أرشيف

أزمات اليمنيين تتفاقم في ظل استمرار الوضع المتأزم، وعدم الوصول إلى استقرار سياسي وأمني

صنعاء- يسند أحمد ناجي المغلس منذ ما قبل شروق الشمس وحتى ما قبل الظهيرة إلى جدار تعود ومئات مثله الاستناد عليه أو الوقوف بجواره انتظاراً يطول أياماً وأسابيع دون فائدة، وعندما ينتصف النهار يعود إلى مسكنه القريب محاولاً تجنب صاحب السكن الذي لا يتوقف عن ملاحقته لدفع الإيجار الذي تراكم عليه منذ أشهر مضت.

المغلس عامل بناء بالأجر اليومي، ووقوفه في تقاطع شارع تعز والخط الدائري مع مئات العمال ليس سوى انتظار قدوم سيارة فارهة يبحث صاحبها عن عمال، وإذا ما ظهرت تلك السيارة يتراكض العمال للتحلق حول صاحبها الذي لن يختار سوى عدد بسيط منهم للعمل لديه بضعة أيام بأجر زهيد، لكن تلك السيارات كفت منذ وقت طويل عن زيارة تلك المنطقة، وأصبح تواجد العمال فيها عبثياً.

ألقت الأزمة التي تعيشها البلاد منذ عدة أشهر على إثر الثورة الشبابية الشعبية التي بدأت بوادرها في يناير الماضي، وما تزال مستمرة إلى اليوم، ألقت بظلالها على كل شيء تقريباً، واتسعت بسببها البطالة فطالت عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف، لكن لا توجد إحصائيات رسمية أو غير رسمية ترصد تلك الحالات التي تؤشر إلى واقع جديد قد يؤدي في الأشهر القادمة إلى كارثة إنسانية معقدة.

ففكري التويج طالب جامعي، يعمل في إحدى الجامعات الخاصة، ويدرس فيها، لكن راتبه الذي يدفع أكثر من نصفه لتسديد رسوم الدراسة شهرياً بالتقسيط، تضاءل إلى الثلث بسبب ضعف إيرادات الجامعة كما يقول، الأمر الذي دفع ثمنه هو، بحيث لم يعد قادراً على سداد رسومه الدراسية ما قد يضطره إلى التوقف عن الدراسة.

ويذكر التويج أن الجامعة التي يعمل بها ويدرس لم تعد تشهد إلا إقبالاً بسيطاً للدراسة فيها، وتراجع إقبال الطلاب الأجانب من الدول المجاورة بسبب الوضع الأمني الذي تشهده البلاد.

بالمثل، تقضي سحر ضيف الله جل وقتها بانتظار اتصال من أي شركة من الشركات التي زارتها وقدمت ملفها إلى إدارة الموارد البشرية فيها، لكن هاتف سحر لا يرن مبشراً بأي أمل.

فقدت سحر وظيفتها السابقة منذ انفجرت الاشتباكات بين الأطراف المسلحة في الحصبة نهاية مايو الماضي، والسبب أن مالكو الشركة التي كانت تعمل في قرر إيقاف العمل وتسريح الموظفين حتى يتهيأ الوضع من جديد لمزاولة العمل مجدداً، بعد أن كان بدأ بالتدهور قبل تلك الاشتباكات.

لكن مأساة شقيقة سحر أشد وطأة، حيث فقدت هي وزوجها عملهما، واضطرا إلى الخروج من الشقة التي كانا يستأجرانها، فعادت هي إلى منزل أهلها مع أطفالها، فيمَ يقضي هو جلَّ وقته متنقلاً بين مساكن أصدقائه للمبيت، ومتشرداً في أوقات النهار بحثاً عن أمل بعمل جديد يمنحه أملاً باستعادة وضعه السابق.

وإلى جانب هذا الوضع؛ بدأت أزمة إنسانية أخرى تزحف ببطءٍ يتسارع مع مضي الوقت، وإذا لم يتم تداركها، فإن عواقبها ستكون أكثر خطراً من أزمة البطالة، خصوصا وأنها تترافق مع اشتباكات عنيفة بين القوى العسكرية المتناحرة في عددٍ من مناطق البلاد، والتي وصلت منذ شهر إلى العاصمة صنعاء.

فقد حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة اليوم من تداعيات تدهور الأمن الغذائي في اليمن بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الوقود الحاد وعدم الاستقرار السياسي.

وأوضح مكتب البرنامج في بيان له قبل أيام من أن كل تلك العوامل مجتمعة تجهد قدرات المواطنين كثيرا وتؤثر على إمكانيات توفير الطعام.

ووصفت المديرة التنفيذية للبرنامج جوزيت شيران الوضع في اليمن بأنه يطارد السكان نساء وأطفالا وشيوخا.

وذكر البيان أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير منذ بدء هذا العام مع تضاعف سعر الخبز في الستة أشهر الماضية ما أسفر عن ظهور حالة من انعدام الأمن الغذائي وتفشي الجوع، مستنداً إلى آخر تقييم للبرنامج في اليمن الذي كشف أن عددا متزايدا من السكان باتوا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية وأن العديد من العائلات تحولت مواردها الشحيحة من الرعاية الصحية إلى توفير ما تيسر من الغذاء.

وأعرب البيان عن القلق لاسيما ما يتعرض له الأطفال الصغار من خطر سوء التغذية حيث ان أكثر من 50% من الأطفال اليمنيين يعانون سوء التغذية المزمن وأكثر من 13 % يعانون من سوء التغذية الحاد وذلك قبل تلك الأزمة.

ورفع برنامج الأغذية العالمي رفع مستوى أنشطته في اليمن لإطعام 5ر3 مليون شخص معرضين للجوع في أعقاب ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية والنزوح في شمال ومناطق جنوبية في البلاد.

كما يساعد البرنامج أكثر من 70 ألف شخص فروا من منازلهم بسبب القتال الدائر في الجنوب ونحو نصف مليون شخص من المشردين والمتضررين من الحرب في الشمال نتيجة لصراع صعدة الذي استغرق 7 سنوات.

وقالت ممثلة برنامج الأغذية العالمي في اليمن لبنى علمان “إن الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفا يواجه تحديات ضخمة لاسيما في خضم الوضع الأمني المتقلب جدا” مؤكدة ان “مهام البرنامج تعنى أيضا بتغذية النازحين داخليا ومساعدة اللاجئين من منطقة القرن الأفريقي لاسيما للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات”.

زر الذهاب إلى الأعلى