أرشيف

الزوجة آخر من يعلم

حين صدر الحكم أوائل يوليو 2009 بالسجن 150 عاماً على الملياردير الأميركي بيرنارد مادوف، الذي وصفه القاضي بأنه أكبر محتال في تاريخ الولايات المتحدة بعد أن تمكن من الاحتيال على عشرات آلاف البشر طوال عشرات السنين وكانت الحصيلة خمسة وستين مليار دولار، أصدرت روث مادوف، زوجته منذ قرابة خمسين عاماً، بياناً قالت فيه «أشعر بأني خُد.عْت وصدمت، كما خُدع وصُدم الكثيرون غيري، فالرجل الذي ارتكب هذا العمل الفظيع ليس هو الرجل الذي عرفته طوال هذه السنين». وأضافت أنها لم تعلم بأمر عمليات الاحتيال تلك إلا قبل أيام قليلة من اعتقاله.

من الواضح أن روث مادوف ليست وحدها بين زوجات السياسيين والمشاهير اللواتي أصبن بالصدمة والذهول بعد انكشاف تعرضهن للخداع من قبل الأزواج.. ومن بين أولئك النسوة جيني سانفورد زوجة حاكم ولاية كارولاينا الجنوبية التي لم تعلم بأمر العلاقة بين زوجها والأرجنتينية ماريا شابور إلا بعد نشر تفاصيلها في الصحف.

والشيء ذاته يقال عن سيلدا زوجة حاكم نيويورك السابق إليوت سبيتزر، التي لم تعرف أن زوجها زبون شبه دائم لشبكة دعارة إلا بعد انكشاف أمره ونشر التفاصيل في الصحف.

ومن خلال هذه الأمثلة يمكن القول ان الزوجات الثلاث، وغيرهن الكثيرات، كن في الجانب المظلم من الحياة الزوجية على الرغم من كل المظاهر الاجتماعية الخادعة.

ولو فرضنا جدلاً صحة ما قالته تلك النسوة من أنهن لم يعلمن بالأمر إلا بعد انكشاف التفاصيل، فهل معنى هذا أنهن فقدن الحواس.. لم يعدن قادرات على رؤية ما يدور حولهن.. لم يعدن قادرات على شم روائح الفضيحة قبل أن يستفحل أمرها؟ هل فقدن القدرة على سماع الهمس من حول الزوج الخائن؟

وإذا فرضنا أنهن لم يفقدن أياً من تلك الحواس، فهل هذا يعني أن هناك حدوداً لما يمكن أن تعرفه الزوجة، ولا يمكنها تجاوز تلك الحدود؟

الأسئلة كثيرة بالطبع.. وقد حملها أحد مواقع الإنترنت المتخصصة في متابعة الشؤون الاجتماعية إلى خمس من السيدات المتخصصات، فكانت الحصيلة على النحو التالي:

زواج تبادل المصالح

الدكتورة بيتسي ستيفنسون، أستاذة مساعدة في جامعة بنسلفانيا، كما أنها مصممة آلة حاسبة خاصة لتقرير ما إذا كان هذا الزواج أو ذاك معرضاً لمخاطر الطلاق أم لا وذلك اعتماداً على أبحاث تاريخ العلاقات الزوجية. تقول:

عندما تكشفت فضيحة حاكم نيويورك، تساءل زوجي: كيف يمكنه أن يصرف كل هذه الأموال من دون أن تعرف زوجته؟

فالزواج كما أعرفه وأفهمه وأعيشه هو شراكة بين اثنين تجمعهما الرغبة في العيش سوياً. وفي حال كان الزوجان يعملان، كما هو حالنا، فهما يتقاسمان تكاليف الحياة ومسؤولياتها اليومية.

لكن في المقابل، وعلى العكس تماماً، ففي الزواج التقليدي الذي يصفه خبراء الاقتصاد بزواج تبادل المصالح، أو كما يصفه المتخصصون الاجتماعيون بزواج الدوائر المنفصلة، يتولى أحدهما مسؤولية المنزل والأطفال، فيما يتحمل الآخر مسؤولية العمل وجلب المال.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الزواج الحديث أكثر استقراراً مما كان عليه الزواج قبل أربعين عاماً على سبيل المثال، لكن هذه الحقيقة لا تعني أبدا أن المتزوجين هذه الأيام أكثر سعادة من متزوجي تلك الأيام.

الخيانة علاقة متبادلة

الدكتورة مارلين يالوم، باحثة في معهد كلايمان التابع لجامعة ستانفورد، ومؤلفة كتاب «تاريخ زوجة». تقول:

الزوجات، مثل الأزواج، أحياناً لا يعرفن شيئاً عن الحياة السرية، أو الجانب الآخر من حياة الشريك. وغالباً ما تكون هذه الحياة إما ذات طابع جنسي، كما هو الحال مع زوجات السياسيين الذين تكشفت فضائحهم في الفترة الأخيرة.. وفي بعض الأحيان تتضمن تلك الحياة السرية عمليات احتيال وربما أعمال عنف أو جرائم.

وتضيف في صيغة تساؤل:

إلى أي مدى يستطيع صاحب الحياة السرية الاستمرار في إخفاء أسراره عن شريك العمر؟

هناك بعض من صرخة ضمير.. فقد يكتشف أحدهما الحقيقة، لكن الزوجة غالباً ما تلجأ لإغماض عينيها عن رؤية الحقيقة الواضحة للعيان، وذلك حفاظاً على الرابطة الزوجية وعلى الأطفال. ومن هذه الحقائق أن يقوم الزوج برحلات غير عادية أو لم يسبق له أن خطط لها مع زوجته، أو أن يتأخر في العودة ليلاً إلى المنزل، وربما يقضي الليل خارج المنزل من دون تفسير مقبول.

شريك العمر هو الشخص الذي نستطيع الاعتراف له بأخطائنا، حتى لو كانت تلك الأخطاء تمس جوهر العلاقة الزوجية في الصميم.

في القرون الماضية، جرت العادة أن تتقبل الزوجة خيانة زوجها لأنه لم يكن أمامها أي خيار آخر، إذ ليس لديها الوسيلة المادية والمعنوية التي تمكنها من العيش خارج بيت الزوجية. كما أن القوانين القديمة كانت دائماً إلى جانب الرجل، فحضانة الأطفال من نصيب الأب، مما يعني حرمان الأم من مشاهدة أطفالها.

أما اليوم فأمام المرأة خيارات كثيرة. على سبيل المثال غالبية النساء الأميركيات يعملن ويكسبن المال ويساهمن بقسط وافر في مصروفات البيت والأسرة، وفي حال الطلاق أو الانفصال، لديهن من الموارد المالية ما يكفي للاعتماد على أنفسهن.

كما أن قوانين الأحوال الشخصية غالباً ما تراعي المساواة بين الرجل والمرأة في ما يخص رعاية أو حضانة الأطفال في حال الطلاق.

ولا بد من الاعتراف أن الخيانة الزوجية لا تقتصر على الرجال وحدهم، فالنساء يشكلن نسبة كبيرة من الخيانات الزوجية أيضاً، ولو لم تكن هناك زوجة خائنة لما كان هناك زوج خائن والعكس صحيح.. علاقة متبادلة.

فقاعة من الوهم

الدكتورة جولي ميتز، مؤلفة كتاب «الكمال.. مذكرات زوجة مخدوعة»، تقول:

عندما قرأت كلمات روث مادوف حاولت أن أتخيل العالم الذي كانت تعيش فيه.. ثروة متدفقة.. قصر فخم في نيويورك.. فيلا ولا أجمل في فرنسا.. طائرة خاصة.

قلت يومها: كيف عجزت عن ملاحظة أن كل تلك الملايين لا يمكن أن تأتي من فراغ. لماذا لم تتساءل كل هذه السنين عن مصدر تلك الأموال؟

بالنسبة لي، أعتقد أننا نحن معشر النساء غالباً ما نصنع لأنفسنا عالماً من الوهم عند الارتباط برجل ذي مركز قوي أو جاه أو مال. وعلى هذا الأساس لا أعتقد أن زوجة الحاكم سانفورد عرفت بأمر المرأة الثانية إلا بعد نشر الأخبار في وسائل الإعلام.. أو أن زوجة الحاكم سبيتزر عرفت أن زوجها كان يغدق آلاف الدولارات على العاملات في شبكة دعارة قبل انتشار أخبار الفضيحة، لأن كلاً منهما وضعت نفسها داخل فقاعة من الوهم ولا تريد أن ترى ما يدور حولها.

ولا بأس هنا من الإشارة إلى جانب شخصي تماماً.. فأنا كنت أعيش مع زوجي في منزل متواضع في أحد أحياء نيويورك، ولم تكن لدي أدنى فكرة عن تورط زوجي في علاقة مع امرأة في الجوار، أعرفها شخصياً وتعرفني، إلا بعد مرور ستة أشهر على وفاته أوائل 2003.

يومها أحسست أني كنت مخدوعة كل تلك السنين، تماماً كما هو حال روث مادوف. وقد استخلصت الدرس والعبرة. فعلى الرغم من كوني امرأة مستقلة، قوية وقادرة على الاعتماد على نفسي، لا بد من القول اني بذلت المستحيل طوال سنوات ذلك الزواج على أن أكون مثل ظله. وافقت بملء إرادتي على أن أذيب شخصيتي من أجل أن يظهر كما أريد له أن يكون، وكما يريد هو أن يظهر. ومن أجل ذلك كنت أغض الطرف عن إشارات الخطر التي كانت موجودة بوضوح، لكني لم أكن جريئة بما فيه الكفاية لرؤيتها.

أعتقد أن تلك الإشارات كانت موجودة أمام روث مادوف، كما كانت أمام غيرها من زوجات أولئك السياسيين، فجميعنا قدمنا كل الدعم لتحقيق طموحات الزوج.

الأسرار.. جذور الخيانة

الدكتورة جولي غوتمان، عالمة نفس وشريك مؤسس ومديرة معهد غوتمان للدراسات النفسية في بوسطن، تقول: الخيانة الزوجية ليست بالأمر الجديد.. وفي حالة روث وبيرنارد مادوف، فالأخير خان زوجته على أكمل وجه تماماً كما خان الآلاف من الناس الآخرين. وفي العلاقة الزوجية، حين يعيش كل طرف حياة منفصلة وكأنهما خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً، كل منهما مشغول بحياته الخاصة ويتجاهل أو يهمل خصائص وتفاصيل حياة شريك العمر.. تتكون بينهما جذور الخيانة. فالعلاقة الملتزمة والصحيحة لا تعني فقط عدم وجود أسرار بين الزوج والزوجة، بل تتعدى ذلك بحيث يتمتع كل منهما بالجرأة الكافية على كشف كل أسراره للآخر.

العلاقة الصحيحة والصحية تكون بتبادل الأسرار ومشاركتها بين الزوجين، بأن يعرف كل منهما ما يدور في أعماق فكر الآخر. أما حين يحتفظ كل منهما بحياته الخاصة وبأسراره أيضاً، فلا عجب إن لوثت الخيانة هذه العلاقة.

ومن المؤكد أن كلاً من زوجة مادوف وزوجة سانفورد قد عانتا بصورة مدمرة بعد أن تكشفت حقيقة خيانة الزوج.. توتر قاتل يوشك أن يتحول إلى هذيان أو فقدان للذاكرة.. كوابيس في الليل والنهار على حد سواء.. عدم قدرة على النوم بصورة طبيعية.. انفجار داخلي متوقع في أية لحظة وشعور قوي بأن ما باتت تعرفه عن خيانة الزوج قد لا يعدو أن يكون جزءاً صغيراً من خيانات لا تنتهي ولن تتوقف.

وتمضي قائلة: ان الشفاء في هذه الحالة مستحيل ما لم يعمل الطرفان بكل إخلاص من أجل رأب الصدع. وعلى الطرف الخائن أن يكون مستعداً بكل أمانة للإجابة عن كل الأسئلة وتهدئة كل المخاوف، وعليه أيضاً أن يراعي مشاعر الطرف الآخر ويضع نفسه في مكانه.

الزواج الصحيح لا بد من أن يقام على قاعدة صلبة من التفاهم والإخلاص والوفاء والشفافية.. لا أسرار بين الزوجين.. التسامح والغفران لا يكفيان ما لم يكن هناك استعداد كامل للتعاون من الطرف الآخر.

السعداء يخونون أيضاً

الدكتورة روث هيوستن مؤلفة كتاب «هل يخونك؟ 829 دليلاً على الخيانة»، تقول: الكثير من الزوجات ينطبق عليهن القول الشائع «الزوجة آخر من يعلم».. لا يعلمن شيئاً عما يفعله الزوج لأنهن بكل بساطة تحت تأثير ومفهوم خاطئ يقول انه طالما أن الزوج سعيد في حياته الزوجية، وان الزواج يسير على ما يرام ومن دون مشاكل، فهذا معناه أن الزوج لا يمكن أن يخون زوجته.

مفهوم خاطئ من أساسه.. ففي العام الماضي تم نشر ثلاث دراسات منفصلة أكدت جميعها أن الأزواج السعداء في حياتهم الزوجية يخونون أيضاً، لكن الفرق بينهم وبين الأزواج التعساء في حياتهم الزوجية أنهم أكثر قدرة على لفلفة الموضوع وتسوية المشاكل التي ستنجم حين تتكشف خيانتهم.

وتضيف: ان التكنولوجيا تلعب دوراً رئيسياً في تسهيل الخيانات الحديثة، ففي الماضي كان الزوج الخائن يضطر لمغادرة منزله حين يريد ملاقاة شريكته في الخيانة، أو حتى الاتصال بها هاتفياً. أما اليوم فالإنترنت تقدم خدماتها لتسهيل الخيانة.. كما أن الهواتف النقالة والرسائل النصية يمكن أن تؤمن الاتصال في أي وقت وفي كل الظروف.

لم يعد الزوج الخائن يحسب ألف حساب وحساب لاحتمال أن يراه أو يكتشف أمره أو يضبطه بالجرم المشهود أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران.. فالإنترنت والنقال وغيرهما من وسائل التكنولوجيا الحديثة توفر الغطاء. لذلك لا عجب حين نسمع أن الحاكم سانفورد بدأ علاقته مع تلك السيدة بتبادل بريء للرسائل الإلكترونية!

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى