أرشيف

معركة “كسر العظم” في لودر

شكلت المعارك التي تدور منذ منتصف الأسبوع الماضي بين رجال القبائل بمدينة لودر بمحافظة أبين، جنوبي البلاد، وعناصر تنظيم القاعدة إحراجاً شديدا للتنظيم، الذي فوجئ بصمود أبناء القبائل واستبسالهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم على عكس ما كان يتوقعه التنظيم .

وبدت لودر، وهي إحدى مديريات محافظة أبين المستباحة من قبل عناصر تنظيم القاعدة أو ما تسمى “جماعة أنصار الشريعة”، حسب التسمية الجديدة، عصية إلى الحد الذي يلغي كل الانتصارات المحققة على الأرض على الأقل حتى الآن، التي مكنت التنظيم من بسط نفوذه وسيطرته على أجزاء كبيرة من المحافظة وخارجها، وقبل ذلك كله شعوره بقبول “المجتمع المحلي” له وبتوجهاته الدينية الحالية وهو المتباهي أصلاً خلال الأشهر الماضية بقبول الناس في الأماكن التي يسيطر عليها بحكمه وفرحهم بوجوده وإمكانية التعايش معه .

اللافت في الأمر أن الضربة الموجعة التي تلقاها التنظيم في لودر جاءت عقب انتصارات كبيرة كان قد حققها على وحدات الجيش النظامية في أماكن متفرقة وهو ما منحه شيئاً من الزهو والثقة، اعتقد من خلالها أن لا شيء يحول بينه وبين تحقيق أهدافه؛ فضلاً عن أن الانتصارات قدمته كقوة لا يمكن الاستهانة بها .

على هذا الأساس كان قتال رجال القبائل وصمودهم في المواجهة مع التنظيم، بل وإلحاقهم بالجماعة المسلحة خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات قد مثل صدمة كبيرة ومفاجأة غير سارة لعناصر التنظيم ستدفعه إلى إعادة حساباته والتفتيش مجدداً عن بوصلة تمكنه من البحث عن ذاته بما يتوافق واستراتيجيته الجديدة .

ولم يخطر ببال العناصر المسلحة وهي تنوي اقتحام مدينة لودر، كبرى مدن المنطقة الوسطى أن أبناء القبائل سيقفون في وجهها حتى بعد استسلام الكتيبة التابعة للواء ،111 المرابط هناك في غضون دقائق معدودة، كما جرت العادة في مواقع كثيرة، ولم تستوعب عناصر التنظيم أنها غير مرحب بها في لودر وغيرها وأن الناس، خاصة في الأماكن التي يسيطرون عليها، قد قبلوا بالعيش معهم على وقع “مكره أخاك . .”، ومن هنا كان الرد مزلزلاً والإجابة كارثية على التنظيم وأنصاره . ففي الوقت الذي أعلن فيه تنظيم القاعدة صباح الاثنين الماضي سيطرته على الكتيبة وقتله نحو 18 جندياً وهروب من تبقى، والاستيلاء على بعض معدات الجيش الثقيلة من مدافع ودبابات، دخل التنظيم في معارك عنيفة مع شباب المدينة الذين أزعجهم هروب الجنود وفرارهم من المعركة، فسطروا في هذه المعارك ملاحم بطولية مكنتهم من قتل العشرات من عناصر التنظيم بل والاستيلاء على الدبابات التي غنموها سابقاً وأسر عدد من قيادات التنظيم .

ولقي مأمور المديرية سابقاً محمد جعبل شيخ واثنين من مرافقيه مصرعهم في اليوم الأول من المواجهات قبل أن تزداد المعارك ضراوة في اليوم الثاني، الذي حاول فيه تنظيم القاعدة اجتياح المدينة وفرض القوة على من أسماهم في بياناته المتلاحقة “مرتزقة لودر”، لكنه اصطدم بمقاومة شرسة وبطولية خاصة بعد أن تداعت معظم قبائل آل عوذلة لمساندة شباب المدينة أفضت في محصلتها النهائية إلى تكبيد تلك العناصر خسائر كبيرة تمثلت في مقتل العشرات منهم وأغلبهم من الجنسية الصومالية وعدد من أبناء مناطق يمنية مختلفة، حيث شوهدت جثثهم مرمية بالقرب من محطة الكهرباء إلى الجنوب من المدينة، حيث دارت أشرس المواجهات، أصيب خلالها أكثر من 30 مسلحاً تم إسعافهم فيما بعد إلى أماكن متفرقة في شقرة وجعار؛ فيما سقط قرابة العشرة من رجال القبائل، فيما عاد أنصار الشريعة أدراجهم إلى منطقة (أمعين) التي جعلوها في وقت سابق منطلقا لهجماتهم قبل أن يستهدفها الطيران الحربي في اليومين التاليين أفضت إلى مقتل العديد منهم وأحدثت إرباكاً كبيراً في صفوف التنظيم الذي لم يحسب جيداً، كما بدا للكثير من المتابعين، عاقبة عقليته التوسعية وتغيير استراتيجيته في ظرف أشهر بسيطة .

وبعد عشرة أشهر من بدء المواجهات بين الجيش وعناصر تنظيم القاعدة في أبين وما أعقبها من أحداث متسارعة على صعيد التجاذبات السياسية يبدو المشهد أكثر ضبابية الآن خصوصا بعد دخول القبائل على خط المواجهات واتساع رقعة القتال في أكثر من منطقة ومدينة، ما ينذر بحدوث حرب أهلية أراد بعض مراكز القوى في البلاد خاصة أدوات النظام السابق أن تجعلها محصورة فقط في المحافظات الجنوبية، والواقع مفعم بالشواهد .

الواقع يقول إن نشاط عناصر القاعدة يتركز حالياً في مناطق أبين وشبوة الجنوبيتين دون غيرهما، ما يعني تقطيع أوصال المناطق الجنوبية وإدخالها في أتون حرب غير واضحة المعالم من شأنها عزل المحافظات الجنوبية عن بعضها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقع المحافظتين الملتهبتين حالياً .

ولعل النجاحات الكبيرة التي حققها تنظيم القاعدة مؤخراً في أبين ضد وحدات الجيش وتسهيل حصوله على بعض المعدات الثقيلة مثل صواريخ الكاتيوشا والدبابات والمدافع وراجمات الصواريخ يندرج في هذا الإطار وهو ما ينبغي التنبه له وأخذ الحيطة منه .

والسؤال الذي يبرز بعد هذه الأحداث التي تشهدها لودر: هل هي بداية النهاية لتنظيم القاعدة في اليمن؟

المصدر : الخليج – شكري حسين

زر الذهاب إلى الأعلى