مواقف وأنشطة

تشكيل حكومة جديدة بات أمرا حاسما وحان الوقت للنخبة الحاكمة في صنعاء لأن تتنحى

يمنات

عبد الله عبد الوهاب ناجي
المدير المساعد للشؤون التشريعية في “لجنة أصدقاء التشريع الوطني” يؤيد مطلب “جبهة إنقاذ الثور السلمية”:
الجمهور اليمني فقد الثقة بالحكومة الانتقالية وبالمانحين الدوليين والانهيار الاقتصادي وشيكا
المجتمع المدني المتعثر في هذا البلد الشرق أوسطي
*مايكل شانك- لجنة الأصدقاء الخاصة بالتشريع الوطني
إن الثقة أمر ضروري لأي مجتمع ليؤدي وظيفته؛ فإذا لم تتأسس الثقة، يصبح التقدم السياسي والاقتصادي أمراً مستحيلاً.
هذا هو بالضبط ما يحدث الآن في اليمن؛ بحيث لا يمكن الوثوق بالحكومة الانتقالية، لا ولا يمكن التعويل كثيراً على الجهات المانحة ومجتمع التنمية الدولي من وجهة نظر جمهور المواطنين في صنعاء حيث قضيت الأسبوع الماضي. إنها لمشكلة خطيرة ويمكن ان تسبب انهيار الخرائط الانتقالية الهشة ما لم يجري تصحيح النهج بشكل فوري.
فبالنظر إلى الحكومة اليمنية، فالحكومة الانتقالية أظهرت مرارا وتكرارا عدم مسؤوليتها في توفير الخدمات الأساسية لما يقرب من 25 مليون شخص في البلاد، على الرغم من ان غالبية الاحتياجات الأمنية الأساسية باعثة على اليأس، وهم يجلسون بشكل خطير على شفا الانهيار.
هناك أزمة إنسانية في اليمن. ومع ذلك أخبرني مسئولون في الحكومة الانتقالية دونما خجل بأن حكومتهم ليس لديها أي دخل في هذه الشؤون. إنه لأمر مثير للصدمة ولا يمكن السكوت عنه. فالنخب تسمح للملايين من الناس بأن تجوع وتمرض في ظروف غير صحية وباعثة على الرثاء.
كما أن الأمر المُحيِر أن الحكومة الانتقالية تزعم أنه لا يمكنها السيطرة على الفساد، وأن الفساد ليس بالحالة الشائعة، على الرغم من الأدلة الدامغة التي تثبت خلاف ذلك. وقد تسبب عدم كفاءة النخبة الحاكمة في تمويلات كارثية – فالإنفاق الحكومي المفرط على دعم الوقود لم يساعدها- وترك الحكومة برصيد بنكي يغطيها لأقل من ثلاثة أشهر. يبدو الانهيار الاقتصادي وشيكاً بغض النظر عن معرفة كم هو الدعم الخيري المقترح في لندن في اجتماع ” أصدقاء اليمن” الاسبوع الماضي مع المانحين الدوليين.
يظن البعض في صنعاء أن السبب وراء عدم استعداد الحكومة اليمنية لرعاية الاحتياجات الأساسية للسكان ماضياً وحاضراً يكمن في الاحتفاظ بسيطرتها على الشعب؛ أخبرني قيادي في المجتمع المدني بطريقة ممازحة: ” جوع كلبك يتبعك ” ..بحكم أنه كلما كان الوضع أكثر سلبية كلما كان ذلك أفضل.
تبدو النخب في صنعاء غير راغبة في القيام بما هو ضروري لرعاية شعبها أو إصلاح أزمة الوقود المتكررة. والناس هنا ليس لديهم الكثير من الصبر لسنة أخرى من الأعذار. وهذا هو السبب الذي يجعل من فرضية تشكيل حكومة جديدة أمراً حاسماً.
إن انعدام الثقة يأتي بعواقب وخيمة: لن يدفع المواطنون اليمنيون الضرائب في أي وقت قريب بما أن الأساس المنطقي متوفر؛ إذاً لماذا تعطي الحكومة الانتقالية المال اذا كانت فاسدة كليا ولا يمكنها أن ترعى جمهورها؟ هنالك حافز ضئيل من قبل الجمهور لدفع الضرائب ذلك لأنهم لا يجدون أن هذا المال يعود عليهم عبر المياه النظيفة والصرف الصحي والبنية التحتية، أو التنمية الاقتصادية.
الضرائب ضرورية للحكومة لتؤدي وظيفتها. ففي الوقت الحالي تشمل الضرائب 7.8 في المئة فقط من إجمالي الإيرادات الحكومية. ومع ذلك فإن الكثير من الصناعة الحكومية، بما في ذلك النفط والزراعة و القطاعات الصناعية، معفية من دفع الضرائب، وقد ظلت على هذا الحال لسنوات طوال. فبالنسبة للأفراد غير المعفيين من دفع الضرائب، فهم يقدمون الرشوة كمخرج بديل عن دفع الضرائب، كما أن حالة التهرب الضريبي متفشية. بينما نجد أن أصحاب الدخل المرتفع الذي يقيدون أسمائهم في السجل الضريبي يقومون بعمل ذلك بشكل وهمي قائم على التقييمات الذاتية، التي ليس هنالك من بد سوى الموافقة عليها من قبل أي محاسب ولا يمكن التدقيق عليها من قبل السلطات. وقبل أن يصبح المسئولون في الحكومة اليمنية وملاك الصناعة الكبيرة على استعداد لدفع ضرائب الدخل و الشركات، فلا تتوقع أن يكون الجمهور مستعداً لدفع الضرائب في أي وقت قريب.
ومن أجل استعادة الثقة، تحتاج الحكومة إلى قدوة يُحتذى بها إذا كانت ترغب في زيادة قاعدة دافعي الضرائب الخاصة بها، ذلك أن القيام بأمر كهذا قد يعالج بعض الإحباط الذي عبر عنه رئيس مصلحة الضرائب اليمني الذي يدفع باتجاه إيجاد نظام ضريبي آلي لإنهاء القشدة الفاسدة على جميع مستويات الحكومة، و يدعو لأن تحل حكومة تكنوقراط وطنية ومحلية محل حكومة الوفاق الحالية.
يقدر رئيس مصلحة الضرائب في اليمن توفير إيرادات حكومية بمبلغ إضافي قدره خمسة بليون دولار إذا ما التزمت الحكومة اليمنية بإيجاد جدول ضريبة صارم. (بحيث لا يشمل هذا الرقم القطاع الزراعي وذلك من أجل حماية الإمكانات الزراعة الهشة للشعب، ولا البضائع المهربة التي يصعب حسابها)، وهذه هي الكيفية التي يمكن للحكومة أن تباشرها لبناء ثقة الشعب بها. يجب أن يرى المواطنون أولاً ان حكومتهم تقودهم بكفاءة قبل أن يُطلب منهم طاعتها.
يقع المجتمع الدولي هو الآخر تحت طائلة المسؤولية لفشله في كسب الثقة في أوساط المجتمع المدني في اليمن. فالشعور السائد في صنعاء بين أوساط المنظمات العاملة في مجال حقوق الطفل والتنمية السياسية والاقتصادية الشبابية هو أن المجتمع الدولي يرى اليمنيون ك “بلهاء” (هذه هي كلماتهم حرفيا). للأسف، سمعت هذا الكلام من عديد من المصادر البارزة والموثوق بها الأسبوع الماضي في صنعاء.
وبحسب بعض المنظمات غير الربحية الرائدة في البلاد، فإن المانحين الأجانب ووكالات المعونة ينتهجون نهجاً غير شفافاً فيما يخص ميزانيات ومقترحات المشاريع، تسوده أجندات خفية، ويفشلون في بناء قدرات المنظمات المحلية غير الحكومية، ويوظفون أناس من ذوي الخبرات القليلة في موضوع الاختصاص ومن ذوي الوعي الثقافي المتدني أيضاً، ويبدون حريصين على دأب المتاجرة باليمن كبلد غير مستقر لأنها تعمل على ديمومة فرص عملهم. وعلاوة على ذلك، تصطاد الشركات الأجنبية أفضل المواهب في المنظمات غير الربحية المحلية، وتدفع لهم ضعفين إلى ثلاثة أضعاف الرواتب التي يتحصلون عليها من المنظمات غير الربحية المحلية، تاركة المجتمع المدني اليمني بإمكانات قيادية قليلة بعد أن تستثمر بإجحاف بموظفيها.
تعمل هذه المخاوف والتصورات الحقيقية على تقويض الثقة بالمجتمع الدولي و تعرقل من إمكانيات الشراكة من أجل التنمية. فبدون الثقة في الهيئات الوطنية أو الدولية، فإنه لمن الصعب الحفاظ على الأمل في كثير من الأحيان. وجراء فقدان الأمل بالهياكل الشرعية للحكم يلجأ الناس غالبا إلى وسائل غير مشروعة لتلبية الاحتياجات البشرية. وهذه هي البؤرة التي ينطلق منها العنف.
إلا أن هذا لا يعني أن كل شيء مفقود؛ فهنالك من المنظمات الأهلية العاملة مع الشباب اليمني، الذين يؤلفون غالبية سكان البلاد والذين قادوا الثورة لبناء إمكاناتهم الاقتصادية والسياسية بعد أن خاب أملهم وانخفضت روحهم المعنوية جراء فشل ثورة عام 2011 في استبدال الحرس السياسي القديم؛ هؤلاء الشباب هم الآن من يبدد أي فقدان للأمل والثقة بطرق إيجابية و ملائمة ثقافيا.
ثمة برنامج ناجح لتطوير الأعمال الخاصة بالفتيات، على سبيل المثال، يحث بأن الإسلام متوافق مع قيادة النساء في أوساط القوى العاملة، ويسلط الضوء على حقيقة مفادها أن خديجة، زوجة النبي محمد، دارت الأعمال التي عمل بها النبي أيضا. وإذا كان هذا النوع من الحساسية الثقافية تتأسس عليه الثقة، لكن الأكثر منه بات أمر مطلوب.
وبينما تنشغل منظمات مجتمعية بتشغيل دائرة صغيرة من سيدات أعمال اليمن القادم وتدريب قادة مجتمع الغد، فإنه يجري بناء ثقة متجددة في الغد. ستفعل الحكومة اليمنية والمانحين الدوليين صنيعة جميلة إن هم التحقوا بهذا السرب. هذه هي الثورة اليمنية المقبلة، وقبل أن تفهم نخب صنعاء ذلك، فإنها ستفشل دائماً في قيادة هذا الشعب إلى ما يمكن أن يصير إليه. لقد حان الوقت بالنسبة لهم أن يتنحوا. فثمة يمن جديد ينتظر في الأجنحة.
مايكل شانك، استاذ دكتور، يعمل مديراً مساعداً للشؤون التشريعية في “لجنة أصدقاء التشريع الوطني” وبروفيسور مساعد في هيئة التدريس بكلية الحقوق بجامعة جورج ميسون لتحليل النزاعات وحلها.
المصدر: افتتاحية بوليتيكس- يوم أمس الأربعاء

زر الذهاب إلى الأعلى