أرشيف

سمير اليوسفي : صورة صالح لاتزال على مكتب علي محسن والتواصل بينهما لايزال قائما

قال إن الرئيس صالح لايزال على تواصل بعلي محسن الأحمر وانه لم يستوعب الدرس المصري جيدا بعد أن كان يستنسخ كثير من تجارب الرئيس المصري خلال فترة كبيرة من حكمه، وأنه لم يستسغ حتى الآن انضمامه لثورة الشباب الطاهرة النقية خاصة وقد عمل مع النظام لفترة طويلة، وأنه يحتاج لفترة قادمة لمراجعة أخطائه السابقة، الأستاذ سمير رشاد اليوسفي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية ـ رئيس التحرير السابق للجمهورية يتحدث لصحيفة الأهالي في حوار شيق يعيد “عدن الغد” نشره:

حاوره -ثابت الأحمدي


* قدمت استقالتك من مؤسسة الجمهورية وأنت على رأسها في صورة ملفتة.. حبذا لو تعرفنا على طبيعة هذه الاستقالة؟


– في البدْء أحييك.. وأنا سعيد أن تكون أنت من يحاورني كما أحيي صحيفة «الأهالي» الغراء التي تعتبر من أفضل الصحف اليمنية رصانة وأداء؛ أما عن موضوع استقالتي فيتلخص في التالي: إنني لم أكن أنتوي تقديم استقالتي لارتباطي الروحي بمؤسسة الجمهورية التي بدأت فيها محررا صغيرا وتدرجت حتى وصلت إلى رئاسة المؤسسة -رئاسة التحرير- إلا أن جمعة الكرامة كما سماها المعتصمون قلبت الموازين لدي، عقب صلاة الجمعة مباشرة قلبت القنوات الفضائية ففوجئت بمجزرة دامية لم أكن أتوقع إطلاقا أن تحدث في اليمن، قنص مركز لا يقوم به إلا محترفون ومدربون يستحيل أن يقوم به أناس عاديون، فكانت جريمة مكتملة الأركان، وكنت أتوقع أن الأخ الرئيس سيكون له موقف إيجابي تجاه هذه المجزرة خاصة وقد قيل حينها أن الرئيس سيخرج بعد ساعات ليتحدث في مؤتمر صحفي، ولم أكن أتوقع أن الرئيس سيقول ذلك الكلام، توقعته أن يقول الحقيقة وأن يحاسب القتلة ويحيلهم إلى محاكمة قضائية مستعجلة على الأقل لإراحة ضميره وحفاظا على مشاعر أهالي الشهداء، لكنني صدمت بالأخ الرئيس يتهم أهل الحي بقتل الشباب المعتصمين وبدون تحقيق أولي! وأيضا دفاعه المستميت عن الحرس الجمهوري والأمن المركزي، وكان الأجدر به أن يقيل قيادتي الحرس الجمهوري والأمن المركزي كونهما محسوبين عليه، وأيضا أن يحيل الموضوع برمته للقضاء.


* برأيك ماذا يعني تبني الرئيس لهذا الموقف تحديدا؟


– لا شك أن أي قارئ بسيط يقتنع أن الأخ الرئيس خرج للتصريح بهذا الكلام وهو مقتنع بما سيقوله، وقد سبق منذ فترة لتلك المذبحة حملة إعلامية ألَّبت العامة ضد المعتصمين في الحارات والشوارع المجاورة لساحة التغيير، وهذا معيب في حق الإعلام الرسمي الذي يحرض الناس بعضهم على بعض، وقد فوجئت حقيقة أن الأخ الرئيس لم يعتذر عما وقع ولم يعتبر ذلك جريمة ارتكبها الحرس الجمهوري والأمن المركزي، فحسمت أمري لتقديم استقالتي، لأنه لم يكن أمامي من خيار إما الانحياز إلى صف الشعب واحترام تلك الدماء التي سالت، أو البقاء في عملي والتبرير غير المنطقي من موقعي كرئيس لتحرير صحيفة الجمهورية لتلك الجريمة الشنعاء، لأن المطلوب مني -ضمنا- أن أنشر ما يبرر تلك الواقعة زورا وكذبا، وهذا ما لا أستطيع فعله أو القبول بنشره.


* أنت قدمت استقالتك من منصبك احتجاجا على مجزرة جمعة الكرامة، لكنك لم تعلن عن انضمامك للثورة؟


– هؤلاء الشباب المتواجدين في ساحات الحرية والتغيير هم من أنقى الشباب وأشرفهم وعندما انضموا إلى الساحات كنا نضنهم خليطا غير متجانس، قد لا يتوافقون في شيء لكنهم أثبتوا غير ذلك، شكلوا لوحة جميلة وجعلوا من هذا التباين سندا ودعما لمشروعهم، وكنت كتبت مقالا نشرته في صحيفة الجمهورية ليلة سقوط مبارك عن ضرورة استيعاب الدرس المصري والاتعاظ به من قبل الأخ الرئيس لأن الرئيس كان يستلهم ويستنسخ كثيرا من تجارب النظام المصري ومن بين ذلك مشروع التوريث الذي سقط وانتهى.


* لم تقل لي عن سبب عدم انضمامك إلى الثورة حتى الآن..؟


– يا سيدي ما يهمني أن أقوله الآن وبكل صدق انه من غير المستساغ عندي أن يعمل الواحد منا مع النظام لفترة طويلة ثم يتحول تلقائيا بعد تلك المجزرة ومن اليوم الثاني ثائرا ضد النظام، لا أستسيغ هذا الفعل، وأظن أن هؤلاء الثائرين هم أنقى مني وأطهر وأعتبر نفسي داعما لهم.. ومن يقول أن الثورة تجب ما قبلها فإنني لا أرى أن هذا ينطبق علي تماما. أنا بحاجة للجلوس مع نفسي لفترة طويلة أراجع فيها تجاربي السابقة، التي كان جزء منها خاطئا باعتباري كنت من المدافعين عن النظام وعن علي عبدالله صالح، الذي لا زلت أتوقع منه أن يعلن عن موقف يشرفني ويشرفه، كنت أظنه أكبر من أن يتشبث بكرسي الحكم بعد ما حدث من عنف ومجازر سقط فيها مئات القتلى وآلاف الجرحى فلا يشرفه البقاء فوق جثث وأشلاء الضحايا، كما لم أكن أتوقع منه أن يشرع للتمديد أو للتوريث، خاب ظني كثيرا في أشياء توقعتها من علي عبد الله صالح، والحقيقة أقول لك أن الثورة ليست بحاجة لسمير اليوسفي بقدر ما أنا شخصيا بحاجة إليها.


* لو سألتك عن خارطة الاستقالات الحزبية التي غلب على كثير منها لون واحد كان ضمن تيار آخر مناوئ للنظام سابقا ثم التحق به؟


– الاستقالات كما هو معروف جاءت ابتداء من يوم جمعة الكرامة، غير أن التداعي الملفت فيها جاء بعد يوم الاثنين، أي بعد استقالة علي محسن صالح قائد الفرقة الأولى مدرع والتي كان مخططا لها من اليوم السابق وبتنسيق جيد بين شخصيات عسكرية ومدنية ورجال أعمال، هناك من استقال رفضا للمشاركة في تلك الجريمة، واحتراما لأنفسهم وهناك من استقال هربا من المسئولية وتبعاتها، وهناك كما قيل الانتهازيون، وكل الاحتمالات واردة، لكن بعد مضي قرابة الشهرين على مجزرة جمعة الكرامة لم يستمر على قرار الاستقالة إلا من كان مقتنعا بها من قبل فهناك الكثيرون عادوا إلى عباءة النظام من جديد.


* لم تجبني عن سؤالي.. مرة أخرى كيف تقرأ لون خارطة المستقيلين؟


– أتكلم عن نفسي، إنني بعد الاتهامات التي صدرت بحق المستقيلين كتبت رسالة للرئيس رددت فيها على من اتهمنا بأننا إخوانيون عدنا إلى تنظيمنا السابق قلت فيها إنهم لم يكتشفوا أنني في الإخوان المسلمين إلا بعد أن أعلنت ذلك تطوعا مني، هؤلاء أعجز من أن يكتشفوا أنني في الإخوان، تدرجت في عملي في المؤسسة من محرر عادي إلى مدير تحرير إلى رئيس تحرير، وكانوا لا يعرفون عني أكثر من كوني شابا ملتزما فقط، وعندما جاءت فتنة الزنداني واتهمني فيها بالكفر دافعت عن نفسي وقلت أنني دخلت الإخوان المسلمين عن طريق عبد المجيد الزنداني حتى أبرئ نفسي من تهمة ألصقها بي. فتلقفها المؤتمريون مستغربين من ذلك، معقول سمير اليوسفي كان من الإخوان المسلمين؟!! وعموما فعندما عينت على رأس المؤسسة لم أصعد بصفتي الحزبية السابقة إنما بتقدير مهني تماما..


* حتى الآن ورغم تكرار السؤال لم تجب عنه بما يكفي.. مزيدا من التوضيح؟


– هناك من يرى أن استقالة البعض من المنتمين سابقا للإخوان كان بإيعاز من التنظيم ولكن لا صحة لذلك، والحقيقة أن هؤلاء عندما تركوا تنظيمهم السابق تركوه لكونه -من وجهة نظرهم- مستبدا يحتكر الحقيقة، أو لم يجدوا فيه ما يشبع طموحاتهم ومواهبهم فخرجوا إلى ما هو أرحب، فكان المؤتمر حينها أكثر رحابة واتساعا، وخاصة للآراء المغايرة.


* عندما خرجوا إلى المؤتمر هل لبى المؤتمر طموحاتهم ونفذ مطالبهم؟


– ما يعنيني أنا شخصيا كصحفي أني رفضت عروضا كثيرة للعمل في صحف مستقلة أو مشاركة آخرين وكنت أقول أن العمل في صحيفة حكومية أفضل من غيرها، وخضت تجربة بهذا الشأن في صحيفة الثقافية ومن بعدها في صحيفة الجمهورية، استوعبنا فيها كافة الآراء من مختلف المشارب، لم يقمع عندنا رأي أو يحارب فكر، فكنت أقول: المؤتمر مظلة يستوعب الجميع، والحقيقة أني لم أجد وصاية من أحد علي خلال عملي.. والحقيقة التي يجب أن أشير إليها إنصافا أن الإخوان لم يعودوا كما كانوا، كثير منهم وخاصة من الشباب قمة في التفهم بل لقد صاروا ليبراليين أكثر ممن يدعون ذلك، وبالمقابل أيضا فعندما ظهرت الأحداث الأخيرة لم يعد المؤتمر الشعبي العام كما كان.. لم يعد الأخ الرئيس كما كان، باختصار لم نعد إلى تنظيمنا السابق ولن نعود. وهذا ما يتعلق بي شخصيا بعدما جربت الحرية والاستقلالية..


* بما في ذلك المؤتمر الشعبي العام لن تعود إليه؟


– أنا شخصيا يقال أنني في المؤتمر وكنت عضوا في اللجنة الإعلامية العليا له لكنني فعلا لم أحسب نفسي عليه ويعرف الأخوة في المؤتمر الشعبي العام ذلك خلال السنوات السابقة عندما كنت أكلف برئاسة كثير من اللجان الإعلامية الحزبية فكنت أعتذر عن ذلك واكتفي بالعمل عضوا فيها، أنا لا أحبذ العمل الحزبي مطلقا، أميل إلى العمل الحكومي أكثر.


* جميل.. تحدثت الآن عن تجربتك الخاصة فماذا عن قراءتك الكلية للمشهد برمته على الطريقة الجشطالتية كما يقال؟ المشهد أيضا يقتضي قراءة كلية جمعية لا مناص من ذلك؟


– أولا الذين خرجوا فيهم شخصيات بارزة من الإخوان المسلمين سابقا وممن خرجوا شخصيات ليست من الإخوان المسلمين، إنما ما أريد قوله بعد إلحاحك أن هؤلاء يجمعهم هاجس الفكر الواحد.. البحث عن الأفضل..وبالطبع أنا أقلهم تأثيرا وحجما وتجربتي محدودة، وسؤالك يحتاج إلى بحث وتدقيق، لربما الإحساس بالمسئولية التي تربوا عليها يوما من الأيام.. الحس التنظيمي الذي كانوا عليه.. ارتباطهم بالجوانب الإنسانية.. دخولهم إلى الإخوان المسلمين كان بحثا عن نشدان حقيقة معينة وبحث عن صفاء روحي لم يجدوه خلال السبعينات والثمانينات إلا في الإخوان المسلمين وفكرهم، أنا كنت أرى في فكرهم وسلوكهم خلال مرحلة الثمانينات ما يشبه سلوك الأنصار في المدينة.. أنقياء وأطهار غير ملوثين لكن هذه الصورة تغيرت عندي بعد الوحدة ونشوء حزب الإصلاح والتحالفات التي نسجوها مع آخرين أضروهم فيما بعد كثيرا، الشاهد: أن القيم التي تربوا عليها في يوم ما أثرت عليهم إلى اليوم وربما تكون هي الإجابة عن سؤالك.


* في المؤتمر العام للجنة الدائمة السابق قالت قيادة المؤتمر إن من خرجوا هم جناح الإخوان المسلمين في المؤتمر وأن المؤتمر قد تطهر منكم؟


شخصيا أعيد ما قلته لك سابقا أنني لم أُكتشف أنني في الإخوان المسلمين ولم أدخل المؤتمر بصفتي عضوا سابقا في الإخوان المسلمين، قدمت لي بطاقة عضوية عام 86م من الإخوان المسلمين عقب عودتي من المملكة العربية السعودية، وكنت حينها شابا يافعا، وقد انضممت للعمل في مؤسسة الجمهورية بعد أن عرض علي الإخوان العمل في معهد علمي، وفوجئوا بعد عامين بأني قد صرت ضمن قيادة صحيفة الجمهورية فاعتبروها مكسبا لهم وشجعوني عليها، وقد جمدت عضويتي في الإخوان عقب حرب صيف 94م التي انتصروا فيها مع المؤتمر على خصمهم الاشتراكي آنذاك وكان الإصلاح في أوج قوته، وعندما يقول الرئيس أننا عدنا إلى تنظيمنا السابق، أقول: إن تنظيمنا السابق لم يعد ذلك التنظيم الذي كنا نعرفه سابقا في الثمانينات مثلا، لقد صار متماهيا اليوم مع اللقاء المشترك ويحمل آراء جديدة وتصورات جديدة، ونحن من جهتنا نحمل عليه ملاحظات كثيرة، العودة التي اتخذناها هي عودة إلى الرشد وإلى الحرية وإلى الاستقلالية التي كنا نأمل أن تكون في المؤتمر، وكلمة (تطهر) منا، أقول: مشكلة المؤتمر الشعبي العام أنه يحمل كما هائلا من الفساد وهذا الكلام قاله الرئيس بنفسه وقاله رئيسا الوزراء الحالي والسابق، وشكلت هيئات ولجان عديدة في هذا الأمر ولكن المؤتمر الشعبي العام لم يقدم فاسدا إلى المحاكمة حتى الآن، ولو كنا فاسدين كان الأجدر به إلا يستقطبنا أولا وألا يعيِّنا ثانيا وألا يبقينا في مناصبنا ثالثا، وأن يحاكمنا بعد خروجنا من مناصبنا رابعا إذا رأى أننا فاسدون، على العكس من ذلك نحن أهون الموجودين، ونحن في المؤسسات الإعلامية أقل إمكانيات ودعما، وإذا كان التطهر معنويا من الفكر فإن الرئيس يقول دائما المؤتمر مظلة لكافة الأفكار والمشارب، وأربا بالرئيس أن يناقض كلامه.


* على ذكر المؤتمر.. البعض من قياداته ذكر قبل فترة أنه لم يحكم أبدا، من يحكم شلة آخرون؟


– لا وجود إطلاقا لشيء اسمه المؤتمر الشعبي العام بالمعنى الحزبي المتعارف عليه، هو عبارة عن تنظيم للمؤلفة قلوبهم، لمن يريد أن يستقطبهم الأخ الرئيس أو يجمعهم تحت راية المؤتمر، هو مجمع كبير يبصم عندما يريد الأخ الرئيس أن يمرر أمرا ما، قراراتهم تخرج خلال ساعات بعد أن يكون الرئيس قد أدارها في رأسه وقررها مسبقا! لا يوجد تنظيم سياسي بالمعنى الصحيح، هو حزب انتخابي يؤدي دور المدير التنفيذي، وكما أنه لا يوجد حزب كذلك لا توجد حكومة، الأخ الرئيس هو الذي يحكم، رئيس الوزراء في كثير من الحالات لا يختار وزراءه، يفرض عليه وزراء ويفرض عليه سفراء، نحن في ظل حكومة الفرد الواحد.


* ماذا عن أبرز الأخطاء التي ارتكبها الأخ الرئيس خلال الفترة الماضية حتى أوصلتنا إلى هذا الوضع؟


– أولا الأخ الرئيس كان عليه أن يقرأ الدرس المصري قراءة ذكية، علي عبدالله صالح بدأ يحاكي القذافي عندما صعد إلى الحكم في 78م، وهي تجربة بسيطة أدرك بعدها الرئيس أن القذافي مجنونا وغير عاقل ومن ثم بدأ يستلهم تجربة مبارك ويحاكيها القذة بالقذة كما يقال..لكنه لم يتوقف بوعي عند خروج مبارك وأخشى أن يعاود التفكير بنمط القذافي.


* لكن مؤخرا الذي حصل العكس كما يبدو..ترك الرئيس تجربة مبارك وعاد إلى تجربة القذافي؟!!!


– (يضحك) عندما بدأت الثورة في تونس كتبت قائلا: اليمن ليست تونس، وهي بالفعل ليست تونس، لكن كنت أقول لكثير من الزملاء والأصدقاء: اليمن مصر، وكنت أقول حينها إذا نجحت الثورة في مصر فعلى الرئيس أن يبدأ بالحلاقة كما قال هو ذات مرة! ومن الأخطاء التي وقع فيها الرئيس خلال الفترة السابقة أنه دائما ما يقدم مبادرات ومقترحات تناقض نفسها بنفسها، ويطرحها بغرض المساومة لا أقل ولا أكثر، يقول: سأفعل وسأفعل ثم لا يفعل شيئا! حتى في الفترة الأخيرة طيلة الأسبوع يقول كلاما جميلا فتأتي دقائق الجمعة لتنقض كل ما قاله. وأكبر خطأ ارتكبه الرئيس أيضا أنه بنى اليمن وبنى الدولة على شخصه لا على المؤسسات، لا توجد دولة مؤسسات في اليمن إطلاقا، ما يوجد عبارة عن هياكل ومبان خالية تدار عبر الهاتف من الرئيس ومن مقربين منه، بل إن تجربة الجنوب الغنية بالمؤسسية انتهت بعد حرب 94م. وطبقت بعدها تجربة ما كان يسمى بالجمهورية العربية اليمنية!


* هل هذا هو ما جعل طبيعة المشهد «المؤتلف المختلف» اليوم الذي نشاهده في مختلف ساحات التغيير والحريات في أنحاء الجمهورية يتحد بصورة لم نشهد لها مثيلا عبر تاريخ اليمن على النظام مطالبا بإسقاطه؟


– هذا يقودني إلى القول بأن اليمن سابقة في ثورتها لتونس ومصر، عندما شعر اليمنيون بعد 2006م أن الانتخابات لم تلب طموحاتهم بدءوا يخرجون بأصواتهم الخافتة إلى العلن، الحراك السلمي في الجنوب طبق مبادئ الثورة الحقيقية، هناك من يقول أن الثورة التونسية هي نموذج من الثورات السلمية التاريخية كثورة نيلسون مانديلا أو تجربة غاندي، وفيها جزء من ذلك غير أن ثورة الحراك السلمي التي ابتدأت في الجنوب منذ العام 2007م قد كانت أكثر تأصيلا، وهي مستلهمة من ديننا الإسلامي الحنيف، يذكر القرآن في سورة المائدة قصة ابني آدم «هابيل وقابيل» (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين) فيها إرادة الفعل، كان ابن آدم الأول يفكر ويخطط بعدما ظلمه أخوه ليكون قاتله من أهل النار، النضال السلمي له مرجعيته القرآنية، الحراك السلمي في الجنوب كان سباقا للثورات العربية في المنطقة، وكان على الرئيس أن يستوعب الدرس ويستفيد مما يجري إلا أنه لم يفعل شيئا، نحن الآن في زمن المعلومة، قبل زمن من اليوم كان سفاح ما يرتكب مجزرة إنسانية بحق شعبه «حافظ أسد أنموذجا» فلا يدري الشعب المجاور عنه شيئا! اليوم تغير الوضع تماما، إلا أن عقلية الحكام لم تتغير للأسف الشديد! الآن صار بمقدور أي شخص يتعرض للظلم والاضطهاد أن يوصل رسالته للعالم أجمع، ويحرض الرأي العام على ظالمه، الحديث عن التوريث وعن قلع العداد حديث ساذج ولا يتناسب مع عقلية اليمنيين وأفكارهم ربما عجل بما يحدث الآن..


* ذكرت قبل قليل كلاما مهما.. قلت ما يحصل الآن رد فعل لنتيجة 2006م الانتخابية، هذا الكلام يردده الرئيس في معرض رده عن الثورة الشعبية، وإلصاق المشكلة بأحزاب اللقاء المشترك، ألا ترى أن الأمر أوسع من ذلك؟


– الخطأ القاتل الذي وقعت فيه أحزاب اللقاء المشترك في انتخابات 2006م أنها راهنت وانشغلت بالانتخابات الرئاسية وأغفلت الانتخابات المحلية، لم تعط شيئا من الاهتمام بالقدر الذي ينبغي فحصدها المؤتمر بالأغلبية..


* حد علمي ومعرفتي أن الأخوة في اللقاء المشترك كانوا يخوضون ما يمكن أن أسميه تجربة جادة أو بروفة مكتملة للانتخابات الرئاسية، بمعنى أنهم لم يكونوا يراهنون بجد على الفوز بها، وهذا معلوم للكثير؟


– نعم، لكنهم حين وجدوا ذلك الزخم الجماهيري الكبير فوجئوا به وركزوا عليه بصورة أشغلتهم عن صرف اهتمامهم عن الانتخابات المحلية، مزاج الشارع كان إلى حد كبير مع فيصل بن شملان، وهذا لا يعني أن ابن شملان هو الذي كان سيفوز بالفعل، لا، علي عبد الله صالح بكل تأكيد، إنما نسبة حضور بن شملان الجماهيرية فاقت التصورات، وقد لجأ النظام إلى أساليب غير منطقية منها استخدام الورقة الأمنية والقاعدة عشية الانتخابات الرئاسية، وكانت أوراق لا يجوز أن تستخدم لا من ناحية ديمقراطية ولا من ناحية أخلاقية.


* لا زلت عند فكرة سؤالي.. الذين يتظاهرون اليوم ويعتصمون هم جمهور 2006 م فقط؟!


– لا. ليسو هم فقط، وإلا لما كنا نحن اليوم معهم، انضمت إليهم قوى جديدة وجماهير أخرى، كثير ممن كانوا مع المؤتمر في العام 2006م هم اليوم في ساحات التغيير بمن فيهم الحوثيون الذين ساندوا الرئيس في تلك الانتخابات رغم الحرب المستعرة بينهم حينها، إضافة إلى الكثير من الشباب الخلص المستنيرين الذين يبحثون عن الدولة المدنية وعن المستقبل المأمون، شباب يرون أن ثورتيهم السابقتين 26 سبتمبر و14 أكتوبر قد سرقتا منهم، وهم الآن يعملون على تجديدها وإعادة وهجها وبريقها وتصحيح مسارها. إضافة إلى أفضل من كانوا مع النظام الذين (تطهر) منهم علي عبدالله صالح كما قال!! هذا الجمع غير المتجانس الذي يبدو هو خلاصة اليمن في الواقع وصفوته، عندما ترى في الساحة صاحب العمامة وصاحب الكرافتة والبنطلون والمرأة المتحررة والمحافظة والشباب والشيوخ، وترى الحوثيين والإخوان المسلمين والاشتراكيين والناصريين وغيرهم فاعلم أن هذه ثورة حقيقية مكتملة، اليمن اليوم تثور بكاملها.


* ما يقارب أربعة أشهر والثورة لم تحقق نجاحها.. كيف تقرأ المشهد؟


كثير من المتابعين كانوا يرون أن الثورة القادمة التي ستنجح بسرعة بعد تونس ومصر وبمسافة زمنية وجيزة هي اليمن غير أنهم لم يقرءوا الخصوصية اليمنية، هذا إضافة إلى الأخطاء التي ارتكبها الثوار فأخرت ثورتهم والسيناريوهات التي أجاد النظام لعبها وأخرت قطف الثمرة، اللقاء المشترك عندما قبل الحوار مع النظام حول الثورة إلى أزمة وراح يحاور ويناور بشأنها أكثر من مرة، دخوله في الحوار مع السلطة أثر سلبا على الثورة وهذه وجهة نظر، كما أن هناك من بات يعتقد أن الإصلاح يريد أن يغير الرئيس فقط ولا يريد أن يغير النظام، وأرجو من الإخوة في الإصلاح ألا يغضبوا مني كعادتهم إلا أن هذه رؤية أتمنى أن تكون غير صحيحة، هناك رؤية واسعة داخل الإصلاح تعمل على تغيير الرئيس مع الإبقاء على النظام، ولهذا حرصوا على القبول بالمبادرة الخليجية..


* ما النظام الذي يريد الإصلاح الإبقاء عليه بعد إزاحة الرئيس؟


– الإصلاحيون بانتشارهم الكبير في كافة الأوساط في ظل هذا النظام العسكري القبلي الذي يقوم على التحشيد وشراء الذمم والولاءات، الإصلاح عندما انتقل من الإخوان المسلمين إلى النظام الحزبي استخدم نفس الآلية في التحشيد والتعامل مع القبيلة، استخدم ورقة المشايخ والعسكر وغيرها، وللأسف الشديد فهم يريدون تغيير علي عبد الله صالح لكن الآلية تبقى على ما هي عليه، القبائل عندما تخرج من المؤتمر تدخل في الإصلاح، العسكر عندما يختلفون مع المؤتمر يذهبون إلى الإصلاح، بمعنى أن مشكلة الإصلاح مع الرئيس لا مع النظام وهذا خطأ كبير، وهناك اعتقاد مفاده أن ترك الساحة للثورة الحقيقية قد تعيد المشهد بشكل آخر قد لا يكونون فيه الوريث الكامل أو البديل..


* ما ذا تريد منهم بالتحديد؟ القبيلة كائن فرض نفسه بقوة على الرغم من كل سلبياته التي يحملها ولم يستطع كيان ما في الوقت الراهن أن يتجاوز هذه السلبية؟


– طبعا وهي جزء فاعل ومؤثر في اليمن، لكن أنا أريد قبيلة تخاطبني بوعي تسعى الدولة لتمدينها، حتى من هم مفطورون على عاداتها وتقاليدها عندما يتخاطبون معنا يظهرون كمدنيين وحضاريين ويتخلون عن كافة مظاهر السلبية القبلية كحمل السلاح مثلا. هناك أولاد الشيخ الأحمر عندما أعلنوا أنهم لن يترشحوا للرئاسة أعتبر هذا الكلام جيدا ومهما والأهم من هذا أن يتحولوا إلى مدنيين ومن حقهم بعد ذلك أن يكونوا رؤساء لليمن.


* قلت أن دخول أحزاب اللقاء المشترك في مناورات سياسية مع الرئيس قد أثر سلبا على الثورة، من وجه آخر ألا ترى معي أيضا أن هذه الخطوة قد عرت النظام وأظهرته على حقيقته أمام بعض الأطراف الإقليمية والعالمية، وبالتالي فإنه سيخسرها كداعم مادي ومعنوي؟



– بالتأكيد، وأتفق معك هنا، والمبادرة هي جاءت بطلب من علي عبدالله صالح شخصيا، طلب الخليجيين لكي يعرض من خلالهم مبادرته، والمبادرة كما أشار إليها علي محسن في حديثه لصحيفة عكاظ السعودية في مقابلته الأخيرة وأسهم أيضا من جهته بجزء منها، جاءت ملبية لمطالب الرئيس لكن هذا الرجل هو كما قلت سابقا، متقلب في مواقفه، يطرح رأيا ما وينقضه بعد ساعة، الهدف من مبادرة الرئيس لمن يعرف الرئيس عن قرب بقدر ما هو ودود ويقبل بالآخر إلا أنه في اللحظات الحرجة يقبل ويأخذ بأصعب الحلول، وسرعان ما يتراجع عنها عندما يقوى ويستعيد قوته ونشاطه. هذه المبادرات لو لم تأت لكان النظام قد انتهى تماما بعد جمعة 18 مارس بضربة قاضية، هذه المبادرة مثلت تنفسا صناعيا للنظام منذ ذلك اليوم وإلى اليوم، وربما إلى أيام قادمة..استعاد من خلالها ما تبعثر من أركانه وتناثر، بدأ يرتب أوضاعه من جديد، بدأ في عملية التحشيد التي بدأها منذ ذلك الوقت وإلى اليوم، بصرف النظر عما إذا كانت بنظام الدفع المسبق أو من غيره، نجح فيها عكس الرئيس بن علي والرئيس مبارك اللذَين تخوفا من الصفعة الأولى وتعاملا معها برهبة فسقطا سريعا، بينما الرئيس تماسك فيها وامتص الضربة الأولى واستطاع أن يتعامل مع البقية بذكاء شديد ومهارة عالية من خلال المبادرات التي كان يطرحها وهو لا يؤمن بها من أساسها إنما لكسب مزيد من الوقت ولكي يعيد توازنه، هو الآن يفاوض من قوة ويرفض ما لا يعجبه، وبالمناسبة فهو يعرف أن خصومه ليسو بنفس ذكائه ومهارته ومناوراته.


* قلت آنفا رؤية المبادرة بمشاركة علي محسن.. هل كانت بعد إعلانه الانضمام للثورة؟


– هذا الكلام قاله علي محسن بنفسه، وعلي محسن أعلن دعمه للثورة ولم يعلن استقالته عن النظام، لا تزال صورة الرئيس على مكتبه، وهناك تواصل واضح بين الرئيس وعلي محسن على الرغم من الاختلاف، الرئيس يعرف أن علي محسن هو رجل الإخوان المسلمين في اليمن وسيستبدلون به رجلا آخر يشبهه في الأسلوب وفي التعامل في حال أصر الرئيس على رحيل علي محسن معه.


* هذه معلومة لديك أم حدس وتحليل؟


– هذه استنتاجات واستشفاف، بدلالة أن المشترك عندما سئلوا عن دعم علي محسن للثورة، قالوا لن يكون علي محسن رئيسا للجمهورية وأوعزوا لعلي محسن أن يعلن عن ذلك، وفي أحسن الأحوال سيكون قائدا أعلى للقوات المسلحة مع أنه أعلن عن أنه الآن في خريف العمر ويريد أن يخلد للراحة.


* برأيك علام يراهن الرئيس الآن؟


– الرئيس يراهن حاليا على الوقت، ومضي أكثر من مئة يوم على الثورة أمر غير مسبوق في تاريخ الثورات المعاصرة، وهو يرى أن بمقدوره أن يكسب وقتا جديدا، يراهن أيضا على أن المشترك سيرضى بالتحاور معه عن طريق وسطاء إقليميين لا يرغبون في حد ذاتهم بالديمقراطية ولا بالتغيير ولا بالثورات، كونها أنظمة وراثية ثار اليمنيون على ما يشبهها قبل نصف قرن، كما يراهن على ملل الناس وضجرهم وعلى التناقضات التي تبزغ بين الحين والحين بين اللقاء المشترك نفسه.


* على ضوء ما يجري اليوم كيف تقرأ طالع الأيام القادمة ومستقبلها؟


– أولا أقول فيما يتعلق بالثورة أنها قد نجحت حتى الآن، من خلال سقوط مشروع التوريث تماما وإلى الأبد، هذا ناهيك عن التمديد، مع الإشارة إلى أن الرئيس إذا استطاع تجاوز ما يحدث اليوم فإنه سيمدد لنفسه مدى الحياة ولن يبالي. الثورة ستكون ناجحة إذا ما تخلت أحزاب اللقاء المشترك عن الحوار مع السلطة بأي طريقة كانت.. ولا يغرنهم توقيعه على المبادرة الخليجية طالما وهو يعتبرها عملية انقلابية حسب خطابه في الاحتفال بالعيد الحادي والعشرين للوحدة اليمنية من داخل الكلية الحربية وعلى بعد خطوات من مقر الفرقة الأولى مدرع التابعة لعلي محسن،في رسالة واضحة بأنه لا يكترث بهم جميعا فمن يقبل بالتنحي من حيث المبدأ لا يحتاج إلى ثلاثين يوما ليفعل ذلك إلا إذا كان يضمر الانقلاب على هذه المبادرة ولن يعدم في سبيل ذلك الأسباب والذرائع.


* أنت مع التصعيد للثورة والزحف كما يطلب الشباب؟


– أنا مع الثورة السلمية التي ينبغي أن تطور نفسها يوما بعد يوم، والبقاء في الساحات الآن هو أدنى مقومات النجاح، وللأسف الشديد اختار الثوار أماكن لا تؤثر على النظام في شيء، ولا في الأماكن الفاعلة التي يعمل من خلالها النظام، في مصر مثلا تم اختيار ميدان التحرير الذي يضم من جوانبه كثيرا من المنشآت الحيوية والمجمعات الحكومية، عندما تمت السيطرة على الميدان حصلت عملية شلل كاملة للنظام عكس ما هو موجود عندنا، وكذا في تونس تمت الاعتصامات أمام مبنى وزارة الداخلية التي كانت تعتبر معقل النظام فعلا، وكان ابن علي يعتبرها مفتاح النظام ويقضي جزءا كبيرا من وقته فيها، في اليمن غير ذلك لم تؤثر الساحات المختارة على النظام، وقد سمعت أن الرئيس قال يبقون حتى أشهرا فلا ضير في ذلك.


* طيب ما الحل إذن؟


– الحل في التصعيد وأن تنتقل هذه الاعتصامات إلى الأماكن الحيوية والمهمة التي تؤثر على النظام، ثانيا: إعلان العصيان بشكل أكبر وبطريقة موحدة في جميع المحافظات، وإعلان الإضراب العام في كافة الأنشطة المتعلقة بالدولة طالما ونحن في ثورة، أيضا الزحف أو الخروج السلمي بالملايين الموجودة الآن، وهي جموع حاشدة قد تصل إلى قرابة ستة ملايين يمني يوم الجمعة في أكثر من محافظة، من حق اليمنيين أن يزحفوا إلى دار الرئاسة بسلم حاملين الورود ومبتسمين ومطالبين الأخ الرئيس بالتنحي بكل هدوء وأدب، حينها سيحترمهم العالم، مع الأخذ بالحسبان أن السباب والشتائم وألفاظ التحقير الموجهة للأخ الرئيس لا تليق بمن يحملون أهدافا نبيلة مثل الثورة على النظام..


* على الصعيد العملي هل ترى ذلك كائنا؟


– الأمر متعلق باللقاء المشترك مهما قيل أن الساحات فيها الكثير من غير المنتمين حزبيا، اللقاء المشترك مؤثر وبمقدوره أن يحشد الملايين، وهذه خطوة ينبغي أن يفكر فيها الآن وتكون ضمن أجندة الثوار خلال الأيام والأسابيع القادمة إذا ما تم التحايل والانقلاب على المبادرة الخليجية، وهو ما أتوقعه تحت أي مبرر وعموما المبادرة الخليجية تسعى إلى استبدال الرئيس بغيره ولا يهمها شكل النظام القادم وان نجح الخليجيون في ذلك فستلحقنا لعنة التبعية لهم كما كنا على الدوام. أما إذا نجحت الثورة وتحققت بأيدي صناعها فإن النظام القادم سيكون متحررا وقادرا على إقامة دولة مدنية وحضارية.


* ما طبيعة نمط الحكم القادم من وجهة نظرك، لاسيما وقد ذكرنا المستقبل؟


أرى أن يكون نمط الحكم القادم فيدراليا، كما تقول نتائج التجربة السابقة، من حق اليمنيين أن يحكموا أنفسهم، وأن يقرروا مصيرهم، والقارئ للتاريخ يجد أن اليمن لم يشهد الازدهار والقوة إلا في الفترات التي شهدت ما يشبه النظام الفيدرالي، أقاليم تحكم في ولايات عبر حاكم يستوعب تبايناتهم ومطالبهم المتعددة، اليمن بلد متنوع وربما كان أحد الأسباب التي أدت إلى تأخير نجاح الثورة هو ذلك التعدد الكبير في معظم طبيعة حياة اليمنيين، على العكس من مصر، صحيح أنها بلد فسيفسائي ثقافيا وفكريا وعقائديا لكن ثمة تجانس اجتماعي كبير في مصر كما هو الشأن نفسه في تونس.. ومصر أيضا ظلت موحدة عبر الزمن ولم ينفصل جزء منها عن الآخر. وهذه -في تقديري- ضمانة قوية لتوحيد اليمن.


* الرئيس طالما حذر من الصوملة والعرقنة وغيرها من النتائج المفجعة إذا ما رحل وسقط نظامه؟


– الرئيس ظل لأسابيع يتعامل مع المبادرة الخليجية كتعامل المحبين المتيمين: يحبني.. لا ،يحبني..نعم!! أوقع.. لا أوقع!! أخيرا حسم أمره بأنه سيوقع، هناك هواجس وظنون كثيرة تدور في ذهنه خصوصا بعد مشاهدته لمصير مبارك، مع أن الواقع يؤكد أنه أكثر قدرة على انتزاع ضمانات له ولحزبه ناهيك عن تحالفاته التي ستبقيه آمنا مطمئنا.. لقد أحسن الرئيس في تخويفه للمحيط الإقليمي والدولي بورقتي الحوثيين والقاعدة وأنهما سيجدان مرتعا خصبا إذا ما سقط نظامه..والطريف أن قيادات مؤتمرية بدأت خلال الأسابيع الأخيرة تتحدث عن وطنية الحوثيين مقارنة بخيانة أحزاب اللقاء المشترك، الأمر الذي خلق انطباعا لدى دول الجوار بان الرئيس إذا ما سقط سيترك السلاح والعتاد بأيدي الحوثيين، وتزامن ذلك مع معلومة مسربة عن وجود سفينة إيرانية على البحر، وإذا ما سلمت الأسلحة لهم فعلا فإن هؤلاء الجماعة سيدخلون في حرب مع علي محسن ومع اللقاء المشترك قبل أن يزحفوا إلى السعودية، ويبدو أن هذه الإشاعة قد أثرت على الأشقاء وجعلتهم يريقون ماء وجههم في سبيل إقناع الرئيس بالخروج المشرف وفقا لمبادرتهم. وأظن أن هذه المبادرة هي لصالح الرئيس حاليا ومستقبلا.. ما لم فسيصبح الخيار المر هو الأكثر منطقية وملامسة للواقع..ويتمثل في التصعيد الفعلي للثورة وأن يبدأ الثوار في التفكير الجاد بالسيطرة السلمية على المحافظات ومحاصرة القصور بالهتافات الداعية إلى السلام والتنحي..وحينها إذا ما تم مواجهتها بالعنف سيكون الخروج مرعبا على طريقة تشاوشيسكو وهي نهاية لا أتمناها للأخ الرئيس.


* يرى البعض أن زمن الإسلاميين قادم، وأقصد بالإسلاميين هنا الإسلاميين الحركيين خاصة وقد مثلوا العنصر الرئيس داخل الثورات التي جرت وتجري اليوم على امتداد الوطن العربي؟


– طبعا في موضوع ما يسمى بالإسلام السياسي ثمة مخاوف كانت قد بدأت لدى الأمريكان بعد تصاعد قاعدة بن لادن لكنهم اكتشفوا أن ثمة تيارين داخل الإسلام السياسي يمكن التعامل معهما، الأول: الفكر الاثني عشري، فبالرغم من إعلان الإيرانيين أن أمريكا أم الطغيان والاستبداد ورأس الشر، لكنهم لم يهدروا دم أي أمريكي في أي مكان ولم يقتل أي شيعي اثني عشري صليبيا واحدا في غير ساحات المواجهة والقتال المباشر، حتى عندما أهدروا دم سلمان رشدي وقالوا أنهم سيدفعون عشرة ملايين دولار، لم يتجرأ شيعي على قتله ابدأ، لذا سلم الأمريكان الحكم للشيعة في العراق مع حرصهم على إرضاء مخاوف الخليجيين من التمدد الإيراني بمناورات وتهديدات كاذبة.. ولأنهم وجدوا في الفكر السني وتحديدا السلفية الوهابية الجهادية من يقتل غدرا وخيانة وغيلة، فضلوا التعامل خلال العقدين الماضيين مع الحركة الإسلامية ومنها جماعة الأخوان المسلمين خصوصا بعد ظهور الإسلاميين في تركيا وتقديمهم لأنفسهم بصورة جيدة وبطريقة ليبرالية..وجربهم الغرب في ذلك فاطمأنوا إليهم، وقد قدمت بعض النماذج نفسها بصورة جيدة كإخوان مصر أيضا فاطمأن إليهم الأمريكان، ظهروا بعد معركة الجمل -أثناء الثورة على مبارك- بالملايين وسيطروا على الساحة بكاملها تقريبا غير المنصة وتعهدوا بعد ذلك بعدم ترشحهم للرئاسة،…. حتى بعد أن جاء الدكتور يوسف القرضاوي تعاملوا معه باحترام شديد لكنهم أعادوه إلى قطر بعدما لوح بأن صلاته القادمة ستكون في المسجد الأقصى.. في الأردن أيضا جربوا المشاركة في الحكم وتمت إزاحتهم بعد نجاحهم، في اليمن موقفهم واضح لم يساندوا المتشددين والمتطرفين في رؤاهم أو يسيروا في صفهم فقدموا أنفسهم بصورة جيدة.


* الكلمة الأخيرة مفتوحة؟


– أقول أن زمن الثورات قد حان ومن المستحيل العودة بالعالم العربي إلى ما قبل يناير الماضي، ما يحدث الآن في العالم العربي هو الحقيقة التي ستتجلى وستصبح واقعا عمليا وأية مراهنة محلية أو إقليمية أمر غير مجد بما في ذلك الموقف الأوربي والأمريكي الذي سيكون انعكاسا لما يعتمل في الشارع العربي هناك مخاوف عند الأمريكيين ينبغي على الثوار أن يتعاملوا معها بوعي، وعند الخليجيين خشية أن تنتقل إليهم الثورات، الأمريكان يخشون على جهودهم التي بذلوها مع علي صالح في مكافحة الإرهاب، خاصة وقد دعموا اليمن بمئات الملايين من الدولارات، وأيضا بنوا أجهزة الأمن على أعينهم وعلى طريقتهم، هذه الثورة قد تقضي على ما بنوه خلال عشر سنوات كما يرون، لذا لابد من تطمينهم بان محاربة الإرهاب ستستمر.. وتطمين الخليجيين بأن الحوثيين ليسوا مخلبا لإيران، كما أن الثورات حتى اليوم لم تصل إلى الأنظمة الوراثية وإنما هي ثورات لتصحيح الأنظمة الثورية.



نقلا عن صحيفة الأهالي

زر الذهاب إلى الأعلى