أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسةتحليلات

علاقة المؤسسة الرسمية بالتطرف والإرهاب

يمنات

قادري أحمد حيدر

هذه القراءة كتبت في العام 2007م ولم تنشر في الصحافة السيارة وهي مثبتة في كتاب للباحث (اليمن في تحولات السياسة والواقع) . رأينا أهمية نشرها اليوم تنبيهاً وتحذيراً من خطورة استمرار الخلط بين الديني / والسياسي ، مصدر كل الشرور والحروب ، في الأمس واليوم، وغداً.

ويتم نشر المادة مع بعض الإضافات ، في محاولة لضرورة الاستيعاب النقدي لبعض ما يجري اليوم، حتى لايلتهمنا مكر التاريخ ونحن نتوهم أننا نؤسس لاختراع جديد .

كلمة لا بد منها :
إن العودة إلى الماضي والتاريخ ، كـ”استرجاع” وتقليب بعض صفحاته هنا ، ليس بهدف نكئ الجراح ، ولا محاولة لقراءة المستقبل من خلال أسوأ لحظات ومحطات ذلك الماضي الذي أصبح تاريخاً ، لأن ما استدعى ذلك إنما هو محاولة لتتبع المسار السياسي الموضوعي التاريخي للصيرورة السياسية ، والعملية الممارسية ، للعلاقة البنيوية والتكوينية بين المؤسسة السياسية الرسمية – شمال الوطن سابقاً – وبين الجماعات التكفيرية والمتطرفة ، و”الجهادية” القاعدية بعد ذلك ، وهو ما يعنينا هنا. فهدفنا هو: بحثي ، علمي ، تحليلي ، نقدي ، وليس البحث عن تهمة لطرفٍ ما أو إدانته ، وتبرئة لآخر ، بل هو محاولة وضع عنوان هذه القراءة البحث / الدراسة ، “علاقة المؤسسة السياسية الرسمية اليمنية ، بالتطرف والإرهاب” في سياقه الموضوعي التاريخي، لا أقل ولا أكثر. من خلال هذه الفقرة من القراءة نحاول استرجاع تاريخية هذه العلاقة في جذورها الأولى ، كما سجلتها وقائع التاريخ السياسي والاجتماعي في بلادنا (الشمال) بغية الإضاءة لما ستقوم به القراءة من متابعة جزئية محدودة لمفردات عنوان هذه الدراسة أو البحث ، بدءاً من المحاولات المبكرة بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967م ، وحتى اتفاقية جدة مارس 1970م مع السعودية. وكانت صورة الخطوات الإجرائية العملية الأولى هي الخلط والمزج بين التعليم (الأساسي والعام) وبين الدين السياسي الأيديولوجي الحزبي في منتصف سبعينيات القرن الماضي– العشرين – إلى استخدام الورقة الدينية “الجهادية” في الاقتتال الداخلي (الشطري فترة الحرب الباردة) ، إلى تحشيد وتجييش الشباب للذهاب إلى باكستان وأفغانستان، والشيشان ، والبوسنة ، حتى تجنيدهم للاغتيالات الداخلية بعد قيام دولة الوحدة للخصوم السياسيين في صورة اغتيال قيادات وكوادر وأعضاء الحزب الاشتراكي اليمني الذين وصل عدد الشهداء منهم إلى أكثر من مائة وستين شهيداً، وصولاً إلى الفتاوى “الجهادية” الدينية في حرب 1994م ، حتى اغتيال جار الله عمر الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني .

وسوف نعمل على التركيز في كل ذلك على العلاقة الرسمية بالجماعات التكفيرية و”الجهادية” (القاعدية) ، في صورة “فلاش باك” أو عملية استرجاع تاريخية سريعة ليس إلاَّ، حتى نتمكن من قراءة المشهد السياسي والواقعي الراهن بصورة صحيحة .

إن فكرة النقد في التاريخ ، لم تكن من أجل التاريخ (الماضي) ونقد الماضي ، وإنما من أجل الحاضر فالماضي كان ، والحاضر كائن واقع ، والنقد هنا للحاضر ، وللماضي معاً ، في محاولة الإسهام لجعل صورة ما سيكون (المستقبل) أجمل، ومن هنا تأتي أهمية هذه الخلفية التاريخية .

التعليم ، والدين السياسي

إن لعبة خلط الديني بالسياسي هي – عملياً – ظاهرة تاريخية ، مصاحبة ومرتبطة بكافة المجتمعات، والمتخلفة الاستبدادية منها على وجه التحديد (الدول الأيديولوجية الدينية) التي لم تدخل بعد إلى مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة ، ولا حتى إلى مشروع الدولة الوطنية والقومية الاستبدادية .. دول وأنظمة ومجتمعات هيمنت على قمتها السياسية (نخبتها) جماعة ثيوقراطية ، أوتوقراطية ، قبلية عشائرية ، مذهبية ، دينية أو طائفية ، (إقطاع سياسي ، قبلي ، عسكري ديني) ، قوى تحاول – لغياب مشروعها الوطني-، توظيف الدين المقدس لتمرير مصالحها السياسية العابرة باسم الدين . وقد أدركت هذه الجماعة (النخبة) في تحالفها ذلك أهمية وخطورة وحساسية المسألة الدينية ، ودور الدين في ذلك ، فحاولت أن تؤسس لنظامها الثيوقراطي الاستبدادي ، من خلال قاطرة التعليم ، وكانت بذلك تمارس موقفاً سياسياً برجماتياً –نفعياً في إدراكها لمصالحها ، ووسائل تعميم نفوذها السياسي والسلطوي – قبل الديني – والذي دخلت إليه من باب التعليم ، والهيمنة على المؤسسة التعليمية (*) ، ليس بهدف السياسة ، بل وتديين الواقع، (المجتمع) والعلم ، والسلطة والدولة ، وجميع مخرجات الحياة العامة(1) . وكأننا أمام حالة “أسلمة للدولة” والمجتمع معاً.

بهذا الصدد يشير الباحث حسن شكري إلى أنه قد “لعب التعليم الديني في الجمهورية العربية اليمنية – سابقاً – دور إحدى الروافع السياسية الأساسية لنشاط حزب الإخوان المسلمين – جماعة الإخوان المسلمين – الباحث – وفي القلب منهم الجناح السلفي الوهابي ، وتقوية نفوذهم السياسي في صفوف الشبيبة، والمجتمع ، ومؤسسات الدولة ، ويتحقق ذلك في الوقت نفسه في الارتباط بالتثقيف السياسي الديني كرافعة سياسية أخرى لها نفس الأهمية بالنسبة لهذا الحزب”(2) أو الجماعة. ذلك أن التيار السياسي الديني لم يطلق على نفسه أنه “حزب الإخوان المسلمين” ، لأن الجماعة الأيديولوجية السياسية الدينية الوهابية والسلفية لم تكن تاريخياً تعترف بل وترفض الأقرار بالقول بفكرة “الحزب” من أساسها وأصلها. ومن هذه البدايات الأولى المبكرة – التدريجية – بدأ اشتغال الجماعة السياسية الأيديولوجية الدينية على التعليم (الأساسي ، والعام)، وهي عملياً بدايات تداخل ، الديني ، بالتعليمي ، بالسياسي ، وبالسلطة ، والدولة ، وبالمال ، وهو فضاء التحرك المفتوح لتوسع وامتداد التأثير الأيديولوجي – السياسي الديني لجماعة “الإخوان المسلمين” كتنظيم ، وخصوصاً لبداية نشاط الجماعة السياسية الدينية الوهابية ، والسلفية المتطرفة. ومن قلب تلكم البدايات والوجود تشكلت خميرة الفكرة المتشددة والمتطرفة ، وكذلك الفكرة “الجهادية” القتالية ضد المغايرين والمختلفين في الداخل ، وفي الخارج بعد ذلك .

ويرى البعض أن وجود “الإخوان المسلمين” كحزب أو تنظيم في اليمن ، تعود بداياته إلى العام 1937– 1940م مع وصول أول بعثة طلابية إلى القاهرة للدراسة. والحقيقة أن الصلة كانت فردية وليست على أساس تنظيمي (حزبي)، وهو ما يقوله ويؤكده القاضي عبدالرحمن الإرياني في كتاب “وثائق أولى عن الثورة اليمنية قائلاً: “على الرغم من أن أيا من الأحرار لم يكن منضماً إلى الإخوان المسلمين إلا أن بعضهم كان قد اتصل بالشهيد الشيخ حسن البنا كالأستاذين الزبيري ، والنعمان ، وعبدالله بن علي الوزير ، والمسمري ، ومحيي الدين العنسي”(3)، ولم نقرأ في الوثائق والبحوث التاريخية عن مسمى “حزب” أو “تنظيم الإخوان المسلمين” في اليمن ، هذا للتدقيق ليس إلاَّ .

ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، ارتبط نشاط الجماعة السياسية الدينية ، وكانت مجموعة محدودة جداً ، بقيادة عبده محمد المخلافي ، وعبدالمجيد الزنداني ، وعبدالملك الطيب بالجناح السياسي المحافظ والتقليدي (القبلي ، العسكري ، الديني) المعادي لثورة 23 يوليو 1952م في مصر، ورفضهم بعد ذلك للوجود المصري الداعم للثورة في اليمن .

ومع أنه “صدر في اليمن بعد الثورة قانون رقم (24) لسنة 1964م الذي سمح بتكوين معاهد دينية”(4)، إلا أن التوجه السياسي الأيديولوجي ، والوطني العام الذي ساد بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كان – كرد فعل للإمامة – ضد التعليم التقليدي الإمامي الديني ، الذي طبع التعليم بالمذهبية ، والسلالية ، والرجعية والتخلف. ومع ثورة 26 سبتمبر، توسعت قاعدة التعليم الحديث في الداخل ، وإلى الخارج في صورة البعثات التعليمية الكبيرة التي شملت العديد من الأقطار العربية ، والأجنبية ، وبقي القانون رقم (24) لسنة 1964م مجمداً ومعطلاً لأكثر من سبب أهمها، : نتيجة ردة الفعل الطبيعية على التعليم الديني والمذهبي (الطائفي) في المرحلة الإمامية ، وبالتالي ضد التعليم الديني نتيجة المناخ السياسي والأيديولوجي التحرري الوطني والقومي. إلاَّ أنه استعاد حيويته، بسبب ما ترتب على انقلاب5 نوفمبر 1967م من صعود الجناح السياسي والأيديولوجي التقليدي المحافظ (القبلي، العسكري ، شبه الإقطاعي ، السياسي ، الديني) بقوةَ إلى السلطة ، وهيمنته على مفاصل السياسة والسلطة والدولة تحت اسم “المجلس الجمهوري” ، ومع تصفية القوى العسكرية، والسياسية والمدنية الحديثة ، بدأ العد التصاعدي لهيمنة الفكر والثقافة التقليديين ، واتَّسعت معه – تدريجياً – مساحة التعليم الديني في طابعه السياسي ، الأيديولوجي ، الوهابي ، خاصة مع دخول السعودية طرفاً أساسياً ومقرراً في الشأن السياسي والداخلي اليمني، وخصوصاً من بعد عقد اتفاقية جدة مارس 1970م .ويرى البعض أن وجود “الإخوان المسلمين” كحزب أو تنظيم في اليمن ، تعود بداياته إلى العام 1937– 1940م مع وصول أول بعثة طلابية إلى القاهرة للدراسة. والحقيقة أن الصلة كانت فردية وليست على أساس تنظيمي (حزبي)، وهو ما يقوله ويؤكده القاضي عبدالرحمن الإرياني في كتاب “وثائق أولى عن الثورة اليمنية قائلاً: “على الرغم من أن أيا من الأحرار لم يكن منضماً إلى الإخوان المسلمين إلا أن بعضهم كان قد اتصل بالشهيد الشيخ حسن البنا كالأستاذين الزبيري ، والنعمان ، وعبدالله بن علي الوزير ، والمسمري ، ومحيي الدين العنسي”(3)، ولم نقرأ في الوثائق والبحوث التاريخية عن مسمى “حزب” أو “تنظيم الإخوان المسلمين” في اليمن ، هذا للتدقيق ليس إلاَّ .

ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، ارتبط نشاط الجماعة السياسية الدينية ، وكانت مجموعة محدودة جداً ، بقيادة عبده محمد المخلافي ، وعبدالمجيد الزنداني ، وعبدالملك الطيب بالجناح السياسي المحافظ والتقليدي (القبلي ، العسكري ، الديني) المعادي لثورة 23 يوليو 1952م في مصر، ورفضهم بعد ذلك للوجود المصري الداعم للثورة في اليمن .

ومع أنه “صدر في اليمن بعد الثورة قانون رقم (24) لسنة 1964م الذي سمح بتكوين معاهد دينية”(4)، إلا أن التوجه السياسي الأيديولوجي ، والوطني العام الذي ساد بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كان – كرد فعل للإمامة – ضد التعليم التقليدي الإمامي الديني ، الذي طبع التعليم بالمذهبية ، والسلالية ، والرجعية والتخلف. ومع ثورة 26 سبتمبر، توسعت قاعدة التعليم الحديث في الداخل ، وإلى الخارج في صورة البعثات التعليمية الكبيرة التي شملت العديد من الأقطار العربية ، والأجنبية ، وبقي القانون رقم (24) لسنة 1964م مجمداً ومعطلاً لأكثر من سبب أهمها، : نتيجة ردة الفعل الطبيعية على التعليم الديني والمذهبي (الطائفي) في المرحلة الإمامية ، وبالتالي ضد التعليم الديني نتيجة المناخ السياسي والأيديولوجي التحرري الوطني والقومي. إلاَّ أنه استعاد حيويته، بسبب ما ترتب على انقلاب5 نوفمبر 1967م من صعود الجناح السياسي والأيديولوجي التقليدي المحافظ (القبلي، العسكري ، شبه الإقطاعي ، السياسي ، الديني) بقوةَ إلى السلطة ، وهيمنته على مفاصل السياسة والسلطة والدولة تحت اسم “المجلس الجمهوري” ، ومع تصفية القوى العسكرية، والسياسية والمدنية الحديثة ، بدأ العد التصاعدي لهيمنة الفكر والثقافة التقليديين ، واتَّسعت معه – تدريجياً – مساحة التعليم الديني في طابعه السياسي ، الأيديولوجي ، الوهابي ، خاصة مع دخول السعودية طرفاً أساسياً ومقرراً في الشأن السياسي والداخلي اليمني، وخصوصاً من بعد عقد اتفاقية جدة مارس 1970م .

لقد شهدت البلاد – شمال الوطن سابقاً – في “فترة نوفمبر 67 – يونيو 1974م بداية التغييرات (السياسية ، الأيديولوجية) الأساسية لصالح “الإخوان المسلمين” عموماً – والجماعة السلفية المتطرفة تحديداً – الباحث – على وزارة التربية والتعليم، وتوجيه نفوذهم باتجاهين : الأول ، توسيع حصة المنهاج الديني ضمن منهاج التعليم العام في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم ، والثاني، إنشاء نمط خاص من مدارس التعليم الديني ، المسمى بـــــِ “المعاهد الدينية” ، وخاصة بعد تعيين عبدالملك الطيب وزيراً للتربية والتعليم في حكومة 5 نوفمبر ، وكان إلى جانبه يحيى الشامي الشخصية الوطنية الذي (تعين) نائباً للوزير”(5). وبعد أحداث 23 – 24 أغسطس 1968م ، وتحديداً بعد ما يسمى بـ”المصالحة الوطنية” ، واتفاقية جدة مارس 1970م مع السعودية، أصبحت هيمنة الجماعة أو التيار الديني السياسي (الوهابي) على التعليم العام شبه كاملة غزا معها الإسلام النفطي ، ونمط الاستهلاك الخليجي (البترودولاري)، ليس اليمن فحسب ، بل كل المنطقة العربية ، وذلك بفضل عاملين مترابطين: الأول: تراجع المشروع الوطني والقومي التحريري العربي بعد هزيمة حزيران 1967م ، والذي تعاظم تراجعه أكثر بعد “اتفاقية كامب ديفيد” الإستسلامية 1979م، والثاني : تصاعد دور دول الخليج النفطية الأساسية في الحرب الباردة (وعلى الوجه الأخص السعودية) ، سيما بعد إيقافها تصدير أو ضخ النفط – أسابيع قليلة – أدى إلى ارتفاع أسعاره بصورة كبيرة ، ارتفع معه الرصيد السياسي والجماهيري للمملكة السعودية في عهد (الملك فيصل) بحيث وظفته المملكة في خدمة النظام الرأسمالي والإمبريالي ، وفي نشر الأيديولوجية المذهبية الوهابية السلفية المتطرفة إلى كل المنطقة العربية ، و(اليمن بدرجة أساسية) وهو ما صرح به وأعلنه لاحقاً قبل أشهر من نهاية عام 2018م، ولي العهد محمد بن سلمان ، في قوله من أننا نشرنا الفكر الوهابي باتفاق مع أمريكا- وتجلى ذلك للعيان بعد هجرة العمالة العربية ، واليمنية الواسعة إلى السعودية ، ودول الخليج عامة ، والتي كرست بالنتيجة نمط الحياة الاستهلاكي الرأسمالي التابع والمشوه في طابعه العشائري القبلي البدوي المذهبي الديني، (الاسلام البتردولاري/القبلي/البدوي الصحراوي)، والذي تقاطع موضوعياً وتاريخياً مع مصالح الرأسمالية العالمية التي كان من مصلحتها توظيفه – كذلك – لخدمة السياسة عالمياً. وتم توظيف الدين لحصار وضرب الشيوعية (المعسكر الاشتراكي)، وكان لهذه السياسة آثارها وانعكاساتها السلبية ، ثقافياً وفكرياً وتعليمياً وسياسياً على المستوى الوطني اليمني . وبذلك غدت معه المعاهد الدينية نمطاً تعليمياً موازياً للتعليم العام السائد ومستقلاً عن وزارة التربية والتعليم الرسمية ، مع أنها ممولة من موازنة الدولة العامة ، فظهرت حالة من ازدواجية التعليم استمرت لأكثر من ثلاثة عقود ونيف من الزمن لتأتي البداية التأسيسية والقانونية للمعاهد الدينية “مع تعليق الدستور الدائم العام 1970م الذي كان ديمقراطياً إلى حد ما – على الأقل – تجاه المسألة التعليمية. ومع قيام حركة 13 يونيو 1974م جاء إصدار قرار رئيس مجلس القيادة بالقانون رقم (22) لسنة 1974م بتاريخ 19/6/1974م، علماً أن هذا القانون بقي مجمداً لأكثر من سنة في أدراج القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري ، ولم يصدره ، وكان مقدماً من القاضي عبدالله الحجري رئيس الوزراء ذي الميول المنشددة والمتطرفة دينياً. وهكذا دخل التعليم السياسي الديني بقوة إلى مناهج التعليم ، في ج . ع . ي ، ومن هنا تحديداً حدث التطور القانوني والتنظيمي الذي عمق المحتوى الديني (السياسي ، الأيديولوجي) للتعليم العام الأساسي والثانوي ، إذ أعطاهم “القانون بقرار” هيئة شرعية هي “الهيئة العلمية” والتي كانت بمثابة وزارة أخرى للتعليم ، لكنها متخصصة في التعليم الديني ، هذا إلى جانب هيئة أخرى للتثقيف السياسي تمثلت في “مكتب التوجيه والإرشاد” وهي أيضاً بمثابة وزارة أخرى مقابلة ومضادة لوزارة الإعلام والثقافة ، وأدرجت كل من الهيئتين بصورة مستقلة في الخطة الخمسية الأولى إلى جنب كل من وزارة التربية والتعليم ، ووزارة الإعلام والثقافة ، وليس كجزء منها(6).

ومنذ ذلك الحين أصبح التعليم الديني مؤسسة أيديولوجية سياسية في قلب النظام التعليمي للدولة ، ينشر ثقافة العنف والكراهية وعدم التسامح وإقصاء الآخر، (الاخر في الداخل وفي الخارج) ثقافة التشدد والتطرف والتكفير والإرهاب . وعلى صلة يومية بالجماهير والناس (المجتمع) من خلال المدرسة الدينية ، والمسجد ، والمعهد ، ومراكز تحفيظ القرآن ، والجمعيات الاجتماعية المختلفة ، وبما يخدم جماعة ، أو تياراً أيديولوجياً سياسياً ، أو تنظيماً حزبياً بعد ذلك في قلب النظام ومؤسساته المختلفة وهو ما ننبه ونحذر من خطورة استمراره واعادة انتاجه تحت مسميات جديدة-صراع سني، شيعي-والذي نقرأ ونطالع ملامحه السلبية والسيئة في صور العديد من المظاهر والتجليات الكارثية، تحديدا على مستوى التعليم في بلادنا والتي لن تكون سوى اعادة انتاج للمأساة والكارثة تحت عناوين جديدة .

وكأننا نصر على عدم التعلم من تجارب التاريخ المأسوي القريب، والذي ماتزال تفاصيل تداعياته العفنة قائمة وتلاحقنا في صورة كل ما يجري اليوم.
 
لقد شكل ذلك القانون -قانون التعليم- في تلك المرحلة السياسية التاريخية الحساسة ، نقطة الانطلاق الأولى للتوسع التدريجي للجماعة السياسية الدينية الوهابية تحت مسمى”الجماعة الإسلامية” ، أو “الإخوان المسلمين” ، ليس في مجال التعليم فحسب ، بل وفي جميع مفاصل السياسة والثقافة والمجتمع ، والاقتصاد والعسكرة والأمن. ولعب الطلاب اليمنيون حديثو التخرج من المراكز والمعاهد ، والجامعات الدينية السعودية (الوهابية)، دوراً كبيراً في تعزيز حضور ومكانة التعليم الديني المذهبي الوهابي ، وفي نشر الثقافة العصبوية في التعليم الأساسي والعام، بل وحتى الجامعي وإن بنسبه محدودة جداً في البداية ، على قاعدة المذهبية الوهابية، والعسكرة. وبذلك جمعت الجماعة السياسية الإسلامية، منذ خطواتها الأولى نحو التأسيس ، بين الطابع الدعوي السلفي ، وبين العمق الحركي التنظيمي ، والعسكري على وجه الخصوص ، (الدعوة ، والحركة). والتأكيد هنا على المسألة العسكرية والأمنية ليس آتياً من فراغ ولا قولاً مرسلاً ، ذلك أن قانون التعليم الذي اصدر في ذلك الحين “حدد سنوات الدراسة الثانوية للمعاهد الدينية بأربع سنوات ، أي بزيادة عام آخر ، على سنوات التعليم الثانوي العام ، واشتملت على مادة التربية العسكرية بنص المادة (162) وجعل القانون ، التعليم بالمعاهد الدينية العلمية مجانياً وتنص المادة (163) “أن على الوزارة تشجيع القبول بهذه المعاهد بالحوافز المادية والمعنوية ، وكذا إلزام الوزارة تخصيص ميزانية هذه المعاهد منفصلة عن غيرها من أنواع التعليم (فقرة -3) ، وبذلك ألحقت المدرسة – والتلميذ من الصغر – والتعليم عموماً ، والمساجد(7)، والأوقاف ، والإرشاد ، والجمعيات الخيرية والاجتماعية المختلفة ، بالجماعة السياسية الدينية الوهابية بالمطلق. علماً أن هذا التعليم الديني (المذهبي الوهابي) كان يتلقى دعماً مالياً ، ومعنوياً ، وأيديولوجياً ، من مصادر متعددة : من المؤسسة السياسية الرسمية اليمنية ، ومن المؤسسة الرسمية السعودية (المملكة)، وهو دعم غير معلوم حجمه ومقداره ، لأنه لا يمر عبر المؤسسة الرسمية اليمنية. وكذا يتلقى الدعم عن طريق الجماعات السياسية الدينية في بعض دول الخليج. غير أنه يبقى الدعم السعودي المادي ، والسياسي ، والأيديولوجي إلى جانب الدعم الرسمي هو الأساس، وهو ما كان يفسر الصلة التاريخية للمؤسسة السياسية الرسمية (شمال اليمن سابقاً) بالجماعة السياسية الدينية الوهابية المتشددة تحديداً ، وهو امتداد للنفوذ السعودي في القرار السياسي الوطني اليمني الداخلي ، الذي تحكم لسنوات طويلة بميزانية الدولة (الحكومة) اليمنية عن طريقين، الأول: دعم ميزانية الدولة أو المؤسسة السياسية الرسمية بصورة مباشرة وعلنية ، والثاني : عن طريق دعم خاص بالمشائخ الكبار وزعماء القبائل في المناطق الشمالية ؛ وكبار العسكريين والسياسيين الملحقين بالمشيئة السعودية. وانطلاقاً من ذلك “احتضنت السعودية جهابذة الفكر المتخلف والرجعي ، وجعلت البلاد مرتعاً خصباً لكل العناصر المعادية للتقدم والمطرودة من بلادها في معظم أقطار المنطقة العربية، واغلبهم على صلات وثيقة بأحزاب محظورة (…) ولم تأل الدولة السعودية جهداً في توحيد خليط بشري غير متجانس ، لبعضهم صلات بدوائر استعمارية معروفة ، ضمن منظمات وهيئات متواجدة في بلدان مختلفة تحت المظلة “الإسلامية” ، والتنسيق في ما بينها عبر أحلاف مشبوهة ترعاها وتشرف عليها مالياً ، وسياسياً السعودية”(8)، حيث تعاظمت أهمية الأيديولوجية السياسية الدينية – في تلك المرحلة – بتحالف مع أمريكا والغرب، أولاً: في مواجهة نظام جمال عبدالناصر الوطني والقومي التحرري ، وثانياً في حصار وقمع الأحزاب والتيارات الثورية والديمقراطية (القومية والاشتراكية) ، وثالثاً في مواجهة الشيوعية في فترة الحرب الباردة ، وهي الحملة التي تزعمها أمريكياً ؛ كيسنجر ، ومن بعده “بريجنسكي ونظريته القائلة أن لا شيء قادر على مواجهة العقيدة الشيوعية إلا العقيدة الدينية”(9). وهذا القول صار مأثوراً عن بريجنسكي جاء في صياغة أدبية نثرية راقية حيث قال: “نحن ندعم الحركات الإسلامية لأنها الصخرة التي يتحطم عليها أعداؤنا من الشيوعيين .. إنهم أصابعنا الإلهية التي تقتل أعداءنا وأيدينا نظيفة من دمائهم ، إنهم يقتلون بنفس البساطة التي نحتسي بها كأس الليمون المثلج”(10) .

الهوامش

* – لقد اهتم “الإخوان” أو “الجماعة الإسلامية” تاريخياً –منذ حسن البنا الذي كان في الأصل معلماً- بالتعليم ، وبالمدرسة، وبالمعلم، وتجنيده أيديولوجياً في نشر فكر الجماعة (الدعوة) وفي تأكيد حضور الجماعة سياسياً وأيديولوجياً وتنظيمياً ، في المجتمع باسم الدين، وسلطة احتكاره للجماعة ومن هنا كان التركيز على التعليم أولاً، والمدرسة بمختلف مسمياتها ثانياً…، ليتم إلحاقهما بالمسجد ثالثاً. ومن خلال التعليم، والمسجد الذي جرى احتكاره بالمطلق لجماعة سياسية معينة، تحقق “للجماعة الإسلامية” الامتداد الديمغرافي الواسع في كل جغرافية شمال الوطن سابقاً. ومن هذه الخلفية الأيديولوجية –السياسية، نشأت فكرة المعاهد الدينية (العلمية) (كتعليم مواز) ومدرسة موازية، وهو ما أنتج عملياً حالة إزدواجية التعليم… ولعبت الثروة النفطية، وثقافة الصحراء والبداوة التي غزت وعصفت بالمنطقة العربية منذ نكسة 5حزيران 1967م دوراً كبيراً في ذلك الامتداد والانتشار الذي اشتغل عليه الرئيس أنور السادات بعد انقلابه على ثورة 23 يوليو 1952م في 15 مايو 1970م، والتي قادت بعد ذلك إلى زيارة إسرائيل، ومعاهدة كامب ديفيد 1979م.

1 – وفي هذا الصدد يشير الباحث د. فؤاد الصلاحي إلى دور الدولة في اليمن في إدماج الدين واستغلاله في مشاريعها السياسية ، وكيف عمدت الجماعات الإسلامية (الإسلام السياسي) لنفس الفكرة أو الاتجاه . أنظر للمقارنة د. فؤاد الصلاحي (المثقف والسلطة والمجتمع) دراسة / مجلة دراسات يمنية العدد (77) يونيو 2005م ، ص 142-147.

2 – حسن شكري ، مسودة كتاب أو كتيب تحت عنوان “الإخوان المسلمون والارتباط بالتعليم في اليمن” ، ص 3 تحت الطبع ، علماً أن تسمية “الإخوان المسلمين” لا وجود لها في وثائق وأدبيات الجماعة الإسلامية في اليمن ، وهي في تقديرنا تسمية اجتهادية من بعض الباحثين ، لأن الجماعة لم تسم نفسها يوماً “حزب الإخوان المسلمين” لذا لزم التنويه .

3- القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني (كتاب مشترك مع المشير السلال ، عبدالسلام صبرة) “كتاب وثائق أولى عن الثورة اليمنية” ص 118-119 ، مركز الدراسات والبحوث اليمني / صنعاء ط ثانية 1992م .

4- حسن شكري نفس المصدر ص 9 .

5 – حسن شكري نفس المصدر ص 15 – 16 .

6 – أنظر حسن شكري المصدر السابق ص 27-28-33 .

7- حسن شكري مصدر سابق ص 35 .

8- حسن شكري مصدر سابق ص 87 .

9- حسن شكري مصدر سابق ص 87 .

10- حسن شكري مصدر سابق ص 87 .

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى