فضاء حر

ما حضر وما غاب في خطاب الانتصار

يمنات
1- تحدث زعيم الحوثيين عن “الشراكة الوطنية” مؤكدا لها ومشددا عليها في معظم سياقات الخطاب، وكان في ذلك عند مستوى اللحظة ومستوى المتوقع منه، خصوصا وأنه بدا مهجوساً بشكل واضح بزحزحة مخاوف “الإقصاء” و “الاستفراد” و “التهميش”؛ وهي المخاوف السائدة تجاه تياره لدى كل القوى السياسية وكل قوى المجتع ونخبه.
ولم يهمل في هذه النقطة أي شيء مهم.
2- تحدث، بتوفيقٍ كبير، عن كون تياره لا يسعى ل”تصفية حسابات”، ولا يحمل أجندات “انتقامية” أو “ثأرية” تجاه أحد، مشيرا بشكل خاص، وبالإسم، إلى حزب الإصلاح في رسالة تطمينية كأوضح ما يكون.
وغاب عن الخطاب، في هذا المفصل، تقديم زعيم الحوثيين تفسيرا للأعمال العدائية التي طالت بيوت قيادات في الإصلاح، إضافة لاقتحام قناة “سهيل”. إن هذه الأعمال ليست بالحدث التفصيلي العابر والذي يمكن التغاضي عنه، إذ أنها نجحت في إيصال رسالة بالغة السوء عن الأداء الذي سيكون عليه الحوثيون في تعاملهم مع خصمهم “السياسي” و “الديني”.
ولو وجه السيد عبد الملك الحوثي في خطابه اعتذارا رسميا صريحا عن ما حدث، ووعدا بالتحقيق فيه، لكان ذلك اعتذارا ووعداً مستحقَّيْن جداً، ومن أسفٍ أنهما غابا.
3- أكد على “اتفاق الشراكة الوطنية” واعتبره “عقدا” جديدا، وأساسا مهما للشراكة في “بناء الدولة العادلة”، بل واعتبر الاتفاق ذروة “انتصار الثورة”، وهذه رسالة غاية في الأهمية لجهة تأكيدها على “الشراكة” بناء على قاعدة هذا “العقد” الجديد ومحدداته الواضحة في توزيع “مهمات” هذه الشراكة، إنه بمعنى آخر التطبيق الإجرائي لشعار “الشراكة”؛ كي لا يظل شعارا فقط.
ولكن غاب عنه، عند هذه النقطة، الحديث عن أمرين بالغي الأهمية:
أولا: موقع “الدولة” كضامن لهذا الاتفاق ولهذه الشراكة، أيا كان الضعف الذي هي عليه، وبدلا عن ذلك تحدث عن مجرد “رقابة الشعب” والتي تعني رقابة “اللجان الشعبية”؛ أي أنه يقدم قوة تياره العسكرية والجماهرية كضامن وحيد، وهذا سيؤدي إلى المزيد من إضعاف “الدولة” التي يقول الخطاب إن بناءها هو مهمة اليمنيين في هذه المرحلة!!
ثانيا: موقع “رئاسة الجمهورية” كأعلى مؤسسة دستورية في البلد؛ في مستقبل العملية السياسية القائمة على “الشراكة” بضامنها الوحيد الوارد في الخطاب وهو “تيار الحوثيين”، إن تغييب الدولة كضامن هو بالتبعية تغييب لمؤسسة الرئاسة كما لبقية مؤسسات الدولة.
على أن تجاهل إبداء أي موقف تجاه المقولات المتداولة بأن الحوثيين سيحولون رئيس الجمهورية إلى “رئيس شرفي”، وعدم التأكيد على أن قوة الأمر الواقع لن تضعف مؤسسة “الرئاسة” (سواء كان الرئيس هادي أو غيره أو من سيأتي بعده) هو أمر يؤدي إلى خفض سقف التوقعات ناحية اعتدال وتوازن العملية السياسية القادمة وناحية الجدية في بناء “الدولة” العادلة والقوية.
والأمل أن يتلافى الحوثيون ذلك في القريب العاجل، إذ لا يريد اليمنيون شيئا كما يريدوا رئيسا قويا بقرار مستقل كمقدمة بديهية ل”الدولة” القوية.
4- تحدث بإيجابية عن مؤسسة الجيش، وحذر من المساس بها من بعض الأطراف خصوصا مايقال بكثرة هذه الايام عم محاولات تسليم ألوية الجيش في البيضاء للقاعدة، وتلك رسالة مهمة وبمثل أهميتها تطمينه سكان العاصمة صنعاء.
ولم يغب عند هذه النقطة من الخطاب إلا الأمر الأهم: موعد انسحاب “أمنيات” أنصار الله و جودهم العسكري من العاصمة.
لا أتوقع أن النية الحوثية تتجه للإبقاء على هذا الوجود مدة طويلة، ولكن مرور ثلاثة أو أربعة أيام للآن دون البدء بإجراءات الانسحاب وعملية التسليم والاستلام مع أجهزة الدولة؛ يُعتبر مدة طويلة، فضلا عن الإشارة غير المفهومة في الخطاب عن “المؤسسة الأمنية جنبا الى جنب اللجان الشعبية”!
الخطاب بمجمله مطمئن ويليق بمنتصر عاقل ووطني، يتبقى أمر النقاط الغائبة و الواردة آنفا، مثلما يتبقى واقع الوضع الأمني: فإن لم يتم الانسحاب من العاصمة سريعا فإن “الانتصار” يكون قد بدأ العد التنازلي لتحوّله إلى خسارة مفتوحة.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى