فضاء حر

كارثه اسمها اليمن

 

يمنات
لا احد يعشق الجهل مثلنا نحن اليمنيين ولا احد يمارس الحرب كهواية مثلنا ولا احد يتفنن في اقصاء الشريك والاخرين مثلنا ولا احد يجيد تلميع الكذب واستعمال الوقاحة السياسية مثلنا ولا احد يحب العيش بكسل ووسط الفوضى مثلنا نحن , فأينما حلت قدماك في اليمن واوقعت نظراتك هنا وهناك تتصطدم بهول الحالة المزرية التي وصلت اليها البلاد من الضياع والتمزق وسقوط القيم وتعثر الاخلاق وتجمد للوعي وتفككات في اوساط الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية , فأغلب سكان اليمن يعيشون فقرا مدقعا رغم وفرة الثروات التي تكتنزها الارض والجبال والبحار اليمنية وظاهرة الفساد واذرعتة الطويلة تنهش في جسد الدولة والمواطن في آن واحد دون اي واعز ضمير والقبائل وشيوخها تنهب وتفسد وتنشر الامية والتطرف وتدق طبول الحرب هنا وهناك ورجال السياسة والاحزاب مشغولون بالمناصب وملئ الجيوب طالما ان النظام السابق الفاسد اوجد ارضية خصبة لهذة الاوجه السياسية واحزابها التي تعودت ان تقتات على ظهر الفساد والسرقة من اموال الدولة والمواطن البسيط اصبح لايأبه بدور للدولة في ادارة شؤون حياته والمجتمع لان شكل الدولة خارج نطاق التغطية , ويوم اليمني اليوم هو نفس يومه البارحة وغير قابل للتغيير على المنظور القريب والسبب في ذلك هو المناخ السلبي الداخلي بكل اشكالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة التي لا تعرف كيف هو شكل القانون ومن معه سلاح هو من يستطيع ان يأخذ حقه دون الرجوع الى دوائر الامن المغلقه بسبب غياب الدولة وحالة الانفلات الامني, اما العاملين فذهابهم الى العمل كمثل لعبة الروليت الروسية حيث الحظ هو الحاكم فالمواطن العامل اولا لايعرف حينما يغادر بيته ان كانت الشوارع مغلقة ام مفتوحه بسبب اعمال التقطع المسلحه واحيانا بسبب زحمة السيارات المرقمه والغير مرقمه .
في اليمن تتعانق روائح القمامة والرصاص المتطاير في السماء وكأنك في بلد منكوب لا احد ينظف الشوارع عامل النظافة في حالة اضراب مدمن ومزمن والرصاص يباع علنا والافراح لاتخلى من زخات المسدسات والرشاشات في اعالي المدن دون رقيب او حسيب وان اصبت باحدى تلك الرصاصات ونقلت الى المستشفى الحكومي فأول جملة ستسمعها هي لا توجد لدينا ضمادات ولا ادوية وان ذهبت الى الصيدليات الخاصة تجد كل انواع الادوية ومعضمها مزورة ابتداء من حبة الاسبرين التي يقال انها تصنع من مادة (الجص )التي لا يوجد لها طعم ولا رائحة والصيدلاني سيعطيك اي دواء فهو ليس بحاجة الى بطاقتك الشخصية ولا حتى روشتة الطبيب لان الكل يعرف ان مصلحة الاحوال المدنية والسجل المدني لا تمتلك بطائق لصرفها للمواطنين البالغين السن القانوني ويعود السبب في اختفاء البطائق هو ذلك الكم الهائل من السماسرة وضباط الفساد الذين يبتاعون ويشترون في اوراق اثبات الهوية حيث تباع اغلب هذه البطائق للاجئين الافارقة والاجانب المقيمين في اليمن مقابل مبالغ مالية ليتم بعد ذلك متابعة اجراءات الحصول على جوازات السفر اليمنية مثل تلك الحالة التي عرفتها عن طريق الصدفة التي جمعتني بشاب من نيجيريا قال لي انه يريد مغادرة اليمن الى دبي وانه ينتظر فقط صرف الجواز اليمني وعندما سألته كيف حصل على البطاقة الشخصية اليمنية وهو لا يجيد التحدث بالعربية رد في اليمن مصالح الدولة واداراتها معروضة للبيع والشراء وام سبب تأخر صدور جوازه هو عدم قدرته في الوقت الحالي على دفع مائة الف ريال منه طُلبت وقال عندما اخذ ملفي عامل الجوازات في البدايه طلب ستون الف ريال ليتحول المبلغ بعد ذلك الى مائة الف ريال , كارثه سوداء ان تباع الهويه الوطنيه ومستندات الدوله على هذا النحو المريع من سقوط القيم والاخلاق والامانه فالمشكلة الحقيقية تكمن في تلك العقليات التي لازالت تتعامل مع ممتلكات الدولة وكأنها ممتلكات خاصة والكثير من موظفي الدولة يؤيدون المبدأ القائل ان سرقة اموال الدولة حلال , فهؤلاء الموظفون هم من خلقوا فوضى توزيع الوظائف بسبب بلوغهم سن التقاعد وتمسكهم بمناصبهم وكأنها ملكية خاصة مدى الحياة فتجد هؤلاء يقودون مؤسسات ضخمة للدولة بجهل مطبق مع سبق الاصرار والترصد ويبيعون ويشترون كل شئي تحت تصرفهم وهذه العقليات تعمل بوضوح في مؤسسات التعليم خاصه التي بسبب السرقات خلفت وراءها حوالي 60% ممن يعانون من الامية ولم يتم القضاء على الجهل والفقر والمرض حتى الان ولا تتعجب ان رأيت بعضا من حاملي الشهادات يعملون في مجالات لا تمت بصلة لتخصصاتهم فربما تجد خريجي الجيولوجيا يعملون في الاوقاف وخريجي كلية القانون يعملون في المستشفيات .
اما السياسة في اليمن فهي بدون اتجاهات و جذورها تمتد حتى دول الجوار, فالحكومة الانتقالية ضعيفة بسبب الاختلافات في جوهر القضايا والصراعات الحزبيه وتبعية بعض بقايا النظام السابق وبعض رجال النظام الحالي الى اطراف خارجية في دول الجوار القريبه والبعيده اضافة الى الايدي الخفية للنظام السابق التي تعمل على خلق الازمات وعدم الاستقرار املا في الرجوع الى السلطة على حساب الفوضى الداخلية ولا عجب ان لا يتفق اليمنيين على حل المشاكل الداخلية بسبب رداءة الوضع السياسي وتذبذب مواقف الاحزاب من القضايا الوطنية الشائكة واتكالها في حل مشاكلها على التدخل الخارجي كما يحدث الان عن طريق تحضير لمؤتمر الحوار الوطني تحت اشراف الامم المتحدة المتمثل بمندوبها جمال بن عمر وبمشاركة اطراف تعمل بانفراد وفقا لمصالحها واجندتها عبر ممثلي الدول العربية والاجنبية في اليمن .
اماالمشكلة الجنوبية التي تتفاقم يوما بعد يوم لا تجد اذان صاغية بقياس حجمها وعمقها وذلك بسبب جهل الساسة في طبيعة الوعي الجنوبي الذي بدأ يخرج عن السيطرة والذي ربما يتجه نحو تمردا مسلح تجبر اقزام القبيلة والسلاح على الجلوس الى طاولة المفاوضات مع شخصيات سياسية لم تكن مرغوبه ولم تكن في الحسبان , مطالب الجنوبيين بالانفصال ظهر نتيجة لكثير من المظالم التي ظهرت بعد حرب 1994 وهي مطالب عادله غير ان البعض من الجنوبيين يرى ان حل القضيه الجنوبيه يجب ان يكون تحت سقف الوحده ومن ضمنها خيار الفيدراليه لكن المعضله تكمن في ان هناك البعض لايتعامل مع القضيه بطريقه حضاريه وهناك امثلة كثيرة لدول ومقاطعات تطالب بالانفصال لاتغرق في فوضى داخليه ولا تمد يدها للتدخل الخارجي لحل ازماتها فمقاطعة كاتالونيا الاسبانية والتي فاز فيها اليسارفي انتخابات البرلمان المحلي وهو الداعم لفكرة الانفصال عن اسبانيا يسعى وبطرق سلمية لتحقيق هدف الانفصال عن اسبانيا بينما هناك اصواتا في الاقليم تناضل وبطريقة حضارية لبقاء المقاطعة تحت الحكم الاسباني .
عجيبة هي اليمن فأبنائها يعيشون حالات من التوتر والازمات والصراعات وكأنهم على ارض من نار جعلت اثنين مليون يمني حسب الاحصائيات الرسمية يعانون من امراض نفسية وذهنية والسبب في ماسأتهم هو ضعف ادراك اللاعب السياسي اليمني لجوهر الازمات الداخلية المتعاقبة وحلولها وضعف شخصيته ومعارفه لكيفية تأسيس دولة القانون وماذا يعني الدستور والدمقراطية وتوازن السلطات الثلاث وصلاحية كل منهما للتخفيف من الضغوط النفسيه التي يعاني منها الكثير من اليمنيين.
اليمن للاسف لن تقوم له قيامة دون استثمار حقيقي في الانسان ووعيه وروحه وحتى جسده الذي لا يتحرك منه سوى الفم لمضغ القات فمعيشة الفرد في اليمن لاتستند الى الاسس الفطرية والطبيعية للحياة كونها تبدأ من الصفر وتنتهي بالصفر فدولة مثل اليمن يجب ان تدرج ضمن قوائم عجائب الدنيا كونها تسير دون قانون او نظام اوحتى اسس انسانية انما تسير على بركة الخالق . 
زر الذهاب إلى الأعلى