أخبار وتقارير

الاشتراكي ناصر جميل: عمران عبارة عن رملة متحركة, قد تجدها اليوم هنا وغدا هناك, وفقاً للمزاج والحالة الاقتصادية

يمنات – الشارع

حوار أكثر من مهم مع نجل من اسقط حميد الأحمر في انتخابات 1993..
يأخذنا ناصر علي جميل عضو مؤتمر الحوار, وعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني, سكرتير أول منظمة الحزب في عمران، الى مكان نرى منه الوضع في “حاشد” وعمران ككل؛ من صراع بين الحوثي والإصلاح و”آل الأحمر” بشكل واضح.
يتحدث ناصر جميل هنا بشيء من التفصيل عن نشاط الحزب الاشتراكي في عمران, وعن وضع “المشترك” والمؤتمر الشعبي العام في عمران, وكنت أطمع منع بحديث مفصل عنه وأسرته؛ لكنه اعتذر, وقال إن الموضوع شائك وطويل ليس بالإمكان الحديث عنه الآن.
وعموماً فإن التاريخ النضالي لناصر جميل وأسرته معروف, بإيجاز حسب ما أعرفه ويعرفه الآخرون.
والده كان مرشح الحزب الاشتراكي اليمني في “مديرية ظليمة” إحدى مديريات “حاشد” في الانتخابات النيابية عام 93م, وكان منافسه حينها, الشيخ الشاب حميد الأحمر.
تقول المصادر التاريخية الحية إن علي جميل فاز على حميد الأحمر بفارق 131 صوتاً؛ إلا أنه تم تزوير النتيجة بعد حرب أوقفتها صفقة سياسية ربما بين الحزب الاشتراكي في صنعاء, وحلف الأحمر وعلي صالح, قضت الصفقة بتنازل الاشتراكي عن نتيجة دائرة “ظليمة” المهمة بالنسبة للشيخ عبدالله الأحمر, مقابل تنازل المؤتمر والإصلاح عن كل الطعون المرفوعة ضد الاشتراكي في كافة الدوائر الانتخابية على مستوى اليمن.
ثم ليتحدث ما يحدث, تقوم حرب صيف 94م, وانتهت بإقصاء الاشتراكي والتنكيل بأعضائه, وكان لعلي جميل نصيب كبير من هذا؛ إذ طورد وخربت سلطة بعد الحرب, بحملة عسكرية كبيرة مصحوبة بالطيران, منزله في “ظليمة” بعد أن نهبت ما فيه, ثم توسط, فيما بعد, مجاهد أبو شوارب, وضمن بعد عمليات تحكيم بين علي جميل و”آل الأحمر” والسلطة… الخ, حياته في صنعاء, التي استقر فيها جميل لاحقا حتى تمت تصفيته بالاغتيال في “منطقة الروضة” عام 1995م.
اغتيل المناضل علي جميل بعد شهور فقط من صلح وضمانة “أبو شوارب” ثم جرى, عام 2009, تصفية شقيقة الشيخ محمد جميل.
ناصر علي جميل ورث كل هذا التاريخ النضالي لوالده وأسرته؛ إلا إنه يرفض اليوم الحديث عن ذلك, مفضلاً العمل السياسي, حيث مازال ناشطاً في صفوف الحزب الذي ينتمى إليه والده.
حاوره: مروان الكامل
• مساء الخير أستاذ ناصر, شكراً أولاً على إتاحتك الفرصة لنا, ودعنا نبدأ الحديث عن «حاشد» ما الذي يجري في «حاشد» الآن؟
– مساء النور, أهلاً بك, حالياً هناك عمليات حشد من قبل أطراف الصراع المختلفة في عمران, حتى الآن, التواجد السلفي كبير في بعض المناطق التي نستطيع أن نسميها أماكن صراع بين الحوثيين وبين…
• (مقاطعاً) و “آل الأحمر”…؟
– لا تأخذ هذا الطابع تماماً, المواجهات الأولى أخذت طابعاً قبلياً بين “عذر” و”العصيمات”؛ لكن الآن الوضع نحى اتجاها آخر بعد اتفاق الصلح الأخير لمدة عام بين القبيلتين. بدأت الآن حشود تثير الخوف وتنذر بأن محافظة عمران قادمة على صراعات تحمل الطابعين السياسي والمذهبي. طبعاً أصبحت هذه الحشود أكثر من واضحة للعيان ولم تعد كما السابق أو في بداية المواجهات تتم بشكل سري.
• كيف هي بدايات الحرب في “عذر”؟ ولم نشبت؟
– في الحقيقة ليس لدي معلومات دقيقة؛ لكن الذي أفهمه أنا أنها بدأت أو قامت بشكل محدود, وأن البعض من أهالي “عذر” استنجد بالحوثي في مظلمة ما, والحوثيون عادة لا يدخلون أي منطقة إلا بدعوة من قبل أصحاب المنطقة نفسها. كان بالإمكان تفادي هذه المشاكل في بداية المواجهات, وكان هناك اتفاق في إطار “مشترك” عمران على أساس التوسط بين المقاتلين. لكن واضح أنه كانت هناك جهة لا تحب أن نتدخل؛ إذ كنا اتفقنا, في “المشترك” حينها, وجاء الرد في اليوم التالي بأنه “خلاص ما فيش داعي” لم تعد هناك حاجة, واستمرت المواجهات. كان هذا قبل عام, في البداية.
الآن أصبح النزاع في “عذر” بشكل كامل, وأصبحت أغلب المناطق هناك تحت سيطرة الحوثي. عندما نقول “سيطرة” نعني أن الحوثي يتواجد ويقوم بتأمين الطرق, وحل بعض مشاكل الناس بعيدا عن الدولة.
• يتواجد الحوثي في «حاشد» بشكل كبير في «عذر» أليس كذلك؟!
– حتى الآن يتواجد الحوثي بهذه القوة في “عذر” لكن هذا لا يعني أنه لا يتواجد في باقي عمران. يتواجد في كل مكان, هم في الأخير مواطنون يمنيون ومن حقهم, ولا اعتقد أن هناك قانوناً يمنع انتشارهم.
• حدثني عن قوة وحضور الحوثي في «حاشد» وعمران بشكل عام, وإلى أي مدى قد يهدد وجوده السلطة القبلية والمشائخية النافذة هناك؟!
– هو يمتلك قوة, قوته الكبيرة في “قفلة عذر” وله قوة أيضا في بعض مديريات “حاشد” وله قوة في “بكيل”؛ حرف سفيان (تحديدا). حضوره لا يستهان به, تستطيع أن تقول إنه الآن ند, سواءً لسلطة القبيلة أو لسلطة الإصلاح كحزب موجود بشكل كبير في عمران.
• إلى أي مدى قد تبدل قبيلة حاشد ولاءها من «الشيخ» إلى «السيد»؟
– شوف, على مستوى المحافظة كلها, خصوصاً بعد 11 فبراير 2011م, بدأ الناس المتضررون, سواءً من “بيت الأحمر” أو من “الإصلاح” بدؤوا يتجهون نحو الحوثيون على اعتبار أنهم قوة تستطيع حمايتهم من أي طغيان قد يلحق بهم, فبعد ثورة الشباب في فبراير, بدأت المخاوف عند هؤلاء تزداد من أن قوة سياسية أو قبلية معينة قد تسيطر وتطغى على المحافظة كلها.
وبالتالي ولد هذا الخوف عند الناس قناعة انه لابد من اللجوء الى قوة تستطيع أن تحميهم. هناك متضررين من السلطة السياسية القبلية المسيطرة في عمران, سواء في “حاشد” أو في “بكيل”, وهؤلاء يذهبون باتجاه الحوثي. لكن هل سيذهب كل الناس؟ّ! من المؤكد لا.
هناك نفوذ للقبيلة ولبقية القوى السياسية؛ لكن في اعتقادي إنه إذا استمرت الأوضاع في عمران على ماهي عليه بهذا الشكل المختل, فقد يحصل الحوثي على النصيب الأوفر من القاعدة الجماهيرية العريضة في عمران, مع العلم أنك لا تستطيع أن تُقيم عمران خارطة سياسية حزبية, عمران عبارة عن رملة متحركة, قد تجدها اليوم هنا وغدا هناك, وفقاً للمزاج والحالة الاقتصادية؛ لكن أن تعول على أن هذه المنطقة أو تلك قاعدة أساسية دائمة مع فلان أو علان, فهذا أمر صعب.
• إذا استمر الصراع بين الحوثي و«آل الأحمر» في «حاشد» فكيف سينتهي؟ ما توقعك لنهاية هذا الصراع؟
– أنا لا أعتقد أنه سيستمر فيما لو حدثت مواجهات جديدة. الذي أتوقعه أن أي حرب قد تقوم في عمران, قد تكون حربا كاملة. دخل الآن لاعبون جدد. في البداية كانت المواجهات بين “العصيمات” و”عذر” والآن بدأت الحشود والتعبئة السياسية والمذهبية, وبالتالي أي حرب قد تحدث ستكون أوسع, لا نحصرها بين الحوثي و “آل الأحمر” بالعكس ستكون أشمل, وهذا ما يخيف, الحرب ستلقي بظلالها على الوضع العام اليمني كاملاً.
• ما توقعك لنهاية الصراع, بعبارة أبسط, من سينتصر على الآخر؟
– الحرب, في الأخير, لا ينتصر فيها أحد, بينما الخاسر هو البلاد, كما قلت لك إن أي مواجهة الآن لن تكون بين طرف وطرف آخر, بين الأحمر والحوثي, بل ستكون بشكل أوسع, وستأخذ طابعا سياسيا وربما مذهبيا؛ لكن أن تحصر في زاوية الطرفين المتصارعين فهذا مستحيل, خاصة بعد هذه الحشود الكبيرة الموجودة الآن في بعض مناطق المحافظة.
• من يحشد؟
– هناك حشود من قبل السلفيين, وهي حشود تتجه الى “دماج” وهناك مجاميع كبيرة من المحافظة (عمران) أو خارجها, وهذه الحشود موجودة, وبدأت الانتشار في أكثر من منطقة؛ مثل “حوث” و”خمر” وهم من يقطعون طريق صعدة.
• ماذا عن احتمال نشوب الحرب في أي لحظة؟
– احتمال وارد, والكارثة غياب الدولة عن كل اليمن, ما بالك بعمران, التي تحت سيطرة النفوذ القبلي منذ قيام ثورة 26 سبتمبر.
• برأيك, ما الذي سهل للحوثي التمدد في «حاشد»؟
– كما قلت لك غياب الدولة الذي أوجد الظلم. ظلم الناس من قبل السلطة القبلية المشائخية, وعندما يشعر الشخص بالظلم فإنه يبحث عمن ينصفه ويحمي حقه, ولهذا رحب الناس بالحوثي, بل واتجهوا إليه, والحوثي ليس شخصاً قادماً من المريخ, فقط أين الدولة التي تحقق العدل وتُمكن الناس من العيش المشترك بسلام ومواطنة متساوية؛ الحوثي والسلفي والاشتراكي و…و… إلخ؟
• قبل أكثر من عامين, اجتمع مشائخ «حاشد» في «خمر» واتفقوا بينهم على منع التواجد الحوثي في مناطقهم, أليس كذلك؟
– لست متأكداً, وحتى لو حدث هذا فإنه كان تصرفاً من البعض وليس من كل مشائخ “حاشد” وهم بهذا مخطئون, ومعناه أنهم لا يؤمنون بالتعايش ولا بفكرة الوطن , مشائخ “حاشد” ليسوا كلهم ضد الحوثي, وليسوا كلهم مع “آل الأحمر”.
• كيف هي العلاقة بين مشائخ «حاشد» و«آل الأحمر»؟
– اعتقد أن العلاقة بدأت بالتراجع من انتخابات عام 2003م البرلمانية؛ العلاقة الحميمة التي كانت تربط بين كل مراكز القوى المشيخية والمتنفذة, بدا الخلاف واضحا حينها؛ عندما قرر الشيخ عبدالله الترشح مع ابنه حسين في الدائرتين الانتخابيتين التابعين ل”بني صريم”. حينها شعر مشائخ “بني صريم” بالغبن وقرروا ترشيح الشيخ حمود عاطف ووليد شويط لمنافستهما, ما كان يعني احتمالية سقوط الشيخ عبدالله, لهذا تم, حينها قبل 3 أيام من موعد الاقتراع, تدارك الأمر بسحب حسين الأحمر من الترشيح من إحدى الدائرتين, ونقله الى أخرى, دائرة أخيه صادق, هذه الحادثة أظهرت للمرة الأولى ربما, في معقل “حاشد” الخلاف والتباين, إذ حصل الفرز والاصطفاف بين من سيقف مع شويط وبين من سيقف مع الأحمر, بدأ من هنا يتشكل وعي بأن من حق أهالي “بني صريم” الترشح, والوصول الى مراكز الدولة العليا.
ثم حدث الاختلاف والتباين في بداية حرب صعدة, عند ذهاب المجاميع للقتال في صفوف الدولة. ذهبت المجاميع للقتال بدون رضا مراكز المقدس للقبيلة مؤقتا, والدعم السخي الذي حصلوا عليه ومكنهم فيما بعد من البروز وتحسن إمكانياتهم المادية بشكل كبير, كان هناك توجه من السلطة حينها لإنتاج مراكز قوى جديدة في “حاشد” تستطيع فيما بعد أن تستخدمها كورقة لمواجهة حلفائها التاريخيين.
أيضا جاءت ثورة الشباب, في 2011م, وحصل فرز أكبر, بدا بشكل واضح الاصطفاف الرافض للبقاء تحت سيادة هذا المركز المقدس للقبيلة, وذهب كثير من الناس لمناصرة النظام السابق, ما في المستقبل وتعيدهم مصالحهم لتحالف بعضهم من جديد؟ ربما! كل شيء ممكن في “حاشد”.
• نرجع للحرب والقتل. من قتل شاكر الفقيه, سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي في «قفلة عذر»؟
– شاكر الفقيه قتله شخص من نفس المنطقة.
• أفهم منك أن عملية قتله كانت ثأراً قبليا, ولم تكن سياسية؟
– لا, لا. اغتيال الرفيق شاكر كان سياسيا بامتياز؛ لكن لا يمكننا أن نوجه أصابع الاتهام لأحد.
• ماذا يقول القاتل؟
– يرفض الإدلاء بأي حديث, ولم تفلح معه كل محاولات الاستجواب.
• ما مصيره الآن؟
– لا أدري, انشغلت هذه الفترة في مؤتمر الحوار, وهناك أخو الشهيد شاكر يقوم بمتابعة القضية.
• برأيك, ما الذي يعيق تمدين «حاشد» ويمنع تطورها والنهوض بها, رغم كونها القبيلة الحاكمة في اليمن منذ عقود؟
– كانت هناك ومازالت إرادة سياسية ممنهجة لبقاء “حاشد” في وضعها المأساوي, كي تكون أكثر تابعية للجناح القبلي الحاكم, لأن التعليم يعني خروجها من الوضع المختلف المليء بالفقر والعوز, قد ينقلها من قبضة المركز المقدس التقليدي, وبالتالي يفقد سيطرته عليها ولا يعود بإمكانه استخدام القبائل في صراعاته السياسية. التعليم سيخرج القبيلة الى وضع أفضل, بالتعليم لن يعود القبيلي بحاجة الى أن يصبح تابعاً لأحد كي يحصل على مبلغ عشرون ألفاً أو ذخيرة بندق, سيكون لديه تطلع الى حياة كريمة وأفضل, وبالتالي لم يوجد قرار سياسي بإخراج القبيلة الى النور؛ في جميع المناطق, وليس فقط في “حاشد” رغم كونها أكثر المناطق تضررا, كل الأنظمة, من سبتمبر 62 الى اليوم, لا تريد تنوير القبيلة وانتشالها من بؤس الجهل والفقر والمرض.
• لماذا تراجع دور الحزب الاشتراكي في «حاشد» وبقية المناطق القبيلة المحيطة بها, رغم أنه كان له حضور قوي في هذه المناطق, لا سيما في «ظليمة» و«عيال سريح»؟
– كان حضور الحزب قويا في السابق, ولأن عمران, كما قلت لك, خارطتها السياسية مثل رملة متحركة, تُغير وضعها من وقت لآخر… لكن هذا لا يعني أن أبناء هذه المناطق لم يكونوا منخرطين في العمل الحزبي, لدينا كوادر موجودة هناك منذ عمل الفصائل الوطنية, من بداية نشوء الحركة الوطنية, تراجعنا بذاك الشكل المتخيل, الظروف هي التي فرضت على الحزب, بعد حرب 94, ومسلسل التنكيل والاغتيال, الذي مورس على بعض قيادات الحزب في هذه المناطق, كغيرهم من قيادات الحزب في باقي أنحاء اليمن, هي التي فرضت على الحزب التراجع, ليس فقط في “حاشد” بل في مناطق كثيرة.
هذا ربما أحد الأسباب الرئيسية؛ لكننا برغم كل شيء موجودين, وأوضاعنا في بعض المديريات أفضل بكثير من البعض, نحن نعول على ثورة الشباب 2011 أن تهيئ الظروف, بشكل أفضل, وهذا ما ناضل من أجله الناس؛ إقامة دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية والحرة.
وضعنا حتى الآن, وحتى في الفترة التي أعقبت العام 94, ليس سيئاً جداً؛ ولكن السبب ما فرضته الحرب علينا تراجع الدور الكبير الذي كان للحزب.
• كيف استطاع الحزب أن ينشط داخل محيط قبلي أصبح منذ ما بعد 94 معادياً له؟
– هناك قيادات من أبناء القبائل انخرطت, منذ بداية الحركة الوطنية, في فصائل العمل الوطني الديمقراطي التي شكلت في الأخير الحزب الاشتراكي, وهي التي كان لها الدور في وجود كيان حزب اشتراكي كبير في مناطق القبائل, القول بأن القبيلة ضد الحزب الاشتراكي كلام غير دقيق.
القبيلة أكثر من يطالب بوجود الدولة, وإذا توفرت الإدارة السياسية لفرض دولة حقيقية تضمن حق الكل, وليس دولة تضمن مصالح أطراف معينة, كهذه “العصابة” الحالية, إذا توفرت الدولة الحقيقية فإن القبيلة ستكون أكبر المرحبين.
والحزب الاشتراكي باعتباره إحدى أبرز القوى الموجودة في الساحة اليمنية, ويحمل مشروعا صادقا لبناء دولة النظام والقانون, فلما قد يلقى العداء من قبل القبائل كما تقول؟ مراكز القوى التقليدية هي التي تحاول أن تصور الحزب الاشتراكي كأنه قادم من كوكب آخر.
لدى الحزب الاشتراكي كوادر وقيادات في هذه المناطق موجودة من فترات ماضية, من قبل وجود الجبهة الوطنية, ثم جاءت الجبهة الوطنية الديمقراطية قبل قيام الوحدة وساعدت في عملية تمدد الحزب أكثر في هذه المناطق.
في انتخابات 93م نجح الحزب الاشتراكي في “حرف سفيان” وكان الرفيق محمد مصلح الشهواني عضواً في البرلمان, كذلك نجح مرشح الحزب في “ظليمة” (يقصد والده المناضل علي جميل) قبل أن تتم المغالطة, المعروفة.. كان الحزب موجودا في “حاشد” وعمران ككل- حجة سابقاً, من أيام العمل الفصائلي, وخذ عندك قيادات مثل علي جميل, على أحمد كامل, ناشر القاسمي, صالح هندي دغسان في صعدة, قائد منصر احكم في “السودة” وهؤلاء كحركة وطنية بشكل عام, وأيضاً محمد يحيى الغولي في “غولة عجيب” وغالب سودة, وتأخذ أيضاً أحمد صالح أبو سالم, علي صغير دهشوش, وزيد عرجاش, يحيى داحش, مجاهد القهالي… والكثير جداً لا يمكن ذكرهم جميعاً الآن.
بعد الحرب, تمت التصفية الجسدية لأبرز الرموز: ناشر القاسمي, غالب سودة, وعلي جميل, وقبل ذلك اغتيل مصلح الشهواني, اغتيل مع محمد الحوثي في بداية الوحدة, لما يمثله وجود كوادر للحزب في منطقة مثل “حاشد” من خطر بالنسبة للقوى التقليدية, محمد الحوثي من حوث, والشهواني من سفيان, وامتد المسلسل الى اغتيال محسن عسكر… وأخيراً شاكر الفقيه, بعد الحرب ضايقوا الناس في أرزاقهم, الى درجة أن يتم افتعال المشاكل بين الناس بعضهم وبعض, والحكم بالحق لغير صاحبه؛ إذا كانوا السلطة, سواءً قبليا أو شكليا, في مرافق الدولة التي كانت تأتمر بأمر القوى التقليدية.
الحزب لم يتوقف عن العمل, وهو إن كان قبل الحرب متركزا في مديريات محددة, مثل “ظليمة” و”عيال سريح” و”حرف سفيان” ولم يكن له وجود في باقي المناطق, فإنه واصل ممارسة نشاطه رغم الظروف الصعبة, ووصل الى باقي مناطق عمران, وإن كان بوجود ضئيل, الحزب الاشتراكي الآن يملك في قيادة الحزب بفاعلية أكبر من القيادة القديمة التي كانت عبارة عن واجهات اجتماعية.
• ما هو مستقبل الحزب في عمران؟
– أتصور أن وضعه سيكون أفضل, وكلما تهيأت الظروف سيتحسن العمل السياسي؛ لكن إذا بقينا بهذه العقلية السابقة لا اعتقد أنه سيحدث تطور.
• ما علاقتكم ببقية قوى المشترك, والإصلاح خاصة؟
– علاقتنا منذ تأسيس اللقاء المشترك في عمران تتأرجح بين التنسيق في قضايا معينة وبين الخلاف في أخرى, هناك تباين, لكن علاقتنا بالمشترك كعلاقة باقي منظمات الحزب في المحافظات به, ليست مثلها؛ أقل انسجاماً بالتأكيد.
• لماذا؟
• قد يكون الوضع الاجتماعي والسياسي للمحافظة, وما تمثله جغرافيا من عمق لمراكز قوى معينة, يقف حائلا بين توطيد العمل في إطار المشترك.
• أفهم من هذا أن «الإصلاح» في عمران تسيطر عليه وتسيره القوى التقليدية أكثر من سيطرة وتسيير سياسة تنظيمه الحزبية والفكرية العامة؟
• نعم.
• كيف ترى قوة «الإصلاح» في عمران؟ وإلى أي مدى هو حزب سياسي تنظيمي عام على مستوى الجمهورية؟ وإلى أي مدى هو حزب تنظيمي قبلي خاص؟ أي: إصلاح الحزب وإصلاح المشائخ؟
– “الإصلاح” إلى الآن يمتلك قاعدة حزبية قوية وقاعدة قبلية لا يستهان بها, لديهم حضور كبير؛ لكن هل ستستمر قوة القاعدة الحزبية أمام قوة القاعدة القبلية أو العكس, أو قوة القاعدتين معاً أمام الآخر؟ هذا يعتمد بدرجة رئيسية على ما سيقدمه “الإصلاح” خلال هذه المرحلة, هل فعلاً يستطيع “الإصلاح” أن يقدم رسالة واضحة للناس على أنه مع بناء دولة النظام والقانون ومع حق الآخر واحترامه واحترام شركائه أيضاً؟ أم أنه سيستمر بعقلية “أنا الأقوى وأنا كل شيء”؟ في اعتقادي إذا لم يغير من توجهه هذا فإنه لن يكون جيدا بالنسبة له أو للآخر, أو ربما سيكون جيدا للآخرين, في الآونة الأخيرة راجع “الإصلاح” من خطابه العام لحد ما؛ لكن يتطلب منه أن يقدم صورته بشكل أفضل, يبتعد عن الأنا وأنه الأكبر والأقوى وأن بقية القوى السياسية والاجتماعية لا تساوي شيئاً أمامه, أن يتجنب الغرور؛ ألا يغتر كثيرا, المرحلة حساسة وهناك لاعبون سياسيون جدد, قوى سياسية واجتماعية تمتلك نفس رصيد القوة, سواءً الجماهيرية- وأن أقل بعض الشيء- والقبلية والعسكرية, عليه أن يقدم صورة مغايرة عما كانت في الماضي.
• كيف ترى «الإصلاح» كحزب في حال تخلت عنه القوى المشائخية التقليدية في عمران؟ كيف ترى القوى خصوصاً مع عملية الاستقطابات الكبيرة للمشائخ والواجهات الاجتماعية من قبل الحوثي؟ الذي بدأ مؤخراً ندا حقيقيا للإصلاح, ومهدد لسيطرته الغالبة في عمران, واعتماد الإصلاح بدرجة أساسية على المشائخ؟
– قلت لك, إن “الإصلاح” يمتلك قاعدة حزبية على أساس فكري أو عقائدي, ويمتلك أيضاً القاعدة القبلية, لا أستطيع أن قيم وضعه المستقبلي هكذا, أقول بأن المستقبل الجيد للإصلاح يعتمد بدرجة كبيرة على تخلصه من تفكير وممارسة العقلية الماضية, عندما يتعامل مع المجريات بشكل آخر مختلف, بشكل سياسي حديث مدني أكثر ومستقل, يؤمن بالتعددية والتعايش وينظر الى ما يحتاجه الناس ويبحث عن حل لمشاكلهم, أن يقترب من معاناة الناس أكثر ويعمل على معالجتها. بغير هذا, سيتأثر سياسياً وقبلياً وضعه قبلياً مهيأ أكثر لتأثره السلبي.
على الإصلاح أن يتحرر أكثر من القيود القبلية التي تحكمه, وأن يغادر مربعه القديم, الآن في عمران لاعبون جدد يملكون نفس ما يمتلكه من وسائل وإمكانيات, وقوى سياسية فاعلة أخرى, حتى أن نشاطاً ملحوظاً للسلفيين بدأ يظهر في الساحة.
حزب الرشاد؟
– لا أدري إن كانوا من حزب الرشاد أم من تنظيم جماعي آخر؛ لكن هناك جماعات سلفية تتواجد وتنشط في مختلف مناطق المحافظة.
الوضع الحالي في عمران
• نأتي للوضع الإداري والحكومي في عمران, الآن, بعد تعيين محافظ جديد للمحافظة ينتمي الى الإصلاح, كيف تقيم الجانب الحكومي في المحافظة, سياسياً وإدارياً, وسيطرة الإصلاح عليه, أو سيطرة المؤتمر, أو كلاهما؟
– الإصلاح في الفترة الماضية, أي من قبل فبراير 2011, كان هو الطرف الأقوى والمسيطر في المحافظة, سواءً كان المحافظ من المؤتمر أم من الإصلاح, كان الإصلاح هو القوة الحاكمة في عمران, موضوع لا جدال فيه, هو من كان يحكم, لكن بحكم التراجع النسبي لنشاط الإصلاح, خصوصاً في الفترة التي شهدت صراعاً أكبر وأعمق بين حزب المؤتمر الحاكم سابقاً وحزب الإصلاح, وسعي الأول الى إيجاد قوة مؤتمرية فاعلة ومؤثرة في المحافظة, تم الآن تعيين محافظ إصلاحي ليعيد إنتاج القوة والسيطرة الإصلاحية على المحافظة, التي كانت له في الفترة الماضية الآن معظم التعيينات, معظم قرارات التعيين في المكاتب التنفيذية التي يصدرها المحافظ دماج, تحمل لونا سياسيا معينا, واحداً.
• إصلاح…؟
– يعني, قد يكون فيها أحياناً قسمة بين اثنين؛ لكنها تحمل طابع الإصلاح, هذا ما يعيد الإنتاج للقوة المسيطرة, المناصب الحكومية أكبر وسيلة تخدم مصلحة الأحزاب, ما دمت الحكومة, فأنا معك, هكذا أغلب الناسو خصوصاً في عمران.
• التعيينات الأخيرة لأحمد البكري وعبد الرحمن الصعر, المنتمين للإصلاح, وكيلين لمحافظة عمران, على أي أساس تم تعيينهما؟
– قبلها حدثت تعيينات مشابهة, للأسف الشديد, وبعيدأً عن الخصومة مع فلان أو علان, يؤسفنا ان يكون معيار هذه التعيينات هو الانتماء لطرف سياسي معين, نحن ضد المحاصصة من حيث المبدأ, ويفترض أن يكون للوظيفة العامة احترامها, أن لا يكون معيار هذه التعيينات هو الانتماء السياسي, فهذا سيؤثر بشكل كبير في علاقة هذا الطرف السياسي مع بقية القوى السياسية, خصوصا في محافظة تحمل من المتناقضات السياسية والقبلية ما يجب أن يتم مراعاته, هناك تناقضات اجتماعية كبيرة في محافظة عمران, ستوصلها هذه التعيينات, التي لا تراعي مبدأ الكفاءة أو حتى المحاصصة (يضحك) الى حالة من الغبن وتعميق اللاثقة بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية.
نحن لا نشكك في نزاهة المعينين؛ لكن ليس من صالحك أن تثبت على نفسك تهمة سعيك للسيطرة على مرافق الدولة عندما يرى الآخرون أنك تُهمسهم, يقوم “الإصلاح” بتهميش حتى شركائه في العمل المشترك والثوري, حتى أنه تم إقصاء البعض من مناصبهم الحكومية دون مبرر, مورست بعض الأخطاء والتجاوزات من قبل المحافظ لا تخدم التغيير, وأتمنى أن يعيدوا النظر فيها.
• ما موقف المؤتمر ووضعه في المحافظة, تعيين وكيلين إصلاحيين للمحافظة ووكيل ثالث من قبل…؟
– (مقاطعا) المؤتمر لديه أكثر من عشرة وكلاء من الفترة الماضية…
• (مقاطعا) وهؤلاء المعينون جدد, فوق الموجودين.
– نعم.
• ما هو وضع المؤتمر الشعبي العام في محافظة عمران, بعد ثورة 2011م؟
– العمل السياسي القائم على أسس حزبية يكاد ينعدم في عمران, هناك يعتمد العمل السياسي لحزب المؤتمر بدرجة رئيسية, على بعض الواجهات الاجتماعية, على مراكز قوى في مناطق مختلفة, وخصوصا أنه لم يعد حزباً حاكماً, وهو مثل الإصلاح الى حد ما في هذا, غير ن الإصلاح له منهجية فكرية تعمل.
• كيف هي علاقتكم بجماعة الحوثي في عمران؟
– نحن في منظمة الحزب بعمران ليس لدينا أبدأً خصومة مع أي طرف سياسي, علاقتنا طيبة بالجميع.
• كلمة أخيرة عن عمران؟
– عمران بحاجة لوجود الدولة أكثر من أي وقت مضى.
• ننتقل الى ناصر جميل, من هو ناصر جميل؟ وكيف أصبح اشتراكياً؟
– ناصر علي جميل من مواليد مديرية ظليمة بعمران, عشت, نهاية الثمانينات في الجنوب, درست الإعدادية في مدرسة الشهيد عبده عبدالله قميح في لحج, وكنا منخرطين في اتحاد شبيبة فتاح, بعد الوحدة مباشرة عدنا الى الشمال, وفي بداية التسعينيات عملت سكرتيراً أول لمنظمة الحزب الاشتراكي في مديرية حبور ظليمة, حتى نهاية عام 92م, ثم نائباً لرئيس دائرة الرقابة الحزبية في منظمة حجة, وبعد حرب 94, عندما تهيأت الظروف, رجعنا الى صنعاء, كنا في البلاد (القرية) لظروف أمنية, في عام 98و99, عندما صدر قرار بإنشاء محافظة عمران, حتى المؤتمر العام الرابع للمنظمة, الذي اختارني سكرتيرا أول, وانتخابي عضو لجنة مركزية من قبل المؤتمر العام الرابع حتى الآن.
• كيف انتقلتم الى الجنوب, ثم عدتم الى الشمال مع الوحدة, ولماذا؟
– لم تنتقل الأسرة, الوالد كان قائد محور حجة للجبهة الوطنية من أواخر السبعينيات, وكان يذهب باستمرار الى الجنوب, أنا دخلت الجنوب في أواخر الثمانينات عندما لم أتمكن من مواصلة التعليم, في ظليمة وفي صنعاء, كنا مطاردين.
• أبوك استقر في الجنوب؟
– لا, لم يستقر, أمنا فقط ومجموعة طلاب شماليين, سكنا في القسم الداخلي.
• ثم مع الوحدة عدت؟
– نعم, وسكنا في حجة الى حرب عام94م, ورجعنا الى البلاد (القرية).
• حدثني عن انتخابات عام 93م, في “حبور ظليمة”؟
– كان والدي, علي جميل, مرشح الحزب الاشتراكي في الدائرة, في مواجهة مرشح الإصلاح والمؤتمر…
• (مقاطعاً) حميد الأحمر…؟
– معروف, الموضوع يطول شرحه والوقت غير مناسب للدخول في هذه التفاصيل.
• ولو بإيجاز!
– الموضوع شائك وطويل, يحتاج الى وقت آخر, ثم إن القضية وما حدث فيها معروفة للجميع (يضحك).
• حسناً, حدثني بالتفصيل عن اغتيال والداك؟
– (يضحك) هذا أيضاً موضوع شائك وطويل, يحتاج لجلسة أخرى, والوضع الآن, الظرف العام, غير مناسب للحديث عنه.
• كنت أطمع منك بمعلومات أكبر عن هذا الموضوع, لكن…
– (يضحك) لقد تحدثت عن كل شيء, وإن بقي ففي جلسات أخرى.
• شكراً لك أستاذ ناصر, من جديد, على إتاحتك لنا فرصة إجراء هذا الحوار المهم.
– شكراً لك أيضاً, ولصحيفة “الشارع”.

زر الذهاب إلى الأعلى