أرشيف

جزيرة لدعارة المراهقات بالفيليبين وقسيسها لا يملك غير الدعاء وتوزيع الواقي الذكري   

يأتي القس كولويكه حاملا معه الواقيات الجنسية والموز والفراولة والنعناع لتوزيعها على الأطفال أثناء جولاته الليلية في أحد الأحياء الفقيرة بجزيرة سيبو الفلبينية المشهورة بالدعارة

وتنتظر أغلب الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و16 عاما بلهفة هذا الموز ويعبسن في وجهه عندما يأتي ومعه الفراولة فقط. إلا أن البهجة و البسمة سرعان ما ترتسمان على وجوههن عندما يعرفن أنه أحضر معه الكيك.

وتطلق الفتيات علي كولويكه اسم "الملاك" الذي جاء من ايمسلاند وايمسلاند منطقة فى ولاية سكسونيا السفلى بشمال غرب ألمانيا

يقوم كولويكه / 54 عاما/ بدور مؤسسة اجتماعية تهتم بالفتيات منذ أكثر من 20 عاما. وهو لا يعرف اليأس والإحباط على الرغم من أن الوضع في هذه الجزيرة لم يتحسن، ويتساءل بتواضع ما هو الإرشاد النفسي الديني؟ علينا رعاية الفتيات فهن بحاجة لمسعداتنا ولهذا نحن هنا."

ويبعد حي كاماجايان المعروف بتجارة البغاء فقط عدة مئات من الأمتار عن جامعة سانت كارلوس الكاثوليكية التي يقوم هاينس كولويكه بتدريس علم الفلسفة فيها في أيام معينة.

هكذا يتصور قراء الكاتب شارلز ديكنز لندن في القرن التاسع عشر من خلال رواياته الاجتماعية البائسة التي استطاع فيها أن يسلط الضوء على الحياة المعدمة في لندن آنذاك.

ويشتهر حي كاماجايان بالأزقة الضيقة التي لا يمكن فيها أن يتحرك المرء بسهولة وفى منتصف الزقاق يوجد مزراب ماء يمكن بالكاد تفاديه، ويقول كولويكه إن مساحة الحي تبلغ خمسة هكتار ويعيش عليه على الأقل 3000 شخص يستخدمون حماما واحدا.

ويضيف أن كثيرا من السيدات وغالبا الأطفال يعيشون في مساكن تبلغ مساحتها بضعة أمتار مربعة، ومبنية بأكملها بألواح خشبية و صاج مموج.

والمكان هنا قذر تفوح منه رائحة العرق والمخلفات البشرية. وفى بعض الأزقة الخلفية وعلى روافع مخلخلة هناك أجهزة كمبيوتر كبيرة قديمة. ويجلس القوادون وبعض فتيات الدعارة أمام شاشة الكمبيوتر يلعبون ألعاب عدائية خيالية.

يربت كولويكه على كتف سيدة شابة فترفع عينها الزجاجية عن شاشة الكمبيوتر. وينظر كولويكه إلى ذراعها. وتؤكد الوخذتان في الذراع مكان حقن المخدرات أنها واقعة تحت تأثير المخدرات، وتلعب فتيات أيضا ألعاب الرهان والقمار على الانترنت.

وتتمدد امرأة أمام إحدى الكاميرات المتصلة بالانترنت "إنه الجنس عبر الانترنت" هكذا قال كولويكه بشكل عابر أثناء مروره أمام هذه المرأة

في كل روحة وغدوة يحاط القس بالفتيات ويصحن عند رؤيته " أخيرا ها هو القس هاينس!" وينقضضن عليه كما لو كان عمهن المحبب الذي يحضر لهن الشيكولاتة دائما. ويتعلقن بذراعه ويلتصقن به -إنه الشعور بالدفء الإنساني الذي غالبا ما يكون غريبا عنهن. وتقول الفتيات:" إنه الوحيد الذي لا يريد منا شيئا ".

مثلما تذكر لافجوى/16 عاما/ التي يغطى وجهها مساحيق التجميل الكثيرة لكن شكلها يكشف عن أنها فتاة في سن المدرسة وتهمس في أذن كولويكه " اشعر بجوع شديد"، فيعطيها بعضا من عملة البيزو الفلبيني لتشتري طعاما ساخنا.

وتقول جلايتسيا/21 عاما/: " يذهب المال من أول اثنين من الزبائن إلى القوادة مقابل المبيت والطعام. وتضيف "لا زبائن إذا لا طعام". ونجحت الشابة في الهروب من هذا الوسط. وتعمل الآن لصالح أعمال منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" في المنطقة.

وتقول "نتحدث في بادئ الأمر فقط عن أشياء متفرقة وتضيف:" علينا بناء الثقة أولا، وبعد فترة سأقول للفتيات إنهن أيضا يستطعن الهروب من هذا المحيط". وتضيف:"استطعت بالفعل إقناع خمس فتيات هذا العام".

ولجلايتسيا قصة مفزعة حالها حال أغلب الفتيات هنا. ففي عامها الـ13 هربت من منزلها، ووعدها رجل بأن يوفر لها عملا كنادلة في مطعم بمدينة سيبو. وذهبت معه وعندما سألته في نهاية الرحلة بسذاجة: أين المطعم؟ أودعها الرجل في بيت دعارة، وقبض المال وانطلق مسرعا. وفى الحال بيعت جلايتسيا لأول زبون وكان رجلا ألمانياً. وتقول "سرعان ما أصبح الرجل جافا وفظا لأني لم أعرف وقتها ماذا كان مطلوبا مني أن أفعل وماذا يريد منى".

عام ونصف كانت جلايتسيا فيهما شبه سجينة لقوادتها. لم تر فيها قطعة واحدة من عملة البيزو . فالـ 500 بيزو فلبيني التي يدفعها الزبون يذهب منها 300 إلى القواد و100 إلى القوادة صاحبة بيت الدعارة، والـ 100 الباقية تحتفظ بها أيضا القوادة التي تقفل حساباتها نهاية الشهر. وتقول جلايتسيا :" تخصم القوادة مصاريف الطعام والمبيت والملبس، وغالبا ما يتبقى عليها ديون في نهاية الأمر أيضا".

واستطاعت جلايتسيا الهروب بمساعدة القس كولويكه الذي أرسلها إلى العاصمة الفلبينية مانيلا حيث استطاعت إتمام شهادتها في المدرسة الثانوية. فهي تريد أن تتعلم وتصبح صحفية.

ويقول كولويكه: "حسب تقديراتنا فهناك على الأقل عشرة آلاف فتاة يمارسن الدعارة في المدينة، 40% منهن قاصرات".

وقدم المدعى العام بوزارة العدل لتوه تقريرا فى سيبو جاء فيه أنه في العام الماضي تم رفع 32 دعوى قضائية في البلد بشأن أسواق النخاسة وتجارة الرق، منها 28 دعوى في سيبو.

وحسب بيانات عضوة المجلس البلدي ليه كوانو-يابسون فقد تم تحرير 21 سيدة شابة وإغلاق ثلاثة بيوت دعارة.

إلا أن كل ما تم لم يغير كثيرا، فماذا ستفعل قطر ماء تسقط على حديد ساخن

ويقول مدير منظمة "بعثة العدالة الدولية" المعنية بحقوق الإنسان أندريه ساوشينكو:"إن الكثير والكثير من السيدات والأطفال سيقوا قهرا إلى هذا العمل عديم الضمير وفاسد السريرة ".

ويقول كولويكه إن القوادين يجدون غالبا صعوبات في العثور على ضحايا صغار مضيفا: "نادرا ما تصطف الفتيات هنا للعرض علنا كما لو كان مزادا لبيع الماشية، هذا هو فعلا ما يحدث هنا".

وفى شارع ياكوسالم تمر في الظلام سيارة حمراء، وفجأة يظهر خمسة أو ستة قوادين ويصفقون بأيديهم للفتيات ثم يدفعون الفتيات للعرض علانية، عشرة أو اثنتا عشرة فتاة تظهر أمام أنوار كشافات السيارة، ثم ينزل الزبون زجاج سيارته 2 سم إلى أسفل ويشير بأصبعه إلى الفتاة التي يريدها.

ويحصل القواد على المال نظير ذلك وتركب الفتاة سيارة الزبون. وعلى ناصية الشارع تقدم فنادق متخصصة في الدعارة على لوحات إعلانية كبيرة قائمة الأسعار محسوبة بالساعة.

ونظرا لأنه غالبا ما توجد حملات بوليسية تفتيشية تتم دائما الكثير من الصفقات عبر الهاتف الجوال. حيث يودع القوادون الفتيات بالعشرات في الفنادق المكتظة بهن

أما القوادون أنفسهم فينتظرون قريبا من الفنادق ومراكز التسوق لاصطياد زبائن الدعارة، ثم يأمرون بمجموعة من الفتيات عبر الهاتف الجوال وذلك حسب مواصفات الزبون ، وتتم اقتياد الفتيات في سيارة الأجرة. ويختار الزبون إحدى الفتيات وتعود الباقيات.

وبالنسبة للقس كولويكه ورفقائه في منظمة "العدل والسلام وإعادة التأهيل " تصبح الحياة في ظل هذه الظروف أصعب. ويضطر تقريبا إلى أن يدخل في تحالف مع الشيطان. وعن ذلك يقول: "علينا أن نعامل الكل بشكل حسن: القوادون وصاحبة بيت الدعارة والشرطة والسلطات" حتى نتمكن من تحقيق الأهداف، ويستطرد قائلا:" زرت صاحبات بيوت دعارة في المستشفى و أعطيت حموات القوادين "المسحة الأخيرة" التي تعطى للمحتضرين".

ويري كولويكه أن ما يفعله هو نوع من فصام الشخصية "ولكن لابد أن أكون على صلة بهم وإلا لن أتمكن من الوصول إلى تحقيق هدف إنقاذ الضحايا.

وفعلا فإن حي كاماجايان "محظور" على الغرباء، وسرعان ما تستخدم فيها الأسلحة البيضاء والنارية لأتفه الأسباب

ويشير كولويكه إلى باب محل رث ضعيف قائلا: "الأسبوع الماضي أطلق أحد الزبائن النار على فتاة أمام هذا الباب وأرادها قتيلة". ولم يمتلك صاحب المحل المروءة الكافية ولو مرة واحدة ليغلق محله، وسحبوا الجثة بعيدا وواصلوا عملهم".

ويرى المبتزون أن من حق كولويكه أن يوزع الواقي الجنسي والأدوية على الأطفال ويتركوه يعمل في صمت.

ويراعى كولويكه أطفال الشوارع من أجل كسر الحلقة المفرغة للفقر والسرقة والمخدرات والسجن والدعارة وتجارة الأعراض على الأقل لدى بعضهم . ويحاول أن يلتقطهم قبل أن ينزلقوا في هذا الوحل.

وفى منطقة ماهاياهاي بجانب محلات الموضة والأناقة بمركز التسوق (اس ام) الكبير يتولى كولويكه مهام توزيع الطعام على الأطفال الذين ينتظرونه بلهفة ويحمل الكثير منهم الأكياس البلاستيكية في يده. ويقول كولويكه أن الأكياس بها مادة لاصقة يتشممها الأطفال لتحمل ما هم فيه من بؤس

وبعد بضعة كيلومترات أخرى يتقابل أطفال الشوارع عند سوق مسقوفة ينبعث منها الكربون. عندما يخلى البائعون مكانهم ليلا ، ويقول كولويكه: "ها هو تسيتر الذي ارتكب جريمة القتل الأولى له وهو في عامه العاشر" ويضيف: "وتيناي /15 عاما/ لديها الآن الطفل الثاني. وكان طفلها الأول بجوارها في بداية العام هنا وكانت تبدو في حالة سكر كامل، وتوفى الطفل بعد أن عضه فأر في إصبع قدمه بفيروس داء الكلب.

ويبدو أنه لا يوجد أمل تقريبا في حماية الأطفال من العنف والدعارة. فليس لديهم أسر ولم يتعلموا أبدا القيم الأساسية مثل احترام الآخرين أو حتى احترام الذات.

وبدأ كولويكه تنظيم ملتقيات للأطفال وبرامج تشغيل لهم محققا نجاحا متزايدا.

ويتساءل كولويكه:" ماذا ينبغي على المرء فعله؟ هل يحارب الفساد أم الفقر أم يوفر فرص عمل؟".

هذا هو ما تريده الحكومة بالضبط ولكن الكثير مما تقوله لا يعدو كونه وعودا. فهذه على سبيل المثال سيارة شرطة وقفت في حي الدعارة و عليها لافتة "خدمة الشعب وحماية الأبرياء" في حين أن بيت الدعارة الذي بجوارها ملك لعمدة أحد الأحياء.

على كل حال استطاع كولويكه في ثمان سنوات التقاط 350 فتاة قاصر من بيوت الدعارة وتشغيلهن في أماكن آمنة خاصة بالنساء.

وعن تجربته يقول كولويكه: "نقول دائما: هناك خبر جيد وآخر سيئ. والخبر السيئ هو أنه ليس هناك أمل، وأما الجيد فهو أننا لن نستسلم."

كرستيانه أولريش

زر الذهاب إلى الأعلى