العرض في الرئيسةتحليلات

ماذا تعني انتقادات الأمير أحمد بن عبد العزيز..؟ ولماذا سارع إلى تصحيحها عند عودته إلى الرياض..؟

يمنات

كان مِن الطَّبيعي أن تَحظَى التَّصريحات التي أدلَى بِها الأمير احمد بن عبد العزيز آل سعود، وزير الداخليّة الأسبق، وشَقيق العاهِل السُّعوديّ التي أدلَى بِها في لندن أثناء زِيارَته لها مع مُحتَجِّين على سِياسَة بِلادَه، باهتمامِ الرأي العام السعوديّ، ووكالات أنباءٍ عالميّةٍ ليس لنُدرَتها فقط، وإنّما لأنّه جَرى تفسيرها على أنّها مُؤشِّرٌ على وُجودِ خِلافاتٍ في أوساطِ الأُسرةِ الحاكِمَة على قضايا مُتعَدِّدة أبرزها الحَرب التي يُشنُّها التحالف العربيّ بقِيادَة المملكة في اليمن.

الأمير أحمد بن عبد العزيز ظَهَر في فيديو مُسَجَّل انتشر على وسائِط التواصل الاجتماعي مِثل النَّار في الهَشيم وهو يتحدَّث بكُل أدبٍ وتَفَهُّمٍ إلى حَشدٍ من المُحتَجِّين في لندن كانَ يَهتِف ضِد سِياسيات الأُسرةِ الحاكِمة، ويقول لهم “آل سعود ما دَخلهم.. هُناك أفرادٌ مُعنيّون.. وهُم مَسؤولون”، مُضيفًا حسب ما جاءَ في وكالة الأنباء الفرنسيّة التي نَشَرت المُحتوى، “المَسؤولون هُم الملك ووليّ عَهدِه، ومَسؤولون آخرون”.

جِهاتٌ عَديدةٌ اعتَبرت هَذهِ التَّصريحات أمرًا نادِرًا يُوجِّهُه أحَد أفراد الأُسرة الحاكِمة إلى الملك ووليّ العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يَقود حملةً للانفتاح والإصلاح التي بَدأها في بِلادِه قبل عامَين تقريبًا، وكانَ من أبرَز عَناوينِها إعطاء حُريّات أوسَع للمَرأة وتَحجيم رِجال الدَّين ودَورِ مُؤسَّسَتِهِم الدينيّة في إدارَة شُؤون البِلاد، ولكن هَذهِ الحَملة ترافَقت أيضًا بإجراءِ حَملةٍ مِن الاعتقالات ضِد ناشِطين وناشِطات ليبراليين إلى جانِب بعضِ رِجال الدَّين وأبرَزهم الشيخ سلمان العودة المُتَّهَم بالإرهاب وتُطالِب النِّيابة العامّة بإعدامِه.

الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يتردَّد أنّه لم يُبايِع وليّ العَهد، ويضع صورة العاهل السعودي إلى جانب الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود في صَدر مجلسه، حسب صور نشرتها بعض المَواقِع الإلكترونيّة، بادَر في بيانٍ صادرٍ عنه قال فيه أنّ وَصف تصريحاتِه في لندن بأنّها انتقاد للعاهل السعودي ووليّ عَهدِه “غير دقيق”، وأضاف ما أردت قوله “أنّ الملك ووليّ عَهدِه مسؤولان عن الدولة وقراراتها”، حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء السعوديّة مساء الثلاثاء الماضي، وأكّد “هذا صحيح لما فيه أمن واستقرار البِلاد والعِباد، ولهذا لا يُمكِن تفسير ما ذكرت بغير ذلك”، ونشرت حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي مُقرَّبةً من الحُكومة صُورًا للأمير أحمد وهو يُقَبِّل يَد الملك سلمان بن عبد العزيز في مُحاولةٍ للتَّأكيد على وِحدَة صَف الأُسرةِ الحاكِمة والتفافِها حَولَ قِيادَتها.
الأمير أحمد يُوصَف بأنّه رَجُل صاحِب مَواقِف، ولا يتردَّد في التَّعبيرِ عنها أمام بعض المُقرَّبين مِنه، وقد أُقيل مِن منصبه كوزيرٍ للداخليّة في زَمن العاهِل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، عندما انتقَد تجاوزات لنائِبه الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز (أقاله الملك سلمان من وِلايَة العهد بعد تَعيينِه بأشهُر لإفساحِ المَجال أمام نَجلِه) لصلاحيّاته وعدم التَّشاوُر مَعه في بَعضِ القَضايا الأمنيّة الهامّة، وخَيّر العاهِل الراحل بينه وبين نائِبه الأمير محمد بن نايف، الأمر الذي جَعله، أي الملك عبد الله، يستشيط غَضبًا ويَعزِلُه من وزارة الداخليّة، ويُعيِّن الأمير بن نايف مكانه.

أحَد المُقرَّبين من الأمير أحمد الذي يُعتَبر ثانِي أصغَر أبناء الملك المُؤسِّس عبد العزيز (مقرن هو الأصغر) قال لـ”رأي اليوم” أنّه لم يَكُن راضِيًا عن شَنِّ الحَرب في اليمن، وعِندما سأله ذلك الشَّخص، وهو أكاديميٌّ مَعروفٌ، عن عَدم خُروجِه إلى العَلن بهذا الرأي، قال أنّه لن يفْعَل حِرصًا على وِحدَة الأُسرَةِ الحاكِمة.

ولا نَعتَقِد في هَذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” أنّ الأمير كان الوَحيد الذي عارَض، ويُعارِض حرب اليمن، خاصَّةً مع اقترابها من إنهاءِ عامِها الرابع دون حَسم، وهُناك آخرون في الأُسرةِ مِثله، خاصَّةً من جَناح الملك الراحل عبد الله، والأمير طلال بن عبد العزيز، شَقيق العاهِل السعودي وبعض أبنائِه.

كان لافِتًا أنّ الأمير أحمد بن عبد العزيز لم يَتعرَّض للاعتقال بعد عَودَتِه إلى الرياض من بِريطانيا، أُسوَةً بأُمراء آخَرين، شَقَّوا عَصا الطَّاعة على وليّ العَهد الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي يَطرَح العَديد من علاماتِ الاستفهام حتّى الآن على الأقَل، لأنّه مَعروفٌ عَن الأمير محمد بن سلمان، الحاكِم الفِعلي للبِلاد، بأنّه لا يتَسامَح مُطلقًا مَع مُعارِضيه، سواء داخِل الأُسرةِ أو خارِجَها.

المملكة العربيّة السعوديّة تَقِف في رأيِنا على أبوابِ مَرحلةٍ من التَّغييرِ الجَّذريّ، قد تبدأ من القِمَّة ولا تَنتَهِي بالقاع فقط، فإذا صحَّت الأنباء التي ذَكَرها موقع “تاكتيكال” الاستخباريّ وتُفيد بأنّ العاهِل السعوديّ الملك سلمان عَلَّق جميع أنشطته مُنذ يوم الأربعاء الماضي بِناءً على طَلبِ فريقِه الطبيّ، وبَعد فُحوصاتٍ أثبَتت مُعاناتَه من الإرهاقِ والإعياء، وضِيق التَّنفُّس، وأنّه عَمِل بهَذِه النَّصيحةِ الطبيّة وغادَر إلى المغرب لقَضاء بِضعَة أيّامٍ مِن النَّقاهة، فإذا صَحَّت هَذهِ الأنباء، فإنّه مِن غَيرِ المُستَبعَد أن نصحو قَريبًا على بَيانٍ من الديوان الملكيّ السعوديّ يُعلِن تَولِّي الأمير محمد بن سلمان العَرش بعد تَنازُل والده عَنه لأسبابٍ صحيّةٍ، وفي مُحاولةٍ لتَشديد قَبضَة حُكمه الفِعليّ على شُؤونِ البِلاد.

ربّما تَكون زِيارَة الملك سلمان إلى المغرب جاءَت لتَرطيب العَلاقات المُتوتِّرة بين البَلدين، وهِي علاقاتٌ تَوتَّرت بفِعل المَوقِف المغربيّ “المُحايِد” في الأزمةِ الخليجيّة، وتَأييدِ بَعضِ المَسؤولين السُّعوديين للمَلف الأمريكيّ لتنظيم مُسابَقة كأس العام عام 2026، ولكن مِن غير المُستَبعَد، وحسب مُراقبين غربيين، أن تكون عمليّة التَّغيير في قِمَّة الحُكم في السعوديّة قد أوشكت تَثبيتًا لأمرٍ واقِع.

السُّؤال المَطروح الآن، عمّا إذا كانَ الأمير محمد بن سلمان قد يُقْدِم على خُطوةٍ مُفاجأةٍ وتَعيين عمّه الأمير أحمد نائِبًا له، أو وَليًّا مُؤقَّتًا للعَهد أو في مَنصبٍ سِياديٍّ آخَر في خُطوةٍ لتَوحيد الأُسرةِ الحاكِمة خَلفُه؟

ربّما يكون هذا التَّوقُّع صادِمًا، لأنّه ليسَ من تقاليدِ آل سعود أن يَخضَع الكبير لسُلطَة الأصغَر سِنًّا من الأُمَراء، ولكن تعيين الأُمَراء سلطان، وسلمان، ونايف، ومقرن كأولياءِ عُهودٍ تجاوزًا لهيئة البيعة، رَغم وجود مَن هُم أكبَر سِنًّا مِنهُم من أبناء الملك عبد العزيز كَسَرَ هَذهِ القاعِدة.

تَساؤلنا يَبدو مَشروعًا ونحن نَرى عمليّة “التَّكسير” المُتسارِعة لمُعظَم “الثَّوابِت” التي أقدَم عليها وليّ العهد السعوديّ في العامَين الماضِيين، وكانَ مُعظَمُها مُفاجِئًا للكَثيرين، داخِل الأُسرة وخارِجها، ومِن أبرَزها قِيادَة المرأة للسيارة، وفَتح دُورٍ عَرضٍ سينمائيّ، واعتقال أُمَراء ورِجال دين يُعتَبر اعتقالهم خَطًّا أحْمَر.
الأيّام السعوديّة المُقبِلة، داخِليًّا وخارِجيًّا، قد تَكون حافِلَةً بالمُفاجآت.. واللهُ أعْلَم.

افتتاحية “رأي اليوم”

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى