أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

“ترجمة” سكان الريف في اليمن .. المنسيون في ظل حرب منسية

يمنات – صنعاء

ترجمة خاصة بـ”يمنات

هيلين لاكنر

يعيش تسعة عشر مليون شخص في المناطق الريفية في اليمن، بينهم أكثر من 12 مليون فقير يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين يعد أكثر من خمسة ملايين منهم على شفا المجاعة ولا يعرفون من أين يأتون بوجبتهم التالية.

وهو ما يأخذنا للحديث أكثر عن الظروف المعيشية الريفية: في ذروه الازدهار النسبي من ثمانينات القرن المنصرم، عاد عدد كبير من الرجال اليمنيين الريفيين بتحويلات نقدية مهمة من المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، ليستثمروها في شراء مركبات رباعية الدفع، ومنازل جديدة، وأبار تعمل بمضخات الديزل، واستبدلوا الذرة الرفيعة والحنطة المعتمدة على مياه الأمطار بحقول من القات والحمضيات اعتماداً على الري. وجرى إهمال المدرجات لأن شراء القمح المستورد كان أسهل وأرخص بينما كانت التكلفة مرتفعة لاستئجار اليد العاملة للحفاظ عليه. ومع حلول تسعينات القرن الماضي، هاجر الرجال إلى المدن وعواصم المحافظات اليمنية حيث عملوا في وظائف لغير المهرة أو دون حرفية، وأرسلوا إلى قراهم مبالغ مالية أقل قدراً بما يبقي أسرهم بالكاد بالقرب من خط الفقر. وأصبح تدهور مستويات المعيشة سمة طبيعية ملازمة للحياة.

ومع حلول أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، كان المصدر الرئيسي للدخل المعيشي لمعظم الأسر الريفية هو العمالة الحضرية للرجال. وقد عانت الزراعة المعتمدة على الأمطار من موجات جفاف وفيضانات متكررة بصورة متزايدة، وجفت الآبار الضحلة الخاصة بصغار المزارعين بسبب عدم انتظام هطول الأمطار وانخفاض منسوب المياه بسبب استخراجها بالحفر من قبل عدد قليل من ملاك الأراضي الكبيرة اللذين لديهم أبار ارتوازية. بل ولم يكن تحويل المحاصيل إلى القات كافيا للتعويض بمردود مجز.

وعانت تربية المواشي من ارتفاع أسعار الأعلاف ومشاكل تغير المناخ. وعليه تفاقم الفقر. وأضحى الاكتفاء الذاتي على المواد الغذائية الأساسية مجرد ماض بعيد يصعب استعادته. وبالتالي كان البلد يستورد 90 في المئة من القمح، كما يستورد السلع الأساسية المطلوبة على الدوام في مناطق المرتفعات، و مئة في المئة من الأرز الذي يستهلكه، والأرز هو السلعة الأساسية المطلوبة على الدوام في المناطق الساحلية إلى جانب الأسماك.

وباختصار، كان السكان الريفيون يعتمدون على الواردات الغذائية مثلهم مثل بقية السكان تقريبا، مع وجود فارق واحد ملحوظ، وهو الأسعار الأكثر ارتفاعاً عما هي عليه في المدن جراء تكاليف النقل إلى الأماكن النائية عبر الطرق الصعبة.

وفي حين تحسنت البنى التحتية الأساسية، ولا سيما الطرق والاتصالات، ظل الحصول على الخدمات الطبية متدنياً وباهظاً أيضاً؛ وتضاعفت أعداد المدارس، وأكمل معظم الأطفال بمن فيهم الفتيات التعليم الابتدائي. كما أنهى العديد منهم الدراسة الثانوية، والتحق عدد قليل منهم بالجامعات. ومع ذلك، فان جودة التعليم كانت متدنية جدا ولم تهيء معظم الشباب للمشاركة في ظهور اقتصاد جديد. وكثيرا ما عاد الخريجون من المناطق الريفية إلى ديارهم ولم يحرزوا سوى النزر اليسير من الإنجازات بالنظر إلى المؤهلات التي لديهم. وقد دفع ذلك بالعديد من شباب الريف إلى الانخراط في حركة 2011 على أمل ظهور نظام جديد من شأنه أن يوفر فرص عمل ودخل ومستويات معيشة أفضل واحترام للذات.

بيد أن العملية الانتقالية التي دشنت بموجب اتفاق مجلس التعاون الخليجي في نوفمبر 2011 لم تسمح بتخليق أي من هذه الآمال وأسفرت عن خيبه أمل كبيرة.

اتسم هذا التحول، بالنسبة لسكان الأرياف، بتدهور مستمر في الظروف المعيشية وترافق مع تضاؤل وتدهور أكثر للوظائف الطارئة مدفوعة الأجر، وتدني الدخل، وبالتالي تفاقم الفقر أكثر. كما أثر التدهور على التعليم، في حين أصبحت الرعاية الطبية أقل يسراً، وظل موظفوها بدون أجر والتمسوا سبلاً أخرى لكسب الرزق.

وكان شهر مارس 2015 هو الشهر الفاصل الذي بدأت فيها الحرب الأهلية والغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية. ومذ ذلك الحين، شهدت الحياة الريفية، مثلها مثل المناطق الحضرية، تدهورا مستمرا، مع تباينات فارقة. حيث تعاني المناطق التي يسيطر عليها فصيل الحوثي- صالح أساساً من الضربات الجوية على مختلف الجبهات (ميدي وحرض في حجه، صرواح في مأرب، نهم في صنعاء، المتون في الجوف ، ذي ناعم وقيفة في البيضاء، ومعظم المناطق حول باب المندب في تعز). وفي أماكن أخرى يؤدي تدمير البنى التحتية الأساسية، ولا سيما الجسور، إلى إبطاء نقل الأغذية وزيادة تكلفتها بالإضافة إلى “الضرائب” المفروضة عليها من قبل النقاط الواقعة على الطرق.

أما في المناطق “المحررة”، فالسيطرة الفعلية هي ليست للحكومة المعترف بها دوليا بقدر ما هي للجماعات المحلية. وحالما وجد هناك من حكم أو عدالة أو خدمات فهي خاضعة لسيطرة مجموعة من المجموعات، بما فيها، في أفضل الأحوال مجالس وهيئات قائمة من قبل الحرب وإدارات محلية. كما تسيطر على مناطق أخرى منظمات مجتمعية، والتي عادة ما يتزعمها شيوخ القبائل. وحيثما توفر للجماعات الجهادية المتطرفة نفوذ فإنها تتحكم في الوصول إلى موارد عن طريق إقامة نقاط تفتيش وفرض رسوم على حركة المرور.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يوجد بين هذه المجموعات من يستثني الآخر، حيث أن هناك في كثير من الأحيان تعاون وتداخل بين مختلف أطياف المجموعات المسيطرة. ويؤثر ذلك على تكاليف المعيشة للأسر الريفية، فضلا عن تأثيره على قدرتها على العمل. وتبين الملحمة الطويلة الأمد بشأن تأخير دفع المرتبات الحكومية أن معظم الموظفين الحكوميين ظلوا بدون أجر، في تجاهل لحقيقة أن هذه المرتبات غير كافية لإعاشة الأسر حتى فوق خط الفقر. ويوجد في المناطق الريفية ثلاثة أصناف من الموظفين الحكوميين في قطاعات: التربية التعليم والصحة والجيش/الأمن.

تتقاسم الحياة الريفية بعض السمات المشتركة في جميع أنحاء البلاد. وكانت الأمطار المعتدلة في 2016 في بعض المناطق تفيد بتوفير غذاء أكثر، غير أن متوسط حيازة الشخص من الأراض يقل عن هكتار واحد من المساحة، ما خلف الناس معتمدين- إما بشكل كبير أو بشكل كلي- على الأغذية المُبتاعة. وبالإضافة إلى ذلك، تواجه المحاصيل التجارية النامية لصغار المزارعين ارتفاعاً في الأسعار وصعوبة في إمكانية الحصول على مستلزمات وموارد زراعتها، فضلا عن قيود أخرى يعاني منها صغار المزارعين عند بيع منتجاتهم.

والأهم من ذلك انه مع غياب العمالة الطارئة أو غير النظامية في المناطق الحضرية، فالفرصة الرئيسية المتاحة أمام العمالة من الرجال الريفيين تكمن في الانضمام إلى الوحدات العسكرية، سواء في الانضمام إلى الجماعات المتشددة المتطرفة فيما لو (تدفع بشكل أفضل)، أو إلى قوات الحوثي- صالح، أو جيش الحكومة الآخر (على سبيل المثال الحزام الأمني، ومجموعات المقاومة).

ومع المجاعة التي تلوح في الأفق، سيكون فقراء الريف هم أول من يقاسي ويموت جوعا جراء العجز الكلي، كما سيعانون من ارتفاع الأسعار، والافتقار إلى الأموال لشراء الأغذية. أما أولئك الذين يعيشون في المناطق النائية التي يتعذر الوصول إليها فسيكونون أكثر الفئات عرضة للضرر. وإذا كانت المجاعة التي ظهرت بالفعل في سهل تهامة ترجع أيضا إلى حقيقة أن هذه المنطقة ظلت فقيرة لعقود من الزمن بسبب اقتصادها السياسي الخاص، فإن حالة الاستجابة وتقبل المجاعة في أماكن أخرى قد ترتد بتفشي الجريمة.

والحرب هي السبب الرئيسي لهذه الحالة الكارثية، فقادة الأطراف المتحاربة هم مسؤولون عنها. ويتحمل التحالف الذي تقوده السعودية ومؤيدوه، بمن فيهم الولايات المتحدة وبريطانيا، المسؤولية عن الوضع السياسي والعسكري، في حين ينبغي على العالم بأسره أن يفعل شيئاً في سبيل مواجهة الأزمة الإنسانية، كما يكرر مسؤولو الأمم المتحدة المناشدة بانتظام من أجل الحصول على تمويل لمعالجة المجاعات الأربع المتوقعة هذا العام، نظراً لتضافر تغير المناخ مع عوامل الحرب. ولا يمكن التهوين من تقدير الحاجة إلى تقديم الدعم الفوري لسكان الأرياف في اليمن، وينبغي أن يركز هذا الدعم على مساعدتهم على إعادة بناء اقتصاد ريفي قابل للاستدامة.

قُدمت هذه المذكرة في حلقه عمل حول “الفجوة الحضرية— الريفية في اليمن والطابع المحلي للحرب الأهلية” التي نظمها مركز الشرق الأوسط في لندن بتاريخ 29 مارس 2017

هيلين لاكنر .. مدونة الشرق الأوسط التابعة لكلية لندن للدراسات الاقتصادية والساسية .. باحثة مشاركة وقد عملت في جميع انحاء اليمن منذ السبعينات وعاشت هناك لما يقرب من 15 عاما.

المصدر:  نتيجة بحث الصور عن ‪lse‬‏

رابط المقالة باللغة الانجليزية انقر هنا

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى