فضاء حر

وزارة “سنام الجمل” للتربية والتعليم

يمنات

أتتني ابنتي قبل أيام وهي تلهث، وبحجاب "مشعفل"، ماذا جرى لكِ، لقد خرجتِ في الصباح مرتبة ؟ هل ذهبت إلى المدرسة أم إلى غزوة جهادية هزمت فيها ؟ ومن كان عدوكم، أمن فيلق خيبر أم فيلق الصليبيين ؟ أم كنتِ ضمن مجاهدات موقعة الجمل، وهل كنتِ في صف عائشة أم علي؟

ردت بعصبية ساخرة: نعم كنا في موقعة الجمل 2013 ، وبالأخص مع سنامه. لقد كان في مدرستنا اليوم حملة تفتيش “مداهمة” على شعرنا ، سقط على إثرها العديد من الفينوكات والقباضات ما بين شهيد وجريح.

كيف تتحول بناتنا إلى خاطئات وناقصات دين ، أخلاق وشرف ، في حضرة "قباضة" وفينوكة شعر !! لقد قالت إحدى وكيلات مدارس البنات : "سمعة المدرسة في الحضيض" بسبب قباضات "سنام الجمل"، أين نودّي وجوهنا من الخلق ؟! ثم صنفت الطالبات إلى مؤدبات وقليلات حياء، فالرأس الخالي من:"السنام" يتبع خانة الشرف ، والرأس “المُسنم” بقباضة الجمل خانة قلّة الأدب .. وتبعاً لهذا التصنيف دُهمت الفصول والطواريد والدهاليز لمليشيات نسائية “مدرسات” شغلها “نتع” السنام مع الشعر وتوابعه، ثم تكسير السنامات إرباً إرباً، لتتفرق دم الوردات الملونة، وشرائط الشعر، بين أقدام القبائل.

إنه شغل الفرغة بامتياز ، لأستاذات يجدن فن الملاحقة والتلصص باسم العار والفضيلة .. فمن المثير للسخرية في واقع الغرائبيات يتفوق فيه خيال وفانتازيا السنام بشكله العسكري البدائي الفج على كل خيال .. ذلك أن واقع التربية والتعليم لايأتي بالجديد في العلم والتعلم والقفزات النوعية لطلاب سيغدون علماء وفنانين ، وأدباء ، كما نرى ونسمع في مدارس العالم، بقدر ما تشتغل على السفاسف والتخريف الممنهج ، وملاحقة القباضات والوردات ، وميداليات "سبونج بوب" و "لولو كاتي"، والحواجب المنمصة، وبعض التطريزات على أكمام البالطوهات السوداء!!

لا تقولوا إنه سلوك فردي ، وليس ظاهرة ، فأنا لست على استعداد لتكذيب ما رأيت وما سمعت وقد كنت مدرسة لأكثر من 8 سنوات، وأعرف الكثير من المدارس وكوادر التعليم ، بل هي منظومة تعليمية ايديولوجية تكرس قيم الاستبداد والتخلف والعنف وتغيب الحرية الفردية، وتشيع الخرافة تعليماً ، باسم حماية الأخلاق من الرذيلة ، وقطع دابر الأمريكان والصهيونية والغرب الذين يتربصون ويدمرون ديننا الإسلامي وأخلاقيات بناتنا عبر القباضات وفينوكات الشعر وحصص الرياضة للبنات، والنشاطات الفنية والأدبية ..الخ.

 

لا نبالغ إذا ما قلنا: إن تاريخ منظومة التربية والتعليم في بلادنا لا تأبه بالإنسان ، والنشء كقيمة بحد ذاته ، إنسان قادرعلى الإبداع والإنتاج ، انسان حر يمتلك أدوات العقل ، انسان لا يختلف عن أقرانه في العالم ، بقدر ما تنشغل بتفانٍ في أنتاج الجمع/الرهط/الحشد/التبعية والتعبئة الدينية والسياسية بتغذية بؤر الفتن بين المذاهب والطوائف ، إنسان يجري الاشتغال عليه منذ صغره بقصف عقله، كخطوة لاغتيال العقل الجمعي.

فمدارسنا مثل جامعاتنا يجرى تحويلها إلى معسكرات مليشاوية ناطقة وفاعلة بتقسيم المجتمع إلى فرقة ناجية ، وفرقة كافرة في النار ، مؤسسات التعليمة رهينة لحراس العقائد وأنبياء الثورات المسلحة، وأن معظم الكادر التعليمي يشتغلون شقاة مع الأحزاب ، وتابعين للدعاة وشيوخ الفتوى ( إلا ما شذ عن القاعدة).

ولذا مخرجاتنا تعليم لا ينمي الروح الإنسانية على قيم التسامح والتعايش والجمال عبر تهذيب الغرائز لسموها بتفعيل الفنون والمسرح المدرسي الذي تحول إلى مقلب نفايات المدرسة أو مسجد.

تعليم ينطلق أن يكون وصياً على الإنسان ، يكره الاختلاف ، يغذي التعصب والانتقام ، يلقن ثقافة “خير أمة” وبقية العالم فاسد ، كافر ، متربص بأمة الإسلام، علم يستبطن ثقافة الكهف والتغييب ليحكمنا بمقاييس 2000 سنة قبل الميلاد.

ولذا تعد تلك المداهمات أو الغزوات الصغيرة من قبل المدرسات اللواتي لايختلفن عن جماعة الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية وبعض الدول العربية المشتغلة على المرأة وعلى طالبات المدارس بصفة خاصة والتي تغذيه أربطة المؤسسات الدينية والمؤسسة التعليمية الابنة الشرعية لها.

 

فكر الملاحقة والمداهمة للقباضات، ليس بجديد، ففينوكة "سنام الجمل" التي اشتغلت عليها جماعات الفضيلة والأمر بالمعروف في كل مكان في الأسواق والتجمعات العامة والمدارس ،والشوارع بل والجامعات ،حيث يجري بث الإشاعات من أن الشركة المصنعة لها يهودية ونصرانية ولها مقاصد خبيثة لإفساد شرف البنات والنيل من الإسلام والمسلمين ، يجري هذا في مدارس الشقيقة السعودية، وبحكم التبعية المزمنة فنحن اتومكاتيكياً ننفذ كل برامجها عبر مشائخنا وشيخاتنا في المساجد والتحفيظ والمدارس القنوات الإعلامية وغيرها.

أذكر منذ أكثر من ثلاث سنوات كانت هناك حملات منظمة في المدارس والأسواق والتجمعات، حتى في جامعة صنعاء لمحاربة “السنام” الخطير ضمن برنامج “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” عبر لافتات مرفرفة في شارع هائل وجمال وبروشورات، وبنفس منطق التجريم لدرجة أن أي طالب/طالبة يتجرأعلى أستاذته في الجامعة بأنها تقلد الكفار ، وتتشبه بنساء اليهود ..الخ من هذا الهذيان .. أنها شوكة الفرغة للبدواة التي تواصل إنتاج نفسها ، فتركت العمل بكل ماهو إنساني ، كالقضايا المهددة لنا من أمية تصل إلى أكثر من 70 % ، إلى انفلات أمني ، وموت طفلاتنا إثر الزواج المبكر ، والولادات المتعسرة ، والجوع ، ومشاكل الفقر والمشاكل الاقتصادية ، والتدهور الصحي وو..الخ فلم يبقَ معنا من الجمل إلا سنامه.

كدت أن تكون رسولاً أيها المعلم/المعلمة ، فكونوا كذلك ، واتركوا سنام الجمل وانشغلوا بما هو مفيد ، فلا “تحزقونها “ كمعركة مصيرية على شعرة فتاة انسلت خلية ، كفوا عن ملاحقة الجزمات، وطلي الأظافر ، لنقطع سنام العقل فهو الأكثر شحماً وعصي على التغيير.

معركتكم المصيرية، ليس بتحرير العقل والجسد من الألوان ، بل بنثر المزيد من ألوان التعددية في مجرى العملية التعليمية. لنرتقِ بخطاب التعليم من ملاحقة فوائد بول البعير إلى فوائد استخدام العقل ومناهضة الخرافة، لانسااااااان الألفية الثالثة.

على وزير التربية والتعليم الأستاذ عبد الرزاق الأشول أن يتعمق في قضايا التعليم المتدهور يوماً بعد يوم ، لا أن ينصب نفسه بمحاصصة حزبية سخيفة خطيباً في مؤتمر رئاسة الوزراء عن الجرحى، أو بفرض صلاتي الظهر والعصر في المدارس التي تخلو من الحمامات والمياه النظيفة ، عليه أن ينظر في الكوارث والعاهات ومخلفات الحرب في العملية التعليمية، ولنجاة أبنائنا من الذبحات العقلية المتتالية باسم التربية والتعليم والفضيلة.

 

أخيراً:

عزيزتي المدرّسة:

أعمارنا قصيرة في يمن الإنسان المقصوف، فلا نبدده بالهرولة في تفتيش وتسمين “السنام “ ، فمن يجعلكن تنصرفن إلى الهذيان المبرمج ليسوا سوى شقاة التعليم لتكنّ استاذات شقاة درجة عاشرة ليس الهدف هو ملاحقة القباضات والفوشات، والتمنيص والتقصيص بقدر هو ملاحقة ما تبقى من عقل وخلايا التفكير الحرة عبر قبضتكن وهيمنتكن على معنى إنسان حر، لا إنسان القطيع، تلك الفرغة المجانية والهذيان المنفلت حتى يتأكدوا هل تمت عملية تحويل العقل إلى سنام جمل في أقصى سرعة؟ وهل حركة الطالبات تتوازى مع مشية بعير الصحراء وذبذبات الغبار الحارق؟.

يجب ألا ننسى، لقد جرى ولعقود من الزمن تحويل المحوى الخلفي للشقيقة عبر التعليم لتحويل الطالبات ونساء اليمن إلى سنامات جمال سوداء حركتها مغلولة إلى رمال صحراء نجد والدواسر، لا على الأسفلت .. فلا تتحولن إلى جلادات بالمجان مع طالبات كلنا بانتظارهن يصنعن مستقبلاً مغايراً كالذي نعيشه الآن.

فكيف تشوفوووووا؟

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى