أخبار وتقارير

اخوان اليمن يضعون أنفسهم في حالة استنفار والرئيس هادي يقاوم غضبهم بنفوذ السعودية

المستقلة خاص ليمنات
حالة الطوارئ المعمول بها في مصر صارت بطريقة أو بأخرى سارية المفعول في اليمن، ولعل أبرز ملامحها حالة الشد والجذب التي تشهدها الساحة السياسية، وبموازاة الانقسام الذي تعيشه الأطراف السياسية والعسكرية المصرية، حدث فرزاً اصطفافياً- مع أو ضد- بين الأطراف السياسية في اليمن.. كان الرئيس هادي سباقاً إلى التقاط زمام المبادرة، إذ سارع إلى تهنئة القيادة الجديدة في مصر، اعتبر فيها قيام الجيش بعزل مرسي استجابة للإرادة الشعبية ولرغبة المصريين الذين احتشدوا في الميادين والشوارع مطالبين برحيل جماعة الإخوان عن السلطة.موقف هادي أثار دهشة المتابعين والمحللين لكن الأيام التالية للثورة كشفت أن تهنئة هادي لم تكن من قبيل الصدفة أو الاستعجال بل هي ضمن سياق خطط هادي وتحالفاته المتنافرة التي تصعب عليه في أحيان كثيرة، فهو يريد أن يبقى حليفاً لقطر والسعودية وامريكا ورموز الاخوان في اليمن في أن واحد.
ولكن تهنئته للرئيس المصري أثارت غضب حزب الإصلاح فرع التنظيم العالمي للإخوان، في اليمن واعتبرتها قيادات الحزب اهانة ولا تعبر عن الشعب اليمني، ورضوخاً لضغوط إقليمية، وأصدر الحزب بياناً أدان فيه ما وصفه بالانقلاب العسكري على الشرعية، مطالباً بعودة مرسي والإخوان إلى الحكم احتراماً لإرادة الأغلبية التي أوصلتهم إلى السطلة حسب تعبيرهم.
أدرك الاصلاحيون كما أدرك غيرهم أن ضغوطاً سعودية تقف وراء مباركة هادي لعملية عزل مرسي، غير أن بعضهم يرى أن هادي فعل ذلك من تلقاء نفسه ليس مقتنعاً وإنما مجاملة وإرضاء للمملكة، وأنه بذلك يرجح كفة الرياض في اليمن على حساب الإصلاح الذي يعتقد أن له فضلاً في إيصال هادي إلى السلطة، وبالتالي تحرك الإصلاحيون نحو موقف مناقض،وبادروا إلى التنديد بتهنئة هادي وأخرجوا مظاهرات في العاصمة وكبرى المحافظات تطالب بطرد السفير المصري، بل وأعادوا مرة أخرى أبرز مظاهر الثورة الشعبية من خلال جمعة رفض الانقلاب التي أقيمت في شارع الستين بعد أشهر من توقف الصلاة في الشارع الذي شهد احتشاداً أسبوعياً كل جمعة خلال أيام الثورة، كرسالة إلى هادي لها دلالاتها وأبعادها. وبعد فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة سارعت قيادة الاصلاح الى تحذير هادي من اتخاذ أي موقف يوحي بتأييد الأحداث في مصر في سعي منهم لاظهار موقف موحد في اليمن واظهار أنهم الطرف الأقوى.. وكي لا يستغل خصومهم أي خلاف يبرز مع هادي.
وبحسب مراقبين، فإن السعودية ترى أن إخوان اليمن هم الأقوى جماهيرياً بعد إخوان مصر والأقرب إلى تهديد مصالحها، وبالتالي فإنها تعتبرهم الهدف الثاني بعد جماعتهم الأم وسوف تعمل بكل السبل لإحباط وصولهم إلى السلطة أو على الأقل منع تفردهم بها، واستباقاً للأحداث أو لخطوة مماثلة في اليمن من قبل السعودية فقد أراد حزب الاصلاح أن يقول للسعوديين أن الاخوان في اليمن هم القبيلة، فلجأ إلى تحريك الجناح الأقرب إلى سلطات المملكة والمتمثل بجناح المشائخ ذي المصالح المتشابكة مع الرياض والذين ظلوا لعقود يدها الطولى ومنفذوا أجندتها النافذة في اليمن، فخرج حميد الأحمر منتقداً سياسة الرياض، والامارات المتحدة.
أما الرئيس هادي فقد وجد نفسه في موقف محرج بين شركاء الحكم في اليمن وصاحبة المبادرة الخليجية، وكلا الطرفين يرى أنه أوصل هادي إلى كرسي الحكم، مما يجعل الرجل أمام وضع صعب، ومأزق يتطلب الخروج منه دهاءً سياسياً فهو يدرك أن العودة للتحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح غير ممكن خصوصاً بعد أن كشف الجنرال علي محسن أنه كان على تنسيق كامل مع هادي خلال الثورة الشبابية السلمية بالاضافة الى العلم بتعقيدات الوضع اليمني المختلف عن الوضع المصري. ولعل “التهنئة” المثيرة للجدل تعتبر بحد ذاتها رسالة غير مباشرة إلى الداخل وخصوصاً الإصلاح وحميد الأحمر بأن مفاجآت غير متوقعة قد تحدث في حال فكروا بالاستحواذ على السلطة والاستئثار بها وإقصاء الأطراف الأخرى.
وفي مقابل الموقف الحرج الذي يشعر به هادي، يرى الاصلاحيون أنه ليس في صالحهم تصعيد المواجهة مع الرئيس أكثر مما حدث، لأن ذلك يتطلب وضع أنفسهم في المواجهة، مع السعودية التي صارت تعتبرهم كتنظيم خطراً عليها وقد رأوا بعيونهم المصير المروع لخطاب الإقصاء واستعداء الآخرين الذي أنتجته الجماعة الأم، فأضاعوا بسببه كل ما وصلوا إليه في السنوات الأخيرة، كما أن شركاء الإصلاح وحلفاءه في المشترك يقفون على الجانب الآخر وأيدوا إزاحة الإخوان من السلطة في مصر.. فهل ينجح الإصلاح في الاحتفاظ بحلفاءه، وهل سيسعى إلى توسيعها تلافياً لمواجهة قد تلحق به خسائر باهظة وتعرقل مساعيه الاستحواذ على إلى السلطة؟!
يعيش الاصلاحيون في اليمن وفروع الإخوان في الدول الأخرى صدمة حقيقية من فقدان مشروعهم التاريخي، وانطفاء شعلة الزهو والانتصار التي غمرت نفوسهم بعد وصول حركتهم الأم إلى السلطة في مصر واعتبارهم ذلك الخطوة الأولى لإقامة مشروعهم الكبير هذه الصدمة ولدت لديهم قناعة مفادها أن وصولهم إلى السلطة ليس كافياً لإنجاز مشروعهم وهدفهم الذي ما يزال بعيداً بعد أن خيِّل لهم أنه قد صار في متناول أيديهم.
تعقيدات الوضع السياسي في اليمن كثيراً، واللاعبون السياسيون كثر أيضاً في الداخل والخارج، والقوى النافذة تلقي بظلالها على الساحة، ولا شك أن ما حدث في مصر مربك وله تداعياته في اليمن، وربما تشهد الأيام القادمة خارطة تحالفات جديدة تحددها المتغيرات والمستجدات الإقليمية وما يتولد عنها من مفاهيم ورؤى ووجهات نظر تختلف تماماً عن تلك التي تولدت بفعل ثورات الربيع العربي والمد الاخواني المستفيد منها والذي بدأ ينحسر ليتحول إلى جزرٍ يتراجع تحت ضغط وسطوة القوى التقليدية المتضررة من الهيمنة الاخوانية.

زر الذهاب إلى الأعلى