فضاء حر

النخبة اليسارية .. تغليف الهزيمة بالرشد السياسي

يمنات

النخبة السياسية اليمنية – اليسارية والليبرالية  تحديدا- يبدو واضحا انها تعاني منذ حرب 94م من هزيمة  داخلية  تعصف بالأنا الجمعي  والذهنية الفردية  لهذه النخبة  هذه الهزيمة تراكمت تدريجيا  بفعل مخرجات  الحرب  واغتيال المشروع المدني  لدوله الوحدة واستئثار القوى التقليدية  على السلطة والثروة وادوات ادارة الدولة والمجتمع  بالإضافة الى انحسار فكر ومحددات قيم اليسار السياسي على المستويين اللاقليمي والدولي الذي مكن القوي التقليدية في الداخل  من اقصاء هذه النخبة من معترك الحياه السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية والثقافية  وتجريدها من كافة ادواتها المشروعة ليصبح حال وواقع هذه النخبة في معترك الحياه الوطنية اشبه بحي صفيح سياسي يعاني سكانه قسوة الحياة وظلم مرارتها وانحصر نشاطهم في العمل على توفير المتطلبات المعيشية الاساسية اللازمة لحيات اسرهم  من اكل وشرب وملبس ومسكن حتى ان الكثير منهم لم يسد كل تلك الاحتياجات لأسرته علي النحو الكافي..

هذا الوضع المأساوي الذي مرت به النخبة وتعثر افرادها في توفير متطلبات الحياة الكريمة لأسرهم  اضافة الى تعرضهم للمطاردة السياسية  والقمع الفكري  وتفخيخ علاقاتهم المجتمعية افرز هزيمة داخل هذه النخبة وصلت في  اقصى ذرواتها الى حالة الاحباط  واليأس  والتعطيل الكامل لخواطر ومعطيات اي امل جديد للتغيير في هذا البلد الذي يشنق مناضليه فوق مقصلة  رغيف الخبز.. 

وبعد اندلاع الثورة الشعبية الأخيرة ضد نظام صالح  انبثق امل جديد  عند هذه النخبة بعث فيها حيوية من نوع ما لتخرج بكل ما تبقي لها من محددات شعبية  الى هذه الثورة..

لكن الارهاصات الكبيرة التي تعرضت لها الثورة من قبل القوي المناهضة لها محليا واقليميا والتي اسفرت عن اختزال الثورة في الفعل السياسي  كشفت  للمتابع  ان هذه النخبة محل الحديث لازالت ترزح تحت وطأة الذهنية الانهزامية التي اشرنا اليها  رغم الحيوية التي خلقتها الثورة في الوعي الشعبي والذهنية الجمعية ورغم ان افراد هذه النخبة لا يعترفون بذلك بعضهم كمكابرة والبعض الاخر عن يقين  وهؤلاء الاخيرين  الذين لا يعترفوا بالهزيمة الداخلية من منطلق يقينهم  هم الفئة المقلة في نصيبها من الوعي السياسي  وقيم الفكر اليساري  والذين تراكمت الهزيمة في لا وعيهم ..

وتراكم الهزيمة في لاوعي الانسان هو الاخطر ..  لكنه وفي كل الاحوال  فقد تجلت تلك الهزيمة في المواقف السياسية التي اتخذها افراد تلك النخبة فوق الأرضية التي اوجدتهم فيها الثورة الشبابية..

فكان الواضح انهم اجتروا معهم الي المشهد الجديد  ذهنياتهم  المحبطة وتقديراتهم المنخورة باليأس والتي على ضوئها كانت تقديراتهم ان علي عبدالله وعصابته المتحالفة مع القوه والمال  منظومه يصعب القضاء عليها وفق معطيات المشهد الثوري  لذلك جنحوا  الي  عملية سياسية  بروح  وذهنية  متيقنة من ان  الطرف الاخر لازال هو الاقوى  والاقدر علي تغيير محددات المعادلة الثورية وهذا بدوره ادى الى قتل  حيوية الفعل الثوري من داخله..

 كما ان تغول شبح علي صالح  وتفوقه في ذهنيتهم جعلهم يندفعوا بالترحيب بانشقاق  الجنرال محسن  وتسليمه مقاليد الثورة ليستقووا به ضد الطرف الاخر، أكثر من استقوائهم بالعملية الثورية وطاقاتها الشبابية مغفلين ومتغافلين معا ان تلك العملية والطاقات الثورية هي التي اعادتهم كلاعبين اقوياء الى ساحة العمل الوطني والسياسي.

وفي الاخير افضت هذه الذهنية المحبطة والمهزومة التي يصورها خطاب هذه النخبة  على انها   رشد سياسي  وحكمة واقعية الى خروج رأس النظام السابق  من قصر الرئاسة  وليس من المشهد السياسي  بامتيازات مالية وحصانة قانونية له ولكل من عمل معه..

ولم تقف افرازات هذه الروح  المنهزمة عند هذا الحد فقط، بل انها استمرت  حاضرة في ذهنية نخبه اليسار السياسي  في المشاهد التالية للعملية السياسية..

حيث  حضرت القوى التقليدية ( دين – قبائل – عسكر ) وبتوصيف ادق – الاصلاح – محسن – اولاد الاحمر .. لتشغل الفراغ  الذي تركه صالح في ذهنية هذه النخبة المنهزمة  حيث انتجت هذه الذهنية المهزومة في وعيها ولا وعيها  هذه القوى على انها الاقوى والاصعب تجاوزها لاسيما وانها علاوة على مكناتها ووفق تقديرهم تمتلك الشارع الثوري  وبالتالي كررت نخبة اليسار السياسي نفس المشهد الانهزامي امام هذه القوى التي تمكنت  في الاخير ان تصبح  هي المتحكمة في اداره معظم شئون البلاد والعملية السياسية. وللأسف الشديد بنفس الادوات القديمة  ومنهجية صالح نفسها القائمة علي  الاقصاء والقتل  والفساد  والتدمير والاستعداء وهذه المرة باطار ديني مرجعي اشد ايغالا في نسف وتفكيك الهوية الوطنية..

ورغم هذا كله لازالت  نخبة اليسار السياسي ورغم ادراكها لهول المشهد  ماضية في سياق افرازات ذهنيتها الانهزامية والشعور بالضعف امام القوى المتوغلة القديمة – الجديدة، وانه وفق  تقديراتها المتمخصة عن رشد سياسي  ورؤى واقعية  حسب قناعتها لا توجد اي خيارات متاحة في العمل السياسي  لإخراج البلد من هذه المعمعة، سوى التعامل والتعاون مع هذه القوي المتوحشة  كخيار حتمي ووحيد..

إن الرشد السياسي الملعون الذي تتحلى به  نخبة اليسار السياسي  قد فوت على طلائع القوى الشبابية اثمن فرصة  لبناء الدولة المدنية في التاريخ الحديث، كما افقد اليسار ذاته اثمن فرصة  كانت ستمكنه من الالتحام من جديد   بالأطر الوطنية والمجتمعية كخيار حداثي يمثل امال وتطلعات الناس..

والادهى  والامر من ذلك وهو مانخاف منه أن هذه النخبة الرشيدة قد بدأت تورث وتفرز انزيمات  الهزيمة الي الجيل القادم..

نحن الذين لازلنا نتمسك بخيارات الحداثة السياسية والقيم اليسارية  فكريا ومعرفيا، خاصة ونحن نقرا ما آلت اليه الامور اليوم  حيث نجد وفقا لمعطيات العملية السياسية القائمة..

ان نخبة الاسلام السياسي بل وحتي العسكر والقبائل والجهاديين والمكفرين والقتلة والمفسدين كل منهم على حدة قد ساهم في صياغه المشهد السياسي وتحديد مدخلاته المستقبلية  اكثر مما ساهمت في ذلك نخبة اليسار السياسي اليمني..

لعنتي على الرشد السياسي والحكمة اليمانية ان كانت ستورث  الهزيمة الداخلية والاحباط النفسي في ذهنيه الاجيال القادمة..

السبت 20-7-2013م

زر الذهاب إلى الأعلى