أرشيف

تنظيم القاعدة.. الغائب الحاضر في الحراك السياسي اليمني

شبكة القاعدة كانت الحاضر الغائب في ثورة التغيير المعارضة لنظام علي صالح 2011. واستيلاء التنظيم على مدينة زنجبار/ ابين جنوب اليمن خلال الحرب الدائرة بين صالح وخصومه بالتاكيد لم تأت من فراغ بل تعود الى مطلع التسعينيات بعد عودة المقاتلين الاسلامين من حرب افغانستان ضد السوفيت وانسحابه 1989 ، ومن ابرزهم عبد النبي الذي كان حليف صالح في حربه ضد الجنوب عام 1994 والتي كانت بداية لدخول القاعدة القصور الرئاسية وحصول مقاتليها على رتب عسكرية لتشكل الحزام الاول لحماية علي صالح.


سقوط زنجبار- أبين
ان استيلاء تنظيم القاعدة على مدينة زنجبار خاصة منطقتي (أمزربة والمنياسة) اللتين تعدان من أكثر المناطق الجبلية النائية في أبين وانسحاب القوات الحكومية منها اعتبرها المراقبون بانها رسالة من صالح الى الولايات المتحدة خلال ثورة التغيير لاستدراجها بالتدخل المباشر تحت باب فزاعة القاعدة ان لم يكن تنسيق مابين التنظيم وعلي صالح لتتفرغ قواته للمواجهات في مناطق اخرى. وتاتي اهمية زنجبار وخطورة استيلاء شبكة القاعدة عليها كونها قريبة من خطوط الملاحة في البحر العربي واحتمالات تهديدها للملاحة البحرية و تمدد المجموعات الاصولية مع تنظيم الشباب في الصومال الذي لم يتردد ابدا في ضرب السفن الاميركية والقرصنة واعلان دعمه لقاعدة اليمن.

كان التخويف باسلمة الحكم في اليمن وترجيح وصول الاسلاميين من حزب الاصلاح السلفي للسلطة هي احدى وسائل صالح بقاء فترة اطول في الحكم ومواجهة تظاهرات التغيير في ميدان التحرير وشوارع صنعاء والمدن اليمنية. لقد كان حكم علي صالح قائما على تحالفه مع حزب الاصلاح بزعامة الزنداني ومشايخ السلفية اي ان تكون السلطة الى علي صالح وحزبه/ المؤتمر، والشارع للاصلاح ومشايخ السلفية في التبليغ والتبشير ولم تكن هذه العلاقة غائبة عن المشهد السياسي اليمني من خلال رعاية المملكة العربية السعودية الى هذا النمط من الحكم في اليمن ولم يتورع صالح من اصطحاب الزنداني في زياراته الرسمية الى المملكة وحضوره الاجتماعات والمؤتمرات وبرعاية سعودية رغم ان الزنداني مطلوب على راس قائمة لجنة مجلس الامن المرقمة 1267 والتي تضم 256 مطلوبا لتورطه بالارهاب وسبق للسعودية ان وقعت عليها. الزنداني رئيس جامعة الايمان وسط صنعاء و تعتبر مركزا لتخريج مبشري السلفية وكثيرا ماكانت هنالك قضايا امنية ضد طلبتها لتورطها في قضايا الارهاب.


المراكزالدينية المتشددة
هنالك اكثر من 4000 مركز في اليمن للعلوم الدينية ودراسة الحديث، ابرزها مركز دماج في صعدة شمال اليمن معقل الحوثيين ومركز ذمار للبلاغ والحديث ومدينة لودر بمحافظة ابين والحوطة بمحافظة شبوة ولحج وتستضيف طلبتها بصحبة عوائلهم في مجمعات سكنية تحيط بتلك المراكز من مختلف دول العالم عربية واوربية و تسيطر عليها الجماعات الاصولية والسلفية المتشددة التي تختلف مع السلفية المعتدلة وحزب الاصلاح والحكومة، وابرز وجوهها مقبل الوداعي وهادي الحجوري بالاضافة لذلك هنالك حلقات دينية تعقد في الجوامع بعد الصلاة تقوم على التبشير وغسل الادمغة بعيدا عن مناهج وزارة التربية والتعليم.

هذه المدارس والمراكز الدينية تمارس نشاطاتها بمعزل عن إشراف أو توجيه أو رقابة الدولة وتمارس نشاطاتها وفقاً لتوجيهات وسياسات الجماعات الدينية القائمة عليها والتي هي بطبيعة الحال جماعات متعددة ومختلفة منها السلفية المتشددة والسلفية المعتدلة وجماعة الإخوان المسلمين التي تشارك في الحياة السياسية والديمقراطية من خلال حزب الإصلاح المعارض أكبر أحزاب اللقاء المشترك.


اللاجئون الصوماليون
اما الصوماليون فيعتبرون مادة جيدة للمراكز الدينيه بسبب صعوبة ظروف حياتهم، فقد كشفت بعض التقارير أن عدد اللاجئين الصوماليين المسجلين لدى الحكومة اليمنية تجاوز 700 ألف لاجئ في حين أن العدد المسجل رسمياً لدى مفوضية اللاجئين لا يتجاوز (160) ألف لاجئ وهذه اشارة الى تسرب اعداد من الاجئين الى تلك المراكز الاصولية .

وتعتبر المخيمات الصومالية مركزا لاستقطاب مقاتلين جدد مع احتمال تسلل المقاتلين المتشددين من الصومال الى اليمن ضمن وفود اللاجئين للقيام باعمال التجنيد مما يعزز العلاقة بين تنظيم القاعدة في اليمن و الصومال ويعتبر معسكر خرز لاستقبال الاجئيين احد اهم المعسكرات.

ان هذا التمدد الجغرافي للاصولين بين اليمن والصومال في القرن الافريقي ممكن اعتباره شبيها بجغرافية تمدد القاعدة مابين افغانستان والباكستان وفقا لراي الخبير اليمني في شأن القاعدة وقضايا الارهاب سعيد عبيد اما الخبير اليمني عبد الاله شايع فوصف شبكة القاعدة بانها خلايا نشطة كثيرة التناسل.


الحوثيون والسلفيون يتقاتلون في صعدة
كشفت التقارير الاخبارية الخاصة بالمواجهات مابين الحوثيين والسلفيين في دماج / مدينة صعدة شمال اليمن الاسبوع الماضي كانون الاول 2011 بوجود اكثر من 500 عائلة جزائرية واخرى اجنبية في المركز .
ان اصرار الجماعة السلفية المتشددة على الاستمرار في مركز دماج يقوم على قربه من الحدود السعودية وقد اثبتت المواجهات الاخيرة قدوم مساعدات لمقاتلي السلفية في مركز دماج من الاراضي السعودية تحت غطاء مساعدات انسانية.

يبدو ان الأزمة في دماج مرتبطة بالجغرافية السياسية الجديدة لليمن اي بتوزيع الجماعات المؤثرة وابرزها الحوثيون والسلفية بعد تنحي صالح و توقيع المبادرة الخليجية التي أعلن فيها الحوثيون رفضهم لها، محتفظين بموقعهم المعارض فيما فضل الاصلاحيون القبول ببنودها حيث يرى المراقبون بان الحرب في دماج تمثل جهدا إسلاميا سلفيا مبرمجا ضد الحوثيين ومجس استخباري عسكري لاختبار قوتهم برعاية سعودية طالما ان الحوثيين كانوا ومازالوا يمثلوا صداعا مزمنا للملكة. لقد ظهر الحوثيون هم الاكثر قوة خلال ثورة التغيير من كل الجماعات الاخرى مقابل الحراك الجنوبي الذي يعاني من تهمة الانفصال وتعرضه لضربات من قبل تنظيم القاعدة وكذلك الاسلاميين الاصلاحيين بزعامة الزنداني وحزب الاصلاح و جماعة الشيخ صادق الاحمر داخل اللقاء المشترك والمدعومون جميعهم من السعودية.


ثورة التغيير لم تغير شيئاً
ان ثورة التغيير في اليمن لم تأت بجديد وتنحي علي صالح كان مختلفا تماما عن نتائج الثورات في تونس ومصر وليبيا ووصف المراقبون بان المبادرة الخليجية كانت نجادة انقاذ الى علي صالح والذي كان مصمما ان لايخرج من السلطة الا وان يكون هو وحزبه الحاكم / المؤتمر جزءا من الاتفاق لضمان عدم محاكمته او متابعته قضائيا ضمن رعاية اميركية سعودية للحفاظ على توازن الاطراف داخل اليمن بالرغم ، انه (صالح) اصبح عبئا على المملكة السعودية بمراوغته التوقيع على الاتفاق وتخوف السعودية من الفوضى التي تهدد حدودها ومخاوف اميركا من صعود مجموعات اصولية تهدد الملاحة البحرية عبر بحر العرب.

بعض المصادر اعتبرت محاولة أغتيال علي صالح داخل مسجد الرئاسة في الثالث من حزيران 2011 محاولة للتخلص منه بعد ان كان يلوح في اجتماعاته السرية بكشف اتفاقات السعودية واميركا الثنائية معه وما يرجح هذا الرأي هو امساك السعودية برجال حماية صالح والدور القطري الفاعل داحل اليمن الذي تعتبره الرياض المظلة البديلة عنها والمنافسة لها باستقطاب الاصوليين في اليمن والمنطقة.

*جاسم محمد: كاتب متخصص في مكافحة الارهاب والاستخبارات

المصدر : موقع ” اذاعة هولندا ” العالمية

زر الذهاب إلى الأعلى