أخبار وتقارير

من جحيم الحرب في وطنهم إلى نيران البساتين في عدن

المستقلة خاص ليمنات

كالمستجير من الرمضاء بالنار .. اللاجئون الصوماليون:
حينما تغدو الأوطان مسرحاً للحروب والنزاعات والأزمات الاقتصادية والسياسية فمن الطبيعي أن تمسي الشعوب في مهب الريح وتمضي مهاجرة خارج أوطانها لتضمن لنفسها البقاء على قيد الحياة، ويبقى التشبث بالحياة هو مطلبها الأخير.. لم يكن الأفارقة الصوماليون المهاجوين في اليمن أفضل حالاً من غيرهم من المهاجرين الأفارقة في بقاع العالم، تجدهم يقتاتون الحرمان والبؤس ويخوضون صراعاً مع معيشتهم في اليمن التي هي الأخرى تعاني من البؤس والفقر والأزمات فتجد صعوبة السكن وتشرد الأسر وتمزقها عاملاً معيقاً أمام غاياتهم المتواضعة فمن ضنك عيشهم وغربتهم عن الأوطان كانت عدن هي ملجأ متواضعاً لمواصلة صراعهم مع صنوف المعاناة.
وحين تطأ بقدميك وتتجول بين أحيائهم وحاراتهم تجد نفسك وكأنك تتجول في أفريقيا البائسة وليس في البساتين في عدن.. تشعر بالبؤس عندما تجد بساطة المنازل المصنوعة من الزنك والأخشاب والتي لا تصلح سكناً للحيوانات وليس للانسان وجميعها لا تخلو من ازدحام الأسر فيها.. وتحت هذه الأسقف المهترئة تجد الأطفال ببشرتهم السمراء يمضون نحو مستقبل مجهول وتجد الأمهات وهن يحملن أطفالهن الرضع على أحضانهن وتجد الناس بحالاتهم المتعبة يرتسم في وجوههم الحزن الغابر كما لا تخلو أجسادهم من الأمراض الوبائية وسوء التغذية كل هذا بفعل الحرب في وطنهم الأم والتهجير في أوطان أخرى وتشعر بأن قلبك ينفطر حين لا يحصلون على أبسط مقومات الحياة.. المستقلة زارتهم في بساتينهم القاحلة واستمعت لشكاواهم وأمانيهم والتي كانت على النحو التالي:
تحقيق سامح عبد الوهاب
وعود المنظمات كوعد عرقوب
البداية كانت مع سعدية علي محمد لديها 6 أولاد حيث قالت: الحمد لله نحن نشتغل بعض الأحيان نُحمل ثياباً للدلالات والمحلات واحياناً نشتغل بأعمال يمكن أن تساعدنا على معيشتنا كالعمل في البيوت.. لكن هذه الأعمال متواضعة وبعض الأحيان تؤدي بالغرض وأكثر الأوقات لا تؤدي بالغرض..
وأضافت للأسف لا توجد هناك أي منظمات لدعمنا وفي بعض الأماكن يعطونا راشان و(مواد غذائية) وكثير من المنظمات تأتي لتسجيل أسماء هذه الأسر إلا أنه لم يتم حتى الآن تسليم أي شيء
واردفت بالنسبة لأطفالنا أحياناً نضعهم عند الأقارب ولكن أكثر الأوقات نأخذهم معنا والبعض يدرسون في الروضات.
بالنسبة لحلم العودة إلى بلدنا الأصل نتمنى أن نعود ونحصل على سكن في ديارنا بدلاً عن التي بيعت ونتمنى أن نحصل على فلوس لحجز تذاكر لأنه يوجد لدي 6 عيال وأنا وأمي.
نبيع الراشان لندفع ايجار الغرفة
أما والدتها أم سعدية فقالت: نعيش داخل هذه الحجرة بين التعب والقهر يوجد لديّ ولد يشتغل مع الناس في بيع القات في اليوم كامل يعطون له 1500 ريال مقابل أتعابه .
وحالياً ولدي مريض ومصروف اليوم 1500 ريال التي يحصل عليها انقطعت ولم يعد يحصل عليها بسبب مرضه، والآن البنات يشتغلون خدامات ومنظفات في بيوت الناس من أجل الحصول على المصاريف لكي نعيش والفلوس التي يحصلون عليها ندفعها ايجاراً لهذه الغرفة المتواضعة أما بالنسبة للجهات الداعمة ما أحد أعطانا شيئاً ولا نعرف أماكن هذه المنظمات وتأتي بعض الجهات أو المنظمات لتأخذ صوراً لنا وتسجل عدد أولادنا وقد وعدونا بأنهم سيقدمون لنا ما نحتاجه ومنذ عشرين سنة ونحن ننتظر ولا أحد أعطانا شيئاَ بل هناك واحد يمني شافني في الشيخ عثمان ونظر إلى أطفالنا وابنتي الكبيرة وقال لنا أنا اليوم هنا وغداً في السعودية وما في أي شيء هذا مخبز الروتي وقال لصاحب الفرم أعطيهم كل يوم 200 روتي على حسابي وأنا أدعو له دائماً وأذكره بخير لما صنع لي من معروف.
وأضافت أما منظمات الأمم المتحدة فيعطونا شوية رز وكذلك دقيق وسليط كل 45 يوم ولكن هذا لا يكفي ويقدر هذا الراشان ب 8200 ريال نبيع هذا الراشان ونخارج به الايجار.
وأنا هنا لي بحدود 20 سنة وهناك ناس أتوا من بعدي وحصلوا على بيوت لكني لم أحصل على بيت بعد.
علوية : نتسول لنوفر لقمة العيش
اتجهنا إلى بيت أخرى يسكنها العديد من المهاجرين والتقينا بالأخت علوية عبده أبو بكر والتي قالت لنا بأن زوجها رفض مقابلة الصحافة لأنه منذ عشر سنين وهم يسجلونا في البطائق والدفاتر والمنظمات ولم يحصلوا على شيء وشرحت لنا قصتها البائسة فقالت أن لديها 6 أطفال ونأخذ لهم راشان ونمشي يومنا به والحمد لله نعيش على هذا الحال يومياً منذ أن أتينا إلى اليمن.
ولكن عندما يمرض الأب ولا نجد مصروف يومنا أضطر إلى أن أطلب من أجل توفير لقمة العيش لنا ولأطفالنا وعندما يمرض الأطفال لا نجد من يعالجهم ويضطر الأب للقيام بأعمال تمكنه من معالجة أطفاله..
عودة الزوج والعودة للوطن
أخت علوية لديها 4 أطفال وقد حكت لنا عما تعانيه من ويلات المعيشة والتشتت الأسري وقالت أن زوجها له 9 أشهر غائب نتيجة لخلافات أسرية تتعلق بمصاريف الأطفال ولهذا لم نتأقلم مع بعضنا البعض وحدث خلاف بيننا فتركنا ولم نعلم إلى أين ذهب وأساس المشكلة هي الظروف وإلى الآن لم أعرف أين هو.. وأتمنى أن يعود حتى يعطينا المصروف المعتاد عليه قبل الخلاف حسب قولها. والذي كان مقدار 200 ريال يومياً وبالنسبة للعودة إلى وطننا الأم نتمنى أن يعم الوطن السلام والأمان لكي نعود إليه .
أما عن إيجار البيت فقالت أنا أعمل بعض الأحيان لأوفر إيجاره إلا أن هذا الشهر لم أسدد الإيجار بسبب عدم توفر الفلوس لدي وكذلك نقص العمل.. وحالياً نحن مقبلون على فصل الصيف الذي فيه يكون الجو حاراً في هذه المنطقة حيث أن حجرتنا هذه لا يوجد فيها مكيفات ولا مراوح لتلطيف الجو وعندما يشتد علينا الحر نضطر لرش أو تبليل أنفسنا بالماء البارد لكي يخفف علينا الحر ونجلس أمام الأبواب بحثاً عن هواء بارد.
ولذلك نتمنى من المنظمات والجهات المسئولة توفير سكن مناسب أو يدفعون عنّا عننا حتى الإيجار لهذه البيوت العشوائية.. بل أني أعتقد وأثق كل الثقة أننا لن نحصل على شيء مما نريده.. ونتمنى أن توصل المستقلة صوتنا إلى منظمات حقوق الإنسان والجهات المسئولة.
رحلة طويلة والسكن عند مهرب
عبدالله شائف: لم يتجاوز عمره 14 سنة ووصل إلى اليمن قبل ثلاثة أيام من لقائنا به وقد قيل لنا أنه خرج من الصومال إلى ( بوتازا) واستغرقت هذه الرحلة يوم وليلة حسب قوله ومن ثم وصل إلى أحور في محافظة أبين هو وأصحابه ومن ثم استقبلتهم المنظمة وأعطت لهم بسكويت ويقول عبد الله رغم هذه المغامرات إلا أنني لم أشعر بالتعب بل شعرت بالفرح عندما وصلت إلى اليمن هكذا تحدث لنا وروى قصته الحزينة قائلاً: بأن أباه متوفي وأمه في الصومال ولا يوجد له أهل في اليمن وإنما أصدقائه فقط والآن يسكن في بيت (أحد المهربين).
لا امتلك تلفون لاتواصل مع أسرتي
عبدالفتاح شاب عمره 23 عاماً قال: وصلت إلى اليمن منذ ثلاثة أعوام وبضعة أشهر وقد أشتغلت في تنظيف السيارات رغم أنها شغلة متعبة بعض الشيء والآن لي حوالي 6 أشهر عاطل عن العمل.. أهلي في الصومال كلهم ما عدا أنا وأخي ساكنين في هذه المنطقة ولكن ظروفنا المعيشية قاسية جداً وأحب أن أعود إلى وطني للعيش بأمان ولم أتواصل بأهلي في الصومال لأنني عمري ما اشتريت تلفون.. أتمنى من الجهات المسئولة أن توفر لي عمل للعيش كإنسان وأطلب من صحيفتكم أن تطلع الناس عن ظروفنا ومعيشتنا.
أعمال شاقة تتعارض مع حقوق الانسان
حسين إبراهيم 22 عاماً: أنا هنا منذ 6 سنوات وأعمل في عربية أوصل الطلبات للناس وأحياناً نحصل على مصروف وأحياناً لا نحصل على شيء.. وأتمنى من الحكومة والمنظمات يعيدونا إلى بلدنا الصومال أو يوفروا لنا ما نحتاجه من أجل البقاء هنا في اليمن وأريد من صحيفتكم أن تنقل أوضاعنا وتنشرها وتنقل أوضاع الصوماليين الذين يعملون في الأعمال الشاقة التي تتنافى وحقوق الإنسان، وآخرون من الذين لا يحصلون على قوتهم اليومي.
معونات اللاجئين تذهب إلى جهات أخرى
الشاب نديم صالح عبدالقادر وهو شاب يمني يقطن في نفس هذه المنطقة التي يعيش بها المهاجرون الصوماليون كان لنا معه حوار بخصوص أوضاع هؤلاء المهاجرين وهو شاب يتقن اللغة الصومالية وكان المُعرِّف والمرشد لنا أثناء التجوال بين حواري المهاجرين فهو مراقب لحالهم ويستاء كثيراً لما يعاني منه هؤلاء المهاجرون وقد تحدث الينا قائلاً: اسمي نديم صالح عبدالقادر أعمل كمُعرِّف للصحفيين والزائرين كما فعلت معكم في المستقلة حيث أوصلناكم إلى الحارات والبلك من أجل أن تتطلعوا وتأخذوا فكرة عن أوضاع المهاجرين النساء والرجال وما يعانون منه من نقص في التغذية والعمل اليومي للأم أو ربة البيت وخروجها للشارع للتسول كما يقول في لهجتهم “اليوم” أي (قوت اليوم) لا أحد يعينهم لا أحد يعطيهم أبسط حقوقهم ليس لهم مجال سوى التسول وللرجال غسل البوابير أو العمل على الجواري (العربيات) وحمل الراشان لليمنيين وتوصيلها للمنازل وبذلك يتقاضى أجره، أما أنه يحصل على شيء من مستحقاته كلاجئ مسلم فلا يوجد وحديثهم كله مسجل لديكم وهم يعانون من الإحباط النفسي كل شخص منهم يتمنى أن يرجع إلى وطنه لأنه ما وجد في اليمن أبسط مقومات الحياة حتى النوم غير آمن لأن المساكن التي يسكنون فيها عبارة عن صنادق من الألواح معرضة للسرقة معرضة للهدم وليست محمية ضد المطر وقد يضطر الساكن أن يقوم من النوم على شان يحط مطائب ويغسل ويمسح على شان يتفادى المطر لكي يتمتع بشيء من الهدوء.. لكن والحمد لله في البساتين وفي عدن بشكل عام لا ينزل المطر بكثرة أما حين ينزل المطر فتصبح كارثة نفسية وطبيعية في نفس الوقت للاجئ.. ورغم هذا فان إيجارات البيوت التي تتكون من 5 أو 6 غرف مرتفعة فإيجار الغرفة ما يقارب 7500 ريال شهرياً.
وأنا ساكن من عام 99 في هذه المنطقة إلى الآن أي 15عام وأنا أتمنى من الجهات المعنية (اليو إن سي أر) أو الحكومات أو المجتمع والهيئات المختصة بحماية اللاجئين وأن توفر لهم أبسط الحقوق كالسكن الآمن والتغذية في هذه المنطقة وكذلك في منطقة خرز التي هي الأخرى يتواجد فيها الكثير من اللاجئين فمهمة (اليو أن سي أر) حماية اللاجئ..
وحقيقة ربما تكون (اليو أن سي آر) توفر لهم هذه الأشياء .. أتمنى من الجهات الرقابية بشكل عام أن تراقب ما تنفقه هذه الجهات وخصوصاً (اليو أن سي آر) للاجئ رقابة حريصة لآن اللاجئ لا يحصل على ما تنفقه المنظمات وهذا بحسب ما تحدثوا به اليكم.
واختتم نديم حديثه قائلاً رسالتي الأخيرة اوجهها لصحيفة المستقلة أن لا تكون مثل ما قالوه اللاجئين بأن هناك الكثير من الجهات تأتي لتصويرهم ولا يفعلوا لهم شيئاً نتمنى من جريدتكم أن لا تكون مثل هذه أو شبيهة بهذه الجهات الأخرى.. أتمنى أن تنقل معانات اللاجئين وقبل أن يكونوا لاجئين لا ننسى أنهم بشر وأيضاً مسلمون.

زر الذهاب إلى الأعلى