أرشيف

 الفقر في اليمن أكبر من ضمان اجتماعي لا يتجاوز ثلاثة آلاف ريال

تتحدث الحكومة عن تقديم صندوق الرعاية الاجتماعية مساعدة ضمانية لمليون ومائة ألف حالة فقيرة سنوياً، وإضافة مليون حالة جديدة.

ومن خلال تجربتي في محافظة البيضاء عبر مشاركتي بالمسح الذي نفذه صندوق الرعاية الاجتماعية في الفترة ما بين 18/6 إلى 18/8/2008م،يمكنني القول إن الفقر بحاجة إلى ما هو أكبر من بكثير من ضمان اجتماعي لا يزيد عن ثلاثة آلاف ريال شهريا .

شارك في البيضاء"73" باحثاً وباحثة في عملية المسح توزعوا بين قطاعي "رداع" والبيضاء" وكنت واحداً من الذين شاركوا في المسح بمديريتي "ردفان والسوادية"قطاع رداع.

 بطبيعة الحال لم يكن من السهولة الوصول للمناطق المستهدفة في مديريات قطاع رداع أو البيضاء بسبب الطبيعة الجغرافية الوعرة وتناثر القرى والمحلات السكانية، وعدم وجود الطرق المعبرة التي تربط هذه المناطق خاصة المناطق المتاخمة لمحافظة مأرب وأبين الضالع، وتلعب الصراعات التاريخية والثارات المنتشرة على امتداد خارطة المحافظة ، دوراً في توزيع السكان حيث تضطر كثير من الأسر إلى الفرار من مناطق الصراعات والحروب وبالتالي تعيد تجمعها في مناطق متباعدة على شكل قرى صغيرة تتناثر على سفوح وقمم الجبال والأودية الجافة برغم قساوة الظروف المعيشية وبؤسها هناك.

هكذا تبدو الصورة العامة للحياة والناس ولو أننا أمعنا النظر في واقع الحياة الاجتماعية فإننا نلاحظ بأن المشكلات التي تعاني منها هذه المناطق تتمثل بـالصراعات التاريخية والحروب والجفاف.

الصراعات التاريخية والحروب:

لا تزال كثير من القبائل تعيش حروبا مستديمة تمتد لعشرات السنين تهدأ حيناً وتشتعل أحياناً أخرى،كان آخرها العام 2002م بين قبائل العُبس وقبائل "بني وهب"..عشرات القتلى والأرامل والمعاقين من الرجال والنساء والأطفال.. قرى مهجورة وأخرى مدمرة تقف شاهدة على حجم المأساة الإنسانية التي خلفتها هذه الآلة المدمرة من جهة وعملت هذه الصراعات من جهة ثانية على تدمير الوعي المجتمعي وفرضت ثقافة الحرب والقتل بدلاً عن الثقافة المدنية والسلم والحوار ثقافة يتحدث أصحابها عن الثأر وأعداد القتلى الذين استفزتهم هذه الحروب، الأمر الذي أدى إلى ترسيخ الأحقاد والكراهية والضغائن بين القبائل، ومن ثم تأصيل فكرة الانتماء للقبيلة باعتبارها الحارس الأمين وملجأ القبيلي الأول والأخير. وتستند القبيلة بشكل رئيس على الجهل والأمية وغياب الدولة والقانون، ما أدى إلى تعاظم قوتها فسيطرت على كل مقدرات وشئون المجتمع.

وقد تبين لنا خلال الزيارات الميدانية مدى بؤس حياة الإنسان حيث تعيش كثير من الأسر تحت خط الفقر.

الجفاف

تمر المنطقة منذ حوالي أربع سنوات بفترة جفاف زادت من حجم المشكلة لأن السكان يعتمدون بدرجة كبيرة على رعي الأغنام كمصدر من مصادر الدخل في حين تعاني هذه المناطق من قلة وانعدام المراعي بسبب شحة الأمطار، ويعتمد جزء آخر من السكان على زراعة القات كمورد آخر، معتمدين على مياه السدود التي باتت مهددة بالنضوب بسبب سوء استخدام مياهها.

كما تفتقر هذه المديريات لمشاريع مياه الشرب الارتوازية خاصة مناطق البدو الذين يستخدمون مياها لا تتوفر فيها أدنى الشروط الصحية.

ولذا يجب على الدولة ممثلة بالحكومة والمحافظ ومدراء المديريات والمجالس المحلية أن تنهض بمسئوليتها وتضع الحلول اللازمة لإنقاذ السكان، وتباشر بتنفيذها.

وبالعودة لموضوع المسح، لابد لي أن أشير إلى الدور السلبي الذي لعبته المجالس المحلية حيث وقفت بممارساتها حائلاً دون وصول لجان المسح إلى كثير من الفئات المستحقة، وعملت على إهدار أوقات الباحثين والباحثات من خلال الرفع بكشوفات لتعداد السكان وليس للفئات المستحقة للمساعدة، وعدم احتواء المشكلات التي واجهتنا في ميدان العمل، ولم نتمكن من الوصول لبعض الحالات الفقيرة السابقة ما يهدد بسقوط المساعدة عنهم. ولذلك أجزم بأن أسوأ ما في العملية هو الدور الذي مثلته المجالس المحلية، الذين لم نلمس منهم المصداقية والنزاهة، بل أنهم سعوا بطريقة أخرى لمحاولة التهام حقوق الفقراء والمعوزين من أجل إرضاء المشائخ والشخصيات الاجتماعية.

وهنا أسجل شكري وتقديري لأمين عام مديرية ردمان الشيخ/صادق العبدلي الذي لم يتوان لحظة عن مد يد العون والمساعدة، وكان لنا نعم الأب والأخ والصديق ولحقوق الفقراء نعم النصير، وأيضاً الأستاذ/قيس علي إبراهيم مساعد مشرف المحافظة.

خلاصة الحديث … تمكنت لجان المسح من ضم خمسة وعشرين ألف حالة في قطاع رداع، ومثلها أو تزيد في القطاع الآخر، توزعت بين الحالات القديمة التي تتقاضى المساعدة والحالات المرشحة والجديدة التي يفترض ضمها لكشوفات الاستحقاق.

زر الذهاب إلى الأعلى