أرشيف

بدأت معاقبة المشترك للتو

كما لو ان المؤتمر الشعبي العام ورئيسه علي عبدالله صالح يهمسان بشماتة في وجوه قادة المعارضة “الآن بدأ وقت المرح الحقيقي” يكتسي المشهد السياسي هذا الملمح تماماً. “رئيس الجمهورية يدشن الحملة الانتخابية” كان هذا عنوان الخبر الرئيسي في وكالة سبأ الحكومية يوم الأحد الماضي في الوقت الذي كان قيادي في المعارضة يشغل عضوية المكتب السياسي في الحزب الاشتراكي داخل المعتقل بصنعاء بدعوى دعم الحراك الجنوبي.
 
يمضي المؤتمر الشعبي العام سريعاً باتجاه خياره في اجراء الانتخابات النيابية في ابريل المقبل اما المشترك فعلية الانتظار حتى انقضاء الفصل الاول من 2010م حين ينعقد مؤتمر الحوار الذي سيقرر ما بنغي فعله وبأي الوسائل.

حين حسم المؤتمر قراره بخوض الانتخابات منفرداً، اقرت اغلبيته النيابية في اسبوع واحد قانون الانتخابات وتشكيله اللجنة العليا للانتخابات وشرع في حشد الرأي العام لتقبل الفكرة منعدمة البريق.

لا تكتسب فكرة الانتخابات حالياً اي جاذبية ولا يمكن لها اختراق الوضع الوطني المضطرب والغاضب في كل اتجاهاته لكن ما الذي يعول عليه النظام في تذليل كل العقبات الماثلة وترويض اطرافها.
 
لن تختلف هذه الجولة كثيراً عن سابقاتها لدى النظام في الاجهاز على قيمة الانتخابات وتحويلها الى ارقام مقاعد تتخطى النصف عبر إنفاق مزيد من المال العام والمواجهة بكل إمكانيات الدولة. وفضلاً عن ذلك ، من غير الممكن حالياً إغفال الملامح التي بدأت تتشكل خلال اسبوعين في ما يصدر عن قادة المؤتمر الحاكم حيال المعارضة.

تؤلف تلك الملامح سياسة انتقام هادئ كالذي يصدر عن طرف غالب يشعر انه تعرض لإذلال خلال جولات المواجهة.. في الواقع لا يمكن لتركيبة الحكم التفكير بغير هذه الطريقة وهي الطريقة التي تصبغ مواقفها في القضايا الكبيرة.
 
بموجب ذلك التفكير فالمضي إلى النهاية في مقاومة رغبات النظام تطاول عليه ويجب ان ينحصر في ملامحه الشكلية وحسب.

لذلك، يحاول النظام إلحاق ما يمكنه من أذى بالمعارضة عقب كل جولة خلاف او موسم انتخابي تظهر فيه المعارضة ندية سياسية. وغير خفي الان انه قد شرع في سياسة العقاب للمشترك عبر سلسلة من الخطابات الرئاسية العدائية من مدينة عدن وتوقيف عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني محمد غالب احمد بدعوى تمويل الحراك الجنوبي بعشرة ملايين ريال.

اوقف غالب الاحد الماضي ليخضع للتحقيق في النيابة الجزائية المختصة بقضايا الامن والارهاب عقب يومين من حديث صحفي لزعيم الفصل المسلح في الحراك طاهر طماح زعم فيه ان المشترك دعم فصيلة بعشرة ملايين ريال بواسطة غالب لإفشال بطولة الخليج الكروية التي نظمت في مدينتي عدن وابين قبل ثلاثة اسابيع. وغالب هو أول من تصدى لتصريحات طماح واتهمه بالعمل لصالح المخابرات النظامية لتشويه الحراك السلمي ووصمه بالعنف بغية النيل منه, فنشأ عن ذلك خصومه بين الرجلين.

كما ان غالب اكثر سياسي جنوبي غير مرغوب لدى متشددي الحراك لمجاهرته في الدفاع عن حزبه امام مشنعيه من المتشديين الحراكيين اضافه الى تمسكه بالتغيير في اطار الوحدة بدلاً من فصل الجنوب في دولة مستقلة.
 
لا تؤدي هذه المعطيات الا الى التسليم بأن تصريح طماح الذي اوقع بغالب هو مسعى كيدي ويرقى الى مؤامرة غير مقطوعة الصلة بالسلطات. اختير غالب للوقيعة به بعد اقل من اسبوعين على اعتداء ضد امين عام التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري سلطان حزام العتواني للإمعان في تكثيف الرسالة المواجهة للقاء المشترك حتى يلين موقفه من الانتخابات.

غالباً ما يختار النظام قادة الصف الثاني في المعارضة لتمرير رسائل عبر الاعتداء عليهم في اواخر 2009م خطف مسلحون السياسي في حزب البعث العربي الاشتراكي نائف القانص الذي كان حينها متحدثاً باسم المشترك واعتدوا عليه بالضرب قبل ان يلقوه في قارعة الشارع خائر القوى.
 
وتكمل وزارة الداخلية ايضاح المغزى من إيقاف غالب مهددة بإخضاع قادة احزاب اللقاء المشترك للمساءلة القانونية في حال ثبت دعمها للحراك الجنوبي.
 
ونسبت وكالة سبأ الحكومية الى من وصفته بمصدر مسؤول في وزارة الداخلية قوله ان قيادة المشترك ستخضع للمساءلة القانونية أزاء التواطؤ على زعزعة الامن والاستقرار والسكنية العامة ومخالفة الدستور والقوانين النافذة في البلاد اذا تأكد دعمها للحراك.
 
تغض وزارة الداخلية الطرف عن طماح الذي يتبنى المسؤولية عن اعمال عنف وخطف مجندين ويهدد علناً بخوض قتال ضد قوى الأمن والموظفين الحكوميين في مناطق الجنوب لكن السلطات تحركت بمنتهى السرعة لاعتقال محمد غالب احمد بمجرد ان الاول جاء على ذكره. ثمه ما هو اكثر من ذلك، وزارة الداخلية نفسها ادرجت طماح في وقت سابق بين ابرز المطلوبين امنياً لكنها الان لا تتورع عن ان تقتات من شهاداته. لا يشبه الامر هنا متناقضات كتجهيز العربة الحصان مثلاً بل كشرطي بليد يضبط الضحية فيما يفلت منه المجرم وبقدر ما يعكس فيه نية مبيتة لمعاقبة المعارضة على مواقفها فانه يظهر إلى اي مدى تلهو الانظمة الدكتاتورية بالهيئات الحكومية وتسخرها لخدمة ألاعيبها السياسية.
 
بمقابل رقصة المرح التي يؤديها النظام امام معرضين منهكين وهو يردد الان بدأ وقت المرح تبدو قوى المعارضة مشدوهة من سرعة الخصم في ادارة المواجهة وهي تتساؤل بحيرة: ما العمل؟ تعهدت المعارضة قبل اسبوعين بالتغيير عبر الوسال الشعبية ودعت الى غضبة شعبية لممانعة السلطة من التفرد بتقرير مصير البلاد لكن لم يتواصل الى الان ما قررته القوى المعارضة سوى اعتصام كتل المشترك النيابية بالبرلمان.

السبت الماضي، طور نواب المشترك اعتصامهم الى خارج قاعة البرلمان وعلقوا شارات برتقالية بدلاً عن شارات بيضاء للتعبير عن اعتزامهم تصعيد الاحتجاجات.

لكن ينبغي للمعارضة ادراك انها تغفل عامل السرعة وهو عامل حاسم في اي مواجهة فهي تتحرك ببطء كما لو انها مغلولة، لا بنبغي تجاهل ان هجمة تعوزها السرعة هي فاشلة بالضرورة.

وما قد يشفع لها في هذا المثلب كثرة توليفاتها مؤخراً من القوى المتخالفة معها في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني ثم ارتباط قرارتها بقاعدتها الشعبية غالباً. كما لا ينبغي للمعارضة ان تتحسر كثيراً على الاطاحة باتفاقاتها مع المؤتمر الشعبي الحاكم فذلك يضعها امام فرصة واختبار في آن بشأن قدرتها على استنفار انصارها والمتطلعين اليها من الفئات الاجتماعية المختلفة، لقد فعلت ذلك على نحو جيد خلال الانتخابات الرئاسية في 2006 بالرغم من الضغط الذي كان يلقي بوطأته عليها، ضغط الجو الانتخابي المحكوم بنتيجة في نهاية المطاف. أما الان فالمعارضة متحررة من كل القيود والالتزامات لغريمها الحاكم وبإمكانها ان تنجز شيءاً يثير الاعجاب فيما يتصل بالخيار الشعبي. واضافة الى ذلك هي فرصة جيدة للتدرب على الاستقواء بالشعب وتحويله من معادل مهمل القيمة حالياً لدى الخصم الى معادل يرجح كفة الميزان.
 
في اليوم الأول لتوقيف محمد غالب احمد ردت المعارضة ببيانات غاضبة من مختلف قواها وفي اليوم التالي نظم بضعة ناشطين وسياسيين زيارة الى حجز المباحث الجنائية بصنعاء حيث يعتقل. الوضع الذي خلقه ما تطلق عليه المعارضة “انقلاب” المؤتمر على الاتفاقات السياسية سيعلمها كيف تنظم في اليوم الثالث احتجاجاً مزعجاً امام الحجز، على الأقل لا يدع صاحب اشارة الاعتقال يسترخي ويقول في نفسه مختالاً: لقد نلت منهم بسلام.

نقلا عن صحيفة المصدر – خالد عبد الهادي

زر الذهاب إلى الأعلى