تحليلات

ثورة في اليمن: أطيح بها.. ولم تُطح بالنظام

يمنات – الوسط

ذكر مركز الدراسات الدولية (عدن) في تقريره الثاني بعنوان (ثورة في اليمن: أطيح بها.. ولم تطح بالنظام).

وتناول المركز -في نشرة صادرة عنه وزعت بشكل محدود عبر البريد الإلكتروني في مقالة دراسية قدمها كمساهمة في قراءة لواقع اليمن بعد عامين من ثورة التغيير اليمنية، وذكرت الدراسة: أن ما تمسى ثورة التغيير في اليمن وأحلام شبابها, قد أعادت إنتاج الماضي, واستبدلت الظلم القديم بظلم جديد ومعالم المجهول القادم, وعدم الأمن والاستقرار, فلم تتغير الوجوه من المشهد السياسي, فربما ما حصل قد أعاد الشباب إلى مربع الخضوع والهزيمة من جديد.

وأشار المركز إلى أن ما تسمى ثورة في اليمن قد نجحت في إزاحة "صالح" من كرسي الحكم، ولكنها أبقت عليه في السلطة والنظام، مشيراً إلى أن هذه الثورة قد وضعت اليمن تحت الوصاية الدولية وساحة صراح اقليمي، وهذا نصها:

مدخل:

الثورة في مفهومها العام تقود إلى تغيير متكامل جذري في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للإنسان، والثورة تنهي مرحلة كاملة من الماضي وتنطلق باتجاه جديد وبقوى من الحاضر نحو المستقبل.

أما عملية الهبة الشعبية المؤقتة والإطاحة برأس النظام والعمليات التجميلية للسلطة وتبادل الادوار في منظومة الحكم فهي بعيدة جداً عن تسمية الثورة كما أسلفنا في مفهومها العام كبقية الثورات التي قامت على سبيل المثال الثورة الفرنسية والروسية والصينية أو ثورات التحرر العربي في مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي أخرجت الاستعمار من دولها.

فالثورة تنتج متغيرات حقيقية في إعادة توزيع الثروات والسلطات السياسية، وليس إعادة هيكلة ما هو موجود.

ثورة في اليمن:

ما تسمى ثورة في اليمن لم تنه حقبة ولم تنه منظومة سابقة ولم تقم بأي عمل ثوري لتغيير حياة الانسان . ماتم على أرض الواقع هو خروج شخص واحد من السلطة، هو الرئيس علي عبدالله صالح، ولكن تم الابقاء عليه وعلى حزبه وأصبح جزءاً من النظام.

فالنظام هو السلطة الحاكمة والمعارضة, فصالح ما زال رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام في اليمن وشريكاً بنصف السلطة من خلال حكومة التوافق اليمنية، لذلك فالتغيير لم يشمل أي شيء في منظومة النظام.

حتى نكون واقعيين في طرحنا وحاضرين من خلال ما جرى ويجري على واقع الارض، فإذا أخذنا أبسط النماذج الاخرى مثل الانقلابات، فهي تؤدي إلى سقوط السلطة السابقة ووصول آخرين إليها، وقد يحدثوك بعض التغييرات في العمل السياسي للبلد أو يأخذون الدور السابق للسلطة عندما ارتأوا أن السلطة أصبحت ضعيفة ويمكن الوصول إلى كرسيها, فكيف بمفهوم أعمق وأكبر للثورة، وكما أشرنا بالتغيير الجذري والكامل ليس فقط في الحكم والسلطة والمعارضة، وإنما إحداث ثورة اجتماعية وثقافية متكاملة في حياة الانسان.

هل ما حدث في اليمن ثورة؟

في هذا السؤال يبحث التقرير عن إجابة لمفهوم الثورة ويعطي لها بعداً فلسلفياً، حيث ينفي أن ما حدث في اليمن هي ثورة أو حتى انقلاب، وإنما كانت هبة عشوائية لا قيادة لها، لعدة أسباب، وهي اجتماعية واقتصادية، حيث يسرد التقرير ويقول: كان عامل العيش والعوز والظلم والفقر وعدم المساواة هو أساسها. حيث خرج الشباب فيها إلى الشارع لاسقاط النظام ولم يكن لديهم أية فكرة عن وجود استراتيجية وتكتيك للوصول إلى الهدف النهائي, فكانت المطالب تصب في شخص واحد وهو رئيس النظام علي عبدالله صالح ورحيله عن الحكم.

إن مقارنة الوضع الثوري بين اليمن ومصر وتونس وليبيا وما يحدث في سوريا رغم الضعف الثوري في تلك البلدان ووصول أحزاب المعارضة السابقة أو المنفية في الخارج للسلطة يعتبر أحدث نقلة نوعية في تغيير منظومة الحكم في تلك البلدان مقارنة باليمن.

ثورة اليمن والقبيلة

الحالة اليمنية تختلف عن سابقاتها من دول الربيع العربي فما زالت القبيلة تلعب الدور الاساسي في الحياة السياسية والاقتصادية من خلال منظومة تم العمل عليها منذ انقلاب 26 سبتمبر 1962 واحتواء قبيلة حاشد السلطة، وأصبح لهم الحق في الثروة وصناعة الزعماء وما أشبه الامس باليوم رغم التباين الحادث بين أفراد القبيلة والصراع على كرسي الزعامة، ولكن يبقون على أن الحكم والثروة والسلطة والنفود يجب أن يبقى تحت سيطرة القبيلة .

إن الصراع القائم بين القبيلة قد تطور وأصبح صراعاً ثنائياً في المرحلة الاولى منه بين القبيلة بزعامة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والأسرة من القبيلة بزعامة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ، اختلفت بينهم التحالفات حسب المصلحة والتسابق على السيطرة على الثروة والنفوذ وخوف القبيلة من التوريث الأسري ودخول طرف آخر في اللعبة وهم الحوثيون.

الحوثية اعتبرت أنها الوريث الحقيقي للزيدية والتي تشمل القبيلة ببعدها المتوسط، والاسرة ببعدها الصغير, هنا برز صراع المذهب "القبيلة والأسرة" وأحقية كل طرف في الحكم, خاضت الأسرة والقبيلة العديد من الحروب ضد الحوثية والخوف من قوة نفوذها ووصولها إلى السلطة والسيطرة على الحكم .

 

من جانب آخر كان دور التنافس بين القبيلة والاسرة قد وصل إلى مرحلة لا يمكن العودة عنها, فاختارت القبيلة بقيادة أولاد الشيخ " الاحمر" واللواء المنشق علي محسن الأحمر طريق إبعاد "صالح" عن الحكم ككبش فداء وانتهاء دورة، والإبقاء على تلك المنظومة بكاملها في يد القبيلة كما كانت في كل سابق عهودها.

استطاع أفراد الأسرة والقبيلة (الحاشدية) من تكوين نفوذ عسكري كبير وقبلي ومنظومة من الأحزاب يسيطرون عليها كما كان لصالح المؤتمر الشعبي العام كان لأولاد الشيخ واللواء المنشق حزب الاصلاح اليمني .

أدرك الإصلاح والمؤتمر، ونقصد هنا علي صالح وأولاد الشيخ واللواء المنشق، أن الهبّة الشعبية في اليمن رغم عشوائيتها قد تتمكن من الإطاحة بهم جميعا رغم الخلاف والاختلاف بينهم، ولكن ابقوا على الخطوط الحمراء التي لا يمكن أن يتجاوزها أي طرف من الأطراف لإبقاء الوضع تحت السيطرة (الحاشدية) للحكم.

تم الالتفاف على الهبّة الشعبية لما يسمى (ثورة التغيير) في اليمن من خلال مبادرة تم إنتاجها والتوافق عليها مسبقا في صنعاء وإخراجها من قبل الجارة الكبرى السعودية لتصبح مبادرة خليجية وبعدها دولية وبقرارات من مجلس الأمن الدولي وتحصر الصراع بين علي صالح (المؤتمر الشعبي العام ) وعلي محسن وأولاد الشيخ (التكتل اليمني للإصلاح) مع إعطاء أدوار هامشية لشخصيات من ضمن المنظومة المسموح بها كالاشتراكي ياسين نعمان والدكتور الارياني والآنسي وغيرهم.

شباب الثورة:

أخفق الشباب والنخبة اليمنية من الاستفادة من بوادر الهبّة الشعبية الكبيرة لتصبح ثورة تطيح بالنظام السابق وتعمل -كما أشرنا- على تغيير جذري في حياة الإنسان وحريته.

حيث أصبحت كلمة الثورة والانضمام إليها وحمايتها من الكلمات المألوفة والمبهمة في اليمن, ولكنها كفكرة أُسيئ إليها واستخدامها من قبل بقايا النظام الذين حاصروا تلك الكلمة لتصبح بعدها ثورة هم قادتها وهم من يتحكم في مصيرها بالطريقة التقليدية اليمنية .

فاليوم يعلنون أن الثورة اليمنية حققت إنجازات عظيمة ومهمة بتغيير النظام وإخراج صالح من الحكم , فيستمر سيطرة الأسرة والقبيلة عن مسمى الوضع الثوري في اليمن من خلال غضب هنا وغضب هناك يُراد منه توجيه ضربة معينة من خصم إلى آخر في الإطار نفسه، وباستخدام تلك الأدوات المسيطر عليها من طرفي الصراع.

المبادرة الخليجية تعيد توزيع أدوار الصراع

المبادرة الخليجية المفصلة على قياس الأسرة والقبيلة والتي أعطيت للرئيس المؤقت التوافقي في اليمن من قبل طرفي الصراع إنما هي عملية شكلية لا تقدم ولا تؤخر بشيء على الواقع العملي والحياتي لشعب اليمن اليوم أو على مدى المستقبل القادم المنظور، لذلك ستبقى أدوات الصراع وأدوات التحكم والسيطرة والنفوذ والقوة والجيش والاقتصاد بيد القبيلة والأسرة وتحالفات جديدة، كما رأينا في الأيام الماضية، بين الاسرة والمذهب المتمثل بالحوثيين، حيث ستتوزع الأدوار بين تلك الأطراف على المدى البعيد وما سيخرج عنه الحوار اليمني لن يكون له أي تواجد على أرض الواقع اليمني سوى أوراق كتبت من حبر واتفاقيات شكلية لا تنفذ لعدم وجود دولة الشعب ومؤسسات وإدارة أنظمة كما هو متعارف عليها في الدول الاخرى .

وهنا يمكن التأكيد على أن الفرصة الذهبية التي كان بإمكان الشعب السيطرة على مقاليد الحكم في اليمن ويدير دفة الحكم والسلطة العليا وينتخب من ينوب عنه ويمثله في السلطة لكي يخدمه وينفذ التغيير الثوري الحقيقي على المدى القصير والبعيد تحت نظام ديمقراطي وتبادل سلمي للسلطة بعيداً عن صراع النفوذ وسيطرة القبيلة قد انتهت وضاعت تلك الفرصة، فالثورة ليست هياكل جاهزة نمتطيها متى شئنا ونسمي أنفسنا ثواراً دون أن نحقق المعنى الحقيقي للثورة .

أزمة ثورة:

إن الأزمة المزمنة في تاريخ اليمن منذ قرون نتيجة تراكمات عديدة جداً, تخلف استبداد وقسوة الحكام, وعدم وجود الرؤية الواضحة المبنية على الهدف النهائي كانت من أهم أسباب فشل الهبّة الشعبية الكبيرة في اليمن وتم القضاء عليها قبل أن تتحول إلى ثورة حقيقية.

فقد كان هناك اعتقاد سائد في بداية الهبة الشعبية اليمنية أن النخبة قد حزمت أمرها ولتكون على رأس الثورة من خلال مشاركاتها الفاعلة أولاً في الميدان، والتي أعتقد أنها كانت تطالب بالوصول إلى الحسم الثوري الكامل إلى نهايته، إلا أنها افتقدت للحد الأدنى من القيم اللازمة للوصول لتلك الاهداف ودخولها في حلبة من الصراع لصالح أحزابها بوعي أو بدون وعي وفي محصلتها خدمة أطراف التنافس المؤتمر (علي عبدالله صالح ) والتجمع اليمني للإصلاح (أولاد الشيخ الاحمر واللواء المنشق علي محسن)، وإعادة عجلة التاريخ إلى الخلف وإلى نقطة البداية.

ما هو التغيير الذي حدث باليمن؟

1- إذاً لنتمعن جيدا في الأمر ما هو التغيير الحادث؟؟.. إزاحة "صالح" من منصب رئيس في السلطة إلى شريك بالنظام, فأصبح نائب الرئيس رئيسا توافقياً لأطراف السلطة والمعارضة (عبدربه منصور هادي) النائب السابق للرئيس صالح والنائب الحالي للرئيس صالح في المؤتمر الشعبي العام.

2- لم يحدث أي تغيير في النظام وتوزيع الثروة والقضاء على احتكارات ونفود" صالح" ومعاونيه ونفوذ علي محسن وأولاد الشيخ ولم يتم إعادة أي شيء من سطوتهم على الأرض والتجارة والنفط والوكالات.

3- القيادات العسكرية التابعة للرئيس السابق واللواء المنشق وغيرهم من الفاسدين والنافدين ما زالوا في مواقعهم العسكرية السابقة ومن تم استبداله أُعطي منصباً آخر لا يقل عن السابق

4-النظام مصطلح شامل تدخل فيه السلطة والمعارضة، فالمعارضة اليمنية أصبحت شريكاً في السلطة مع السلطة السابقة تتناصف في حكومة الوفاق اليمنية المشكلة تحت بنود الاتفاقية الخليجية برئاسة "باسندوة".

5- بعد عام مما يسمى "ثورة التغيير" في اليمن أصبح أسر الشهداء والجرحى ضحايا، وأصبحت مطالب الجرحى العلاج ومطالب أسر الشهداء إعانة شهرية وليس تحقيق مطالب ثورية ضحّى من أجلها هؤلاء.

6-أهم عوامل الدخل القومي والاقتصاد ما زالت تحت سيطرة نفس القوى أكانت في السلطة أو المعارضة السابقة.

7- نتائج أخرى لما يسمى ثورة التغيير:

أ-وصول رئيس تابع لا يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة ضد النظام السابق بشقية سلطة ومعارضة.

ب- رئيس وزراء في سن الشيخوخة يتبع نفوذ الشيخ الأحمر واللواء المنشق ويأتمر وينفذ أوامرهم لأن هؤلاء من أوصلوه إلى السلطة.

ج- انهيار تام في الدولة الهشة التي ستؤول إلى السقوط الحتمي مع استمرار التدهور الكامل في الحياة المعيشة وفقدان الأمن وحالة الانقسام في الجيش والأمن والتبعية القبلية للأطراف المختلفة.

د- تهريب الأموال وهروب رأس المال المحلي والشركات العاملة في اليمن وهروب الاستثمارات.

هـ- طباعة العملة المحلية كما قال الرئيس المؤقت عبدربه منصور إنه تم طباعة 27 مليارد ريال دون غطاء نقدي.

و- تدمير متعمد للبنية التحتية وضرب محطات توليد الكهرباء وخطوط وإمدادات الغاز والنفط وعدم مقدرة الدولة وقف تلك الهجمات وتكرارها بشكل شبة يومي

ز- استطاع مجموعة من الأفراد في الأشهر السابقة من اقتحام مبنى وزارة الداخلية اليمنية خلال دقائق معدودة وعبثوا بها واحرقوا الكثير من الأرشيف السري، ونهبوا كل شيء فيها حتى كرسي الوزير لم يسلم، فهؤلاء أرسلوا رسالة مهمة أن باستطاعتهم السيطرة على أكبر وأهم مؤسسة أمنية تحمي الشعب والأمان في البلد.

ح- صراع بين الرئيس التوافقي ورئيس حكومته, حيث قال" باسندوة" الرئيس يصدر التعليمات والتعيينات بدون العودة أو الاستشارة معي ويعرف عن ذلك من خلال الصحف كغيره من المواطنين.

ط- انتشار ظاهرة القتل وخاصة للقيادات الميدانية والعسكرية النشطة والمؤثرة في قضايا الإرهاب والعمل الاستخباراتي وقيادات تم تعيينها في الوقت الأخير من قبل الرئيس هادي تعتبر رسالة من قبل طرفي الصراع صالح واللواء للرئيس هادي أن هناك خطوطاً حمراء على عدم تجاوزها من قبله.

ي- انتشار عناصر القاعدة في عدد من المدن والمناطق ونقل الصراع بين اللواء وصالح إلى مناطق أخرى، ودعم تلك العناصر الارهابية بمعلومات استخبارية وتزويدها بالمال والسلاح، حيث استطاعت قتل عدد من القيادات، وبدون الدعم اللوجيستي لا تستطيع تنفيذ تلك العمليات.

ك- انقسام الجيش بين طرفي الصراع والسيطرة التامة وشبة الكاملة على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والصحافة من قبل طرفي الصراع وتهديدات واعتقالات لصحفيين وإعلاميين من قبل -أيضاً- طرفي الصراع.

ل-ضرب بقوة أي تحركات أو مسيرات من قبل ما تسمى القوى الثورية لشباب ثورة التغيير وخاصة في تعز من قِبل طرفي الصراع.

 

بعد عام على الثورة في اليمن

يمكننا اليوم بعد أن عددنا الكثير من أسباب الانهيار القادم في اليمن الجزم أن الوضع الحالي للتغيير وثورته وبعد عام منها أصبح اسوأ مما كان عليه في السابق، لقد أصبحت الحالة اليمنية فريدة من نوعها وفريدة في ثورتها، حيث أصبحت المعارضة تتقاسم السلطة مع من ثاروا عليهم، وأصبح اليوم وضعاً غير طبيعي بعد تقاسم السلطة بين تلك الاطراف, حيث وجدت في السابق معارضة تمثله باللقاء المشترك رغم شكليتها البسيطة وتبعيتها الدائمة للسلطة من خلال الأفراد الذين يسيطرون عليها وقربهم من السلطة السابقة برئاسة "صالح" .

اليوم الحالة اليمنية بعد ثورتهم أصبح الكل في الحكم والسلطة ولا توجد معارضة في الشارع وجزء من النظام القائم, ويصبح بذلك أن الكل سلطة وليس نظاماً مكتملاً فيه سلطة ومعارضة، وهذه من الأخطاء الكبرى للهبّة الشعبية التي لم تستطع أن تجد لها قيادة نحو ثورة شاملة.

العامل الخارجي

عند بدء الهبّة الشعبية الكبرى في اليمن أعتقد الإقليم أن تلك الهبّة الشعبية تستطيع أن تتحول إلى ثورة حقيقية تطيح بالنظام السابق وتحدث تغييراً جذرياً في حياة الإنسان وحريته وحياته وفي الاقتصاد والسياسة وتنهي حقبة من الزمن والفساد والسلطة والنظام والمعارضة الشكلية وإنهاء حكم تلك المنظومة السابقة والتحليق إلى عالم جديد والقضاء على الفساد وحكم الشيوخ والعسكر والنافذين والقضاء التام على كل تلك الأصناف وارتباطاتها بالخارج.

سارعت العربية السعودية ودول الخليج العربي على الإسراع لاحتواء الموقف من خلال نفوذها القوي وتبعية الأطراف المتصارعة تاريخيا لها, حيث تم إخراج مبادرة سعودية، ولكن قبل ذلك كانت أصلها اليمن وبين طرفي الصراع أنفسهم.

حيث تم الاتفاق عليها بين الرئيس صالح واللواء علي محسن وأولاد الشيخ الاحمر لتتحول بعدها كما أراد المخرج لمبادرة سعودية، وحينها أصبحت خليجية وتتابعت مجرياتها لتخرج مبادرة خليجية وبقرارات إلزامية من مجلس الأمن وإشراف الدول العشر عليها وعلى آلية التنفيذ، لذا فالمبادرة أتت للقضاء على بوادر ثورة والخوف من امتدادها إلى المنطقة، أنتجت المبادرة رئيساً توافقياً بإرادة ضعيفة من قبل طرفي الصراع ولمدة عامين

حكومة مناصفة بين طرفي الصراع

المبادرة قضت على الهبّة الشعبية ومطالبها، بل إن المبادرة ألزمت الهبّة الشعبية على التوقف ووقف التظاهر وإخلاء جميع الساحات الشبابية والاعتصام وغيرها، وأعطت الضوء الاخضر لطرفي الصراع بضرب أي تحركات وآخرها ما حدث للجرحى أمام مجلس الوزراء والاعتداء بالضرب على نائب برلماني يمني.

كذلك حصانة للرئيس وكل من رافقه وعمل معه خلال فترة حكمه والإبقاء عليه في الوطن ورئيساً لحزب ومناصفاً في الحكومة، وأيضا حصانة للآخرين من اللواء وأولاد الشيخ.

اليمن تحت الوصاية الدولية:

أي أنه استطاع الإقليم والغرب الحفاظ على مصالحه الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية من خلال تلك المبادرة والحفاظ على عناصر الحكم والسلطة التي يستطيع العمل معها وتحفظ له مصالحه واستخدامها في ظروف وأزمان معينة لأغراض سياسية أو غيرها حسب متطلبات المراحل، حيث أصبح اليمن تحت الوصاية وبقرارين صادرين عن مجلس الأمن الدولي وقبلها بأعوام قرار محاربة القرصنة، حيث سمح قرار محاربة القرصنة للقوات الدولية الدخول إلى كل الممرات البحرية اليمنية والعمل فيها وضرب أي مشتبه والتحكم بحركة سير الملاحة البحرية والتجارة وحتى قوارب الصيد الصغيرة، أي السيطرة على البحر، واليوم قرار سيطرة على اليمن وجعلها تحت الوصاية الدولية.

مظاهر الوصاية الدولية

– استفاد الامريكان من الوضع الحالي لليمن وسمح لها بالتدخل المباشر والكامل في شؤون البلد والناس وإصدار التعليمات للدولة رئيس وغيرهم والتحكم بالقرار الداخلي لليمن،

والسماح للأمريكان بضرب أية منطقة يتواجد فيها أفراد من القاعدة بطائرات دون طيار.

– إقامة قواعد عسكرية في اليمن وهناك تواجد حالي عسكري للأمريكان في قاعدة العند إلى جانب قوات من المارينز في صنعاء لحراسة السفارة الامريكية. وتقارير عن نية إقامة ثلاث قواعد عسكرية أمريكية في اليمن.

– قامت المملكة العربية السعودية وخلال الأزمة بين طرفي الصراع من احتلال أكثر من خمسين جزيرة يمنية، وأقدمت قطر وبمساعدة من أرتيريا على إعادة احتلال ارخبيل حنيش بالكامل.

– دخل اليمن في الصراع الإقليمي والعالمي من خلال أن يصبح اليمن ساحة للصراع بين تلك الأطراف، حيث أقدمت قطر على التنافس الكامل ومحاولات سحب البساط من السعودية، ودعمت اللواء الأحمر بالمال والإعلام لإسقاط صالح حليف السعودية وإيجاد قدم لها في اليمن بوصول حزب الإصلاح للسلطة.

-اقوى دولتين في المنطقة وهما تركيا وإيران دخلتا على خط صراع المصالح في اليمن والبعد الاستراتيجي الاقتصادي والسياسي لكل تلك الدول.

-نقل الصراع بين السعودية وإيران وقطر وتركيا وغيرها إلى اليمن، ويكون الصراع بأيادٍ يمنية تابعة لكل بلد وحلف.

-أصبح الغرب، وخاصة امريكا وبريطانيا وفرنسا، المسيطر الاساسي على ثروات اليمن من خلال السيطرة على الثروة النفطية عبر العديد من شركاته العاملة بتلك الحقول وبمساعدة من المتنفذين كرئيس السلطة السابق واللواء والشيخ.

-يخطئ من يعتقد أن هناك من تلك القوى كانت إقليمية أو غربية أو تحت قرار مجلس الأمن تسعى للحفاظ على اليمن ونشر العدل والمساواة والديمقراطية وإقامة دولة مدنية، كل تلك المصطلحات هي الوهم، لأن قيام دولة ديمقراطية ومدنية ليس من مصلحة دول الجوار ولا من مصلحة الغرب.

يحق لنا التساؤل في الأخير والمحصلة، ماذا بقى من الهبّة الشعبية أو ثورة التغيير في اليمن وأحلام شبابها.. لقد أعادت تلك الثورة إنتاج الماضي, واستبدال الظلم القديم بظلم جديد ومعالم المجهول القادم, وعدم الأمن والاستقرار, فلم تتغير الوجوه من المشهد السياسي, فربما ما حصل قد أعاد الشباب إلى مربع الخضوع والهزيمة من جديد, أن الثورة نجحت في إزاحة صالح من كرسي الحكم ولكن ابقت عليه في السلطة والنظام.

زر الذهاب إلى الأعلى