أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

من منهما استعان بالآخر: «التحالف» أم «الشرعية» ؟!

يمنات

صادق القاضي 

السؤال الأكثر أهمية وحرارة وتأثيراً في اليمن، منذ بداية هذه الحرب، وبوتيرة متصاعدة، هو: هل «الشرعية» هي التي استعانت بـ«التحالف السعودي» ضد خصومها ، أم أن هذا «التحالف» هو الذي استعان بقوى «الشرعية» ضد خصومه «الحوثيين»؟!

الفرق كبير ومهم، ويتعلق بالمنطلقات والأبعاد النظرية للحرب، وواقعها الميداني حتى الآن، بدايةً بالقيم والثوابت الوطنية التي «قد» لا تتعارض مع الحالة الأولى، فيما الحالة الثانية، تجعل أنصار «الشرعية» مجرد خونة وعملاء ومرتزقة للأجانب.

في الحالة الأولى، ستكون لـ«الشرعية» الكلمة الأولى، وستصب جهود وممارسات قوى «التحالف» في اليمن لصالح بناء الدولة والسلطة المركزية، وعلى العكس، ستكون «الشرعية» في الحالة الثانية، مجرد قفاز لـ«التحالف»، وستصب الأمور بشكل أو بآخر لصالح «الانقلابيين»، وإطالة أمد الانقلاب.

من جهته، أعلن التحالف، من اليوم الأول لـ«عاصفة الحزم»، أن تدخله العسكري في اليمن، تم بطلب من «شرعية هادي»، ومن أجل إعادتها. إلا أن علاقة هذه الحرب بالصراع الإقليمي بين السعودية وإيران، بما تكشفه بعض تصريحات بعض مسؤولي «التحالف»، شوشت على مصداقية هذا الإعلان، وحفّته بالشك المريب.

هذا بجانب بعض ممارسات «التحالف» السلبية في اليمن، كجرائم الحرب التي تتواطأ «الشرعية» بلا مبرر على تمييعها، فضلاً عن قصف وتدمير مؤسسات ومصالح كثيرة لا علاقة لها بـ«الحوثيين»، بل بالبنى التحتية للدولة والشرعية والمجتمع اليمني ككل.

من ناحيتهم، نجح خصوم «الشرعية»، على صعيد الخطاب السياسي، وتشكيل الرأي العام الداخلي، في تحييد أو استمالة مجاميع ليست قليلة من اليمنيين، لصالح إجابتهم عن السؤال أعلاه، وهي أن دول الخليج استعانت بـ«الشرعية»، وبررت بها تدخلها العسكري غير الشرعي في اليمن.

على هذا الأساس أطلق هؤلاء، من أول لحظة، مصطلح «العدوان»، لتوصيف نوعية هذا التدخل العسكري، وعلى أساسه يطلقون بشكل يومي وكثيف مختلف صفات الخيانة والعمالة على خصومهم في الداخل والخارج.

لكن، موقفهم لا يقل انكشافاً عن موقف «التحالف». نظرياً، لا شيء يمكن أن يشرعن للإنقلاب على الشرعية ومخرجات الحوار الوطني، علاوة على الممارسات الحوثية المتصاعدة، التي تشكّك أكثر من أي شيء آخر، بمنطلقاتهم وأهدافهم، كجماعة فئوية تقاتل من أجل أهداف ومصالح لا علاقة لها بالشعب والوطن والسيادة. 

بيد أن القضية، قد لا تتعلق فقط بجوانبها النظرية، بين من هو الشرعي ومن هو غير الشرعي، أو من هو المعتدي ومن هو المقاوم؟! وفي كل حال، هناك إجابة ثالثة ربما أكثر شعبية، وإن كانت أقل تأثيراً، توصّف الأمور على أساس عدوانين: داخلي وخارجي.

أياً كان الأمر، الجوانب العملية هي الحاسمة عادةً، وعلى هذا المحك، لا مقارنة في الإمكانات المادية والبشرية والعسكرية والإعلامية… بين «التحالف العربي» وقوى وأنصار «الشرعية» من جهة، و«الحوثيون» وأنصارهم من جهة أخرى. لصالح الطرف الأول الذي يقوم بتضييق الخناق على «الحوثيين» باطراد. وتمكن حتى الآن، من إزاحتهم من مساحات واسعة في الجنوب والشرق. 

لكن ذلك للأسف، لم يتم- كما يُفترض- لصالح الدولة، بل لصالح جماعات مسلحة متناحرة بأجندات فئوية متعارضة، بعضها إرهابية، وفي مقابل السلطة القمعية المرعبة التي يفرضها «الحوثيون» على المناطق التي يسيطرون عليها، لا توجد حتى الآن دولة في ما تسمى «المناطق المحررة»، ولا حتى سلطة موحدة، ولو بالحد الأدنى من التماسك والحضور والفاعلية!

تصب هذه النقطة الجوهرية لصالح «الحوثيين»، بما يجعلهم أكثر قدرة على المواجهة والمناورة، واستغلال الأخطاء والخطايا، وجوانب القصور والفشل الذريع لقوى «التحالف» و«الشرعية» في المناطق المحررة، لصالح رؤيتهم للحرب، باعتبارهم يجابهون عدواناً أجنبياً غاشماً ضد الدولة اليمنية وضد يمنيين ككل.

ومع ذلك، فالجماعة الحوثية، بسبب أجندتها الفئوية، وممارساتها الهمجية، تخسر باطراد… ميدانياً وشعبياً، ومن المؤكد أنها ستُنزاح اليوم أو غداً، فهي تحمل بذور فناءها في داخلها، وإذا كان هناك من عجب تجاهها، فهو صمودها حتى الآن، وأهم أسبابه:

– مؤتمر صالح: بانخراطه معها في شراكة سياسية وعسكرية، موفراً لها على الأقل غطاءاً شعبياً وامتداداً وطنياً، لتظهر، بعد انقلابها الأخير عليه، كما هي في الواقع، جماعة فئوية مناطقية. أقلية من أقلية.

– قوى الشرعية: بضعفها وفشلها وتشظيها وتناحرها، وبالمقارنة: الحوثيون عصابة، لكنها عصابة واحدة موحدة، تعمل وفق أجندة واحدة بمرجعية واحدة، في مقابل عشرات الأحزاب والجماعات والعصابات المتناحرة التي تعمل تحت غطاء الشرعية، بأجندات ومرجعيات شتى!

– عاصفة الحزم: فقد بدأت هذه العاصفة بلا استراتيجية، ومضت بلا رؤية، واستمرت بلا ترشيد، ويكفي في الحكم عليها أن (1000) يوم من القصف والحصار البري والبحري والجوي الخليجي في اليمن، انتهت بصواريخ المليشيات الحوثية تدك قلب الرياض!

المصدر: العربي

زر الذهاب إلى الأعلى