تحليلات

حوار مفخخ و اجندات متصارعة باليمن.. سقاف عمر السقاف

يمنات – متابعات  

على الرغم من أن الثورة الشعبية التي اندلعت في فبراير/شباط من العام الماضي (2011) تمكنت بفعل تضحيات الشباب وصمودهم من تغيير رأس النظام والإطاحة بالرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهذا في حد ذاته يعد إنجازًا تاريخيًّا ومهمًّا، إلا أن تركيبة النظام السابق وبنية المجتمع اليمني، بالإضافة إلى طبيعة الدور الخارجي ومصالح القوى الإقليمية والدولية في اليمن، لم تسمح بإكمال الفعل الثوري وإحداث تغيير جذري وشامل في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بل أدت إلى تسوية سياسية عكست موازين القوى الداخلية، وراعت توجهات الأطراف الخارجية، وهذا ما ولَّد استياء لدى بعض مكونات شباب الثورة، ولدى بعض الفاعلين غير الرسميين مثل جماعتي الحوثي في الشمال والحراك في الجنوب؛ حيث رأت هذه الأطراف إجمالاً، أن المبادرة الخليجية لا تحقق أهداف الثورة، ولا تلبي طموحها في التغيير، معتبرين انها مجرد آلية جديدة لإعادة تقاسم السلطة والنفوذ بين مراكز القوى السياسية والقبلية والعسكرية القديمة.

وانطلاقًا من هذا المقدمات، بات المشهد السياسي والأمني يموج بالكثير من التفاعلات والمتغيرات التي أفرزتها طبيعة الأحداث في الفترة الماضية، وكذا ظروف العملية الانتقالية في المرحلة الراهنة. وغدا المجال السياسي، في يمن ما بعد الثورة، محل تنازع عدة قوى ومكونات سياسية رسمية وغير رسمية يسعى جميعها لإعادة رسم خارطة التحالفات السياسية والحزبية والقبلية بما يعزز من حضورها ودورها المستقبلي في النظام السياسي الجديد قيد التشكل. وعليه، سيبحث هذا التحليل المكثف في ديناميات الصراع، وقواه، ومدى تأثيره على العملية السياسية الجارية وفق المبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن الدولي بشأن اليمن (2014 – 2051). أولاً: أبرز الفاعلين الرسميينفي حال تجاوزنا الفاعل الرسمي الأول والثاني في اليمن، وهما تباعًا: مؤسسة رئاسة الجمهورية ممثلة بشخص رئيس الجمهورية، وحكومة الوفاق الوطني ممثلة في مجلس الوزراء، باعتبارهما مؤسستين رسميتين ذواتي مهام وصلاحيات محددة نصت عليها الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية؛ فإن التحليل سينصبُّ على أحزاب اللقاء المشترك، وحزب المؤتمر الشعبي العام، كأبرز القوى السياسية الفاعلة والمؤثرة في المشهد السياسي الراهن، وكأطراف أساسية موقعة على المبادرة الخليجية.

 

  اللقاء المشترك: محاذير الصعود يعتبر اللقاء المشترك من القوى الصاعدة والمستفيدة من عملية التغيير والتسوية السياسية، وهو تكتل حزبي وسياسي معارض تأسس أواخر تسعينيات القرن الماضي من أحزاب ذات مرجعيات مختلفة دينية، وقومية، واشتراكية، بهدف التنسيق فيما بين مكوناته في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وفي نفس الوقت لمواجهة الحزب الحاكم الذي كان يستحوذ على كافة موارد الدولة ويوظفها سياسيًّا لصالح تثبيت بقائه في الحكم وإضعاف خصومه الآخرين. ويُعتبر حزبا التجمع اليمني للإصلاح، وهو التنظيم السياسي المنبثق من رحم حركة الإخوان المسلمين في اليمن، والحزب الاشتراكي اليمني، أكبر أحزاب اللقاء المشترك وأكثرها فاعلية؛ فالتجمع اليمني للإصلاح يمتلك قوة مادية ومعنوية كبيرة، وهو الحزب الأكثر تنظيمًا والأقوى حضورًا في الساحة اليمنية في هذه المرحلة، وقد شارك بزخم كبير في الثورة الشعبية من خلال قواعده وكوادره الشبابية، وهو اليوم ممثل بشكل جيد سواء في حكومة الوفاق أو في بقية دوائر صنع القرار، ومن المتوقع أن يلعب الحزب دورًا سياسيًّا أكبر في المستقبل، سواء في ظل بقاء تحالف اللقاء المشترك أو تفككه.

 

وبخصوص القطب الآخر في اللقاء المشترك وهو الحزب الاشتراكي، فهو يمثل قوة سياسة معتبرة في هذه المرحلة ويتمتع بثقل معنوي كبير، ولديه كوادر وطنية تتمتع بخبرات كبيرة في إدارة الشأن العام، كما أن الحزب يضفي صبغة مدنية وحداثية على تحالف اللقاء المشترك ويجعله أكثر قبولاً على المستويين الداخلي والخارجي. غير أن الحزب يعاني من بعض المشاكل التنظيمية والمالية، وكذلك من انحسار كوادره وشعبيته في المحافظات الجنوبية لاسيما مع تزايد النزعة الانفصالية هناك، وتمسك الحزب الاشتراكي بخيارات أخرى لحل القضية الجنوبية وفي مقدمتها خيار الفيدرالية من إقليمين. وبطبيعة الحال فإن استمرار صيغة تحالف اللقاء المشترك على المحك اليوم، خصوصًا مع وجود مؤشرات لبداية تصدع في هذا التحالف وتململ لدى بعض الأحزاب الصغيرة من هيمنة الأحزاب الكبرى على القرار السياسي في إطار هذا التحالف، كما أن الحزب الاشتراكي أبدى مؤخرًا امتعاضه أكثر من مرة من القرارات الرئاسية الخاصة بالتعيينات الإدارية في أجهزة ومفاصل الدولة الحيوية، وحذّر في بيان أصدرته الأمانة للحزب بتاريخ 12 سبتمبر/أيلول 2012 من مسألة الاستحواذ وإقصاء الشركاء في هذا الظرف بالغ الحساسية، وقال: إن هذا من شأنه أن يُخِلّ بالتوازنات التوافقية ويشوه مسار عملية التغيير السلمي، وقد بدا واضحًا أن الحزب الاشتراكي كان يغمز من ناحية استحواذ حزب الإصلاح وقوى تقليدية أخرى على نصيب الأسد في التعيينات الرئاسية بأجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة.

 

والواقع أن اللقاء المشترك يعاني من بعض التباين في رؤى ومواقف أحزابه من بعض القضايا الرئيسية في البلد مثل القضية الجنوبية، وقضية صعدة، فضلاً عن عدم وجود تصور مشترك تجاه العملية السياسية ومستقبلها أو تجاه عملية إعادة بناء جهاز الدولة بما يحقق أهداف الثورة ومتطلباتها. ولكن بالرغم من كل ذلك فقد أكد أكثر من قيادي، سواء في حزب الإصلاح أو في الاشتراكي على أهمية بقاء هذا التحالف لدورتين أو ثلاث انتخابية على الأقل، خصوصًا وأن التسوية السياسية في هذه المرحلة، والعملية الديمقراطية والتنموية في مراحل لاحقة، لن تنمو بشكل طبيعي إلا في ظل وجود تحالف سياسي ثقيل الوزن بحجم اللقاء المشترك. المؤتمر الشعبي العام أكبر الخاسر ينأما بخصوص الفاعل الرسمي المقابل للقاء المشترك في حكومة الوفاق الوطني، وهو حزب المؤتمر الشعبي العام، فيُعتبر من القوى السياسية الخاسرة والمتضررة من العملية السياسية التي يشهدها اليمن حاليًا، فبالرغم من أن الحزب لم يُصفَّ كباقي الأحزاب الحاكمة في بلدان الربيع العربي كمصر وتونس، إلا أن ثمة مؤشرات على تراجع دور الحزب السياسي في المستقبل؛ فالحزب لا يدير الدولة بشكل منفرد كما كان في السابق، ولم يعد قادرًا اليوم على استغلال موارد وإمكانيات الدولة وتوظيفها لصالحه، كما أن جزءًا مهمًّا من المؤسسة العسكرية التي كانت تدعم الحزب ورئيسه وتسند توجهاتهما السياسية تقف اليوم على النقيض مما كانت عليه في السابق، بالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من قياداته استقالت عقب اندلاع الثورة، ويومًا بعد يوم يفقد الحزب الكثير من شعبيته وتتصاعد حدة الخلافات بين أعضائه، لاسيما، وأن الرئيس السابق ما زال متمسكًا برئاسته ويعوق أي عملية بناء وتحديث بداخله.

 

ومع ذلك يظل بقاء حزب المؤتمر الشعبي كقوة حزبية فاعلة أمرًا مؤثرًا في الحفاظ على التوازنات السياسية الداخلية، وهناك حرص من القوى الإقليمية والدولية الغربية على استمرار الحزب وحضوره في المشهد السياسي اليمني، خصوصًا وأن هذه القوى تنظر إليه كحزب ليبرالي يضم بداخلة فئات وطبقات اجتماعية فاعلة مثل الأكاديميين ورجال الأعمال والشباب والمرأة ورجال القبائل. وبالتالي هناك فرصة مواتية لاستمرار دوره كحزب سياسي قوي في حال أعاد هيكلة نفسه وتخلص من الفاسدين والانتهازيين بداخله وتصرف كحزب سياسي صاحب مشروع وطني، وليس كأداة انتخابية تعمل لصالح فرد أو عائلة أو حتى قبيلة. ثانيًا: فاعلون غير رسميينيمكننا رصد أكثر من فاعل غير رسمي في الحالة السياسية اليمنية الراهنة، ولكننا سنركز هنا على أبرزها: جماعة الحوثي، والحراك الجنوبي، ومكونات شباب الثورة. والواقع أن قدرة هذه المكونات غير الرسمية على التأثير في الوضع السياسي يختلف من مكون إلى آخر بحسب عوامل القوة وأوراق الضغط التي يمتلكها. غير أن الملاحظ أن جميع هذه المكونات تعاني من مشكلات وتحديات مختلفة، وإذا لم تُعالَج هذه المشكلات بشكل أو بآخر، فإنها من دون شك ستضعفها وتحد من دورها السياسي في المستقبل.

 الحوثيون: موقف مبهم ودور ملتبسجماعة الحوثي التي خاضت ست حروب مع الدولة في فترات متقطعة بين عامي 2004 و2010، وكسبت تعاطف العديد من القوى السياسية والمجتمعية، تخوض اليوم مواجهات مسلحة ذات طابع مذهبي في أكثر من جبهة سواء مع القبائل التي تنتمي لحزب التجمع اليمني للإصلاح، أو مع مجاميع قبلية أخرى ترفض ما تسميه تمدد جماعة الحوثي وهيمنتها المسلحة على محافظة صعدة وبعض مديريات المحافظات المجاورة. وواقع الأمر أن جماعة الحوثي اليوم تلقى معارضة شديدة من قوى ومكونات سياسية ومدنية وقبلية عديدة، وذلك على عكس ما كان عليه الوضع في السابق.

ولعل رغبة التوسع، وفائض القوة الذي اكتسبه الحوثيون جرَّاء الحروب السابقة، ولَّد لديهم ردة فعل غير متوازنة جعلتهم يتمددون بقوة السلاح خارج محافظة صعدة على نحو مستفز ليس للدولة اليمنية وبعض المكونات المحلية وحسب، وإنما للدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن اليمني وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية. وقد ازدادت في الآونة الأخيرة حدة الانتقادات الرسمية الموجهة للدور السياسي الذي تلعبه جماعة الحوثي في اليمن وارتباط هذا الدور بسياسات جمهورية إيران الإسلامية المناوئة للسياسات الأميركية والسعودية في المنطقة. وفي هذا الإطار صرّح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي لمجلة فورن بوليسي الأميركية أثناء زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بأن اليمن يواجه ثلاث حروب غير معلنة تدار من قبل تنظيم القاعدة والقراصنة في خليج عدن، والحوثيين في الشمال. وبالرغم من أن جماعة الحوثي ترفض المبادرة الخليجية، وتعتبرها مؤامرة سعودية-أميركية على الثورة اليمنية، إلا أنها أبدت استعدادها للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم، وهذا ما يجعل الكثير من المراقبين يتساءلون: ما الذي يريده الحوثيون بالضبط؟ فهم يرفعون شارة الحوار بيد، ويمسكون السلاح باليد الأخرى.

بشكل عام تدرك جماعة الحوثي أن مساحة المناورة لديها تضيق يومًا بعد يوم، وأن رفضها للحوار الوطني يعني وضعها في دائرة الاستهداف المباشر داخليًا وخارجيًا. الحراك الجنوبي: يكون أو لا يكون برز الحراك الجنوبي بصورة قوية في العام 2007 على شكل مظاهرات وحركة احتجاج حقوقية نُظِّمت من قبل جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين، وانتهى به الأمر إلى دعوات سياسية تطالب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب؛ وبالرغم من اتساع قاعدته وعلوّ صوته، إلا أن الحراك يعاني من مشاكل كبيرة، فالانقسامات العديدة بين مكوناته وتياراته المختلفة أصبحت واضحة للعيان، وهذه الانقسامات لم تعد تتمحور حول العناوين الكبرى مثل طبيعة القضية الجنوبية والخيار الأمثل لحلها سواء بفك الارتباط أو بالصيغة الفيدرالية من إقليمين أو عدة أقاليم، بل أضحى الصراع يتمركز حول الزعامة والتمثيل، والأسوأ من ذلك أن بعض القوى الإقليمية وفي مقدمتها إيران والمملكة العربية السعودية دخلت على خط القضية الجنوبية، وبات الحراك الجنوبي محل تنازع بين هذه القوى، وهذا لاشك سيزيد من الانقسامات وسيضعف القضية الجنوبية، ما سينعكس سلبًا على التحضيرات الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012؛ فالقضية الجنوبية تمثل أولوية في الحوار الوطني، وبالتالي في حال استمر هذه الانقسام والتشرذم الجنوبي، وفي ظل غياب رؤية واضحة ومحددة لمستقبل هذه القضية وآليات معالجتها، فإنها ستكون العقدة الأكبر بالنسبة للحوار الوطني الذي من الصعوبة بمكان انعقاده، في ظل رفض القيادات الجنوبية للحوار وفق الصيغة المطروحة حاليًا، ودون وجود تمثيل حقيقي لمكونات الحراك الجنوبي فيه.

 

  شباب الثورة: قوة تتلمس طريقها يعتبر شباب الثورة، الذين قاموا بالفعل الثوري، وضحوا بحياتهم من أجل التغيير، قوة صاعدة من دون شك، ولا يمكن تجاهلها عند الحديث عن مستقبل اليمن؛ ولكن لابد من التذكير بأن شباب الثورة ليسوا كتلة واحدة، بل عدة ائتلافات ومكونات، منها الحزبية، ومنها المستقلة، ومنها من يتبع قوى مجتمعية وسياسية أخرى، وهناك الكثير من التباين في مواقفهم وتوجهاتهم، فمنهم من يرفض التسوية السياسية ويعتبرها خيانة لدماء الشهداء وإجهاضًا للثورة الشبابية، ومنهم من يؤيدها من منطلق أنها أفضل الخيارات المتاحة التي ستنجز التغيير بأقل التكاليف والتضحيات، كما أن الشباب مختلفون بشأن مسألة الشروع في خوض غمار العمل السياسي، فبعض التكتلات يرى أهمية تكوين أحزاب سياسية في هذه المرحلة، وقد فعلت، بينما فضّل القسم الآخر من الشباب الإبقاء على الطابع الثوري، حتى نهاية المرحلة الانتقالية على الأقل، والحال أن محافظة الشباب على قدرة استعادة الفعل الثوري في أي لحظة تعتبر من الضمانات الأساسية للضغط على الأطراف المعنية لإنجاز التسوية السياسية؛ فالشباب وإن اختلفوا في الأفكار والتكتيكات، إلا أنهم مجمعون على استكمال تحقيق أهداف ثورتهم السلمية، وهذا الأمر يتوقف على مدى تماسكهم وقدرتهم التنظيمية في المستقبل، ومع ذلك، هذا لم يمنع ائتلافات شبابية ضخمة من التحضير للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني القادم، وهي الآن تبلور رؤاها وأفكارها للمساهمة في وضع حلول لمشكلات اليمن المزمنة، والمشاركة في رسم ملامح اليمن الجديد.

 قوى وتحالفات جديدة على ضوء المتغيرات السياسية التي أفرزتها العملية الانتقالية نشأت تحالفات جديدة بين قوى ومكونات سياسية توافقت مصالحها وأهدافها في هذا التوقيت، ومن أبرز هذه التحالفات غير المعلنة، تحالف بقايا النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، مع جماعة الحوثي، وبعض فصائل الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط؛ وفي هذا الإطار أشارت بعض التقارير الصحفية إلى أن الرئيس السابق علي صالح يجري مشاورات مكثفة مع قيادات بارزة سواء في الحراك الجنوبي أو في جماعة الحوثي بغية تشكيل جبهة موحدة بدعم إيراني في مواجهة النفوذ المتنامي لحزب الإصلاح الإخواني، وحليفه القوي اللواء الركن علي محسن الأحمر قائد معسكر الفرقة الأولى مدرع، كما ذكرت مصادر أخرى أن صالح منح تسهيلات عسكرية للحوثيين من بينها أسلحة تخص الحرس الجمهوري التي يقودها نجله الأكبر حتى الآن. ولعل العامل الأساسي في تقارب هذه القوى هو عدم قبولهم بالتسوية السياسية ونتائجها التي تضعفهم وتقوي خصومهم التقليديين -كما يعتقدون- سواء داخل اليمن أو خارجها، وبالتالي تعمل هذه القوى وتنسق فيما بينها من أجل إفشال التسوية المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، ومن ثَمَّ محاولة العودة باليمن إلى مرحلة ما قبل التوقيع على المبادرة الخليجية.

وفي مقابل هذا التحالف عُقد، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2012، المؤتمر الاستثنائي لقبائل اليمن، وذلك بمباركة واضحة من قبل المملكة العربية السعودية، فناقش المؤتمر الذي حضره عدد كبير من زعماء القبائل اليمنية مسألة إنشاء جبهة موحدة لمواجهة ما سماه بالتدخلات الإيرانية في اليمن، وطالب زعيم قبائل حاشد، الشيخ صادق الأحمر، الذي رأس المؤتمر بإسقاط الحصانة القضائية الممنوحة للرئيس السابق، وحذّر جماعة الحوثي والحراك الجنوبي من مغبة الاستمرار في اللجوء إلى العنف وفتح جبهات جديدة للصراع حسب زعمه متوعدًا بمواجهتهم بنفس منطقهم. وقد أثار هذا التصريح موجة غضب كبيرة لدى الشارع اليمني خصوصًا في الجنوب وفي صعدة، واعتبره العديد من السياسيين مؤشرًا لبداية صراعات عنيفة قد تخلط الأوراق وتربك العملية السياسية مجددًا. إذن من الواضح أن الصعوبات والمشاكل التي تواجه العملية السياسية في اليمن كبيرة جدًا، فبخلاف التحدي الأمني والاقتصادي الذي يشكّل تهديدًا مستمرًّا لاستقرار اليمن، هناك حالة من عدم الثقة بين القوى السياسية، ومحاولات حثيثة من قبلها للاستئثار والتفرد بالقرار السياسي ما يزيد من صعوبة الأوضاع ويجعلها أكثر تعقيدًا. مؤتمر الحوار الوطني ومستقبل اليمن بالنظر إلى العملية السياسية الجارية اليوم فإن نجاحها يتوقف على نجاح مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده قريبًا، خصوصًا وأن المؤتمر سيناقش قضايا جوهرية، ولكنها خلافية في نفس الوقت، فالقضية الجنوبية على سبيل المثال تعد من أكثر قضايا الحوار تعقيدًا، علاوة على أن الكثير من القوى الجنوبية مترددًا في مسألة خوض الحوار الوطني، وهنالك تباين كبير بشأنه ليس فقط على مستوى الحراك الجنوبي المنقسم على نفسه، ولكن حتى بين أحزاب اللقاء المشترك نفسه، فحتى الآن لا توجد لدى أحزاب اللقاء المشترك رؤية واضحة ومحددة تجاه القضية الجنوبية، ولا يُستبعد أن يؤدي التباين في وجهات النظر بين أحزاب اللقاء المشترك سواء حول القضية الجنوبية أو حول مسألة الدستور وشكل الدولة إلى تفاقم الخلافات خصوصًا بين حزب التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني، وهذا ما قد يهدد صيغة تحالف اللقاء المشترك برمتها، وبالتالي سيؤثر ذلك سلبًا على مؤتمر الحوار الوطني كون اللقاء المشترك طرفًا رئيسيًّا فيه.

 

أما بخصوص قضية صعدة، فإن الحوار الوطني سيختبر نوايا جماعة الحوثي حول خيارات الحرب والسلام، وبالتالي ليس أمام الحوثيين سوى وضع رؤيتهم السياسية حول معالجة قضية صعدة والآثار النفسية والسياسية والاقتصادية التي خلّفتها الحروب السابقة، وذلك في مقابل تسليم الجماعة سلاحها للدولة، وفي حال رفض الحوثيون ذلك تحت أي مبرر، فإن ذلك سيعقّد الأمور، وسيدفع الجميع نحو المواجهة التي لا تُحمد عقباها.وبطبيعة الحال سيكون لشباب الثورة بمكوناته المختلفة دور أساسي في الحوار الوطني، وستحاول هذه المكونات تحقيق ما تبقّى من أهداف الثورة عبر الحوار الوطني، ومن المتوقع أن تلعب دورًا إلى جانب القوى المدنية الأخرى باتجاه منع سياسة المحاصصة بين القوى التقليدية والقبلية وإعادة إنتاج أدوات النظام القديم بصورة أو بأخرى، وهذا لن يتأتى لها إلا عبر التمسك بخيار تأسيس دولة مدنية ديمقراطية وحديثة.

عمومًا يمكن القول بأن المبادرة الخليجية الموقَّع عليها في الرياض بتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2011 من قبل جناحي النظام السياسي السابق (السلطة والمعارضة)، وإن كانت لم تستجب بما فيه الكفاية للفعل الثوري ولتضحيات الشباب في ساحات وميادين التغيير، إلا أنها في المقابل أرست قواعد للتغيير وفق آليات واضحة وفترات زمنية محددة، وهيأت أرضية خصبة لتفاعلات سياسية واجتماعية أفرزت قوى وتحالفات سياسية جديدة. وبالتالي، فإن نجاح المبادرة الخليجية اليوم لا يتوقف فقط على التزام الأطراف المعنية داخليًا وخارجيًا بتطبيق كامل بنودها، وإنما يتوقف أيضًا على سياسات بقية الفاعلين، ومدى انسجامها مع متطلبات وأهداف العملية السياسية الجارية الآن.

 

وفي هذا الإطار يمثل مؤتمر الحوار الوطني بالرغم من كل تعقيداته ومشاكله فرصة مهمة لليمنيين من أجل صياغة عقد اجتماعي جديد يحفظ للجميع حقوقهم، ويضمن لهم المشاركة في السلطة والثروة، وفق ضوابط ومعايير سياسية وقانونية تسري على الجميع، وتحقق لليمن الأمن والاستقرار، أما إن فشل المؤتمر في التوصل إلى توافق حول أهم القضايا الخلافية، فإن اليمن لن يبارح حالة الفوضى، وسيدخل في دوامة جديدة من الصراعات والحروب، وسيتزايد نشاط الجماعات «الإرهابية» على وقع الفوضى المحلية والتدخلات الخارجية.

عن مركز الجزيرة للدراسات

*باحث سياسي يمني.

زر الذهاب إلى الأعلى