أرشيف

حقائق وأسرار: التواطؤ الرسمي في عملية الهروب الكبير للقتلة

المؤكد أن هذه السلطة التي فقدت الشرعية.. والمشروعية، قادرة – كما حدث- على إغراق السجون بالمُعتقلين المُعارضين والثائرين ضدها من شباب الثورة، وتلفيق التُهم ضدهم، وليس ثمة داعِ لذكر الأسماء، فالقائمة طويلة، وبنفس هذه القُدرة أيضاً.. تستطيع السُلطة تهريب من تشاء من السُجناء الإرهابيين والقتلة وقُطاع الطُرق.. طالما والعملية تخدم أغراضها وتحقق لها مآربها وأهدافها ومراميها.


ومن أمثلة ذلك ما حدث قبل فترة، حين هرب تسعة سجناء من سجن الأمن السياسي في محافظة عدن، وما تلا ذلك من عمليات الهروب في العاصمة صنعاء كانت بعد فرار قرابة 23 إرهابياً من سجن الأمن السياسي.. في عملية تواطؤ واضحة المعالم، أطلق عليها بعض المراقبين عملية (الهروب الكبير).


فرار القتلة؟!


آخر عملية الهروب في محافظة عمران، حيث تكرر نفس السيناريو، مع وجود بعض الاختلافات، فالسجناء هذه المرة لم يكونوا إرهابيين أو أعضاء في تنظيم القاعدة.. ولكنهم قتلة، وقد سبق وأن صدرت ضدهم أحكام بالإعدام.


لُغز إختفاء مُدير السجن؟!


في ذلك الوقت كانت عملية إختفاء مدير عام السجن أشبه بلُغز بوليسي يستعصى عن الفهم، فقد حدث إختفاؤه قبل عملية فرار القتلة بأيام قلائل، وقد تبيّن -حسب تأكيدات مصادر مُطلعة لـ (المستقلة)، أن مُدير عام السجن الذي ينتمي إلى قبيلة عنس –محافظة ذمار- تؤازره أيادٍ مُتنفذة في السلطة، لها سطوتها، وتحول دون القبض عليه وتقديمه للتحقيق وإخضاعه للمحاكمة!.


الهدوء الذي يسبق العاصفة؟!


مُحافظة عمران الجميلة الساحرة، كانت مسرحاً لتلك المسرحية التراجيدية العابثة، وشاهداً على فِرار عدد من السُجناء، من سجن عمران المركزي، ونظراً لما يمثله الهاربين من مخاطر باعتبارهم قتلة، وسبق وأن صدرت بحقهم أحكام بالإعدام.. ذهبت (المستقلة) إلى موقع الحدث في هذه المحافظة، لكشف الحقائق.. ونقلها بأمانة وصدق.. وخرجت بالحصيلة التالية:


قريب أحد السُجناء يتحدث!


الأخ (م.أ.ج) قريب أحد السجناء الذين تم الإفراج عنهم قبل أيام من هروب القتلة –اشترط في البداية عدم نشر اسمه، والإشارة إليه فقط.. ويروي لـ (المستقلة) البدايات الأولى التي سبقت عملية الهروب، حيث يقول: ( قبل هروب السُجناء بأيام، وقبل إختفاء مُدير السجن بفترة وجيزة لوحظت تحركات غريبة تحدث داخل السجن، وكأن شيئاً متوقعاً حدوثه، في ذلك الوقت تعددت الزيارات للسُجناء، وخاصة أولئك الذين كُتب عليهم النسيان والإهمال من قبل أهاليهم.. ليس هذا فقط، بل أن حالاتهم النفسية والمعنوية شهدت تحسُناً كبيراً، وكأن شيئاً سعيداً سيكون بانتظارهم، خاصة وأنهم كانوا قد فقدوا الأمل في الحياة.. لأن بعضهم قد سبق وأن صدرت ضدهم أحكام بالإعدام.


ويُضيف: (ويروي قريبي الذي خرج من السجن قبل أيام، أن تلك التحركات المريبة قد شعر بها وأحس بها كل الموجودين في السجن).


ويواصل (م.أ.ج) سرد أسرار قصة الهروب بقوله: (بعد ذلك الهرج والمرج والحركات المشبوهة داخل السجن بأيام معدودة، سادت حالة من الهدوء، ولكنه كان أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة، خاصة بعد اختفاء مدير السجن في ظروف غريبة وغامضة.. بعد ذلك بحوالي عشرة أيام، جرت عملية هروب السُجناء، وقد تمت بطريقة كانت غاية في الدقة والتخطيط والتنفيذ، والحقيقة أنني لا أعلم بالتفاصيل الحقيقية، والأسرار التي صاحبت هذه العملية، ولكنني أطلعت على معلومات مؤكدة تفيد بأن السُجناء الهاربين كانوا يحملون الأسلحة الكلاشنكوف والمسدسات).


الترتيبات الأخيرة لعملية الهروب!


مصدر أمني أكد صحة المعلومات التي أدلى بها المواطن.. وأضاف: (هذه القضية لها أبعاد سياسية خطيرة، تعتقد السُلطة أنها ستخدمها كثيراً).


وعن الأحداث التي جرت داخل السجن قال: (عقب الانتهاء من كافة الترتيبات واللمسات الأخيرة لخُطة هروب السُجناء، تم إختفاء مدير عام السجن –الذي ينتمي إلى قبيلة عنس بمحافظة ذمار، ما أدهشني بعد مُضيّ عشرة أيام من عملية الاختفاء.. أنه تم تكليف أحد الضُباط المشهود لهم بالكفاءة والوطنية والضمير اليَقظ لإدارة السجن، وهناك بالضبط تمت عملية الفرار).


السُجناء يوثقون الجنود بالحبال؟!


ويُتابع هذا المصدر الذي ينتمي لمحافظة عمران، قائلاً: (بداخل السجن، تظل عادةً أبواب العنابر المُطلة على الطارود الكبير مفتوحة، وكان الباب الذي يتم إغلاقه فقط، هو باب الطارود الرئيسي، الذي كان يُفتح عند توزيع الأكل والشرب فقط، وفي الصباح فُتح ذلك الباب، ودلف اثنين من الجنود لتوزيع وجبة الإفطار، عندها كانت الخُطة قد بدأ تنفيذها بالفعل، وكان كل شيء جاهز حيث قام مجموعة من السجناء بربط الجنود تحت تهديد السلاح الذي كان الفارين يحملونه).


مَصرع مُدير السجن الجديد؟!


ويُضيف: (قام كل بدوره، بعضهم قام بمنع بقية السُجناء من الصُراخ طلباً للنجدة من الجنود الذين بالخارج، والبعض الآخر، قام بالسيطرة على الجنود وتسهيل مُهمة زملائه بتنفيذ عملية قتل المُدير الجديد للسجن، الذي استشهد في مكتبه، وأنا على يقين بأن عرضاً كبيراً قد تم عرضه على هذا المُدير النزيه مُقابل تسهيل عملية الفرار، لكنه رفض، ولذلك تم قتله، على الرغم من أنه كان يتخذ بعض الاحتياطات، كحمله سلاحه الشخصي حتى أثناء نومه، وإغلاق باب مكتبه بالمفتاح أغلب الأوقات، لكن القدر كان قد كتب نهايته المُشرفة، حيث تم إطلاق النار عليه قبل أن يقوم بفتح الباب، ولم يعلم أحد بمقتل المُدير، إلاّ عندما تسربت دماؤه الطاهرة من تحت باب المكتب).


السيارات بانتظار الفارين..


لكن أين البقية؟!


ويواصل: (وبعد ذلك تم فرار الدفعة الأولى، التي كانت مهمتها الرئيسية هي الفرار فقط، وكانت هذه الدُفعة مكونة من تسعة أشخاص، وتسللوا عبر المنازل المُحيطة بالسجن، إلى السيارات التي كانت بانتظارهم في الخارج، وتخيلوا كل ذلك يحصل، ويَدعيّ أغلب الجنود عدم سماعهم لأي شيء، وبالذات من كانوا في البوابة الرئيسية للسجن، بالإضافة إلى زملائهم الذين كانوا في مواقعهم في ساحة السجن الرئيسية).


ويضيف ذلك المصدر: (بعد فرار المجموعة الأولى، وبنفس الطريقة هربت الثانية والتي تتكون من سبعة أشخاص، غير أن الدُفعة الأخيرة والمكونة من خمسة سُجناء، هربت فعلاً، لكنها لم تجد السيارة التي كانت تنتظر في المكان الخاطئ، لكن هؤلاء تدبروا الموضوع، وقاموا بالتقطع لأول سيارة صادفتهم، وكانت هذه السيارة مليئة بالنساء، إلى جانب السائق، والمُرجح بأن هذه السيارة.. تتبع إحدى المنظمات الإنسانية، وتم الاعتداء على السائق وشتمه وقذفه، وتمت عملية الاستيلاء على السيارة بنجاح).


وعن عدم فرار بقية السُجناء، باستثناء الواحد والعشرين، يقول المصدر: (في السجون مئات من المحكوم عليهم بفترات قليلة بعضها أقل من سنة، ومهما كانت المدة.. فمن هو الذي سيقوم بالهروب.. ويجلب لنفسه أضراراً ربما تصل عقوبتها إلى الإعدام، وهو المحكوم بفترة مُعينة).


عليكم بالتقطع لناقلات النفط؟!


ويختم هذا المصدر الأمني شرح القضية الخطيرة، بدحض الاتهامات التي وجهها النظام الحاكم للقاء المشترك، بشأن قطع الطريق واختطاف ناقلات النفط والغاز في المناطق الوسطى، قائلاً: (قضية فرار السجناء، تكشف حقيقة أحداث التقطع في المناطق الوسطى، تلك القضية التي أُتهم فيها اللقاء المشترك، حيث أن صاحب السيارة التي تم أخذها عنوة من بين يديه تحت تهديد السلاح من قبل السجناء الفارين، هو أصلاً من المناطق الوسطى، وعند إبلاغه الأمن حول الحادثة، ومطالبته بإخراج الأطقم الأمنية للقبض على السُجناء الفارين، وعرضه أيضاً على الجهة الأمنية أن يقوم بدفع تكاليف وأجرة الأطقم، عندها فقط نصحهُ أحد الضُباط بالعدول عن مطالبه، واستخدامه الطريقة الأسهل والأسرع لرد حقوقه من الدولة، وهي التقطع لناقلات النفط، لكي تتعامل الحكومة مع قضيته بنوع من الأهمية والجدية، وهي الطريق التي استخدمها ذلك الشخص بالفعل، بسبب تعرضه لما هو أكبر من السرقة بالإكراه، وهي أن من قاموا بنهب سيارته، قاموا أيضاً بالاعتداء عليه وشتمه وقذفه أمام النساء اللاتي كُنَّ معه في السيارة، وهو ما يُخالف العادات والتقاليد اليمنية، التي تمنع، بل وتُجرم الاعتداء على أي شخص وهو بجانب النساء، حتى لو كان ذلك الشخص قاتل وعليه دم، فلا يجب الاعتداء عليه).


تواطؤ رسمي في عملية الهروب؟!


بعد عملية الهروب الكبير، وجهت عدد من القيادات الأمنية في المحافظة، بضبط مدير السجن السابق.. وإحضاره للتحقيق معه، خاصة بعد أن أشار بعض من المُحققين أصابع الاتهام إليه، حيث ومن المستحيل أن يتم إدخال عشرات المسدسات وغيرها من الأسلحة إلى داخل السجن، وتوزيعها على السُجناء، دون معرفة مدير السجن أو الضباط أو الجنود، وحسب المحققون، فإن اختفاء الرجل قبل أيام من فرار السُجناء، يؤكد صحة الشكوك، ربما ليجد مدير السجن مُبرراً سخيفاً أمام القضاء في مخيلته، لأنه لم يكن متواجداً لحظة هروب السُجناء).


ويكشف ذات المصدر تورط بعض المتنفذين، بالقول: (بعد توجيه مذكرة من قبل عدد من الضُباط والجهات الأمنية، لوزارة الداخلية، تقضي بضرورة ضبط المدير السابق ليمثل أمام التحقيق، خاصة بعد أن حصلت بعض القيادات على معلومات مؤكدة تفيد بتواجد المذكور في قريته بمديرية عنس بمحافظة ذمار، غير أن أيداٍ خفية ومُتنفذين كبار تعرقل مذكرات الضبط، وهو ما يؤكد ضلوع هذه الشخصيات مع المُجرمين الذين سهلوا عملية فرار السجناء والمحكومي بالإعدام من السجن المركزي بمحافظة عمران، هذا طبعاً إن لم يكن هؤلاء المتنفذين هم من قاموا بالتخطيط لهذه الجريمة).


أخيراً.. هذا رجس الخراب!


رجس الخراب.. علامة قرب دمار علي صالح ونظامه.. فالأنفاس الأخيرة لهذا النظام الذي، يبني قوته على تخريب المجتمع وزرع الشقاق والخصومة في مفاصله، ينبُش الماضي ويذكُر الناس بمآسيهم حتى يواصل سياسياته المُمتدة منذ 33 عاماً، العيش على فرقة الناس وتناحرهم، وكلما اتجه المجتمع إلى إطفاء حرائقه من خلال إشاعة مبدأ التصالح والتسامح، فأن علي صالح يذهب باتجاه إذكاء الحرائق.. وإضرام نيران الفتن، ولا يدرك بأنه بذلك يحفر قبره بيده، ويسير عكس التيار.. من يقاوم التغيير يشجع الانحدار (السقوط).


المكان الوحيد الذي يرفض التغيير هو المقبرة.. (هارولد ويلسون) رئيس وزراء بريطاني سابق.

زر الذهاب إلى الأعلى