أرشيف

دلالات اقصاء حميد الاحمر من رئاسة اصلاح عمران

في المشهد السياسي، احياناً تعبر- بفتح التاء- كثير من التفاصيل الهامة، امام ناظري مراقبي المشهد ومتابعيه والمهتمين باحداثه وتفاعلاته، دون ان تسترعي الاهتمام او الانتباه رغم تسببها في تغييرات جزئية للاحجام والاوزان والتموضعات على المستويين الشخصي والكياني.


اقصاء حميد الاحمر من رئاسة التجمع اليمني للاصلاح في محافظة عمران، حدث صاخب، وخطب جلل، مضى امام الجميع دون ان يجد حقه من التحليل وتسليط الاضواء بهدف فهم التداعيات والاسباب واستقراء النتائج المترتبة.


[email protected]         حسين اللسواس


للوهلة الاولى،قد لا يجد توصيف (الخطب الجلل) تأييداً من كثيرين، غير ان العودة للخلفيات الماضوية (وتحديداً لمرحلة ما بعد رحيل الشيخ عبدالله الاحمر والجدل الدائر بشأن خليفته في رئاسة الهيئة العليا للاصلاح) تجعل توصيف الخطب الجلل طبيعياً ومنطقياً جداً.


لقد كان حميد آنذاك، اوفر الاصلاحيين حظاً في الحصول على ترشيحات المتابعين والمهتمين لخلافة والده الراحل في رئاسة هيئة الاصلاح العليا.


الحديث عن وراثة حميد لوالده طغى يومذاك على ما عداه من اهتمامات وقضايا تلك المرحلة على الصعيدين السياسي والاعلامي، لدرجة ان نخبأ سياسية اخذت تتداول على نطاق واسع مصطلح (ازمة التوريث في حزب الاصلاح).


حينذاك، لم يكن القيادي الاصلاحي المخضرم محمد اليدومي- في نظر المتابعين والمهتمين- هو الخليفة القادم رغم تسلمه مهام الرئاسة بصورة مؤقتة، ليس لعدم كفاءته واقتداره، وانما تأثراً بالبروبجندا (الدعاية) الاعلامية والسياسية التي وضعت حميداً على رأس الترشيحات وغضت الطرف عن القيادات الحقيقية والتاريخية للاصلاح والاخوان المسلمين.


حين نستحضر تلك الخلفيات الماضوية، لا شك ان بوناً شاسعاً يتراءى بين التموضعين بصورة تجعلنا نتساءل: كيف لمن كان بالامس القريب مرشحاً لرئاسة الهيئة العليا ان يتعرض للاقصاء من رئاسة احد الفروع الدنيا..؟


بين الوضعين- حميد ما بعد رحيل الشيخ وحميد ما بعد الاقصاء من رئاسة فرع عمران- ثمة ما يحفز على الاستيقاف مطولاً، اذ لا يعقل ان من كان مرشحاً لرئاسة الحزب يوماً ما لم يعد قادراً على الاحتفاظ بموقعه التنظيمي كرئيس لاحد فروع الحزب المحلية.


بوضوح يمكن القول: ان الوزن التنظيمي للرجل منذ رحيل والده شهد انخفاظاً قياسياً تسبب في انحسار مكانته الحزبية وتراجعه الى الصفوف الخلفية في التسلسل الهرمي للقيادات التنظيمية بصورة جعلته عرضة للازاحة من موقع قيادي محلي الى اخر ادنى اهمية..


فلماذا يا ترى تراجعت مكانة حميد في قلوب الاصلاحيين، وما هي مسببات انخفاض وزنه التنظيمي، وهل للامر علاقة بصراع اجنحة ومراكز قوى ام انه تعبير بديهي عن تراكمات الاخطاء الذاتية والشخصية لرجل لا زال يرى فيه البعض املاً انقاذياً لوطنه وشعبه.


مفارقات الكلمة الوداعية


في كلمة الافتتاحية لمؤتمر اصلاح عمران المحلي، تلا حميد الاحمر عبارات وصفها البعض بالوداعية لموقعه التنظيمي والتبريرية لاسباب المغادرة، من تلك العبارات- حسب مواقع اخبارية- مثلاً قوله: ان نهج الاصلاح باقي والاشخاص يتغيرون ولكن مواقع العمل لا تتغير.


ثمة مفارقات عجيبة تتبدى حين نحاول اسقاط حديث حميد عن تغيير الاشخاص على المؤتمرات المحلية للاصلاح في باقي المحافظات، اذا لم تحدث تغييرات واسعة على مستوى رؤساء المكاتب التنفيذية باستثناء محافظتين تقريباً.


احتفاظ غالبية رؤساء المكاتب التنفيذية بمناصبهم القيادية بضع علامات استفهامية عديدة حول المسبب الحقيقي لاقصاء الرجل من رئاسة المكتب التنفيذي للاصلاح بعمران.


هنا لا يبدو ان الامر علاقة بتطبيق النظام الاساسي لحزب الاصلاح الذي يحظر في مادته رقم (64) على القيادات العليا في الاصلاح الاحتفاظ بمواقعهم التنظيمية لثلاث دورات متتالية.


استبعاد مبرر النصوص اللائحية له ما يبرره، فلو افترضنا جداً ان حميداً قضى في رئاسة الفرع ثلاث دورات متتالية ولم يعد النص اللائحي يسمح ببقائه، فلماذا لم يتعرض بقية رؤساء المكاتب التنفيذية في المحافظات للاقصاء رغم تجاوز بعضهم لهذه المدة؟ ولماذا جددت لهم الثقة ولم تجدد لحميد الاحمر..؟


من مسببات استبعاد مبرر النصوص اللائحية ايضاً غياب اي اشارة واضحة في النظام الاساسي لعدد الدورات المسموح لرؤساء المكاتب التنفيذية ان يحتفظوا خلالها بمواقعهم التنظيمية، فالمادة (64) التي حددت مدة البقاء بثلاث دورات كل دورة اربع سنوات لم تأت على ذكر رؤساء المكاتب التنفيذية للاصلاح واكتفت بتحديد شاغلي المواقع التنظيمية التالية: رئيس الهيئة العليا ونائبه، الامين العام والامينين المساعدين، رئيس مجلس الشورى، رئيس الهيئة القضائية.


وبالتالي فمبرر النصوص اللائحية لا يحمل اي مؤشرات اقناعية حقيقية، وحتى لو تجاهلنا انف الافتراضات وسلمنا جدلاً بوجود موانع لائحية منصوص عليها في اللائحة العامة (وليس في النظام الاساسي) فان التساؤل الذي يفرض ذاته بقوة: لماذا خضع النظام الاساسي لطائلة التعديل بهدف ابقاء الشيخ عبدالله الاحمر كرئيس للهيئة العليا لولاية رابعة ولم تخضع اللائحة العامة للتعديل لابقاء حميد الاحمر على رأس الاصلاح في محافظة عمران، لا شك ان لفرضة المكانة الاجتماعية والقبلية التي كان يتمتع بها الشيخ الراحل دور في ذلك التعديل اللائحي الاستثنائي، وهو ما يعني ان حميداً اخفق في حيازة مكانة ابيه ليس على المستوى الحزبي فحسب بل وحتى القبلي ايضاً، اذ اخفق في ان يكون مرجعاً للحزب كما كان الشيخ الاب، بموازاة اخفاقه ايضاً في ان يكون مرجعاً للقبيلة- وهي بالمناسبة- المكانة التي نجح شقيقه حسين في حيازتها.


مزاحمة قيادات التنظيم وبناء ولاءات شخصية
حين نقتفي اثر الاداء السياسي لحميد ونتتبع طرائق تعاطيه مع القضايا والاحداث الحزبية والسياسية نجد حضوراً لافتاً لاخطاء ذات ابعاد تراكمية كانت سبباً في تحجيم مكانته الحزبية وخفض وزنه التنظيمي مع التقادم الزمني.


هنا تبدو نزعتنا التملك والسيطرة ابزر تلك المسببات، فحميد كإمبراطور مالي يملك مئات المليارات وشيخ ذي مكانة قبلية في حلف حاشد، لم ينطلق في تعاطيه مع الاصلاحيين من منطلق (المرجع والداعم) الذي التزم به الشيخ الراحل عبدالله الاحمر كنهج اكسبه احترام الاصلاحيين وتقديره، لقد انطلق من رغبته في ان يكون (المتحكم والمسيطر) وهي رغبة دفعته لارتكاب اخطاء والقيام بخطوات وتأدية ادوار لم يكن الشيخ الراحل ليرضى بها على الاطلاق.


من تلك الاخطاء محاولاته الدائمة لتجاوز الهيئات القيادية العليا في الاصلاح، ومزاحمته لمحمد اليدومي وعبدالوهاب الانسي في صلاحياتهما التنظيمية كقادة منتخبين للحزب.


مزاحمة الرجلين- حسب مصادر اصلاحية- لم تقتصر على مساعي التزعم والصدارة وسباقات خطف الاضواء، اذ بلغت حد اصدار توجيهات وتعليمات ورؤى وتصورات لمختلف التكوينات الوسطية والقاعدية دون تفويض او موافقة من رئيس الحزب وامينه العام.


لقد كان واضحاً ان الرجل ينفذ مخططاً شخصياً يهدف الى بناء ولاءات شخصية في مختلف التكوينات التنظيمية بصورة تحقق رغبته في التملك والسيطرة وتمنحه القدرة على مجاراة اليدومي ومزاحمة الانسي ومشاطرة الزعيم الروحي ياسين عبدالعزيز في النفوذ والمكانة.


حاجة الاصلاحيين للاسناد المالي، جسدت سلاح الرجل الامضى لتمرير مشروعه الاستحواذي الذي لم يكن مرفوضاً خلال بداياته الاولى.


في فلسفة الادارة والسيطرة لدى الاخوان، يمكن لاي قيادي ان ينال مواقع الصدارة ويحاز سلطات الادارة شريطة الالتزام بقواعد الاداء الجماعي واسس المصلحة العامة وموجبات الولاء التام للقيادة الحاصلة على مشروعية البيعة.


واذا كانت انف الشروط هي المدخل الذي دلف منه الرجل لتمرير مخططه الاستحواذي دون اعتراضات او جبهات ضدية، فان الاخلال بها يستلزم بالضرورة تحركات وخطوات تحجيمية تكفل انهاء اي تهديدات لوحدة التنظيم ولأدائه الجماعي المتناغم وهو ما حدث اخيراً بتحجيم الرجل وازاحته من رئاسة المكتب التنفيذي الى رئاسة مجلس شورى فرع عمران.


المزايدة على قادة الاصلاح


مزاحمة القيادة التنظيمية في السلطات والصلاحيات لا يعد خطأ الرجل الوحيد، اذ ثمه اخطاء تراكمية اخرى لا تقل اهمية لعل ابرزها اتباعه لنهج المزايدة على قادة التنظيم في المواقف والتصريحات ومحاولاته الدؤوبة لاحراجهم امام قواعدهم التنظيمية وسعيه الدائم لاظهارهم في مواقف تخاذلية بهدف تحجيم مكانتهم وتقليص نفوذهم، ولعل في تصريحات حميد قبل اسابيع للصحوة موبايل التي قال فيها: على الاحزاب السياسية ان تقود الشعب بشجاعة لانتزاع حقوقه مالم فلتعلن عجزها والشعب سيتحرك بمفرده، ما يؤكد ذلك.


وهنا نتساءل ماذا يمكن ان يخطر على بال الاصلاحيين في المحافظات الذين يستخدم غالبيتهم شرائح سبأفون ويعتمدون على الصحوة موبايل كمصدر اخباري وحيد، حين يقرأون تصريحاً كالذي يعانيه.


عجز قياداتهم وقدرة حميد، ذلك ما يمكن ان يتبادر الى الاذهان للوهلة الاولى، وبالتالي كيف يمكن لمن يتهم قيادة حزبه بالعجز ان ينال ثقتها في الادارة والمسؤولية الحزبية والتنظيمية؟


نظرية الشيخ والرعوي


الانحياز الى المشائخ على حساب المثقفين والمتخصصين والحداثيين، خطأ يحتل موقعاً متقدماً في الاخطاء التراكمية، اذ لم يستطع حميد ان يتحرر من عقلية (الشيخ والرعوي) المهيمنة على مجمل تفكيره والمنعكسة بوضوح في مختلف انماطه السلوكية والادائية.


بالنسبة لحميد، المشائخ دوما في المقدمة، والحداثيون والمثقفون دوماً في المؤخرة، حتى حين يتضاءل الوزن المعرفي والسياسي للشيخ مقارنة بالمثقف لا يمكن للأخير أن يتقدم على الاول، ولعل كثيرين هنا لا زالوا يتذكرون الموقف الاستفزازي الذي اقدم عليه حميد خلال الاجماع الافتتاحي للجنة المائتين المشكلة من المؤتمر والمشترك، حيث حاول ان يستأثر للمشائخ بمعظم مقاعد المقدمة واضعاً اسماءهم عليها، وهو موقف دفع القيادي الاصلاحي البارز والمخضرم محمد قحطان عضو الهيئة العليا، الى الاحتجاج الشديد على هذه التصرف الاقصائي بحق المدنيين والمثقفين، ليتطور الموقف بين الرجلين سريعاً ويصل حد الاشتباك الكلامي.


رغم خطأ الفادح، لم يعتذر حميد او يتراجع، بل اصر على صوابية موقفه وهو ما جعله موضع صخرية السياسيين والمثقفين ورجال الحداثة الذين عبروا عن تأييدهم وتقديرهم لموقف القيادي الشجاع محمد قحطان.


تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة التنظيم


في علاقته بالاصلاح، لا يحاول حميد الموازنة بين مصالحه الخاصة ومصالح التنظيم العامة على قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).


خلال مواقف كثيرة يبدي الرجل حرصاً كبيراً على مصالحه الشخصية ويقدمها على مصالح التنظيم لدرجة يبدو فيها احياناً كما لو انه غير مكترث بمصالح التنظيم ومكتسباته التي نالها بعد نضال وتضحيات وجهود جبارة.


يحاول حميد- الذي حصل على هبات نفطية واستثمارات ضخمة بتوجيهات رئاسية- ان يقطع شعرة معاوية بين الاصلاح والرئيس صالح، دون ادنى مراعاة او حساب للعواقب والتداعيات المترتبة على مصالح التنظيم ومكتسباته جراء خطوة كهذه.


انه مثلاً يدفع الاصلاح منذ سنوات الى مربع التصادم الحاسم مع الرئيس دون حساب لمستوى الاضرار ودون تقديم ضمانات او مصالح بديلة للحزب الذي بات يتحمل اعباء متضخمة في اعالة مئات الالالف من اعضائه وكوادره وانصاره.


لا يخفي بعض قادة الاصلاح انزعاجهم من تفضيل الرجل لمصالحه على حساب مصالح التنظيم وعدم ادراكه لما يمكن ان ينشأ عن التضييق على استثمارات واموال واعمال وانشطة الحزب.


من وجهة نظرهم، لا يبدو الرجل مهتماً بمصير الألاف الذين ستستقبلهم ارصفة البطالة ان تعرضت استثمارات الحزب وامتيازاته وامواله وانشطته واعماله لطائلة التضييق السلطوي.


هنا يبدو التوتر الكلامي بين عبدالوهاب الانسي وحميد الاحمر على هامش عدد من الاجتماعات معبراً عن جزء بسيط من هذا الانزعاج، حيث اضطر الانسي في اجتماع شهير الى اسكات حميد الاحمر على خلفية اطروحات استفزازية تسعى لإفقاد الحزب مكتسباته وامتيازاته واستثماراته.


فقدان الحلفاء


في الواقع، لا يبدو الانزعاج من تصرفات حميد الاحمر منحصراً على قيادات اصلاحية، فكثير من حلفاء الرجل في اطار اللجنة التحضيرية للحوار الوطني باتوا يشاطرون تلك القيادات الاصلاحية هي صفة الانزعاج من الرجل وتصرفاته، عدم الانصات الى الرأي الناقد والمغاير، شخصنة القضايا، الاصرار على فرض رأيه وامضاء قراراته، القاء الاتهامات وتوزيع صكوك التبعية على الأخرين، التفرد في صناعة القرار، الانحياز للمشائخ على حساب المثقفين ورجال الحداثة، وعناوين اخرى كثيرة جسدت دافعاً لفقدان الرجل وخسارته لكثير من حلفائه السياسيين كالمناضلة توكل كرمان وعبدالباري طاهر واحمد سيف حاشد واخرين انسحبوا من عضو اللجنة التحضيرية للحوار الوطني احتجاجاً على تلك التصرفات الانف ايرادها باختصار.


صكوك الغفران واتهامات التبعية


حين تختلف مع حميد في الرأي والموقف فقد وجب عليك الغضب وحلت عليك لعنة الاتهام.


في حالة الزميل عبدالله قطران الرئيس السابق لخدمة (ناس موبايل) ليس ثمة ما يمكن اراده كمبرر منطقي لما حق به من ظلم وتعسف على يد حميد الاحمر.


لم يرتكب الزميل قطران جرماً سوى اهتمامه بنشر تصريحات واخبار حسين الاحمر (شقيق حميد) وهو ما اغضب هذا الاخير الذي اصر على ازاحة قطران من عمله وحرمانه من رزق اسرته ليتحول شيخ البر وامل التغيير الى محظ قاطع ارزاق.


عندما لا يكون في وسع حميد اتخاذ اجراءات بحق من يخالفونه الرأي، يلجأ لتقمص دور البابا الذي يمنح صكوك الغفران ويوزع اتهامات التبعية والخيانة العمالة على الآخرين.


فمن كان في نظره بطلاً ومناضلاً ذات يوم يتحول- بعد خلافه مع حميد في الرأي- الى مهفوف وتابع وحاقد ومنفذ أجندة ومن كانت نظره اشرف امرأة تتحول بعد خلافها معه في الرأي إلى مهفوفة وحاقدة..!


يمضي حميد بعيداً في نهج الازدراء من الأخر حين يجيز لنفسه حق اتهام الافراد والمؤسسات بالتبعية، فهذا مدعوم من الرئيس وذاك تابع لأحمد علي..!


هراء تبعية (حديث المدينة) للوريث احمد


حين علمت باتهامات حميد الاحمر لصحيفة (حديث المدينة) بالتعبية للوريث احمد علي عبدالله صالح، ايقنت ان الرجل بات يعاني مشكلة سيكولوجية حقيقية مع كل ذي رأي مغاير، وهي مشكلة تدفعه الى مربع النيل من منتقديه بشتى الطرائق ومختلف الاساليب.


ليس مهماً هنا ان كان سيلجأ للأكاذيب والاساليب التعسفية، المهم ان يحقق غاية الانتقام من ذلك الذي تطاول وتجرأ على نقد اعماله وسلوكياته.


كان في وسع حميد ان يوجه نقده لاداء صحيفة حديث المدينة ويعرض رأيه في نهجها المهني وما تنشره من مقالات واراء، غير انه فضل اتهامها بالتبعية تحقيقاً لنزعة الانتقام. بالنسبة لحميد الاحمر، هنالك كابوس اسمه (احمد علي عبدالله صالح)، فلو كنت من كبار معارضي ومنتقدي الوريث احمد وتعرضت للانتهاكات وسجنت وناضلت، ثم اختلفت في الرأي مع حميد فأنت ببساطة شديدة ودون ادنى تفكير تابع لأحمد علي عبدالله صالح..!!


لم تكن حديث المدينة- في نظر حميد- تابعة لاحمد علي عبدالله صالح حين نشرت مقالات نافذة لمشروع التوريث مناهضة لمخططات الوراثة الاحمدية، غير انها حين وجهت نقداً لحميد في مقالات تحمل عناوين: اوجه الشبه بين حميد والرئيس، وهل سيتحول حميد الاحمر الى جزء من مشروع التوريث، اضحت مجرد تابع للوريث احمد منفذه لسياساته..!!


اي عاقل يمكن ان يصدق هراء تبعية حديث المدينة لاحمد وهي تنشر مقالات من نوع: الجبل المقعي من سنحان، ووزن: هل ستتحول المليشيا الحوثية الى الوية في الحرس الجمهوري، وحجم: سرايا الدفاع بموازاة الامن القومي بين عمار صالح ورفعت الاسد.


يبدو الرجل متباهياً وسعيداً بانتصاره الوهمي على صحيفة محترمة، انه يظن انه اتهاماته الباطلة قد احرقت اسهم الصحيفة شعبياً، غير انه لا يدرك ذكاء القارئ وقدراته على التمييز، ببساطة: لقد احرق الرجل نفسه دون ان يشعر واساء باتهاماته للصحيفة الى تاريخه القصير وشوه صورته التي كانت ناصعة واضحى ذكره مقترناً بالسخرية بين الصحافيين والسياسيين.


وماذا بعد؟


لا يدرك حميد الاحمر انه اخذ بتصرفاته يتحول الى جزء من المشكلة العامة في الوطن، تاركاً بذلك تموضعه الطبيعي كجزء من الحل المفترض.


بالتقادم بات الرجل يفقد رصيده الحزبي ومكانته في اوساط النخبة السياسية واحترامه عند الخصوم وتقديره في قلوب العامة.


فلدى حزبه اضحى يعاني الاقصاء ويكابد عناء التحجيم، وعند حلفائه غدً تسلطياً يهوى التفرد والاستئثار بصناعة القرار، وفي تقديرات النخب السياسية والصحافية بات شمولياً لا يؤمن بحرية الرأي والتعبير ان كانت ستطال اعماله وسلوكياته، وعند الجنوبيين امسى مراوغاً يتحدث عن حقوق الجنوبيين ويناوئ نهب الثروة وسلب الحقوق بالتزامن مع مشاركته في النهب واصراره على الاحتفاظ بمنزل الرئيس علي سالم البيض كأحد غنائم حرب صيف 1994م.


رصيده يوغل في التأكل، وشعبيته تمعن في التضاؤل، واعباؤة تتكالب وتتثاقل، وهو وسط كل هذا لا يبدو عابثاً باحد، انه يرى في ذاته عين الصواب وفي الاخرين عين الخطأ..


لا شك ان وضعاً مأساوياً كالذي يعيشه الشيخ حميد الاحمر بات في امس الحاجة لنصائح المستشارين ومراجعات المقربين بصورة تحفظ للرجل موقعة بين الحلول المفترضة وتجنبه المال اللائح كجزء من المشكلة العامة في البلاد.


فهل آن لهذا القيادي الذي كان لامعاً ان يتراجع ويعيد حساباته ويقيم نقلاته ويدرس تموضعاته، ام ان نزعتي التملك والسيطرة ستدفعانه لاستنزاف ما تبقى له من رصيد حزبي وسياسي وجماهيري لينتهي به مطاف اللعبة كنزيل بارز في قائمة المتسببين بمشاكل البلاد بعد ان كان متصدراً قائمة القادرين على معالجتها وكفى!

نقلا عن صحيفة حديث المدينة

زر الذهاب إلى الأعلى