أخبار وتقاريرالعرض في الرئيسة

الحديدة وتناقض المسارات .. «هدنة سياسية» أم مناورة عسكرية؟

يمنات

معاذ منصر

يبدو أن استئناف المبعوث الأممي مارتن جريفيث جهود السلام عبر نافذة الإتحاد الأوروبي، ستمكنه من تحقيق اختراق كبير في جدار الأزمة، وفي ظرف زمني قصير وقياسي، مقارنة بكل الجهود التي جرت على مدى السنوات الثلاث من عمر الحرب، والتي ظلت محل انسداد دائم.

التحول الملفت الذي شهدته معركة الحديدة خلال اليومين الماضيين، يؤكد على أن الحديث عن تسوية سياسية مرتقبة بين الأطراف اليمنية بات وشيكاً وممكناً أكثر من أي وقت مضى. فبعد يومين من إعلان المبعوث الأممي رغبة الأطراف بالجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى اتفاق سياسي وإيقاف معركة الحديدة، بدأت الأقوال تترجم على الأرض بشكل واضح. بالأمس، أعلنت الإمارات «تعليق العمليات العسكرية في الساحل الغربي، بهدف إعطاء فرصة للمبعوث الأممي، في إقناع أنصار الله بالانسحاب من مدينة الحديدة». إعلان مفاجئ، لا يزال محل جدل ونقاش واسع، إذ لا يمكن احتسابه مجرد هزيمة عسكرية فحسب، بل أيضاً يصب في خانة جهود المبعوث، ومن خلفه الاتحاد الأوروبي.

وبحسب مراقبين، يبدو وقف الحرب بمثابة خطوة استباقية قبل عودة جريفيث اليوم إلى صنعاء، ولكنه في الوقت نفسه، يحمل أكثر من تفسير وأكثر من رسالة. مصادر سياسية مطلعة في أبو ظبي، أكدت لـ «العربي»، أن «الإعلان جاء نتيجة ضغوطات دولية واسعة، وبناءً على نتائج الميدان، وليس كما قال وزير الخارجية الإماراتية أنه اتخذ بهدف إعطاء المبعوث الأممي فرصة للتفاوض مع جماعة الحوثي».

حديث المصدر يتقاطع مع توقعات سياسيين، بأن اليمن قد يشهد هذا الأسبوع «تحركات سياسية ودبلوماسية قد تفضي إلى استئناف المفاوضات بين الأطراف، لا سيما وأن إعلان تعليق العملية العسكرية، لم يصدر عن قيادة التحالف العربي، وإنما عن الديبلوماسية الإماراتية»، وهو ما اعتبره مراقبون «مناورة عسكرية أكثر من كونها استجابة للضغط الدولي في إيقاف الحرب وللوضع الإنساني الكارثي».

وفي الوقت الذي اعتبر فيه سياسيون إعلان الامارات تعليق العملية العسكرية بمثابة «استسلام واضح وفشل عسكري»، جاء موقف «الشرعية» ورئيسها عبدربه منصور هادي، المتمسك بـ«المرجعيات الثلاث وخروج جماعة الحوثي من مدينة الحديدة»، بمثابة «موقف هزيل يظهر الشرعية بصورة ضعيفة»، كون أن من يتحكم بالقرار السياسي والعسكري هي أبو ظبي وليس هادي أو حكومته. يحاول الأخير رفع سقف الاشتراطات والضغط باتجاه إبقاء الحرب، لا سيما في الحديدة، إلا أن معطيات كثيرة تشير إلى أن الواقع يتجاوزها، خصوصاً في ظل خارطة سياسية متغيرة، يجري تشكيلها عن بعد.

يحاول هادي عبر أعضاء حكومته، من بينهم وزير الخارجية، تسويق فكرة تسليم ميناء الحديدة والانسحاب من المدينة، كفكرة رئيسية للمبعوث، بل وهدف رئيسي لجهوده التي يستمر فيها، وعلى أساس أن «الشرعية» تنتظر انتزاع موافقة من حركة «أنصار الله» على هذا المطلب، ولكن كان بإمكان قيادات في حركة «أنصار الله أن توضح هذا الأمر، في سياق تعليقها على موقف دولة الإمارات في تعليق العملية العسكرية في الساحل الغربي»، بحسب ما تشير مصادر سياسية.

تغطية للفشل العسكري

الناطق الرسمي لحركة «أنصار الله» محمد عبدالسلام، أكد موافقة صنعاء على وجود دور فني للأمم المتحدة في ميناء الحديدة، ولكن ليس كما نشرته بعض وسائل الإعلام عن موافقة الحركة على تسليم الميناء للأمم المتحدة للإشراف عليه. ونفى الناطق باسم الحركة، في بيان حصل «العربي» على نسخه منه، أن يكون قد طرح موضوع تسليم الميناء للأمم المتحدة خلال اللقاء مع مبعوث الأمم المتحدة لدى اليمن مارتن جريفيث.
ويلف هذا التحول المفاجئ والسريع في المواقف، وفي التحريك الملفت المستمر للمبعوث الأممي مارتن جريفيث، حالة من الغموض، وتبدو التكهنات كثيرة، بشأن ما يرتب عليه، وعن أسرار كل ذلك، بل وعما يمكن أن سيفضي إليه هذا التحرك وهذا التحول على صعيد الميدان وعلى صعيد الطاولة الدولية، وهل الأمر متعلق فعلاً بفشل عسكري أو استسلام، أم ناتج عن ضغوطات دولية، أمريكية بالتحديد؟ الواضح أن ثمة ترقب غير مسبوق، بشأن ما سيلي هذه الخطوة، والتي ستتضح ربما أكثر بعد زيارة جريفيث إلى صنعاء وربما إلى عدن. لكن السؤال يبقى: هل كل ذلك يعتبر تلاعب ومناورة أم أن الدول الكبرى حسمت أمرها بشأن الدفع بالأزمة السياسية اليمنية نحو الحل السياسي والشامل؟

ما وراء الحراك السياسي 

وتوجه «العربي» بهذا السؤال إلى مصادر سياسية أوروبية مطلعة، لمعرفة ما يجري، وعن التقديرات وطبيعة الجهود التي تتم خلف الكواليس وترتيب صياغة هذا الواقع الجديد، من زاوية دولية. مصدر أوروبي قال إن «الأمور بطريقها إلى مفاوضات، لأن الكل يريد الاستقرار في اليمن، والمقصود هنا اللاعبين الكبار»، مشيراً إلى أن «الأمر في الحديدة يبدو مرتبطاً بلعبة دولية كبيرة وبمصالح كثيرة، وربما أن الأمريكان في آخر أيام أوباما، أعطوا لحلفائهم في المنطقة جزء من صلاحيات وعمل أمريكا».

وأضاف المصدر: «بإمكاننا أن نقرأ ما كتبه الأوروبيون والأمريكان من بيان مشترك بعد دخول قوات حفتر منطقة الهلال النفطي. الكل أجمع على أن إدارة الطاقة لحكومة الشرعية المعينة من قبل الناتو وأمريكا. هذه رسالة واضحة للإمارات والسعودية، هناك محاذير لا تتجاوزها»، مشيراً إلى أم «المعركة في الساحل بين الكبار وليس بين البيادق».

ويتابع المصدر المطلع، في حديث إلى «العربي» بالقول، إن «الروس مقتنعين أن اليمن بعد عام 1990 من نصيب أمريكا. لذا وفرت الحرب لهم فرصة للرجوع بغطاء إنساني ودعم جهود السلام»، مشيراً إلى أن «ملف اليمن يزداد تعقيداً بسبب الصراع الاقتصادي الكبير بين الكبار، إذ تدعم الصين وجود حليف لها أو لروسيا في الساحل الغربي، والمؤكد لدينا هو أن البريطانيين والفرنسيين والأمريكان، يريدون حلاً سياسياً في البلد. بسبب إخفاق التحالف في مرحلة تاريخية مفصلية في تاريخ الجزيرة».

وزادت المصادر: «يبدو أن أمريكا بالمختصر لا تريد لليمن تعافي، كما لا تريد للسعودية أن تتمدد، أو دور أكبر للإمارات سياسياً، بل تريد من اليمن أن يكون بؤرة تخاف منها دول الخليج. وهذه سياسة إدارة الصراعات. لا حسم»، وضرب المصدر أفغانستان والعراق كأمثلة: «لم تخرج أمريكا بنتيجة، وهي قادر على حل الصراع. العراق لا يريد حل لصراعاته، لأن العراق لما كان متعاون مع الأمريكان ضد إيران خلق قوة عسكرية وإقتصادية خافت منه أمريكا. لذا، أمريكا تعمل على إدارة الصراع في المنطقة بهدوء. لأن هناك فائض بالمال الخليجي تخاف أمريكا من أن يذهب إلى مكان آخر. هي باختصار سياسة كيسينجر ومن تلاه من صناع السياسة الخارجية الأمريكية» بحسب المصدر.

ويلفت هذا المصدر، بحسب اطلاعه، ومن وجهة نظره، إلى أن «أمريكا قامت بإعادة توزيع العنف في اليمن ليسهل السيطرة عليه، لأن العنف كان محتكر بيد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح. وأول أمر سعت إليه هو هيكلة جيشه، وفرقته تماماً». ووفقاً لوجهة النظر هذه «اليمن كبلد لن يعود إلى ما كان عليه، كما أن التحالف لن يفتح جبهة جديدة لأنه يعلم أنها ستذهب لحزب الإصلاح (الاخوان المسلمين). وكما قال (ولي العهد السعودي) محمد بن سلمان، في مقابلة مع داود الشريان، إن الحوثي أهون الشرّين».

السويد على خط الحل 

تتوقع مصادر أوروبية أن الحل سيكون في آخر المطاف سياسي «وفي السويد سيكون هذه المرة» تقول، «لأن ترامب وإدارته سيذهبون إلى بحر الصين الجنوبي لملاقاة الصين. هم بحاجة إلى تبريد ملفات المنطقة ابتداءً بدرعا وشمال سوريا وكذلك اليمن. وسيكون هناك اتفاق خليجي قريب قبل قمة ترامب مع الخليجيين في كامب ديفيد، وكذلك صفقة القرن، التي لا بد أن تنجز هذا العام»، لذا بحسب المصدر «الحل في اليمن شبه جاهز».

تدويل ملف الحديدة 

وبشأن الغموض الذي لا يزال يلف التحول الأخير في الساحل الغربي، تقول المصادر الأوروبية في الحديث إلى «العربي»، إن «حسابات التحالف سقطت، لأنها لم يستند إلى قضية حقيقية في اليمن، بل مجرد هواجس».

وتضيف: «مشكلة اليمن اقتصادية كان بالمقدور حلها. الآن اليمن ملفه خرج من يد التحالف إلى التدويل، والكل معني بهذا بعد فشل التحالف عسكرياً».

ويرى المصدر أن «نقل مشكلة اليمن من إطاره الإقليمي إلى مجلس الأمن، كان خطأ بالحساب، لأنه كان بداية تدويل الملف»، مشيراً إلى أن «الامتناع عن التصويت لقرار 2216، كان بمثابة رفض ناعم للتحالف».

ويؤكد المصدر أن«إدارة ميناء الحديدة الآن خاص بمجلس الأمن، لأن اليمن بشكل أو بآخر تحت البند السابع». ما يعني بحسب تفسيرات المصادر الأوربية، أن «شرعية هادي تأتي من الصيني والروسي والأمريكي والبريطاني والفرنسي».

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى