فضاء حر

عندما تقاوم عدن .. نفقد المدينة

يمنات
احببت عدنية هكذا يخيل لي، ببخورها و وداعة غنجها، من تمايلها يسقط قلبي في خطواتها، وتتفصد اعماقي بالرغبة والحب، عدن ليست امتشاط للغضب، وتعالي للكرامة بفائض، من الانتقام والوحشية، وحضور طاغي للذكورية، والا كانت عمران او صعدة او البيضاء بدائل مناسبة لعدنية مستنسخة.
عدن شيء آخر، من جموحنا للسكينة والاسترخاء، للحب والعشق للرقص وحلو الغناء، لدلع الراقصة، واناقة البنت المخضبة، المحناة والمبخرة، للحسن والجمال، وما ﻻ نقدر ان قوله هنا..
قصة اخرى في الأمنيات البعيدة، الاشياء الجميلة التي ﻻ نستطيع قولها عن عدن بمباشرة، سببها تفخيخ الوعي بعادات وتقاليد، من ﻻ يفهمون معنى المدنية، وخصائص ومعنى كونها المدينة، بوساعة هذا المصطلح وحداثة استمراره في حيوية اللغة ولمعان المعنى.
هو ذلك الاختلاف الكلي لبنية علاقتها الاجتماعية، ومكونات تفاعلها الجمالي، في مساحة الحرية الواسعة، الذي يمنحنا التشهي والاشتياق والعودة اليها، لاسترجاع انسانيتنا المحاصرة، بأنظمة العلاقات الاجتماعية والثقافية المتخلفة والبدائية.
يحزنني كثيرا على عكسكم تماما، ان عدن تقاوم، يحزنني جدا ان ابنائها يحملون السلاح، يحزنني انها تعج بالسلاح، يحزنني ان الغزاة يفعّلون الدمار ويشعلون في عالي وانخفاض مبانيها الحرائق.
عدن تحاول ان تكون المدينة الحلم، التي ﻻ تماثلها اروع مدن العالم، لكنها تتعرض باستمرار لتقطيبة حاجب واسترجال قبائل اليمن، بدءا بأبين والضالع، ومرورا بحاشد وبكيل ومذحج، وانتهاء بالغزاة المعممين دراويش صعدة.
عدن المقاومة هي الجزء الأخطر على عدن، في تاريخها المدني وسمعتها العالمية، الانتصار للإنسان يبقى محط سؤال هام: أي أنسان نريد ان ننتصر له في هذه المدينة؟
كما هو السؤال الذي طرح في وقت سابق، على الإنسان الذي اردنا ان ننتصر له في صنعاء القديمة، ونفس السؤال الذي سنطرحه ﻻحقا على انسان شبام حضرموت.
نحن نواجه مصير يمني ﻻ تحتمله الاسئلة الحضارية، ليمن فقد خلال عقوده الثلاث الأخيرة، أهم مميزاته كإنسان، و للمكان الذي ارتبط به روح اسلافه، الهتك الذي ترتكبه افكارنا ضد حضارتنا، سببه غياب وعي المؤسسة، التي تعني بحماية المدن اليمنية التاريخية الحضارية، فقدها لأعظم واهم مميزات حضورها التاريخي والإنساني، هو اخطر من الرصاصة العابرة للجرح الأخضر، الا ان وقوفنا لتعميق هذه الجراح، ودس الملح عليها، امر نفعله اليوم بالتزامن مع قدوم الغزاة الجدد، لنتخيل معا ان اﻷحزاب اليمنية كمؤسسات حضارية، لم تقدم فكرة انسانية سلمية، لحماية عدن المدينة العريقة منذ هتكها بعد 94، ﻷن ما قبلها أمر يحتاج لنقاش آخر، الا انه نفس الاخفاق الذي يقدمه الحزب الاشتراكي الان على اعتبار أن عدن الجغرافيا التي تأسس عليها.
اقصى ما قدمته هذه الأحزاب الكارثية، بيانات سياسية بنية خطابها مناطقي وطائفي عفن، ﻻ يليق بعدن .. انبساط التأريخ، وقيلولة الفن، وليل العشق المبخر.
تعامل هذه الأحزاب مع احداث عدن، يجعل منها مدينة عبور لخلاف سياسي، على وشك اعلان نهاية دراماتيكية، مليء بعفن تاريخي لوطن ارادوا أن تكون عدن المسلك، الذي يكتب عنه التاريخ، بؤس حقبة زمنية ارتدادية الزمن، وتكرارية الأسباب وواحدية الهدف.
عدن كانت لتستحق فكرة صد بشرية سلمية، ثقافية، فنيه أدبية، شعرية، سياسية لم يشهد لها التاريخ مثيل، كان ليكون لهذا الحدث، استراحة رواية وشهقة نص، وسريالية لوحة، ونوتة موسيقى، تجعل منها المدينة التي يستحيل الاقتراب منها لما تبقى للإنسان من حياة ومستقبل .. لكن للأسف فهذه الأحزاب ليست الا نسخة لنفس الادعاء، الذي يسومونه ويصفون به عدوهم البربري..
ليس من صوت قال: ان عدن ﻻ تحتاج لمقاومة، او للجان شعبية، او لأي شيء بإمكانه حمل سلاح! وبدلا من ان يصرفوا على الأحزاب والإعلاميين، ونشطاء تجارة الحروب، تلك المبالغ الباهظة، كان بإمكانهم ان يصرفوا اليسير منها فقط، على تحركات ورسائل عالمية، لأهم المنظمات والمؤسسات والمراكز العالمية، التي تعني بالحقوق والحريات، والفن والأدب، والموسيقى والتمثيل والمسرح، وكل النقابات التي تعني بالفكر، والفلسفة، والانسان والحضارة عموما..
صدقوني انه سيكون حدث كل العصور .. كان بالإمكان عمل ذلك .. لكن الاشكالية ان هذا ﻻ يبرر فاتورة اانفاق ذو الدعم المشروط، و ﻻ يعبر عن سياسات وتوجهات “العم سام” كما يقولوا، ولن يكون هناك دافع وحافز قوي، لاقتحام عدن بالشكل، الذي يبرر دخول العواصف واهتزاز اﻵدمية.
كما ان بنادقهم وقذائفهم ان لم تسعل، فلن يتم الاهتمام بتبني علاجها بالمضادات المحلقة في حلق اليمن.
انظروا اليهم الان، هؤلاء الساسة وهم يهربون من منافذ الوطن، والبعض منهم عاد لمدينته، تاركا صنعاء وعدن بجراح غائرة، تقبح وجوههم وتبصقها السنة كل يمني وعربي حر.
نخب حقيرة .. مقززة، وهي تتراجع الى جحورها كمسوخ قاتمة الرائحة، كيف هو الشعور الآن أيها الأوغاد؟ وهذه المدينة، عدن، تقاوم وحيدة و قد حملتموها، على فكرة ستنزع ﻻحقا صفاء عدنيتهم وإحالتهم مسلحين بلا لكنه بريئة وجميلة ومحبة.
كيف ستستقبلنا بائعة البخور؟ ان كان سيكون هناك بخور اصلا، فهذا مستقبل بيع الإنسان.

زر الذهاب إلى الأعلى