أرشيف

العلامة محمد مفتاح:الأمن السياسي مليء بالمعتقلين من مختلف المشارب السياسية والفكرية

الاستاذ محمد مفتاح إمام وخطيب المسجد الكبير بالروضة سابقاً ورئيس مجلس شورى حزب الحق، اعتقل للمرة الأولى في سجن الأمن السياسي عام 2004 وحوكم بتهمة السعي للتخابر مع ايران، وقد صدر الحكم بحبسه لمدة ثمان سنوات قضى منها ثلاث سنوات ثم افرج عنه بعفو رئاسي وتم اختطافه في 2008/5/21 من قبل الأمن السياسي بطريقة وحشية وأفرج عنه بعد 111 يوماً من الاعتقال في زنزانه انفرادية. لكنه مازال محمد مفتاح الذي عرفناه الرجل المتواضع البسيط ولكن صاحب الإرادة الفولاذية التي لم تكسرها المعتقلات وممارسات القمع والإرهاب التي مورست في حقه وحق اسرته.

أجرى معه هذا الحوار الكاتب محمد المقالح لصحيفة «الثوري» في منزله المستعار بعد ان هدم بيته اثناء وجوده في السجن وسنتركه يتحدث عن الأمن السياسي ومعاناته داخل زنازنه الموحشة.

كيف القوا القبض عليك سمعنا أنهم اطلقوا النار على سيارتك هل هذا صحيح؟

نعم اطلقوا الرصاص على السيارة بكثافة وحولوها الى حطام وتم احصاء 210 طلقات تقريباً على بودي السيارة وعجلاتها، أي ما يعادل سبع خزانات لرشاش آلي (مقازين) وقد تم اطلاق الرصاص بالسريع ومن اكثر من جندي، مع أنني أوقفت السيارة في اللحظة التي عارضتني فيها سيارة صالون تابعة للأمن، وعندما حاولت تجنبها بالعودة قليلاً الى الوراء للتجنيب على الرصيف اعتبروا ذلك مبرراً لاطلاق الرصاص بكثافة أي انهم اطلقوا الرصاص وسيارتي شبه واقفة وسياراتهم تحيط بها من كل مكان.

هل تعتقد أنهم أرادوا قتلك؟

لا أدري ولكن فسر لي لماذا لم يقبضوا على وأنا خارج من البيت أو يطلبوني وانا في المنزل وكنت سأستجيب ولن اعارض أو اقاوم قرار القبض علي فأنا إنسان مسالم وهم يعرفون ان سلاحي هي الكلمة أو المشاركة في العمل الاحتجاجي السلمي، لكنهم تركوني اخرج من المنزل واركب سيارتي وكانت سياراتهم وعساكرهم أمام منزلي منذ العصر وعندما تحرك سيارتي تبعوني بسياراتهم حتي وصلت الى أمام الكلية الحربية واطلقوا الرصاص على ثم اخذوني بسيارتهم الصالون الى الأمن السياسي.

متى حدث هذا.. أقصد الساعة التي القي القبض عليك وأين كنت ذاهب وانت تعرف ان سيارات الأمن محيطة بمنزلك منذ العصر؟

قبل دقائق من اذان صلاة المغرب وكنت متوجهاً الى المسجد للصلاة ولحضور درس على وفاة الحاج محمد العابدي أحد أعيان أرحب وهو رجل خير وصديق رحمه الله وقد صادف حادث الاختطاف أو القبض – سمه ما شئت – مرور سنتين تماماً من تاريخ خروجي من الاعتقال السابق أي ان حادث الاختطاف حدث في 2008/5/21 وكان قد اطلق سراحي من الاعتقال السابق بتاريخ 2006/5/22.

يدخل أحد أولاده.. واسمه طه ونحن نجري الحوار فيذكرني بما كنت قد تجاوزته فسألته.. علمنا ان اطفالك كانو امعك في السيارة؟

نعم طه وعمره 14 عاماً وأمير الدين وعمره 12 عاماً.. وبعد ان وجهوا بنادقهم الى وجهي لم اعرف ماذا حدث بابنائي ولم يكن الوقت كافياً لأتبين مشاعرهم فقد تم كل ذلك بسرعة وبعد ان وضعوا الكلبشات وقيدوني واخذوني الى السيارة التابعة للأمن وتركنا طه وأمير الدين في مكان الحادث، وكان اكبر ما يشغلني بعد ذلك هم الأولاد.. هل اصيبوا بالرصاص.. هل اخذوهم الى السجن.. هل عادوا الى البيت، وقد ظلت هذه الاسئلة عالقة حتى سمح لهم بزيارتي بعد 80 يوماً من الاعتقال.

سألت ابنه طه: كيف كانت مشاعركم.. هل بكيتم.. هل بكي أمير الدين؟

اجاب طه: لا.. لا مابكيناش احنا بس خفنا على أبي واتصلنا بامي بالتلفون وقلنا قد ضربوا الرصاص علينا والأمن القومي شلوا أبي بسيارتهم.. وبعدين عرفنا انهم الأمن السياسي مش الأمن القومي.

عند وصولكم الى الأمن السياسي ماذا حدث هذا ما يريد ان يعرفه الناس هذه الاجهزة ومعتقلاتها؟

بعد وصولنا الى الأمن السياسي قاموا بتفتيشي تفتيش دقيق ومبالغ فيه الى درجة خلع السروال وتفتيش الاحذية ولم يبقوا على جسدي سوى الثوب ثم أودعوني زنزانة انفرادية لمدة اربعة أو خمسة أيام وكانوا يحققوا معي وانا مقيد ومربوط العينين، وبعدها جاءوا بشخص آخر الى الزنزانة وهو شخص من تنظيم القاعدة أو أنه متهم علي خلفية الانتماء الى القاعدة وما ان تعرفت عليه واصبح بيننا شيء من الألفة لأن المصائب يجمعن المصابين.. حتى نقلوني الى زنزانة أخرى مع شخص آخر وهكذا.

ما هو المعيار الذي يتم على أساسه وضع السجناء في زنزانة واحدة؟

هناك زنازين جماعية وأخرى انفرادية، وهذا يخضع على من هو الشخص وما هي طبيعة التهمة التي اخذوه بها. فاذا كان شخص عادي أو لا يريدون أذيته أو معتقل بقضايا غير سياسية عادة ما يكون في الزنزانة مع آخرين ويسمح له باللقاء بهم والخروج الى الشمس والسماح لاهله بزيارته ويبدو أن المسألة مزاجية ولا يوجد معايير محددة. اما بالنسبة لي ولآخرين فقد وضعت في زنزانة انفرادية طوال فترة سجني ولم أر الشمس لمدة 111 يوماً، ولكنهم كانوا يضطروا لادخال شخص أو شخصين الى زنزانتي الانفرادية بسبب اكتظاظ الزنازن بالسجناء وبصورة لم يحدث مثلها في اعتقالي السابق أي ان الأمن السياسي مليء بالسجناء من كل الاتجاهات ومن مختلف المشارب الفكرية والسياسية.

قلت ان الأمن السياسي مليء بالسجناء هل لك ان تحدثنا عن عددهم وما هي التهم الموجهة اليهم؟

لا استطيع معرفة عددهم لأنه لا يسمح لنا باللقاء بأحد ولكنهم بالمئات وغالبيتهم على خلفية الحرب في صعدة ثم علي خلفية تهمة الانتماء الى تنظيم القاعدة ثم المعتقلين من قيادات الحراك السياسي في الجنوب وبعدها يأتي المعتقلين على تهم مختلفة أخرى.

الم يحصل ان التقيت بأحد من قيادات الحركة الاحتجاجية في الجنوب أو ممن اعتقلوا على خلفية الحرب في صعدة؟

لم ألتق بأحد من قيادات الحراك الجنوبي لأنه لم يكن يسمح لي الخروج من الزنزانة الانفرادية ولا يسمح لنا بالخروج من الزنزانة إلا الى الحمام وفي أوقات محددة هي أوقات الصلاة نذهب لنتوضأ ونغسل صحن الأكل ثم نعود الى الزنزانة.. حتى الكلام مع العسكري ممنوع، قالوا لنا ممنوع الكلام أو المناداة وممنوع الطرق على باب الزنزانة أو حائطها… ما حدث هو انني في آخر زنزانة نقلوني اليها علمت من الشخص الذي كان بجانبي وهو متهم بالقاعدة اخبرني انه كلم بن فريد وحسن باعوم واخبرني ان الاخ احمد عمر بن فريد كان يعطف عليه ويعطيه بعض المأكولات ومن الاشياء اللطيفة أنه قال لي ان الفرش الذي كنت أنام عليه هو فرش أحمد عمر بن فريد قبل ان ينقلوه الى زنزانة أخرى وقلت في نفسي يكفي ان يجمع هذا بيني وبين قيادات الحراك الجنوبي في الزنزانة فالمشكلة واحدة والوطن واحد والزنزانة واحدة والمصائب يجمعن المصابين.

قلت انك انتقلت الى اكثرمن زنزانة انفرادية.. لماذا وماهو البرنامج اليومي للسجين؟

نعم انا تنقلت طوال فترة اعتقالي في اكثرمن سبع زنازين انفرادية… بعد ان بقيت في البداية بمفردي نقلوني الى زنزانة فيها ثلاثة اشخاص من القاعدة فلما وجدوا علاقتي بهم طيبة نقلوني الى زنزانة أخرى ووضعوا الى جانبي شخص من شرعب اتهم بدخول بلاده اليمن بالتهريب والمقصود انه لم يدخل اليمن عبر المنافذ الرسمية حتى لا يختموا على جوازه في نقطة الحدود السعودية وبالتالي يصعب عليه العودة فاضطر الى ان يدخل بلاده بطريقة التهريب وكان في استقباله الأمن اليمني الذي أودعه سجن الأمن السياسي.. وفي يوم 2008/5/26 وضعوني في زنزانة الى جانب شخص مجنون ولمدة 8 ساعات. هذا الشخص كان في حالة صعبة ومجنون جناناً مطبقاً ويتبول على نفسه ولا يستطيع أي شخص التفاهم معه ومع هذا فقد ادعوا أنه يتظاهر بالجنون وقاموا بضربة ضرباً مبرحاً وسمعت صراخاً وعويلاً حين كان يضرب بعد وصوله الى السجن واخبرت فيما بعد ان هذا هو الشخص الذي كنا نسمع صراخه قبل أيام. وقد جيء بي الى زنزانته لاتفاهم معه كما ادعوا لكنني اخبرتهم ان الرجل مجنون ولا يمكن التفاهم معه وحينها اعلنت الاضراب عن الطعام تماماً مع اني كنت في حكم المضرب عن الطعام طوال فترة بقائي في السجن وحينها وافقوا على نقلي من الزنزانة ووضعوني الى جانب شخص آخر من صعدة وهو شيخ من حيدان وتاجر أتوا به من المهرة وكان في الستين من عمره وكان لدينا فرش واحد فقط وقد عطفت على الرجل لسنه ولمكانته الاجتماعية فكنت اتناوب معه على النوم في الفرش هو ينام عليه في المساء وأنا انام عليه في النهار وقد علمت انه افرج عنه مؤخراً والشخص المجنون تم نقله الى المصحة النفسية في السجن المركزي.

حدثتنا عن الاضراب عن الطعام وكنا قد سمعنا ان زوجتك زارتك الى السجن وأنت في حالة صعبة بسبب اضرابك عن الطعام؟

انا في الحقيقة كنت طوال فترة الاعتقال بحكم المضرب عن الطعام فبعد ان لاحظت ان نوع الطعام لا يناسبني قررت أن أقضي فترة السجن وان صايم فكنت اتناول كدمة مع الماء في الفطور واخرى أثناء السحور وهكذا حتى سمح لزوجتي وأولادي بزيارتي بعد 80 يوماً من الاعتقال وكنت حينها اشتري عن طريق العسكر تمر وبعض المأكولات الأخرى.

ما هو نوع الطعام وكم وجبة تمنح للسجناء؟

في وقت الغداء يعطى للسجناء صحن رز وبطاطس مسلوق ووقت العشاء صحن فاصوليا مع حبتين كدم وفي الصباح مثل ذلك أي صحن فاصوليا وكدم والحقيقة ان السجناء جميعاً كانوا يشكون من صحن الفاصوليا لانه يسبب لهم قرقرة في البطن ويحتاجون للذهاب الى الحمام فلا يسمح لهم في فترة السجن الأولى ممنوع على السجين ادخال أي طعام من الخارج وهذه الفترة قد تدوم لاشهر أو سنة أو سنتين حسب موقفهم من السجين وعندما يسمح له بالزيارة وبشراء اشياء من السوق وتبديل ملابسه يكلف شخص من داخل السجن بهذه المهمة ولدى كل سجين أموال تطرح في الأمانة.

كيف تتم التحقيقات وما هي طبيعة الأسئلة التي وجهت اليك؟

يتم التحقيق وأنا مربوط العينين وقد لاحظت انهم يتجهون في التحقيقات باتجاه تلبيسي تهمة جنائية الى درجة انهم لم يسألوني عن نشاطي السياسي والحقوقي أو عن الاعتصامات التي كنت اشارك فيها.

سألوني عن بعض تلاميذي وعن اقاربي وعن علاقتي بعبدالملك الحوثي والأحداث في بني حشيش وعندما اخبرتهم أثناء التحقيق أنني شخص مسالم وسلاحي الكلمة والعمل السلمي هددني أحد المحققين وقال لي نحن لا نعرف بالسياسة وليست مهمتنا التحقيق حول السياسة وكان المفروض ان نحقق معك وانت عارياً وقد فهمنا ان هذا نوع من التهديد حتى لا اعترض على اسئلتهم الموجهة باتجاه واحد.

هل مورس عليك تعذيب جسدي وهل شاهدت أو سمعت أن شخصاً تم تعذيبه؟

أنا لم يمارس علي تعذيب جسدي بمعنى الضرب والتعليق وما شابه ذلك لكن ما اخبرتك عن طريقة الاعتقال والتعامل معي داخل السجن يعتبر نوع من انواع التعذيب الجسدي النفسي ولكني سمعت انهم ضربوا ذلك الشخص المجنون ضرباً مبرحاً.

المعركة بينك وبينهم كانت معركة ارادات؟

نعم ولكنهم بحمد الله وبتضامن الاحرار في اليمن وخارج اليمن لم يستطيعوا كسر ارادتنا وسنستعين عليهم بالصبر والمثابرة والعون من الله تعالى.

ماهو أكثر ما يؤذي المعتقلين؟

أكثر ما يؤذي المعتقلين انهم لا يستطيعون النوم بسهولة بسبب الاضواء وبسبب ضوضاء السجن طوال الليل.. بعض السجانين يتعمدون فتح أبواب السراديب والطواريد بعنف حتى يهتز المبنى بكامله وصرير القيود والمفاتيح والحالة الصعبة التي عشناها في الزنازين الانفرادية حيث لا تتسع الغرفة إلا لشخص واحد فيأتوا اليه بشخص أو شخصين أو ثلاثة حتى تصبح الحياة لا تطاق في الاعتقال الأول كان هناك فتحة صغيرة للتنفس عرضها 20 سم وطولها 20سم أما الآن فقد ضيقوا عليها واصبح طولها 10سم وعرضها 20سم.

سمعنا ان عبدالملك الحو ثي طرح للجنة الوساطة ضرورة الافراج عنك كأولوية قصوى بعد ان انتشر خبر تدهور صحتك؟

أشكر كل من دافع عني وعن مظلوميتي وبقية المعتقلين السياسيين واتمنى ان تتاح لي فرصة رد الجميل لكل من تضامن معي وطالب بالافراج عني ومن الاحزاب والمنظمات الحقوقية والشخصيات الوطنية واقدر بشكل خاص الدور الكبير الذي قامت به صحيفة «النداء» وبقية صحف المعارضة والصحف المستقلة مع انني لم اطلع على ذلك إلا بعد خروجي من السجن.

ماهي الكلمة التي توجهها للنظام وللرئيس علي عبدالله صالح بعد مشاهداتك ومعاناتك في السجن؟

اقول له بأن ما يحدث من اعتقالات وممارسات قمعية داخل السجون لاصحاب الرأي وقيادات النضال السلمي ظلم وظلم كبير واكثر وسيلة لكسب أعداء جدد لهذا النظام هو ما يحدث من ظلم داخل السجون وضد اصحاب الرأي.

ماذا تقول لبقية المعتقلين بعد خروجك من السجن؟

اطالب السلطة والأجهزة المختصة فيها بسرعة إطلاق سراح المعتقلين على خلفية القضايا السياسية واصحاب الرأي وحرب صعدة وفي مقدمتهم صحفي الشعب عبدالكريم الخيواني وفنان الشعب فهد القرني وصوت المسجونين في الجنوب امثال علي منصر وحسن باعوم ورئيس مكتب حزب الحق في عدن وأبين المناضل حسن زيد بن يحيى وكذلك يحيى غالب أحمد وعلي هيثم الغريب وصديقي في الكتابة وشريكي في فرش الزنزانة أحمد عمر بن فريد وأحمد الله على اخراجك والدكتور محمد علي السقاف من ظلمات السجن.. بالمناسبة انا وجدت اسمك على حائط إحدى الزنازن التي نقلت اليها (كتب بخط اليد محمد المقالح 15/45 لا أدري هل كنت في هذه الزنزانة؟ (أجبته لا.. قد يكون شخص أخر بهذا الاسم).

سؤال أخير.. ما الذي وجدته بعد خروجك من السجن؟

وجدت انني بغير منزل فقد هدموا بيتي الذي كنت اسكن فيه منذ 17 سنة.

كيف هدموا بيتك هذه أول مرة نسمع بها؟

انا كنت اسكن في بيت تابع للاوقاف في المسجد الكبير بالروضة وبعد دخولي السجن ضايقوا زوجتي بحجة انهم يقومون بعمل ترميمات وعندما خرجت والاولاد من المنزل تم هدمه تماماً.

زر الذهاب إلى الأعلى