أخبار وتقارير

شرگة التبغ توقف راتب عبد الله الگوري بعد ربع قرن من خدمتها

المستقلة خاص ليمنات

تنگرت له حتى مات ولده وأوشك أن يموت بعده
ما فعلته شركة التبغ الوطنية بأحد أقدم موظفيها يثير الحسرة والألم في النفوس، ويكشف لنا كم هو قاسٍ وموجع أن تتخلى عنك الجهة أو المؤسسة التي افنيت عمرك في خدمتها وبنائها.
مأساة عبدالله علي محمد الكوري والأسلوب الذي تعاملت به شركة كمران به معه، يفوق الوصف، بعد أن خذلته الشركة وتخلت عنه في أصعب الأوقات وأحرجها، وحين كان في أشد الحاجة إلى من يقف بجانبه ويقدم له العون والمساعدة، ليس مناً أو تكرماً، بل هو حق من حقوقه كموظف قضى أكثر من ربع قرن في العمل لدى الشركة معرضاً نفسه لمخاطر بيئية وصحية كثيرة، وهي المخاطر التي أصابته فعلاً وزرعت في أعماقه المرض الخبيث، حينها وبدلاً من مد يد العون ومنحه حقوقه كاملة في العلاج والرعاية، تنكرت لسنوات خدمته الطويلة، وتركته يواجه قدره وحيداً.. ليس ذلك فحسب بل أقدمت على إيقاف رواتبه ومستحقاته المالية في تصرفٍ لا يمارس إلا في الغابات الموحشة.
يروي عبدالله الكوري جانباً من معاناته ومأساة حياته وقصته مع الألم ومع (كمران) الشركة ويقول “بدأت حكايتي منذ تعييني في مصنع كمران بالحديدة كمهندس ميكانيكا في 3 مارس 1986م، ولأن صحتي كانت جيدة والحمد لله حينها، مرت سنوات كثيرة وأنا متفان في عملي بانضباط والتزام يشهد لي به الجميع، لدرجة أني لم أكترث بما سيضر بصحتي بسبب عملي بين السموم ومخلفات التبغ، حتى حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث أصبت بورم سرطاني في المعدة والأثني عشر، وبسبب تردي الخدمات الطبية في بلادنا ظللت لأكثر من سنتين أتردد على الأطباء وأجري الفحوصات الطبية لكن بدون فائدة وأجريت لي عملية فاشلة استأصلوا خلالها الزائدة، وبعد طول عناء تم تشخيص حالتي بعد أن تكبدت خسائر باهظة لا تحتمل، إضافة إلى قيامي بإعالة ثلاث أسر، التقرير الطبي أفاد بأن حالتي لا تحتمل التأجيل، واقترح أنه في حال أرادت الشركة علاجي في اليمن فعليهم شراء أدوات طبية خاصة لاستئصال الورم وإذا لم يستطع المصنع شراءها فعليهم تسفيري سريعاً إلى ألمانيا لإجراء العملية، حينها وافق المصنع على شراء الأدوات الطبية على أن تجرى العملية في مستشفى آزال، وبعد شرائها وتحديد موعد العملية، حدثت لي مفاجأة حولت حياتي إلى جحيم، فقد شاء القدر أن يصاب ابني بورم في الدماغ، وتطلب الأمر إسعافه فوراً، فأوقفت إجراءات العملية الخاصة بي، واستقبلت ابني الذي جاءوا به من منزلي في الحديدة إلى صنعاء، وقرر الأطباء سفره فوراً إلى الأردن، حينها كانت حياة ابني أهم من حياتي، وشرعت في إجراءات السفر، فأعطتني الشركة تذكرتي سفر وخمسة آلاف دولار، ووعدتني بإرسال أية مبالغ تتطلبها العملية إلى المستشفى في الأردن، وهناك فوجئت بأن تكاليف العملية كانت تفوق المبلغ الذي معي، فأبلغت الشركة بذلك، مع تقرير المستشفى الذي يحدد التكلفة، لكن إدارة الشركة تعاملت مع ذلك الطلب بالمماطلة واللامبالاة حيث كان يتم تحويل أوراقي من مسئول إلى آخر حتى فات الأوان وفارق ولدي الحياة بسبب تأخر العملية وترك في أعماقي حسرات لا تنتهي زادت من سوء حالتي الصحية.
قبل أن أعود بجثة ولدي المتوفى إلى اليمن، كنت قد استغليت تواجدي في المستشفى الأردني، وأجريت فحوصات شاملة، فأخبروني بخطورة العملية الكبيرة التي تستوجب مشاركة كبار الجراحين، وعملوا لي تقريراً بذلك، فحملت التقرير إلى جانب جثة ولدي الذي مات ضحية إهمال الشركة وتأخر العملية، فعرضت التقرير على الشركة، وللأسف تكرر معي نفس السيناريو الذي حدث مع ابني، فقد أعطوني تذكرة السفر ومبلغ ألف وخمسمائة دولار، فسافرت فوراً كون حالتي كانت حرجة جداً، ولم أعد قادراً على التحمل، بعد أن وعدتني إدارة الشركة بإرسال ما تبقى من تكاليف العملية عند وصولي إلى المستشفى في العاصمة المصرية القاهرة، وقيامي بإرسال التقرير، وبالفعل نفذت ما اتفقنا عليه مع الشركة وأرسلت لهم تقارير المستشفى وعرض سعر العملية، وإذا بمأساة ولدي تتكرر معي، حيث تعاملت الشركة مع التقرير وعرض السعر بلامبالاة وإهمال ومماطلة، وتحويل المعاملة من مكتب إلى آخر، ولأنني أدرك خطورة حالتي وخوفي من تعرضي لمصير ابني الذي فقد حياته بسبب إهمال الشركة.
أمام استهتار الشركة بمعاناتي والمصير الذي يمكن أن يحل بي، قررت الاعتماد على نفسي والمبادرة بإجراء العملية بأي وسيلة كانت، وقد يسر الله لي شخصاً اسمه أحمد الحاشدي، تعرفت عليه بالمصادفة في القاهرة، فعمل معي الواجب وتواصل مع كل من يستطيع المساهمة بإنقاذي، وقمت أنا بتدبير بقية المبلغ قرضة من الأقارب، وبيع المجوهرات الخاصة بكل من لديها مجوهرات من أسرتي، بل أنني بعت كل ما أملك، وأجريت العملية على نفقتي، وعندما عرفت الشركة بأنني أجريت العملية، وعدوني بتسديد ما عليَّ من ديون وخسائر مقابل إجراء العملية عند رجوعي من القاهرة، على أن أحضر معي الأوراق والمستندات التي تثبت تلك التكاليف والمبالغ التي سددتها، وبالفعل قدمت لهم بعد عودتي كل الوثائق المطلوبة، ولكنني تفاجأت عند وصولي إلى المصنع بما لم يخطر على بال إنسان له قلب أو عقل ومشاعر وأحاسيس، فبدلاً من تعويضي ودفع ما خسرته مقابل العملية والعلاج، تفاجأت بتوقيف جميع مستحقاتي ورواتبي، وشكلوا لجنة للتحقيق معي عن سبب انقطاعي.. وهو ما يثير السخرية والعجب، وكأنهم لا يعلمون بما حدث لي، وكأنهم لم يساهموا بإهمالهم في وفاة ابني وفلذة كبدي، وكأن حياتي رخيصة ولا تعني لهم شيئاً.. جاءوا للتحقيق معي وقد تنكروا لكل سنوات الخدمة التي قضيتها في العمل بكل إخلاص وتفان في المصنع، بل إنهم أنكروا تواصلهم معي.
تركتني شركة كمران ومصنعها غارقاً في ديوني وآلامي بعد ربع قرن من العمل معهم، بعد عمرٍ من العناء والجد والاجتهاد في العمل والتعرض للمخاطر التي يعرف عنها الجميع.. والتي كانت سبباً لاصابتي بالورم السرطاني، فهل هذا هو الدور الأخلاقي والإنساني والاجتماعي للشركة مع من عملوا معها وخدموها سنوات طوالاً، هل هكذا تتصرف جهة العمل مع من ضحوا بكل ما يمكنهم التضحية به من أجلها، بل أنها طالما استقطعت مبالغ مقدرة من مستحقاتنا المالية مقابل تأمين صحي.. فعن أي تأمين صحي يتحدثون.. وأين هي مسئولية هذه الشركة أمام العاملين فيها والذين قد يصلون جميعاً إلى نفس المصير الذي وصلت إليه وتتنكر لهم الشركة مثلما تنكرت لي.. من ينصفني من الظلم الذي أصابني، من لديه قلب ليحس بمشاعر الألم والقهر والحسرة التي تعتصر فؤادي.. لله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

زر الذهاب إلى الأعلى