العرض في الرئيسةفضاء حر

الكنز وحكاية قرية الغمام

يمنات

عبد الكريم الرازحي

(1)

بعد عودتها من الجبل بالغنم اخبرت الراعية اهل قريتها بأنهاابصرت حمارا في الوادي
وفوقه كنز. وبمجرد ان اذاعت الراعية الخبرساور اهل القرية وخصوصا كبار السن شعور بالفزع. ذلك ان الحمار كان عدوهم، وكان وصول حمار الى قريتهم يعني ان هناك خطرا يتهددهم. لكن البعض من اهل القرية راح يشك بكلام الراعية والسبب هو ان قريتهم كانت تقع بعيدا عن طريق الحمير فضلا عن انهم كانوا قد بنوا جدار عازلا حول قريتهم وذلك بعد ان غادرها “الولد الملعون “.

وحين سألوا الراعية من اين جاء الحمار وكيف وصل الى القرية..؟

قالت بانها لاتعرف من اين جاء وكيف وصل !
وكان اهل القرية يسمعون عن كنوز تأتي من عدن تحملها بهائم من حديد الى منطقة “الراهدة” ومنها تنقلها الحمير الى” رأس النقيل”

ومن “راس النقيل” الى اسواق القرى المحيطة بهم وتلك التي في سقوف الجبال لكنهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن هذه القرى وعن هذه الاسواق التي تُحمَل اليها الكنوز .

(2)

كان اسم قريتهم” قرية الغمام” وكانت قرية معزولة ومحشورة بين جبلين ومختفيه في قعرهُوّة سحيقة لا تصل اليها الشمس ولا يصل اليها احد من ابناء القرى القريبة والبعيدة.

ولشدة ماكانوا معزولين ولديهم ميول قوية للعزلة فقد ارعبهم وصول حمار الى قريتهم وكان ان راحوا يتساءلون من اين دخل الحمار وكيف اخترق الجدار..!!

كان الحمار في نظرهم دابة الشيطان التي تجلب الشر وتغري سكان القرى بمغادرة قراهم وكانوا يرون في وصوله للقرية علامة شؤم لكنهم وقد عرفوا بانه يحمل لهم كنزا داخلهم شعور بالطمع وطلبوا من الراعية ان تدلهم على المكان الذي ابصرت فيه الحمار وعندما اقتادتهم الراعية الى المكان وجدوا الحمار ميتا والكنز مشدودا على ظهره بحبال قوية وعندها تبين لهم بان الحمار سقط الى قريتهم من شاهق و من طريق الحمير.

(3)

كان رأي كبار السن هو ان يحفروا حفرة ويدفنوا فيها الحمار مع الكنز لكن فتيان القرية اعترضوا على كلام كبار السن وقالوا:
– ندفن الحمار ونحتفظ بالكنز
وعلى مضض وافق كبار السن على الاحتفاظ بالكنزوقام الفتيان بحمله الى ساحة القرية بعدان دفنوا الحمار في حفرة واهالوا عليه التراب.

(4)

كانت معرفة سكان “قرية الغمام “بالعالم المحيط بهم تكاد تكون معدومة وكانوا لشدة عزلتهم يعيشون حياتهم بطريقة بدائية مقارنة بالقرى الواقعة في طُرُق الحمير لذلك عندما فتحوا الكنز وجدوا انفسهم عاجزين عن معرفة محتوياته وغير قادرين على الاستفادة منه وفي ساحة القرية راحوا يجهدون عقولهم علّهم يعرفون ماهو هذا الكنز الذي وصل اليهم من دون ان يذهبوا اليه !! وهل فيه فائدة لهم!! وماهي تلك الفائدة!! لكنهم وقد عجزت عقولهم واثبتت عجزها عادوا ليطرحوا نفس الفكرة السابقة وهي ان يدفنوا الكنز مثلما دفنوا الحمار لكن فتيان القرية واصلوا رفضهم لفكرة دفن الكنز وراحوا يفكرون ويعيدون التفكير بعقول اكثر انفتاحا وبعد ان فكروا مليّا اقترحوا الاتصال بالعالم الخارجي وجلب خبير من القرى الواقعة على طريق الحمير كيما يخبرهم عن محتويات الكنز وعن كيفية الاستفادة منه.

غيران كبار السن في القرية توجّسوا خوفا وكان رايهم بأن اي اتصال بالعالم خارج قريتهم بشأن الكنز الذي هبط عليهم سوف يضرُّبهم ويجلب لهم المتاعب.

ويومها قال لهم الرجل الاكبرسنا:
– لوذهبتم لاحضار خبير من القرى الواقعة على طريق الحمير فان الخبير بعد عودته الى قريته سوف يدل الغرباء على قريتنا..

وكرر لهم ماسبق وقاله وهو ان من صالحهم وصالح قريتهم ان يدفنوا الكنز.

ولأن الفتيان كانوا غالبية فقد اصروا على موقفهم وعلى ضرورة الاستفادة من الكنز الذي حمله الحمار الميت اليهم لكنهم من اجل ان يُطمئنوا كبار السن ويزيلوا مخاوفهم ويقنعوهم بصواب فكرتهم قالوا لهم بانهم سوف يعصبون عيون الخبير اثناء مجيئه وعند عودته حتى لايدل الغرباء على قريتهم.
وعندها وافق كبار السن لكن موافقتهم لم تكن عن قناعة او عن اقتناع وانما لانهم كانوا اقلية وفي صباح اليوم التالي ذهب ثلاثة فتيان الى اقرب قرية تقع على طريق الحمير وعادوا منها ومعهم خبير معصوب العينين وعند وصوله ازالوا العصابة عن عينيه وطلبوا منه ان يخبرهم عن محتويات الكنز، لكن الخبير بمجرد ان وقع بصره على مايسمونه كنزا بدا مندهشا ومستغربا من جهل اهل القرية الذين لايميزون بين الكنز وبين اشياء عادية موجودة في اسوق ودكاكين القرى وفي كل بيت وقال وهو يضحك ساخرا من جهلهم..

– ليس هذا كنزا من قال لكم انه كنز..!!
قالواله وقد اغاضهم بضحكه واغضبهم بكلامه:
– هذا كنز ونحن نعرف بانه كنز
وحتى يؤكدوا له بانه كنز اخبروه بان الحمير تنقل الكنوز على ظهورها الى الاسواق
وشعر الخبير بانه امام اناس متوحشين لايفقهون شيئا ويمكنهم ان يلحقوا به الأذى إن هو خالفهم الراي فكان ان لاينهم وراح يسالهم عن السوق التي جلبوا منها كنزهم..

قالوا له بانهم لم يذهبوا الى الاسوق ولايعرفون شيئا عن الكنوز التي تُنقل اليها وتُعرض فيها وانهم لهذا السبب احضروه ليستعينوا به باعتباره خبيرا يقطن في قرية تقع على طريق الحمير

(5)

كان في اعتقادهم ان القرى الواقعة على طُرُق الحمير قرى متحضرة ولدى اهلها معرفة اكثر منهم بهذه الكنوز وبكيفية الاستفادة منها
ولخشية الخبير من غضبهم وافق على رايهم بأنه كنز لكنه سالهم كيف وصل الكنز اليهم وهم لم يخرجوا من قريتهم..

قالوا له وهم يشيرون بأصابعهم الى”رأس النقيل” بأن حمارا سقط من سقف الجبل ووصل الى قريتهم ميتا واخبروه كيف انهم دفنوا الحمار واحتفظوا بالكنز.

وتذكر الخبير حمار المُطَلِّس الذي سقط من “رأس النقيل” وادرك العلاقة بين سقوط حمار المطلس وبين وجوده في” قرية الغمام “التي لم يسمع بها رغم قربها الشديد من قريته لكن اكثر مااثار دهشته واستغرابه هو ان اهالي القرية كانوا مازالوا يعيشون تلك الحياة الموغلة في البدائية.

(6)

بعد ان اخبروه من اين سقط الحمار قال لهم بان الحمار الذي حمل الكنز اليهم ووصل ميتا هو حمار المُطَلِّس..

وسألوه عن المطلس من هو!! ومن يكون !!فاخبرهم بانه تاجر وبان حماره كان يحمل بضاعة
قالوا له محتجين : لماذا تقول بضاعة وانت تدري بانه كنز !!

كان لديهم اعتقاد بان الخبير يستغل جهلهم ويسمي كنزهم بضاعة لذلك راحوا يحذرونه من الكذب عليهم وطلبوا منه ان يصدقهم القول ويخبرهم بمحتويات الكنز، وكيف يمكن الاستفادة منه، ووعدوه بمكافأة إن هو تعاون معهم وساعدهم في استثمار كنزهم.

قال لهم الخبير بان الكنز الذي وصل اليهم هو كنز عظيم وفيه خير كثير وفوائد كثيرة
وعندها ابتسموا بعد تجهم وسالوه عن محتويات كنزهم فقال لهم:

– سكر وشاي وصابون و كبريت وجاز وفوانيس
ولشدة دهشتهم راحوا يتهجون الاسماء ويطلبون منه ان يعيد ها على مسامعهم..

وبعد ان حفظوها سألوه ان يريهم منافعها وكان اول مافعله هو ان علمهم كيف ينتفعون بالصابون وكانت دهشتهم كبيرة وهم يرون رغوة الصابون
ويومها اغتسلوا بماء النبع وغسلوا اجسادهم بالماء والصابون ونفس الشيئ فعلت النساء وبعد ان عرفوا بان الصابون يزيل الاوساخ سالوه عن فوائد بقية عناصر الكنز فوعدهم بانه سوف يريهم فوائدها عند دخول الظلام..

واستغرب الخبير يومها كيف انهم لم يغادروا قريتهم وحين كان يسالهم عن السبب كانوا يلوذون بالصمت لكنه بطريقة ما ومن خلال بعض فتيان القرية عرف المزيد من اسرار قرية الغمام.

(7)

كان اهالي قرية الغمام يغذُّون اولادهم بالخوف.. يخوفونهم وهم صغار من العالم الواقع خارج قريتهم ويحذرونهم اذا كبروا من مغادرتها وكانوا يقولون لهم مهددين ومتوعدين بان من يحاول منهم مغادرة القرية سوف يلحقون به ويذبحونه
وذات مرة حدث ان ولدا من اولادهم غادر القرية فوق حمار وانطلق بعيدا باتجاه القرى الواقعة على طريق الحمير.

وعندما حاولوا اللحاق به ليذبحوه كان الحمار اسرع منهم ومن حينها حقدوا على الحمار واسموه: دابة الشيطان واعتبروه عدوا لهم وقالوا بان وجوده في القرية مثل وجود ابليس يوسوس للفتيان ويغريهم بالمغادرة وكان ان ذبحوا بقية الحمير في قريتهم وتخلصوا منها حتى لاتغري اولاد القريةباللحاق بالولد الملعون.

ومن حين غادر الولد الملعون قرية الغمام قرر اهالي القرية بناء جدار عازل حول قريتهم وبعد ان ان انتهوا من بنا ء الجدار حاول احدهم الفرار وتمكن من تخطي الجدار والمضي باتجاه القرى الواقعة على طرق الحمير لكن لانه غادر من دون حمار تمكنوا من اللحاق به في منتصف الطريق وبمجرد ان لحقوا به ذبحوه وعادوا للقرية وخناجرهم تقطر من دمه.

كانت تلك الحادثة قدارعبت جميع الفتيان واخافتهم حتى انهم لم يعودوا في يقظتهم يجرؤون على الحلم بمغادرة القرية اما في المنام فكان الحمار الذي مكن الولد الملعون من مغادرة القرية يتكرر في احلامهم ويلوح لهم كأنه حمار النجاة وحمار الخلاص.

(8)

كانت قدمرت سنوات وسنوات على مغادرة الولد الملعون للقرية، وكان اترابه الذين حلموا مثله بالمغادرة قد صاروا رجالا وآباء يحذرون اولادهم ويتوعدونهم بالذبح ان هم تجرأوا على المضي في طريق الولد الملعون.

كانوا حين يذكرونه يقرنون ذكره باللعنات وعندما كان اطفال القرية يسالون الكبار عن اسمه يرفضون الافصاح عن اسمه الحقيقي ويقولون لهم :
– اسمه الملعون
ويطلبون منهم ان يلعنوه
وعندها كان الاطفال يلعنونه بكل مالديهم من صوت

(9)

كانت قرية الغمام تعيش عصر ماقبل الفانوس وكان اهالي القرية يشعلون النار بالطريقة البدائية ويجدون في اشعالها الكثير من العناء . ولان الشمس بقريتهم لاتشرق ولاتغرب فقد كان ليلهم يبدأمن قبل المغرب ولم يكونوا يعرفون السهر او السمر وانما كانوا ينامون مبكرين وقبل موعد غروب الشمس طلب الخبير من اطفال وصبيان قرية الغمام ان يجمعوا حطبا وقشاً وروث بقريابس ويكوموه في الساحة وكان ان انطلق الاطفال والصبيان يجمعون الحطب والقش وروث البقر اليابس وبعد ان جمعوا الكثير وكوموه في ساحة القرية فتح الخبير صفيحة الكيروسين و صب شيئا منها فوق الحطب والقش والروث المتكوم ثم اشعل عود كبريت والقى به وسط الكوم وعندها انفجرت النار وتصاعدت السنة اللهب وقبل ان يفيقوا من دهشتهم راح الخبير يفاقم دهشتهم باشعال الفوانيس.

بعدئذ طلب منهم الخبير ان يحضروا له جِمانا مملوءة بالماء وبعد ان احضروها وضع في كل جمنة شيئا من السكر والشاي ووضعها فوق النار وعندما سالوه ماالذي يفعله قال لهم بانه يصنع لهم الشاهي ولم يكونوا قد سمعوا بالشاهي لكنهم كانوا على يقين بان الخبير رجل عالم وساحر ومدهش وكان ان احبه اطفال وصبيان وفتيان وفتيات القرية
وليلتها كانت قرية الغمام بفضل الرجل الخبير تلوح كمالوانها قرية من الاضواء ولشدة فرح فتيات وفتيان القرية راحوا يرقصون ويغنون ويشربون الشاهي و ظلوا سامرين الى قرابة الفجر لكنهم في اليوم التالي عندما صحوا من نومهم وجدوا الكنز قد تبخر واما الخبير فوجدوه مذبوحا وغارقا وسط بركة من الدم.

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى