة هو الآخر موقف صهيوني وفقا لمعايير هذا الوعاء اللاإنساني الذي لايحكم علاقاته من الانسان الاخر لاقانون ولا قيم ولا اخلاق. وهذه حقيقة ثالثة.

الحقيقة الرابعة التي يجب ان نعترف بها هي ان مواقفنا نحن اصحاب الحق والمقصود هنا هو الانسان الاخر غير الصهيوني وفي مقدمتنا العرب والمسلمين لم يكن في مستوى الجرائم المقترفة بالايدي الصهيونية وبدونا كمخذولين فاقدي الحيلة وجميعنا دون استثناء ولهذا قلت لا مجال للمنابزات والمكايدات والاتهامات فجميعنا خذلنا ولنا نصيب من خطاء الموقف.

في ضوء الحقائق السابقة يلزم ان نقيم ماحدث بصدق. وكان تصريح وزير مالية الكيان الصهيوني بانهم فشلوا والجميع في كيانه يلزمه ان يطاطئ هامته هو ناتج عن تقييم صادق لما وقع على الكيان الذي ضربته طوفان الاقصى وهو معتقد ان أمن ومسيطر. وهذا التقييم الصادق نحن احوج مانكون اليه.

بقدر الالم والوجع والغصة التي نكابدها امام ما فعله الكيان الصهيوني الغاصب بمدنيينا بقدر ما سنكون كسبنا اذا صدقنا في تقييم أنفسنا كغير صهاينة وتحديدا منا العرب والمسلمين وخرجنا من هذه المحنة بالدروس التي وفرتها لنا هذه المحنة التي قلت انها غير مسبوقة وبالتالي فدروسها كذلك غير مسبوقة.

عملية طوفان الاقصى عملية هائلة قراء الكيان في ذهوله منها انها ضربة وجودية بالنسبة له ورتب رد فعله من هذا المنطلق، هذه المرة ليس بصدد الرد على عملية جلعاد شاليط او عملية قنص صهيوني على اطراف مستوطنته وإنما بصدد الرد على حالة هي راسخة في مخيلته انها ستكون نهاية كيانه بزحف من اهل الأرض المغتصبة يقتحم عليه كيانه ويتخطف شذاذ الآفاق الذين كدسهم في كيانه ويسحبهم ولا مانع لهم. كان بصدد الرد على بروفة تحرير كل اراضينا المغتصبة.

.. هكذا رأى الصهيوني طوفان الاقصى وتوجه لترتيب ردود افعاله في ضوء ذلك باستدعاء كل صهاينة العالم من الولايات المتحدة وحتى رومانيا. وليمنحنا رد فعله هذا اول الدروس ان تحرير أرضنا المغتصبة هو عمل كبير بحجم تقويض النظام العالمي، النظام العالمي هو الذي صنع هذا الكيان في أرضنا وهو الذي شرعه وهو الذي يحميه واي تهديد وجودي له اول ما يواجهنا فيه هو النظام العالمي لهذا لن تكون معركة تحرير ارضنا من هذا الكيان الا معركة كبيرة بحجم حرب عالمية تقوض النظام الدولي وتعيد صياغة العالم من جديد وفقا لأبجديات الحق والقانون التي غيبها وزورها النظام العالمي المرتهن صهيونيا. وهذا الدرس له مترتباته عند ترتيل صفوفنا ومواقفنا وادوارنا.

.. حرك صهاينة العالم حاملات طائراتهم وبوارجهم وقطعهم البحرية وسارعوا لتقديم كل أشكال الدعم اللوجستي للكيان الغاصب من الالف الى الياء، وأعلنوا بوضوح ان حاملات طائراتهم وبوارجهم ستتموقع شرق المتوسط لضمان عدم تدخل اي طرف وليستفرد الكيان الصهيوني بحماس والحقيقة هي ان يستفرد بمدنيي غزة، وهذا هو ثاني دروس طوفان الاقصى؛ ان هذا الكيان اقيم في منطقتنا وليس له في منطقتنا من نصير ولا احد يركن عليه ان يتعامل على ان لهذا الكيان حق بمن فيهم من طبعوا معه، وان كل من سيدعمه عندما يهدد وجوديا هم من خارج المنطقة وغير اصحاب المنطقة. ولهذا الدرس مترتباته كذلك اننا حتى في حال الخذلان الذي نراوحه لازلنا قوة تمثل تهديدا للكيان ككيان غريب لا يربطه بمنطقتنا اي رابط من اي نوع، وانه كيان هزيل وهش لانه يعتمد في وجوده على غير اصحاب المنطقة وغير هويتها وغير لغتها وغير ثقافتها وغير ديمغرافيتها ولا يمكن ان ينصره ناصر من غير اصحاب المنطقة لو اصلحوا حالهم لان القادم لنصرته من خارجها هو الآخر صيد سهل طالما انه ليس في وكره وعقر داره وفقط لا نحتاج لاجتثاثه ومن ينصره الا ان نصلح حالنا ونحدد مواقفنا ونتصرف كأصحاب منطقتنا.

.. عاد رجال طوفان الاقصى بانتصار تاريخي وبضربة في أم رأس الكيان وصهاينة العالم لم تفعل من قبل، وفي عملية بات ثابتا انه خطط لها بشكل جيد ونفذ المخطط بشكل اجود، وتبعها مجازر رهيبة بحق المدنيين وحصار غير مسبوق ولا انساني وابرز الكيان كل وساخة ودنائة ولا انسانية الصهيونية وهو ما يجعل انتصارنا العسكري مصحوب بخسارة انسانية، وهذا هو الدرس الثالث الذي منحتنا اياه طوفان الاقصى فالكيان الغاصب مادته كل قذارات البشرية التي احتوت خلاصتها الصهيونية وتوجيه اي ضربة له معلوم ان رده سيكون بقدر وساخة مادته والتجارب معه انه يستهدف المدنيين ليشفي غليله عن قصد وعمد لانه يعرف ان ذلك هو ما يوجعنا. وهذا الدرس له مترتباته كذلك بان لا نتصرف كحالة استعراض قوة متجردة من اي ترتيبات لمواجهة المضاعفات و ان تكون خططنا واسعة لا تقف عند انجاح الضربة وانما عند منع او فرض ايقاف ردود فعل الكيان الصهيونية التي تستهدف المدنيين. ويجب ان نصلح مفهوم الجهوزية ليشمل جبهتنا الداخلية وليس فقط قدرتنا على تنفيذ ضربة، والمسألة هي مسألة وقت ومزيد من الاعداد.

.. صب البعض غضبه على حركات المقاومة وانها لم تقم بماهو متصور منهم وصب البعض غضبه على الجماعات الجهادية وان حماس هي احدها ولم تقم بماهو متصور منها وصب البعض غضبه على الحكومات الرسمية وانها تمتلك جيوش ولم تقم بما هو متصور منها ليس تجاه حماس وانما تجاه المجازر التي طالت المدنيين، والحقيقة ان الجميع بدى فاقد الحيلة وغير قادر على التصرف كما يفترض به تجاه مجازر الكيان بحق المدنيين في غزة وهذا هو اهم درس من دروس طوفان الاقصى، وهي ان المعادلة السياسية القائمة كحكومات ومقاومة وجماعات جهادية هي اتعس معادلة سياسية بلينا بها ومنذ بداية سلب الصهاينة لارضنا فهذه المعادلة هي التي تسببت بشرخنا وباضاعة طاقاتنا واهدار طاقاتنا، والسبب في ذلك واضح او ابدته لنا طوفان الاقصى كالشمس في رابعة النهار فمحاربة هذا الكيان ومع استحضار الدروس السابقة هي عملية تحتاج جهود الجميع ومعني بها الجميع ومسئول عنها الجميع، وان هذه المعادلة التعيسة يجب ان تنتهي وان يصلح حالنا بانصهار الجميع في وعاء واحد هو وعاء الكيانات الرسمية وان نترتب كقوى فاعلة داخل دولة وهو امر يتطلب ان يستلهم الدرس الجميع فالدول لدينا مختطفة ولا تمتلك القرار المؤسسي المحكوم بالنظام والقانون وهو امر يتعلق بجانب الحكومات التي يجب ان تنحكم وتحكم بالنظام والقانون وان تستوعب الجميع وينتهي اثر التفرد بالقرار شخصيا من افراد او ذاتيا من جماعات سياسية بعينها والمقاومة والجماعات الجهادية تقوم كحالات سياسية ندة للكيان الدولة وترتبط بروابط عابرة للحدود ما يضعف الحكومات الرسمية ويخلق حالة من الصراع وصولا للتقاتل حول القرار والتصرف في الشأن العام ويجب ان ترتب هذه الكيانات وضعها لتنتهي ككيانات ندية للحكومات الرسمية. وكما قلت هو اصلاح حال يلزم الجميع الحكومات تحتاج ترتيب احوالها لاستيعاب المقاومات والجماعات كشريكة حقيقية في القرار وفي الحكم وفقا للنظام والقانون وتعدل اي قوانين تحول دون ذلك والمقاومات والجماعات تحتاج ان ترتب اوضاعها لتنصهر في بنية الدولة مثلها مثل غيرها وليقوم لدينا وعاء سياسي واحد الموقف وواحد القوة وواحد الموقف وعميق الثقة فيما بين مكوناتنا السياسية.

.. ماسبق هو أهم الدروس مما انقضى من حدث طوفان الاقصى والذي لازال مستمرا ولم ينتهي كحدث ودروسه ما قد استبان منها وما سيستبين فيما تبقى من الحدث يحتاج لأحاديث طويلة وتفصيلية ورغم طول هذا المقال إلا أنه حقيقة ليس الا رؤس اقلام لعمق الدروس التي منحتنا اياها طوفان الاقصى واهميتها وتشعبها، وطوفان الأقصى لازالت كحدث مستمرة وما يلزم والملح حاليا هو توحد الجهود لمواجهة الكيان والاستنفار للدفاع عن المدنيين والجهد المثمر هو اولا للشعوب التي يجب ان تستنفر بالمواقف وصور التعبير عن السخط والرفض المختلفة وبناطق واسع ودون توقف وحتى يوقفوا الصهاينة عن جرائمهم وفضائعهم. فمن المؤسف ان من بين من خرجوا في الضفة الغربية توجهوا لمحاولة مهاجمة مقر الرئيس الفلسطيني أبو مازن و التنديد به وتحميله المسئولية – وهو من ضمن المسئولين – وكان ابو مازن يمتلك بوارج وجيش وممتنع عن ان يحركها، وذات الشيء ارتفاع اصوات مكايدة للمقاومة واصوات مكايدة بالجماعات الجهادية واصوات مكايدة للحكومات وكان المراد هو خلق محنه او محن اخرى الى جنب محنة غزة. والامور اصبحت مستبينة الحرب مع الكيان حرب كبيرة ولسنا جاهزين لها ويلزم ان تتوحد مواقفنا وقوتنا و كياناتنا حتى نجهز لها وليس بيد احد حاليا ان يفعل شيئ ولم يفعله. والخطأ لدى الجميع والجميع صادق والجميع يتلوى غيضا ولكن هذا واقع يجب التعامل معه بطريق واحد هو أن يوجه الجميع كل ماهو ممكن له من صور المناهضة والمواجهة باتجاه الكيان الغاصب وصهاينته وحسب وحسب.

*رئيس مركز الرصد الديمقراطي – اليمن

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى