فضاء حر

اليدومي مكفراً خصوم الجماعة!

يمنات
مازال محمد اليدومي متمسكاً باللغة الانفعالية المتشنجة والمنفلتة التي لا تليق بقائد سياسي! يبدو أنه استجمع كل قواه لتجنب ما سبق الوقوع فيه، غير أن التوتر واضح فيما كتب؛ رغم تقشفه في استخدام كلمات الإساءة والتشنيع بخصومه وخصوم الجماعة.
حسبكم أنه لم يرد في منشوره إلا كلمة “نفايات”، ومحاولته الحط من آدمية هؤلاء الخصوم على كثرتهم، وهذا مقبول بالنسبة لشخص يتدرب على التخلص من لغة الردح المتشنجة.
هناك قدراً من الصحة في ما يقوله الرجل، إلا أنه ما زال يتحرك ضمن ذات اللغة المتشنجة غير اللائقة. أما الإعلام المصري فقد أثبت عدم مهنية فجة، وهذا إذ يعكس مأزق وسائل الإعلام، يعكس أيضا إلى أي مدى بلغ فشل جماعة الإخوان، فهذا العداء الحاصل في وسائل الإعلام يعكس المناخ المشحون بالكراهية التي غذته الجماعة ضد نفسها في الإعلام، وفي المجال السياسي والاجتماعي العام.
صحيح؛ تورطت جماعات وشخصيات سياسية في التحريض على القتل، وهذا يعكس مأزق أخلاقي.. بقدر ما يؤكد قدرة الجماعة على خلق حالة عامة من الكراهية ضدها، وكأنها لا تستطيع الحضور إلا تغذية الكراهية والأحقاد.
الظريف أن “اليدومي” قدم لنا هنا وجهاً آخر من شخصيته؛ فالسياسي الذي أصبح رجل أمن دولة تحول اليوم وأصبح “مكفراتي”. وكأنه يريد أن يُقدم لنا دليلاً حياً عن قدرت الأزمة الراهنة على الدفع ب”الإسلاميين المعتدلين” نحن التطرف والإرهاب. وإذا كان سياسي ك”اليدومي” “يُكفر”، و”يُفسق” خصومه، فما الذي يُمكن أن يفعله بقية الدهماء؛ وما أكثرهم؟
أظهر الرجل تقشفاً ملحوظاً في استخدام ألفاظ الشتم والتهديد والوعيد ضد خصومه، وخصوم جماعتهم، غير أنه اتجه، عوضاً عن ذلك، إلى تكفيرهم.
في (بوست، نشر في صفحته على “فيسبوك”)؛ عاد “اليدومي” إلى القرآن، واستخدمه لاتهام خصومه ب”الفسوق”، و”الصد عن سبيل الله”! مع أن ما حدث في مصر هو صراع سياسي أرضي لا علاقة له بالسماء، أو بالله، أو ب”الصد عن سبيله”.
بعد أن كان الرجل يُهدد، في 30 يوليو، بالتوابيت، وبالعنف والإرهاب؛ عاد اليوم إلى الله باعتباره “القادر وحده على إظهار حقيقة مايحدث..”. هو يدعونا إلى التأمل والاعتبار، والأولى بذلك هو وجماعته، فلولا صلفها، وتجبرها في التعامل مع الناس، لما كان حدث ما حدث.
في نهاية البوست الذي كتبه؛ استخدم الرجل آية قرآنية مخرجاً إياها من سياقها الزمني، وأسباب تنزيلها. تتحدث هذه الآية، وفقاً لكل التفسيرات، عن “صلح الحديبية” و”مشركي مكة”، وكونهم “بلا عهد”.. بيد أن اليدومي يستخدمها في معركته، ومعركة جماعته، الجارية اليوم في مصر مع “السيسي”، ووسائل الإعلام، والسياسيين!
تقول الآية أن “المشركين” “اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً”، أي “أنهم اعتاضوا عن اتباع آيات الله بما التهوا به من أمور الدنيا الخسيسة “فصدوا عن سبيله”. كذلك تقول أن “مشركي مكة” لم يُراعوا “القرابة والذمة العهد” (إِلاّ وَلاَ ذِمّةً)، وهذا يؤكد ضرورة أخذ زمن تنزيل آيات القرآن عند استخدامه، أو تفسيره.
وبسبب هذا الاعتساف، وإخراج القرآن عن سياقه الزمني، وأسباب تنزيله، دفع بالخوارج إلى الاستدلال بثلاث آيات من سورة المائدة التي تقول “ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”، وفي آية أخرى “الكافرون”، وثالثة “الظالمون”، وهي ذات الآيات التي أعتمدها “المودودي”، وسيد قطب، في تأسيس “الحاكمية”، التي قامت عليها جماعة التكفير والهجرة في مصر، التي تطورت منتجة تنظيم القاعدة.
طبعاً كانت هذه الآيات الثلاث موجه للمشركين ضمن سياق تنزيل تاريخي معروف، غير أن الخوارج فصلوها عن ذلك، واستخدموها ضد الإمام علي بعد أن خرجوا عليه في “صفين”.
وجه الخوارج هذه الثلاث الآيات نحو الإمام علي متهمين إياه ب”الكفر”، و”الفسوق”، و”الظلم”، كونه، طبقاً لزعمهم، قبل، عندما قبل التحكيم مع “معاوية” بحكم البشر (أبو موسى الأشعري، وعمر بن العاص)، ولم يقبل بحكم ما أنزل الله في القرآن! الحديث في هذا الأمر طويل وشائك، غير أني تذكرته الآن لأن “اليدومي” اتبع أسلوب الخوارج في استخدام آيات القرآن مع فصل السياق الزمي، وأسباب التنزيل. والنتيجة واحدة: تكفير الخصوم.
يبدو أن جماعة الإخوان خسرت، في الماضي، مكفراتي، ولم تكسب سياسياً.
من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى