فضاء حر

انتظار مخرجات الحوار الوطني .. استرخاء شعبي خاطئ يراهن على سراب

يمنات

كل الاحزاب السياسية والمكونات الاجتماعية والمدنية التي يتحاور ممثليها في  فندق موفمبيك. لم تكن  تمتلك حين دخلت الحوار رؤية شاملة وناظمة لحلول ومعالجات ناتجة عن دراساتموضوعية وابحاث عميقة وفق منهج علمي يعتمد على  تشخيص الاسباب التي تمخضت عنها  مشاكل البلاد المتفاقمة والمعقدة والمطروحة علي طاولة الحوار ومن ثم تفكيك وتحليل تلك الاسباب  وفقا لظروف البيئة التاريخية  السياسية التي انتجتها وعلى ضوء معطيات الواقع ومحدداته الاساسية  ومن ثم  استنباط  الحلول الشاملة  والمعالجات  الموضوعية القادرة على تجفيف جذور تلك  المشكلات وتوفير متطلبات المستقبل  ضمن اطار جديدا  ناظما لاماني هذا الشعب  واهدافه الوطنية الكبرى هذا الاطار الجديد المتبلور من  الحلول المتحصلة من  مجمل تلك  الدراسات  السياسية العميقة والمنتظمة في سياق الاهداف الوطنية الكبرى (المشترك الوطني) يؤسس لمشروع وطني  متكامل يمثل اماني وتطلعات الشعب  واهداف ثورته ويستوعب المدخلات اللازمة لتحقيق تلك الاهداف من خلال احداث قطيعة بين ما كان (بيئة انتاج المشاكل) وبين ما يجب ان يكون ( البيئة السياسية الجديدة الحاضنة للأهداف الوطنية).

فللأسف كل القوى والمكونات الموجودة علي طاوله الحوار لا تملك اي رؤية او حلول  وفقا للأسس التي اشرنا اليها والسبب الجوهري في ذلك هو ان تلك القوي هي اصلا المشكلة الجوهرية التي تقف امام بنا المشروع الوطني  والدولة اليمنية الحديثة عبر التاريخ  وهي التي تفرز كافه الاسباب الواقعية المنتجة لمجمل مشاكلنا السياسية والاجتماعية  والاقتصادية وبالكيفية التي  تضمن لهم التفرد في احتكار السلطة والثروة..

وبالتالي فان هذه القوي الموجودة علي طاولة الحوار  لا يمكن ان تقدم  حلول موضوعيه لواقعنا  بل علي العكس من ذلك فهي اليوم تعمل علي تأجيج المشاكل واعادة انتاجها في صوره صراعات متعددة وبمعدل يفوق قدرة الحوار والعملية السياسية على حلها وابسط تدليل علي ذلك هو عدم تطبيق النقاط العشرين  بهدف عرقله حل القضية الجنوبية حلا عادلا.

كما يتضح مسلك تلك القوى  في انتاج المشاكل ونسف الحوار هو طبيعة العلاقة بين مايدور داخل اروقه الحوار وبين ما يجري  في ارض الواقع .

ففي الوقت الذي  يتحاور فيه الاطراف للخروج بحلول شامله تؤسس لبناء دولة مدنية حديثة وتحدد شكل وطبيعة النظام السياسي الكفيل بتحقيق  الحريات الديمقراطية والعدالة والمواطنة المتساوية وغير ذلك.

فان تلك القوى النافذة قد اجهزت علي كافة مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والامن  وتمكنت عبر تخليق اطر ايديولوجية دينية في الأنساق الوظيفية والإدارية من الاستيلاء علي تلك المؤسسات خاصة  المؤسستين  التعليمية والقضائية وهذا التأطير الايديولوجي الممنهج  والاستيلاء المتسارع والذي يتم تحت غطا شرعية الثورة الزائفة  والتوافق السياسي  المفخخ  يكفل لهذه القوى ابقا سيطرتها علي مؤسسات الدولة  مستقبلا  حتي وان كان المستقبل لا يساعد على تمكين هذه القوي مما تريد . اضف الى كل ذلك صورة اخرى  وهي  الخطاب السياسي التعبوي التحريضي المغلف بالدين   لهذه القوى  والذي يلغم وعي  الجمهور  ويحشده  ضد اطراف  وقوى اخرى  مثل الحراك الجنوبي وحركة الحوثي والنخب المدنية والليبرالية التي تسعى  عبر مخرجات الحوار لإكساب الدولة هوية مدنية. 

كل هذا يتم فيما لازال الحوار قائم  ولازال الشعب منتظرا لمخرجاته، ورغم اني شخصيا كنت اري في بادي الامر  في الحوار الوطني فسحه بسيطة لأمل وطني يمكن تحقيقه  لكني سرعان ما وقعت في الخذلان الواعي والان صرت أشفق على الكثيرين ممن يرفعوا سقف تفاؤلهم على مؤتمر الحوار ويراهنوا حتى الذروة المتناهية في  اليقين على ان مخرجات هذا الحوار ستقدم الحلول الكافية لمشاكلنا وستفضي الي دولة مدنية ونظام سياسي رشيد ومواطنة متساوية وعدالة اجتماعيه ووو الخ ..

لقد وقع  غالبيه الشعب المراهنين على الحوار  فيما كنا نخشاه  وهو الاسترخاء في ظل اعتقاد خاطي .. يجب  ان ندرك جميعا فيما تبقى من وقت  ان غالبية القوى المتحاورة لاسيما من تمتلك معطيات القوة التقليدية في الواقع ( مال – مليشيا – سلاح – اعلام – اطر تنظيمية) و التي اشرنا اليها  لا تملك رؤية وطنية لبناء يمن جديد لأنها لا تريد ذلك.. وكذلك ان ندرك انها لا تحاور  من اجل الخروج بالوطن الي حيث ترنو امالنا  انما هي تحاور من اجل مصالح  وتدعيم  مكانتها في السيطرة على السلطة والثروة  والأدلة والشواهد التي تخرج من اروقه الحوار وما يعتمل في الواقع  كثير حول ذلك .. لاسيما ما اتضح في الايام القليلة الماضي، حول مسألة هوية الدولة – ومصادر التشريع – والكوتا النسائية…الخ  هذا في الحوار .. وفي الواقع  اصطفاف تلك القوى في وجه الدولة للدفاع عن قاتل الشابين -جعفر وامان – لان القاتل ينتمي لهذه القوى .. وكذلك تنفيذ صفقات فساد مالي  ونهب للمال العام في مرافق الدولة بشكل وقح وسافر .. واستمرار فرض تجنيد المليشيات  التكفيرية  وضمها لقوام الجيش اليمني، واخرها  موت جريح الثورة  الكمالي  متأثرا بجراحه  بسبب  الاهمال  في العلاج  بينما جرحى  ميليشيات الصمع  وحرب نهم والحصبة الذين لا ينتموا للثورة البتة يعالجون في تركيا وقطر  ومصر  ووووووووو  وهلم جرا من الممارسات الانتهازية الحقيرة..

في الاخير لازال امامنا بعض الوقت القصير لعمل شيء ما لوقف هذه المهازل  والاعمال التدميرية عبر اصطفاف شعبي جديد يقوم بإسقاط هذه الحكومة الحقيرة و يعيد للشارع دوره الحيوي في صياغة معطيات المرحلة ومحددات المستقبل  ومن ثم الضغط الحيوي في سياق تصحيح مسارات الحوار الوطني وصياغة مخرجاته  بما يلبي الحد الادنى من اهداف وامال وتطلعات المواطن اليمني.. أما الرهان علي المتحاورين  فهذا نوع من الاستسلام كون الوطن والمواطن ليس في اجندات اهتماماتهم  ماعد بعض النخب الشبابية  والمدنية وقطاع المرأة التي  اثبتت تماهيها مع اهداف الشارع.

صنعاء –  الخميس 25-7-2013

زر الذهاب إلى الأعلى