أرشيف

اليمن ملجأ القاعدة

يلقى دعاة القاعدة الدينيون الذين ينادون بفضائل الجهاد الكثير من الآذان الصاغية في الأراضي اليمنية، حتى بات من الصعب التمييز بين مقاتلي القاعدةوالشبان الغاضبين العاطلين عن العمل الذين يستطيعون الحصول على الأسلحة بسهولة.

يتمركز عدد من ناشطي «القاعدة» الأكثر فاعلية، مع بعض أسلحة هذا التنظيم الأكثر فتكاً، في اليمن، وهو دولة فاشلة في الزاوية الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة العربية، حيث يعتقد معظم الناس أن الحركة الإرهابية الأخطر في العالم ما هي إلا بدعة من نسج خيال الدعاية الأميركية.

 لا أحد يعرف خبايا اليمن أكثر من أجهزة الاستخبارات السعودية، فكان عملاؤها في صنعاء أول مَن حذر الاستخبارات الأميركية والبريطانية والألمانية من القنابل المرسلة إلى الولايات المتحدة والمخبأة في طرود شركة United Parcel Service. كانت هذه القنابل معدّة لتنفجر في الجو، وإن لم تنجح هذه الخطة، فإن هذه الطرود المرسلة إلى شيكاغو، كانت ستنفجر عند فتحها.

تأرجح شمال اليمن وجنوبه بين الوحدة والانقسام وبين الماركسية والإقطاعية، بعد آخر حملات بريطانيا في عدن عام 1967، حين تمرد رجال الأمن المحليين وقتلوا 24 جندياً بريطانياً وجروا جثثهم المشوهة في الشوارع. كانت آنذاك الإمبراطورية البريطانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، فهاجم الكولونيل كولن ميتشل، الذي لُقّب بالكولونيل ميتش المجنون، الثوار في مرفأ كريتر، فيما كان 15 جندياً يعزفون على مزمار القربة نشيد «اسكتلندا الشجاعة». بعد ذلك، عادت القوات البريطانية إلى أرض الوطن، لتحل محلها دولة تابعة للاتحاد السوفياتي، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

أما شمال اليمن، فاختار الملكية، سعياً منه لنيل حظوة عند جارته الملكية القوية، المملكة العربية السعودية. فشعر الرئيس المصري، جمال عبدالناصر، أن الفرصة متاحة أمامه لتحقيق حلمه العربي، فبدأ العمل للإطاحة بالملكية في اليمن وتقويض حكم آل سعود. ظن عبدالناصر أن سرية من القوات الخاصة وسرباً من الطائرات المقاتلة سينجحان في إنشاء جمهورية يمنية، ولكن سرعان ما ظهرت الحاجة إلى تعزيز القوات المصرية. فوصل عدد الجنود إلى 15 ألف جندي عام 1962، 36 ألفاً عام 1963، 50 ألفاً عام 1964، و70 ألفاً عام 1965، وتوزع الجنود المصريون المرسلون إلى اليمن على 13 سرية مشاة، وفرقة مدفعية، وفرقة دبابات، فضلاً عن معظم سريات القوات الخاصة والمظليين في الجيش المصري.

ألحقت المملكة العربية السعودية والملكيين اليمنيين التابعين لها خسائر فادحة بالمصريين، فبلغ عدد القتلى في صفوف الجيش المصري 10 آلاف جندي، لذلك، أعاد عبدالناصر، المغامر الجيو-سياسي، جيشه المنكسر إلى أرض الوطن، ليخوض مغامرة أخرى بإعادة نشر الجيش في منطقة شبه جزيرة سيناء المنزوعة السلاح، وإقفال مضيق تيران أمام السفن الإسرائيلية، ومحاصرة مرفأ إيلات، والمنفذ الإسرائيلي إلى المحيط الهندي. إلا أنه ما لبث أن عانى هزيمة عسكرية أخرى، فخلال الساعتين الأوليين من حرب النكسة (حرب الأيام الستة) عام 1967، خسرت مصر أكثر من 300 طائرة حربية مصرية، ليصل عدد الطائرة المصرية التي تحطمت إلى 451 بحلول نهاية الحرب، وهكذا واجه جيش عبدالناصر هزيمته الثانية في غضون سنتين.

بعد رحيل قوات الإمبراطورية البريطانية ومبالغة النظام الماركسي في جنوب اليمن في ثقته بنفسه بسبب نجاح ثورته، أقدم هذا النظام، الذي تلقى النصح من ماركس وولف، رئيس جهاز الاستخبارات في ألمانيا الشرقية، على خطوات متهورة برعايته الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي ذات الميول الماركسية، إلا أن العمانيين، الذين تلقوا التوجيهات من المسؤولين البريطانيين الملحقين بقواتهم، أنزلوا هزيمة نكراء بأتباع النظام اليمني ونجحوا في الحفاظ على سيطرتهم على مدخل الخليج الغني بالنفط.

يخضع اليمن، بعد توحد شماله وجنوبه رسمياً، لرئاسة علي عبدالله صالح منذ عقدين. قبل ذلك، كان صالح رئيس اليمن الشمالي منذ عام 1978.

عام 1990، كان اليمن بقيادة صالح البلد الوحيد، غير كوبا، الذي عارض حرب العراق، فجعله السعوديون يدفع غالياً ثمن سلوكه المثير للجدل هذا، فطردوا أكثر من مليون عامل يمني حظوا بوضع خاص أتاح لهم العمل في المملكة، ففاقم هذا الوضع الأزمة الاقتصادية التي يعانيها اليمن.

ومع ظهور مقاومة حوثية يمنية مسلحة في الشمال تعارض صالح والسعودية على حد سواء (يدعي البعض أنها تحظى بدعم إيران)، فضلاً عن نشوء مجموعات انفصالية جديدة في جنوب اليمن، ما عادت الحكومة المركزية تتمتع بنفوذ يُذكر خارج العاصمة. علاوة على ذلك، تتألف غالبية سكان اليمن الثلاثة والعشرين مليوناً من شبان لم يتجاوزوا الثلاثين من عمرهم، ويعاني نصفهم تقريباً البطالة، وتتمحور الرسالة التي تجذب اليمنيين إلى «القاعدة» عبر الإنترنت أو في القرى البعيدة على فكرة أن الولايات المتحدة هي العدو.

يمضغ عدد كبير من الرجال اليمنيين القات، وهو نبات مخدر محدود التأثير، مرات عدة في اليوم، غير أن زراعة القات تتطلب كميات من الماء تفوق ما تحتاج إليه أي نبتة أخرى. نتيجة لذلك، يُهدر نصف الماء المتوافر للري على القات، ويعاني معظم مناطق الشرق الأوسط، خصوصاً اليمن، نقصاً حاداً في المياه، فكمية الماء المتوافر في صنعاء تكفي نصف سكانها المليونين، حتى أن بعض الخبراء يعتقدون أن صنعاء ستكون أول عاصمة تموت من العطش.

يراقب اليمنيون ما يحدث في العراق وأفغانستان وباكستان، ولا يحتاجون إلى جهد كبير أو خيال جامح ليستخلصوا، بمساعدة تنظيم «القاعدة»، أن الولايات المتحدة تشن حرباً على المسلمين. ويعتبر كثيرون منهم صالح مجرد دمية أميركية سمحت للسعوديين بقصف القرى الحوثية الشمالية.

كذلك، يلقى دعاة «القاعدة» الدينيون، الذين ينادون بفضائل الجهاد، الكثير من الآذان الصاغية، حتى بات من الصعب التمييز بين مقاتلي «القاعدة» والشبان الغاضبين العاطلين عن العمل الذين يستطيعون الحصول على الأسلحة بسهولة. يذكر المطلعون على ما يحدث في اليمن والمملكة العربية السعودية منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 أن المتعاطفين مع «القاعدة» في المملكة العربية السعودية ظلوا ينفذون الاعتداءات في المدن السعودية حتى عام 2003، حين انقلب الرأي العام ضد المجاهدين. وبحلول عام 2006، كانت المقاومة الموالية للمجاهدين قد سُحقت. أما مَن ألقي القبض عليهم، فأُخضعوا لبرامج إعادة تأهيل مكثفة.

لكن الوضع يختلف في اليمن، حيث يُبقي الفقر المجاهدين في حالة غليان، بخلاف السعودية، ويعتبر اليمنيون الفقراء أن عمليات القتل، التي يُقال إن «القاعدة» تنفذها، ما هي إلا اعتداءات تخطط لها حكومة صالح لتكون حجة تتيح لها قمع كل من يتجرأ على رفع صوته مندداً بالسلطة.

• محرر في صحيفة Washington Times وفي United Press International

زر الذهاب إلى الأعلى