فضاء حر

عدن .. برِكة التطرف ومستنقع الفساد والارتزاق المهين

يمنات

صلاح السقلدي

يظل الوضع الأمني المتردّي في الجنوب – وفي عدن بالذات – هو العنوان الكبير والبارز الذي يعبر بوضوح، ومن دون أية رتوش، عن الصورة الحقيقية للوضع العام الغارق بوحل الفوضى، وببرِكةِ التطرف ومستنقع الفساد والارتزاق المهين، كما يعبر صراحة، عن الفشل الذريع الذي أسسته وتأسسه السلطة التابعة للرئيس عبدربه منصور هادي وحزب «الإصلاح»، المسماة بـ«الشرعية» في عموم الجنوب، منذ اليوم الأول لهذه الحرب، بعد أن عمدت هذه السلطة، ومن خلفها «التحالف» (السعودية والإمارات)، ولمآرب وحاجات في نفوسهم، على تلغيم الجنوب بكيانات ومليشيات وكتائب متعددة، بعضها بأسماء أشخاص ومدلولات شخصية وطائفية وجهوية، تسمى جزافاً أمنية وعسكرية، تم غرسها في الجسد الجنوبي بعمق، على حساب المؤسسات الرسمية – أو بالأحرى ما تبقى منها – ليسهل، بالتالي، التحكم بها، أي الكيانات الأمنية، وببندقيتها لمصلحة تلك القوى المحلية والإقليمية الطامعة والمعروفة للقاصي والداني، مثلما يتم الزج بها في معارك خارج الجغرافيا الجنوبية، لتقوم بحروب بالوكالة، بنكهة طائفية في ظاهرها، وسياسية توسيعة في باطنها، تستهدف القضية الجنوبية لمصلحة هذه القوى المحلية والاقليمية، على اختلاف مصالحها وتصادم أهدافها وأيدولوجياتها.

في عدن، كيانات أمنية وسياسية وثورية تبدو ككرة قش، متماسكة بعض الشيء من الخارج بحكم حاجتها لذلك، إلا أنها من الداخل مفككة أشد التفكك، يتهم الكل فيها الكل بالمسؤولية عن الفشل الأمني، في وقت يُنسبُ فيه كل فصيل أمني وسياسي لنفسه الفضل في النجاح الأمني «المزعوم». بل ومِن أطرف الطرائف، أن تجد إعلام وزارة الداخلية يتحدث عن الفشل الذي يسود محافظة عدن، وفي نفس الوقت يتحدث بحماسة عن نجاح الوزير الباهر…! وفي المقابل، تتحدث أصوات إعلامية تابعة لإدارة أمن عدن، عن نجاح أمني كبير، وفي ذات الوقت تتحدث عن فشل الوزير فشلاً ذريعاً. فلا نعلم كيف يكون الوضع الأمني في عدن فاشلاً، فيما الوزير ناجحاً. ونحن بالمناسبة هنا نتحدث عن العاصمة «عدن»، وليس عن أية محافظة عادية؟ ولا كيف نفهم أيضاً، أن يكون الأمن في عدن ناجحاً فيما الوزير فاشلا؟!

لكن على الرغم من كل هذا الخطاب المنفصم ومتاهاته، فإننا نعلم جيداً أن الكل فاشلاً بامتياز أمنياً وسياسياً، والكل أيضاً – إلا من رحم ربي – يعملون بالأجر اليومي والشهري عند الكفيل الكبير «التحالف السعودي – الاماراتي»، ويتنافسون على إرضاءه والفوز بكرمه وما يجزل به من العطايا والهدايا، فيما الوطن يهوي بشدة من حالقٍ إلى قرارة الضياع.

وبالتالي نقول، بكل أسى، إن هذه النتيجة الواضحة للفشل الأمني، الماثلة أمامنا اليوم، هي حصاد طبيعي لبذور الطريقة الكارثية التي تأسست عليها هذه الكيانات، وهي أيضاً النتيجة المرجوة التي سعت إليها الجهات الإقليمية والمحلية، منذ اليوم الأول، لإمساكها بهذا الملف.

فالجنوبي يجب أن يضرب الجنوبي في حال تمرد على مشاريعها السياسية وأهدافها الاستحواذية التوسعية، أو في حال ظهر الحديث بجدية عن مستقبل الجنوب وقضيته الجنوبية، هذه القضية، التي صار الكل يتخذ منها جسر عبور نحو ضفة مصالحه وغاياته، ويمرر فوق جسدها مشاريع وأطماع القوى اليمنية والإقليمية التي يعمل تحت اُمرتها. 

ولقد شاهدنا بروفة واضحة لهذا التوظيف السياسي الشيطاني الذي أجاد ببراعة استخدام هذه الكيانات الأمنية في شهر يناير الماضي، حين اندلعت الاشتباكات العسكرية الخطيرة بين قوات «الحزام الأمني»، وبعض الوحدات الأمنية والعسكرية الأخرى الموالية للقضية الجنوبية و«المجلس الانتقالي» وبين ألوية الحراسة الرئاسية، وكيف صوّرت وسائل الإعلام التابعة لهذه السلطة، ووسائل إعلام «سعودية» ذلك المشهد، بصورة مشوهة ومقلوبة، حين أصرت على توصيف تلك الاشتباكات، على أنها حرب تدور بين الجنوبيين بصفتهم جنوبيين، وليس بين قوات موالية للطرف الجنوبي وقوات تابعة للسلطة المسماة بالشرعية، المسيطر عليها حزب «الإصلاح»، المتخفي خلف ستار عسكري شفاف، اسمه ألوية الحراسة الرئاسية. تم هذا التوظيف حتى يبدو الأمر بصفته صراعاً جنوبياً – جنوبياً، بصبغة جهوية بحتة، معيدة إلى الأذهان، وبتعمّد شرير، أحداث يناير العام 1986م، وليس بصفته صراعاً بين مشروعين سياسيين متضادين، جنوبي تحرري ويمني وحدوي، على منوال وحدة العام 1994، والغاية فيه هي الهيمنة على الجنوب وتقويض تطلعاته. 

وخلف هذا كله، يختبئ الصراع والتنافس الخليجي «الإماراتي – القطري – السعودي» في اليمن، وفي الجنوب تحديداً. الصراع الذي يحتدم بأيادٍ جنوبية وإصلاحية منذ اشتداد الأزمة السياسية الخليجية، وما الساحة الأمنية الجنوبية، إلا واحدة من ميادين هذا الصراع، وإن كانت أخطرها مع الساحة الاقتصادية المستعرة في الموانئ والجزر ومنابع النفط، من محافظة المهرة شرقاً، إلى باب المندب، وصولاً إلى البحر الأحمر، ولن تنتهي في مدينة وميناء الحُديدة، الذي يسيل له اللعاب الخليجي بغزارة، لتستكمل به سلسلة الهيمنة والاستحواذ الخليجي على طول السواحل، من شرقها حتى شمال غربها، مروراً بدرة التاج «عدن». وكل هذا يتم على حساب أصحاب الأرض، وبدماء أصحاب الأرض، وبغباء وسذاجة أصحاب الأرض ومرتزقها، فالجوع والارتزاق كافران وخائنان بامتياز بهذا الوطن المنكوب.

المصدر: العربي

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى