فضاء حر

قم من جنبي

يمنات

عبد الكريم الرازحي

في كل رمضان ادشن رحلاتي الرمضانية بالخروج الى مطار صنعاء الدولي.

و مثلما يخرج الناس يستمطرون و يدعون الله ان يسقيهم الغيث و يغيثهم بالمطر اخرج للمطار، و انا صائم عاطش متعب و بلانوم و ادعو الله ان يعجل في افتتاح المطار.

طبعا افعل ذلك ليس لان لي رغبة في السفر، و انما لان افتتاح المطار سوف يمكن بناتي الثلاث المنتشرات في ثلاث قارات: آسيا و اوروبا و امريكا من زيارتنا، ثم ان منى اصغر بناتي المقيمة في نيويورك ماانفكت في كل اتصال لها تسالني نفس السؤال:
– يابابا متى بايفتحوا المطار من اجل ازوركم..؟
اقول لها: والله مالي علم يابنتي لكن كل مااقدر عليه هوانتظار قدوم رمضان و الخروج للمطار بالسيكل للدعاء، عسى الله ان يستجيب لدعائي.

و في صباح يومنا هذا خرجت للمطار للمرة الرابعة خلال اربع سنوات، و قد خرجت هذه المرة مع المقاول الصغير صديقي المهندس بشر أمين هو بالموتو سيكل و انا بالدراجة،
طبعا المقاول الصغير كان مقاولا ناجحا و كانت الاحلام تدغدغه و الكل يتنبأ له بالتطور من مقاول صغير الى مقاول كبير، لكنه افلس للاسف و عاد الى سابق عهده؛ و سابق فقره و ليس هذا بامر غريب، فهناك مقاولون كبار صعدوا الى قمة المجد و ذروة النجاح و قمة الثراء؛ ثم افلسوا، لكن الغريب هو ان المقاول الصغير يعزو افلاسه اليّ و يقول باني من حين اشتغلت معه ادبرته و كنت السبب في افلاسه.

و المهم هنا هو انه اثناء عودتنا من المطار و بعد ان تجاوزنا ميدان التحرير و دخلنا شارع كلية الشرطة في طريقنا الى ميدان السبعين توقفت تحت “جسر الصداقة “و كنت في غاية التعب و الارهاق و بدون نوم، و لشدة ما اغراني الظل و البرود قررت انام بجانب اثنين من المشردين كانا نائمين في نفس المكان و قلت لصديقي المهندس بشر:
– امش انت و خذ سيكلي معك و انا سوف انام هنا. غير ان المهندس بشر اعترض على قراري و ظل يثرثر جنبي في محاولة منه لاقناعي بمواصلة السير، و كان ان ايقظ بصوته المشردين النائمين.

و من ثقل النعاس الذي هبط علي لم يكن بي رغبة في القيام و مغادرة المكان الذي بدا لي اجمل و افضل من غرفة نوم في فندق خمسة نجوم.

لكن في بلد مثل اليمن لااحد يترك لك حالك و يدعك تستمتع باللحظة التي تاتيك فجأة،
و حتى المشردون الذين كنت اعتقد بانهم بلا بيوت و بلا سلطة اتضح ان لهم بيوتا و لهم سلطة و ان بمقدورهم ان يستخدموا سلطتهم و يخوفوك و يخرجوك من المكان الذي اعتقدت بانه ملك الدولة او بأنه مشاع للجميع و بمقدورك استخدامه و النوم فيه.

و فيما كنت مستمتعا بالظل و بالبرود و بالنعاس الذي راح يداعب عيوني تناهى الى سمعي صوت انثوي يصرخ بي ان انهض:

– قم من جنبي

لحظتها قمت مرعوبا لاجد نفسي وجها لوجه امام امراة و كان ماضاعف من شعوري بالرعب هو ان المرأة – ذات اللحاف الازرق – و التي استلقيت جنبها لم تكتف بان صرخت فوقي تأمرني بالقيام من جنبها و انما راحت تشهر في وجهي سكينا وتواصل التهديد:

– قم من جنبي

و كان النائم بجانبها قد قام هو الآخر لكنه ظل يحملق في وجهي بصمت.

بعدئذ و قد غادرنا المكان قلت للمهندس بشر و قد استعدت شجاعتي و رباطة جأشي:

– بأي حق تقوم بطردي و تشهر في وجهي السكين..!

قال : عندها حق الجسر بيتها و انت دخلت بيتها و نمت جنبها و من دون استئذان.

احمد الله انها لم تغرز سكينها في صدرك..

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى