أرشيف

الثورة اليمنية: ورقة المجلس الانتقالي

التحدي الرئيسي للثوار اليمنيين اليوم يتمثل في كيفية الحفاظ على وحدة الصف الداخلي للثورة بجميع مكوناتها، والبحث عن بدائل مناسبة للتصعيد تحقق الحسم الثوري، أو على الأقل ترغم النظام على تقديم تنازلات تحقق الوصول إلى حلول توافقية.

وقد جاء إعلان بعض التكتلات الشبابية عن تشكيل مجلس رئاسي انتقالي مكون من 17 شخصية وطنية، ليكون مصدرا للخلافات والانقسامات داخل ساحات الاعتصام، وليتحول من أحد إجراءات التصعيد كما كان مؤملا إلى بادرة للخلاف والشقاق بين المكونات الثورية نفسها، بسبب الانقسام بين مؤيد ومعارض لهذا المجلس، لتقوم إثر ذلك اللجنة التحضيرية للحوار الوطني (تمثل أحزاب اللقاء المشترك وشركاءه)، في محاولة احتواء الخلافات والتجاذبات حول المجلس الرئاسي المؤقت، بالإعلان عن تشكيل مجلس انتقالي وطني يمثل جميع مكونات الثورة في الداخل والخارج.

ولا ينحصر تأثير التجاذبات بين مكونات الثورة اليمنية حول المجلس الانتقالي في خطر تعاظم الانقسامات والتباينات الداخلية، وإنما يعكس أيضا إشكالية عميقة حول البدائل المناسبة لتصعيد الثورة في الظروف الراهنة التي تمر بها، علاوة على أن طول الفترة الزمنية للثورة – ستة أشهر حتى الآن- يثير إشكالية وجود جهة محددة تمثل الثورة وتعبر عنها. وهي جميعها إشكاليات محل جدل وخلاف بين مكونات الثورة.

تفتيت الثورة من الداخل 

يبدو أن السلوك المشترك للقوى المضادة للثورة في المنطقة العربية هو محاولة تفتيت الثورة وإجهاضها عبر إثارة الخلافات والتباينات والانقسامات فيما بين مكوناتها. الأمر المختلف بالنسبة لليمن أن تظهر هذه الخلافات والتباينات قبل أن تستطيع الثورة تحقيق أي من أهدافها. فلقد بذلت أجهزة الأمن والقوى المضادة للثورة منذ انطلاقها مطلع شهر فبراير/شباط الماضي وعلى مدار ستة أشهر من عمرها، جهودا حثيثة لتفتيتها من الداخل عبر إثارة الخلافات فيما بينها وتضخيم أخطاء كل طرف، وترديد وبث المقولات والدعايات المثيرة للعداء، سواء بين المكونات الشبابية نفسها أو بين الشباب والأحزاب، أو بينها وبين باقي المكونات الأخرى، ووصولاً إلى الاختراق الأمني للساحات وتشكيل تكتلات شبابية محسوبة على الجهات الأمنية. وكان الشباب المستقل هدفا رئيسيا للقوى المضادة للثورة لإفراغ الساحات منهم بوسائل الترغيب والترهيب، والدعاية والحرب النفسية، والعمل على توسيع فجوة عدم الثقة بينهم وبين قوى الثورة الأخرى كالأحزاب والقوى القبلية والعسكرية. وكان الغرض من التركيز على شباب الثورة وساحات الاعتصام تجريد الثورة من الورقة الشعبية وتحويلها إلى مجرد أزمة بين قوى سياسية.

ومن جانب آخر، أثر تنامي الصراع العسكري بين الإصلاحيين والحوثيين في محافظة الجوف، من أجل السيطرة على بعض المواقع العسكرية، على مستوى التعاون والقبول لبعضهما.

وأسفر كل ذلك عن انقسامات واضحة بين المكونات الشبابية في الساحات، تظهر بشكل أكثر وضوحا في ساحة التغيير بصنعاء بوصفها ساحة رئيسية للثوار الشباب، فأصبح هناك انقسام جغرافي للساحة حسب مكوناتها، وهناك أكثر من منصة إعلامية، ولا يخلو الأمر من صدامات واشتباكات بالأيدي أحيانا، ومحاولة كل فريق تنظيم مسيرات دون تخطيط وتنسيق مع المكونات الأخرى.

ويرى بعض الشباب أن استمرار الثورة مرتبط في جزء كبير منه ببقاء ساحات الاعتصام حية وفاعلة، والذي يتطلب توحيد شباب الثورة في كل الساحات تحت قيادة شبابية واحدة تمثل جميع التكتلات الشبابية المتواجدة في الساحات.

إشكالية بدائل تصعيد الثورة 

يعبر الخلاف حول المجلس الانتقالي في واقع الأمر عن خلاف أعمق بين الشباب والأحزاب السياسية حول الخيارات الأنسب لحسم الثورة. فالشباب يميلون إلى خيارات الحسم الثوري بالوسائل السلمية مهما كانت التضحيات، ولا تعنيهم المحددات الداخلية والخارجية، ويتهمون الأحزاب أنها السبب في تأخير الثورة كونها وضعت كل ثقلها خلف المبادرة الخليجية والحلول التوافقية التي لم تحقق شيئا. وذلك أربك الثورة وسحبها إلى مربع التفاوض وجعل الجميع في انتظار ما ستسفر عنه الحلول التوافقية، فجمدت الثورة وانتقلت المبادرة إلى يد النظام والقوى الخارجية التي لا تفضل نجاح الثورة.

ومن وجهة نظر الشباب، فإن الثورة بحاجة إلى بدائل للتصعيد تناسب التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، ولن يحقق الاكتفاء بالاعتصام والمسيرات الاحتجاجية أهداف الثورة. ولم تكن مبادرة بعض التكتلات الشبابية إلى الإعلان بصورة منفردة عن تشكيل المجلس الرئاسي الانتقالي دون تنسيق مع الأحزاب وباقي المكونات، إلا محاولة للبحث عن بدائل للتصعيد الثوري، واستفزاز الأحزاب ودفعها إلى اتخاذ خطوات عملية في هذا الجانب. فقد لوحت المعارضة مرارا بالعمل على تشكيل مجلس انتقالي، لكنها لم تقدم عمليا على تنفيذ هذه الخطوة التصعيدية لحسابات تتعلق بمواقف الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية المؤثرة تجاه الشأن اليمني، والرافضة لتشكيل مجلس انتقالي يمثل الشرعية الثورية يكون بديلا عن السلطة القائمة على غرار ما يحدث في ليبيا، ومن ثم يؤدي إلى إقفال باب الحلول التوافقية تماماً، ويدفع الطرفين باتجاه الحرب الأهلية.

وبينما تراهن الأحزاب وبعض مكونات الثورة القبلية والعسكرية على عامل الضغط الخارجي لإجبار الرئيس صالح على الموافقة على تسوية سياسية تؤدي إلى نقل السلطة إلى نائب الرئيس بما يفتح المجال أمام التغيير وإصلاح الأوضاع، يرى الشباب أن ذلك لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت، وأن جميع القوى التي تراهن على الضغط الخارجي في مأزق حقيقي، فالمستجدات الداخلية الأخيرة بعد نجاة صالح من محاولة الاغتيال وعودته مجددا إلى المشهد، جعلته يشعر أنه في وضع أكثر قوة من السابق، ولا يوجد ما يجبره فعليا على تقديم تنازلات حقيقية للطرف الأخر، ومن المستبعد أن يقبل حتى بتحقيق السقف الأدنى لمطالب الثورة، وبالتالي لا بديل عن خيار التصعيد الثوري عبر تشكيل مجلس انتقالي ينعش الثورة ويعيد توحيد مكوناتها ويوصلها إلى مرحلة الحسم.

إشكالية تمثيل الثورة 

ويرتبط الجدل الدائر حول المجلس الانتقالي بإشكالية أخرى تتمثل في البحث عن جهة محددة تمثل الثورة وتعبر عنها. وما أثار هذه الإشكالية هو طول الفترة الزمنية للثورة. فمن وجهة نظر البعض فإن الحاجة أصبحت ملحة لتكوين صيغة ملائمة توحد مكونات الثورة في إطار مؤسسي واحد يتحدث باسمها أمام الداخل والخارج، ويقوم بقيادة وتوجيه الفعل الثوري بعيداً عن احتكار الأحزاب أو أي مكون آخر.

وليس بالضرورة أن يكون هدفه الصراع مع النظام القائم على الشرعية، فتشكيل سلطة بديلة ليس من مقتضيات المرحلة الراهنة. والمشكلة التي تواجه الثورة اليوم ليست في كيفية إدارة الدولة وملئ فراغ السلطة، وإنما في كيفية المضي بالثورة وتصعيدها حتى يتحقق إسقاط النظام، عبر توحيد ورص مكونات الثورة. وهذا الإطار المؤسسي للثورة يمكن أن يكون فيما بعد الأساس لإقرار وتشكيل أي أطر مؤسسية أخرى كسلطة بديلة أو حكومة ظل سواء من قوى الثورة أو من كل القوى في حال التوصل إلى حلول توافقية.

ورغم أن هناك فائدة ملموسة لتشكيل مثل هذا المجلس، إلا أن هناك صعوبات رئيسية تقف أمامه، فمن الصعب في أجواء الثورة تشكيل مجلس انتقالي يمثل الشرعية الثورية لا يدخل في تنافس وصراع مع النظام السياسي من أجل الشرعية، وبالتالي لن يكون في كل الأحوال محل قبول من الخارج. كما أنه سيحد من قدرة كل مكون من مكونات الثورة على الحركة بمنأى عن الآخر، ويحرم الثورة المرونة والقدرة على توزيع الأدوار بين الشباب والأحزاب؛ وتوسيع قاعدة قرارات الثورة سيؤدي على الأغلب إلى فقدان القدرة على المناورة السياسية، ليجعل الخيارات الثورية هي المتحكمة في مسار الثورة.

وقد وضعت اللجنة المصغرة للحوار الوطني (تمثل أحراب اللقاء المشترك وشركائها)، مهلة شهر لانجاز المجلس الوطني الانتقالي، ربما تكون من وجهة نظرها الفرصة الأخيرة للوصول إلى حلول توافقية قبل الإعلان عن تشكيل المجلس كخطوة تصعيدية لا مفر منها، ولا يمكن الرجوع بعدها إلى الخلف.

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

زر الذهاب إلى الأعلى