فضاء حر

ثورة الجرح

يمنات

(1)
منذ أكثر من هزيمة ونحن نكذب على أنفسنا ونتوهم المضي تخلفاً، حتى توحد الجميع بالقهر، فتكدس العنف وغدا الواقع جناية كبرى لا تغتفر. ولذا، لا غرابة أن نجدنا اليوم عالقين في شراك فوضى معصوبة القلب، تستهدف كل مقومات الحياة على هذه الرقعة.. يُقتل الأستاذ ويعيش الجهل، يُغتال الطبيب ويبقى المرض، يُزهق الحق ويظهر الباطل، يموت النظام وتسود الجريمة، يغيب الأمل هكذا ويستمر مسلسل تشييعنا من قبل القتلة أنفسهم!
(2)
ثلاث سنوات مضت منذ خروجنا الأول لإسقاط النظام وسقوطنا قسراً في ثورة لم تكتمل، ولا شيء غير قهر ودم؛ قلنا ثورة فأعلنوا الانضمام، بادرنا وبثبات فبادروا بالحوار… حتى عدنا فعادوا، وهاهو “الحوار” ينتهى بهم، والجميع يحتفل بزهو مريب، والدمع هو الدمع. حقيقة: شعورنا باليأس جراء تكرار نفس البرامج والأساليب يقهرنا كثيراً، وبالتالي، لا فائدة! لا بد من اليقظة وكسر انشداهنا البائس؛ فلامناص هنا إلا بدوام اليقظة وتجسيد أكثر من ثورة تستمر بوعي حتى تحقيق الحياة.
(3)
هاهم جرحى الثورة يجددون العزم بإعلان العودة، مطالبين الجميع مرافقتهم في الشارع يوم الحادي عشر من فبراير. لقد حددوا مطالبهم بوضوح،ولا مجال ربما لمن يعلن انضمامه وتأييده السلمي لثورتهم هذه المرة، كما أنهم ليسوا بحاجة ل”ملصَّة” بالطبع؛ فأنين جراحاتهم النازفة يكفي وأكثر للوصول إلى أقاصي العالم. يبقى الخوف _فقط_ من القوى التي تبدو وكأنها تضررت خلال هذه الفترة التي نسميها أملاً “انتقالية”؛ حيث لا يستبعد انضمامها والذهاب بهذا الخروج بعيداً عنا. مثلاً جماعة “حميد”، وإخوانه عموماً، مع “الإصلاح”، إضافة إلى “السلف الصالح”… إنهم وعلى الرغم من توغلهم النافذ في مركز صنع القرار، ربما يشعرون بخذلان نتيجة هزيمتهم الأخيرة وفشلهم في مواجهة (الحوثي)، وقد يستغلون الشارع لتحقيق مآرب أخرى.. المخلوع “صالح” لن يتردد أيضاً في الانخراط عبثاً، كذلك “محسن” قد ينضم ويسيء كعادته… وغيرهم. باختصار: لا نظن جرحانا يجهلون هذا الواقع، فيا ترى هل هم على استعداد لفرملة تلك الانتهازية الطاغية، والعودة بنا فعلاً وتحقيق الأهداف المنشودة؟! .. أيها الجرح الغائر! هل آن لك حقاً أن تلتئم، ويرتاح الأوان؟
(4)
“صالح” فاسد، “إصلاح” إفساد، “محسن” مسيء، “حميد” خبيث، “صادق” كاذب، “حسين” قبيح، و .. و .. و .. وهذا “أضرط من أخيه” ، تقاسموا البلاد والعباد بالسنتي والقيراط وليس لهم من أسمائهم أدنى نصيب، إنها جريمة أن يظل البلد هكذا مهدوراً مابين كلفوت وشلفوت. وبالتأكيد: سلطة لا تستطيع تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للمواطن، كالخبز والماء والضوء.. لا جدوى من استمرارها سوى المزيد من القهر والهدر معاً. *** هكذا.. تمضي الأيام وتعود لتمضي مجدداً، فتعبر بنا بعيداً .. ونحن مازلنا ننتظر ذاك الغد الذي لا يأتي .. كعادتنا، نحتفل بجراحنا المزمنة، ولا شيء هناك غير التباس مرّ ينتابنا كجرحٍ غامض.

زر الذهاب إلى الأعلى