فضاء حر

عن تعز من جديد وعن مخاطر الحرب فيها تحت عناوين طائفية

يمنات
وصلتني الكثير من رسائل العتاب على المقال الذي نشرته بالأمس في صحيفة الأولى تحت عنوان: في المعركة الطائفية اللعينة ستخسر تعز بلح “الجنوب” وعنب “الشمال”، واعتبر بعضهم أن في المقال مبالغات وصلت الى حد التحريض المناطقي أو المذهبي، وأكد بعضهم أنه من المستحيل أن ينجر اليمن الى هكذا صراع.
ورداً عليهم أتمنى أن يسألوا أنفسهم بعض الأسئلة ومنها: هل كان المواطن العراقي قبل هذا الأحداث واسقاط نظام صدام حسين يتوقع أن يكون حال العراق هكذا؟ من كان يتصور أن تحدث مجازر بين السنة والشيعة في هذا البلد الذي اختلط أبنائه وتصاهروا لعدة أجيال دون أي تمييز؟ من كان يتوقع أن يسبي العراقي المرأة العراقية المختلفة عنه في الدين أو المذهب؟ من كان يتوقع أن يذبح العراقي أخاه على الهوية الطائفية؟ من كان يتصور أن تفخخ المساجد والحوزات العلمية ويصل العراق الى هذا التناحر بين داعش “السنية” والمجموعات الأخرى “الشيعية” التي تقاتلها؟ نفس الأسئلة يمكن أن يتم اسقاطها على الوضع السوري.
***
في اليمن كان تنظيم القاعدة “اليمني” يكرم من يختطفهم من سواح أو مسؤولين أو دبلوماسيين أجانب ويتم مبادلتهم في صفقات مقابل إطلاق بعض أعضائه من السجن، كانت لا تزال قيم القبيلة والنخوة العربية والعادات والتقاليد اليمنية لها أثر في سلوك حتى المجموعات المتطرفة، وكانت تخجل حتى من طلب الأموال كفدية فكيف بذبح المختطفين لديها.
انتقل التوحش الذي ظهر في سوريا والعراق وافغانستان الى اليمن بعد عودة بعض المقاتلين “الجهاديين” اليمنيين من تلك الدول، إضافة الى المقاتلين المنتمين لدول أخرى، حيث تبدل سلوك تنظيم القاعدة في اليمن، وأصبح لا يتورع عن ذبح مختطفيه، ولا عن استهداف تجمعات عسكرية لطلبة كلية أو معسكر لم يدخل معهم في أي صراع وبعيد جداً عن مناطق الحرب معه، بل أنهم ذبحوا جنوداً في حضرموت وهم عائدون الى بيوتهم في أحد الباصات، كما أنهم بدأوا في السطو على البنوك ومختلف المؤسسات الحكومية ونهب محتوياتها، وتحول التنظيم الى أشبه بالعصابة الاجرامية بعد أن كان له أهداف ومشروع –نختلف أو نتفق معه- عندما كان لا يزال بن لادن حياً وهو مثلهم الأعلى.
***
ومن هنا علينا أن لا نستبعد أن تصبح اليمن سوريا أو عراق جديد، وأن ندخل في حروب طائفية سواء على أسس مناطقية أو مذهبية، ومقالي عن تعز هو كشف للسيناريو الذي قد يحدث اذا ما استسهلنا عبارات التحريض التي يتم تداولها اليوم.
عندما أقوم بتنزيل بعض صور الضحايا المدنيين من نساء وأطفال في صعدة أو صنعاء أو عمران في صفحتي أصدم من التعليقات التي تصدر من الكثير، حيث أنها تتلذذ بصور الضحايا وتدعو للمزيد من القصف وتقول الكثير من العبارات “تستاهلوا”.
لم يعد الكثيرين يميزوا بين الخلافات والصراعات والحروب السياسية وبين وجوب ادانة قتل المدنيين ومن أي طرف، وبين الحصار لشعب بأكمله، وبين الكثير من التجاوزات التي لا يجب أن نبررها حتى في ظروف الحرب.
***
من يدرس تجربة العراق وكيف تحركت الكثير من الكتل السكانية واعادت انتشارها وتموضعها بعد الصراع المذهبي والطائفي سيجد أن اليمن سائر بهذا الاتجاه، وعندما كشفت في مقالي تلك الحقائق انتقدني الكثيرون مع أنها واضحة للجميع، وتم مهاجمتي وكأني من اخترع تلك القصص.
الم يعود أغلب المواطنين الشماليين من الجنوب -وأغلبهم من تعز واب- خلال السنوات الأخيرة؟ الم تحرق الكثير من محلاتهم؟ الم يعتدى على الكثير منهم؟، الم يبع أغلب الشماليين ممتلكاتهم وعقاراتهم واستثماراتهم في الجنوب خلال السنوات القليلة الماضية بفعل التحريض المناطقي المقيت؟، لماذا لا نعترف بهذه الحقائق ونسعى لمعالجة تلك المشكلات بدلاً من أن ندفن رؤوسنا في الرمال؟.
كما تحركت تلك الكتل البشرية من الجنوب الى الشمال بفعل التحريض المناطقي ستتحرك كتل بشرية داخل الشمال بفعل التحريض المذهبي والمناطقي داخل الشمال نفسه والسائد اليوم في المعركة القذرة في تعز، والتي تتحمل مسؤوليتها كل الأطراف التي تخوضها بما فيهم أنصار الله “الحوثيين” وحزب الإصلاح “الاخوان المسلمين” ومناصري الرئيس السابق صالح.
***
اذا استمرت تلك المعركة وذلك التحريض واستمر نزيف الدم تحت عناوينها سيتم الفرز التدريجي للسكان دون اعلان مسبق، وكلما استفحلت المشكلة وتوسعت رقعتها سيجد الكثير من المواطنين أنفسهم غير مرحب بهم في الكثير من المناطق، فكما وجد الشمالي بأنه غير مرحب به في الجنوب قد يجد الصنعاني أو الزيدي بأنه غير مرحب به في تعز –وقد بدأ هذا بالفعل- حيث ينظر اليه أنه طابور خامس للحوثيين.
عندما تبدأ الطائفية لا يعرف أحد أين ستتوقف، وكما أشعلت بعض التيارات السياسية الجنوبية حمى الطائفية المناطقية ضد الشماليين لأهداف سياسية قذرة سيكتوون بنارها قريباً، وستستمر الطائفية في تحريك الكتل السكانية لكن هذه المرة داخل الجنوب، فبمجرد أن يعلن أبناء حضرموت أو شبوه أو غيرها من المحافظات خياراتهم وتطلعاتهم الخاصة التي لا تريد الارتباط بالمركز المقدس في الجنوب مجدداً ستستعر حمى المناطقية في كل مكان وسيؤدي الى فرز سكاني داخل الجنوب.
***
الطائفية كالوباء اذا ما استخدمتها ضد طرف معين قد لا تستطيع وقفها وقد تمتد الى داخل الطرف الذي أطلقها، وتفرزه على أسس طائفية مناطقية في حلقات جغرافية أصغر وهكذا، وذلك ما لم يدركه نافخوا الطائفية في الجنوب منذ سنوات.
اعرف أن الكثير سيدعون أن الجنوب موحد ضد الشمال وأنه لا توجد مشاكل جنوبية، لكن في قرارة أنفسهم يعرفون حجم التباينات الجنوبية الجنوبية، حيث أنها أعمق من التباينات الشمالية الجنوبية، ويمكن سؤال أي من أبناء حضرموت مثلاً هل سيقبل بدولة جنوبية واحدة تحكم من عدن، ومن الإجابة ستعرفون كمية التباين والخلاف، ولا يقتصر الخلاف بين حضرموت وبقية المناطق بل ان هناك خلافات حادة حتى داخل المركز المقدس في الجنوب، وفرز الزمرة والطغمة لا يزال حاضراً في الأذهان الى اليوم حتى في رأس هادي وهو في الرياض، وما تعامله مع الضالع بهذه العقلية منذ وصوله الى السلطة الا دليل ناصع على استمرار ذلك الفرز، وعلى الجميع أن يعرف أن ما يوحد جزء كبير من الجنوبيين حتى اللحظة هو أن لديهم هدف مشترك وهو التخلص من الشمال، ومتى ما تخلصوا منه ستظهر الإشكالات والتباينات الداخلية وبقوة.
***
على أبناء محافظة تعز أن يعوا المخاطر من المعركة التي يخوضونها اليوم، وبالأخص عندما تخاض تحت عناوين تحريضية مناطقية مذهبية، وعليهم أن يتوقعوا أسوأ الاحتمالات، وأن يستذكروا النموذج السوري والعراقي، بل والنموذج الذي حصل في الجنوب عندما تم اخراجهم من كل محافظاته تقريباً الا من رحم ربي، وهذا السيناريو مرشح للتكرار في الشمال كذلك اذا لم نعي لمخاطرة، ولن يقتصر ضرره على تعز وحدها بل سيشمل كل أبناء المحافظات اليمنية.
قد تكون الحقيقة مرة لكن علينا الإفصاح عنها لنتمكن من دراسة أسباب المشكلة ومخاطرها وطرق معالجتها، متمنياً من الذين لديهم نقد لهذا المقال أن يكون موضوعياً ويردوا على الأمثلة والتجارب التي ذكرتها سواء في الدول العربية أو حتى في داخل اليمن، وهل هي واقعية أم من نسج خيالي؟.
المصدر: “صحيفة الأولى”

زر الذهاب إلى الأعلى