تحليلات

القاعدة والأمن.. ماراثون حرب مفتوحة

عبد الرزاق الجمل

رغم النجاحات الأمنية التي تحققت مؤخرا، وتمثلت في إلقاء القبض على ما يقرب من عشر خلايا تضم عشرات من عناصر تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى إحباط عدد من العمليات التي كان مقررا لها أن تستهدف مسئولين ومصالح أجنبية، بحسب بيانات وزارة الداخلية، إلا أن تنظيم القاعدة يثبت أنه لازال قادرا على الوصول والضرب في العمق. 

ويوم الثلاثاء الماضي تسبب انفجار هائل، يعتقد أن تنظيم القاعدة يقف خلفه، بقتل وجرح عدد من طلاب كلية الشرطة أثناء خروجهم من الكلية. والجديد في العملية التي جاءت بعد أيام قليلة من عملية قاسية استهدفت قائد المنطقة الجنوبية اللواء سالم قطن، أنها استهدفت من لم يكونوا في السابق هدفا لتنظيم القاعدة، أو من الأهداف التي لم يكن لها أولوية لديهم، وهو ما دفع البعض إلى التشكيك بعلاقة تنظيم القاعدة بها. 

لكن تنظيم القاعدة كان قد صرح في وقت سابق، على لسان أمير محافظة أبين، جلال بلعيدي المرقشي، أن جميع الجنود محاربون وسيكونون هدفا مشروعا لعملياتهم في مرحلة ما بعد انسحابهم من محافظة أبين، وليس بعيدا أن يكون التنظيم وراء العملية، غير أن التنظيم يعلم جيدا أنه خسر الكثير من المتعاطفين بعد عملية السبعين، وقد لا يجازف بخسارة مشابهة من وراء عملية خالية من المكاسب كهذه، وقد يركز اهتمامه على الأهداف النوعية، بل إن هذا ما ورد في بيان تبني العملية التي استهدفت اللواء قطن، حيث توعد البيان "العملاء من قادة الحملة الصليبية العسكريين منهم والأمنيين بالعقاب الرادع" حد تعبير البيان.

 

ولم يصدر عن التنظيم حتى الآن بيان رسمي يثبت أو ينفي علاقته بعملية كلية الشرطة الأخيرة، إلا أن وقوف التنظيم وراء العملية قد يعني أننا قادمون على مرحلة مليئة بهذا النوع من العمليات التي لا تحول بينها وبين هدفها إجراءات أمنية مشددة، على اعتبار أن هذا النوع من الأهداف من السهل الوصول إليه، في العاصمة صنعاء وخارجها، خصوصا مع اتساع دائرة من يرى التنظيم أنهم باتوا هدفا له، بعد دخول الفرقة الأولى مدرعة على خط المعارك الأخيرة ضد تنظيم القاعدة في محافظة أبين، بالإضافة إلى اللجان الشعبية. 

ويقول قادة القاعدة إنهم طوال عام من السيطرة على محافظة أبين كانوا يستعدون لمرحلة كهذه، وإن إمكاناتهم الحالية تفوق بكثير إمكاناتهم في السابق، وشددوا على أنهم سيجعلون الحكومة الجديدة تندم على إخراجهم من محافظة أبين. 

وبرهن تنظيم القاعدة على إمكاناته الجديدة بوصوله إلى قائد المنطقة الجنوبية اللواء سالم قطن بمدينة المنصورة في محافظة عدن الشهر الماضي. وقطن هو أعلى قائد عسكري يمني رتبه يتمكن التنظيم من الوصول إليه، لكن سلسلة النجاحات الأمنية التي قالت مصادر رسمية إن الأجهزة الأمنية حققتها مؤخرا كادت أن تثبت عكس ذلك. غير أن المعركة الأمنية القائمة تختلف كثيرا عن المعركة العسكرية التي انتهت قبل أسابيع بانسحاب القاعدة من محافظة أبين، فتحقيق الأجهزة الأمنية نجاحات، كبيرة أو صغيرة، لا يعني أن بمقدورها وضع حد لتهديدات القاعدة.

 

هل كانت عملية "انتحارية"؟

 لم تكن العملية انتحارية، والمقطع الذي بثته قناة "اليمن اليوم" لمن قالت إنه منفذ العملية، كان لأحد الضحايا الذين سقطوا فيها، ويدعى محمد العري، وربما أُجهزوا عليه ظنا منهم أنه المنفذ.

وكانت اللجنة الأمنية قد أشارت إلى أن منفذ “العملية الانتحارية” يمني يدعى محمد العري، فجر نفسه في مجموعة من الطلاب أثناء خروج أول دفعة منهم من البوابة الجنوبية للكلية لقضاء الإجازة الأسبوعية، وبترت أجزاء من جسده نتيجة التفجير.

لكن العملية ـ كما أسلفنا ـ لم تكن انتحارية، ومحمد العري المتهم ظهر في مقطع الفيديو وهو لا يزال يرتدي "الجنبية" ومن غير المعقول أن ينفجر فيه حزام ناسف ويقتل عددا من طلاب كلية الشرطة دون أن تتناثر أشلاؤه في كل اتجاه.

وبحسب أقرباء له فإن العري كان يحضر كل يوم أربعاء لأخذ الطلاب الذين يقلهم إلى قريتهم بسيارته وصادف وصوله مع التفجير الذي أودى بحياة عدد من الطلاب, وقال قريب له في اتصال مع "قناة اليمن اليوم" إن قريبه كان يحمل بطائقه ووثائقه وفلوسه وتلفوناته وجنبيته, من غير المعقول أن من ينفذ عملية انتحارية أن يحمل كل ذلك.

 هذا بالإضافة إلى أن تاريخ القاعدة يقول إنها لا تنفذ عملية "استشهادية" كما يسمونها، ضد أهداف سهلة يمكن الوصول إليها دون منفذ. وبحسب المسئول الشرعي لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، الشيخ عادل العباب، فإنهم "لا يرسلون أحدا في العملية إلا إذا تعذرت الوسيلة التي يضربون بها العدو، ولم يبق سوى العملية الاستشهادية، أو أن يكون هدف العملية يحقق مصلحة كبرى أو يرد هجوم العدو أو يستهدف موكب قائد كبير عليه تدور رحى الحرب بحيث يتعذر استهدافه بغيرها". ويضيف: "هذا من ناحية الأصل، فإن كانت نتائج بعض العمليات تخالف الأصل فهو راجع لخطأ الراصد أو اجتهاد المنفذ أو لسبب طارئ خارج العادة وهذا يعذر فيه مع معالجتنا للخطأ".

ومن خلال ما جاء في كلام العباب يتضح أن تنظيم القاعدة يدرس، باهتمام كبير، المكاسب والخسائر التي قد يحصل عليها أو تلحق به من وراء عملياته، ثم يُقدم أو يحجم بناء على نتائج دراسته.

 

نجاحات أمنية!

 تبذل الحكومة اليمنية الجديدة كل ما بوسعها لتثبت أنها انتصرت على تنظيم القاعدة في محافظة أبين، ولكي تؤكد أنها انتصرت عسكريا، كان عليها أن تتبع النصر العسكري بجملة من النجاحات الأمنية. وفي الأسابيع الماضية تحدثت بيانات وزارة الداخلية اليمنية عن نجاح الأجهزة الأمنية في إلقاء القبض على عدد من خلايا تنظيم القاعدة بالعاصمة صنعاء. هذا إلى جانب خلايا أخرى تم القبض عليها خلال شهر فبراير الذي انتُخب هادي فيه رئيسا للبلد، والأشهر التالية له.

وجميع الخلايا التي أشارت إليها البيانات المذكورة، وُصفت بـ"الخطرة"، ويمكن ملاحظة خطورتها من خلال المهام المكلفة بها، بناء على ما ورد في تلك البيانات من تفاصيل عند التعريف بكل خلية وبأفرادها. كما قالت البيانات المذكورة إن الأجهزة الأمنية تمكنت من إحباط أكثر من عشر عمليات.

ومن خلال كل ذلك نجحت وزارة الداخلية في إقناع الناس بأن أجهزتها الأمنية تحقق نجاحات مستمرة ضد التنظيم الذي بدا في لغة وسائل الإعلام الرسمية وغيرها أكثر من منهار ويعاني من أزمات عدة. وأصبحت جملة: "في سياق النجاحات المتواصلة التي تحققها الأجهزة الأمنية" تتقدم معظم الأخبار.

أما تنظيم القاعدة الذي اضطره وضعه الجديد إلى الغياب شبه التام على المستوى الإعلامي، فلم يعد مهتما بغير ما يتحقق له بشكل عملي، خصوصا وأن نجاحاته الأمنية، بالنسبة له، تفوق نجاحات الأجهزة الأمنية اليمنية، هذا إن لم تكن نجاحات الأجهزة الأمنية عبارة عن ادعاءات للتغطية على ما يحققه تنظيم القاعدة من نجاحات.

ولتوضيح ذلك:

 قبل أيام استدعى الرئيس هادي رئيسي جهاز الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي، علي الآنسي وغالب القمش. وقالت وسائل الإعلام إن رئيسي الجهازين أطلعا رئيس الجمهورية على تقرير مفصل بالنجاحات الأمنية التي تحققت في الفترة الأخيرة، ومن تلك النجاحات القبض على عدد من خلايا تنظيم القاعدة من بينها الخلية التي خططت لعملية السبعين، بالإضافة إلى خلية السنينة القريبة من منزل الرئيس هادي، والتي وصفت بـ"الخطرة".

وبعد اللقاء نشرت وسائل الإعلام أسماء وصور 54 مضبوطا ضمن عشر خلايا قيل إنهم من عناصر تنظيم القاعدة، وإن هذه النجاحات تحققت منذ شهر فبراير 2012م وحتى شهر يناير من العام ذاته.

والغريب في الأمر هو أن الرئيس هادي الذي اعتبر الحرب على تنظيم القاعدة أولوية أولى، وتصرف على هذا الأساس فور انتخابه رئيسا، استدعى رئيسي جهازي الأمن القومي والأمن السياسي في وقت متأخر، مقارنة بالوقت الذي تحققت فيه تلك النجاحات ومقارنة بحاجة الرئيس هادي لمعرفتها، بل وبحجة رؤساء تلك الأجهزة لعرضها عليه.

لكن الحقيقة هي أن الرئيس هادي لم يستدع القمش والآنسي لأجل النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية اليمنية، بل لأجل النجاحات التي حققها تنظيم القاعدة مؤخرا، وكان أبرزها نجاح 25 من أعضائه، بينهم قيادات كبيرة، في الهروب من سجن الأمن السياسي بمحافظة الحديدة، وقبلها بأيام قليلة نجاح عشرة من سجناء القاعدة في الفرار من سجن المنصورة بمحافظة عدن.

وبما أن رئيسي جهازي الأمن السياسي والأمن القومي هما من سيتحملان مسئولية النجاحات التي حققها تنظيم القاعدة، خصوصا وأن شماعة "صالح" التي كانت تُعلق عليها مثل هذه العمليات قد انتهت، اضطر رئيسا الجهازين قبل أيام قليلة من اللقاء بالرئيس هادي إلى اختلاق نجاحات أمنية تقلل من وقع نجاحات تنظيم القاعدة عليه، بالإضافة إلى الإعلان عن نجاحات سابقة. حالهم: إن من أدخلناهم السجون أكثر ممن فروا منها.

ولأن الرئيس هادي حديث عهد بالملفات الأمنية المتعلقة بتنظيم القاعدة، على اعتبار أن صالحا كان يحتكر كل ما يخص التنظيم في السابق، والآنسي والقمش أكثر من يعرف هذا الأمر، فقد سهل ذلك عليهما تمرير نجاحات خلطا فيها عملا صالح وآخر سيئ، إن لم يكن كله سيئا.

وحتى لا يبدو ما ورد أعلاه كما لو أنه ادعاء، سنثبت صحته من خلال التفاصيل التالية:

أكدت البيانات التي استندت على تقارير الأمن السياسي والأمن القومي أن هذه النجاحات تحققت ابتداء من شهر فبراير 2012م. أي من الشهر الذي تولى فيه عبد ربه منصور هادي رئاسة الجمهورية، لكن خلية محمد عائض الحرازي، على سبيل المثال، والتي تتكون من عشرة أشخاص، تم إلقاء القبض على أفرادها في شهر ديسمبر 2011م من العام الماضي وليس في شهر فبراير 2012م. وجميع أفراد الخلية ينتمون إلى ائتلاف شباب الأمة أحد مكونات الثورة الشبابية، لهذا تم إلقاء القبض على معظمهم في ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء.

ورغم أن تاريخ القبض على هذه الخلية سابق للتاريخ المعلن بأكثر من شهرين، إلا أن معظم أفرادها لا علاقة لهم بتنظيم القاعدة، بل ينتمون إلى "شباب الأمة" وسيتضح ذلك من خلال التعرف على بعض أفرادها.

ـ نادر القباطي ومحمد مثنى العماري لا شيء عليهما وهما عضوان في حركة شباب الأمة. كان نادر مسئولا إعلاميا وكان العماري مسئولا ثقافيا.

ـ إبراهيم عبد الكريم سلمان من شباب الأمة لا يتجاوز عمره 17 سنة.

ـ سبأ عبد الله محمد نعمان. من حركة شباب الأمة. وتم إلقاء القبض عليه في عمله ببنك الإنشاء والتعمير فرع حدة.

ـ إبراهيم علي جميل المطري. عبد الجليل علي المطري. نزل الاثنان بصورة واحدة. الأول في خلية الحرازي، والثاني قالوا إنه ضمن خلية عملية السبعين.

ـ عبد الله يحيى يحيى الديلمي. من حركة شباب الأمة، وكان يُلقب بـ"شاعر الثورة".

وبخصوص خلية السبعين، فقد ورد ضمن أسماء عناصر الخلية اسم: مياد محمود الحمادي. كان مسئول مركز التوثيق الإعلامي في ساحة التغيير بصنعاء وكانت لديه جميع الوثائق والإصدارات الخاصة بالثورة. قالوا إنه من أفراد خلية السبعين. قالوا أيضا إنه عنصر رئيسي في الخلية وأحد العناصر الانتحارية.

وفي خلية أخرى مكونة من ثلاثة أشخاص قيل إنها كانت تخطط لشن هجمات على مصالح أجنبية بالإضافة إلى مشاركة أفرادها في القتال إلى جانب أنصار الشريعة بأبين، ورد اسم عبد الله خالد مرشد القباطي. وصاحب هذا الاسم من شباب الثورة، ويعمل في مؤسسة المياه، وتم اعتقاله في مقر عمله، قبل أن يرد الأمن على نفي أسرته وأصدقاء له في الساحة وجود أية علاقة بتنظيم القاعدة، بأن اعتقاله كان لمجرد تشابه اسمه مع اسم أحد المطلوبين، وتفاوض الأمن معه على إطلاق سراحه مقابل أن لا يثير القضية.

أيضا.. الأجانب الذين ذُكروا ضمن خلية، لم يكونوا خلية، فبعضهم تم القبض عليهم في المطار كإجراء احترازي، وبعضهم في مناطق أخرى، ونذكر منهم، على سبيل المثال، نزار عبد الرحمن محمد الجمعي التونسي الذي تم إلقاء القبض عليه قبل شهر من الآن في منطقة رضوم بمحافظة شبوة، بعد كمين قام به الجيش لمجموعة من مقاتلي جماعة أنصار الشريعة في تلك المنطقة أثناء انسحابهم من محافظة أبين، وقد أدى الهجوم إلى سقوط خمسة من مقاتلي الجماعة وإصابة اثنين آخرين لم يتمكنا من الفرار من بينهم نزار. وهو مقاتل عادي التقيت به قبل عشرة أيام من القبض عليه خلال زيارتي الأخيرة لأبين، وليس بالشكل الذي صورته البيانات.

 المصدر: صحيفة الناس

زر الذهاب إلى الأعلى