أرشيف

المخرج السينمائي حميد عقبي: لست شيوعيا.. اليمنيون ليسوا ملائكة ونعم أنا خائف على حياتي

المخرج السينمائي حميد عقبي اليمني المقيم بباريس أثار قضية شائكة في مجتمع محافظ هو المجتمع اليمني الذي يرى ان مجرد خروج المرأة من منزلها أمر فيه نظر، فكيف بطرح قضية شائكة للمناقشة هي قضية المثليين (او حسب التعبير السائد الشواذ) وضرورة فهم مشاكلهم والعمل على إدماجهم بالمجتمع وسن مزيد من القوانين الاجتماعية ومزيد من الحرية الاجتماعية، وهذه الدعوة فهمها رجال الدين على أنها دعوة للإباحية ومطالبة بسن قانون للزواج المثلي وكانت من عواقبها الوخيمة إغلاق صحيفة 'الثقافية' والمطالبة بمحاكمته، بل ابعد من ذلك المطالبة بإهدار دمه باعتباره شاذا وداعية للفساد والإباحية وإصدار فتاوى تبيح قتله ومضايقات وتهديدات لعائلته، نلتقي بهذا المخرج لتوضيح أمور كثيرة ما زال الكثير من الناس محاولة فهمها.

*هل قلت وكتبت ما كتبته عن وعي ام انك كنت مخمورا بحسب الإشاعات؟

* انا لم أكن مخمورا ولا تحت تأثير اي مخدر، وقلت ما قلته عن وعي، ولا اعتقد اني قلت كفرا او خرجت عن الدين، وتفسيرات رجال الدين لما قلته كان خاطئ جدا، والدعوة لسن مزيد من القوانين المدنية لكي تنال جميع فئات المجتمع حقوقها امر ضروري ومناقشة موضوع المثلية الجنسية أيضا امر ضروري، ونحن في اليمن والعالم العربي مجتمعات بشرية بها كل الفئات ولسنا ملائكة، والمثلية الجنسية موجودة باليمن واغلب الدول العربية وتحريم الحديث عنها لا يعطي حلا لها بل بالعكس اعتبره هروبا وهي قضية مهمة جدا وانا حاولت التفريق بين المثلية الجنسية والاستغلال الجنسي واعتبر زواج القاصرات استغلالا جنسيا وجريمة كبرى وكذا أدافع عن المرأة وأدعو ان تنال المزيد من الحرية الاجتماعية ويكون لها الخيار في امور كثيرة مثل اختيار الزوج ونمط الحياة وغيرها من الأمور.

* قلت انك كنت إصلاحيا ومن الإخوان المسلمين ماذا حدث لك كي تخرج من هذه الدائرة والجماعة؟

* مكثت خمس سنوات في بداية شبابي انتسبت للإخوان وانا عمري اربعة عشر عاما تقريبا وخرجت منه بعد خمس سنوات وكنت خطيبا وداعية اكفر الجميع وارفض التحضر ولا اسمع الغناء، ولكني قرأت كثيرا في الدين و فكر الإخوان وكنت أحب القراءة وكتابة القصص والمسرح وخدمت هذه الجماعة وشاركت بمظاهرات عدة مثل مظاهرة ضد مصنع (صيرة) للمشروبات الروحية والدعوة لمقاطعة الاستفتاء على دستور الوحدة، وكنت انوي الذهاب الى أفغانستان للجهاد، ولكني بعدها اكتشفت ان الجماعات الدينية تفرض حجرا على التفكير لذلك انسحبت بهدوء، ثم بعدها سافرت الى بغداد لدراسة فن الإخراج وهناك تشكلت رؤيتي ونما فكري واكتشفت اني فنان ويجب الا انتسب لأي حزب او جماعة وتعرفت على أساتذة من جميع الاتجاهات الفكرية وانا لست شيوعيا كما يقال عني انا فنان وأنساني التفكير .

* يظهر ان لك موقف ما تجاه الدين والعديد من مقالاتك تشير لهذا وضح لنا هذه النقطة؟

*ليس لدي اي موقف تجاه اي دين، وارى ان الدين اي دين ممكن ان يقدم للإنسان مادة روحية، ولكن للأسف العيب في ان اغلب رجال الدين يستغلون الدين لمصالحهم الذاتية وهذا ما أشير إليه في بعض مقالاتي خصوصا عندما أتناول المخرج السينمائي لويس بونويل او بازوليني او كوكتو او تاركوفسكي او بيرغمان وقدمت الكثير من القراءات للعديد من الأفلام السينمائية لهؤلاء، وكنت اتأمل العنف الديني أي عنف التسلط الديني وانا لست المسئول عن ما يقوله الآخرون عني انا فنان وأحاول فهم الأمور بعقلية الفن وليس بعقلية أخرى، ولكني لست ملحدا. لدي القناعة والإيمان بالله وهذا لا يمنع مناقشة قضايا أخرى بالدين ولا تقل لي ان رجال الدين أنبياء ففيهم الجيد ولكن الكثيرين منهم لا يفهمون الدين ويتاجرون به لإغراض مادية بحتة.

* أنت الآن مهدد بالقتل بسبب الفتاوى التي أجازت قتلك هل أنت خائف؟

* لا أكذب. وأقول لك نعم انا خائف وخائف جدا على حياتي وحياة عائلتي، وأحاول التماسك وانا عرضة للكوابيس بشكل يومي وأحس بالقلق وأفكر كثيرا. ولكني لا اعتقد اني أجرمت وحتى وان حدث أمر او مكروه لا قدر الله لي او لأحد من عائلتي اعتقد انه المكتوب ولا مفر منه، ولكن أتمنى ان تسير الأمور على ما يرام ولعل هذه الحادثة تكشف قسوة الواقع و العنف ضد اي فكر ليبرالي متنور وحضاري.

* الكثير من الصحف الدولية تحدثت عنك. لقد أصبحت مشهورا فهل هذا يخفف عنك بعض الشيء؟.

* والله أنا لم أكن أفكر بالشهرة والمسألة ليست طلب شهرة او مكسب مادي انا قلت فكرة وتمت مقابلة هذه الفكرة بشكل متوحش، هذا لم يكن بحسباني ولم أكن اعتقد اننا باليمن وصلنا لهذا المستوى والذي لا يسمح حتى بمجرد طرح فكرة وهي فكرة ودعوة للتحرر وليست للرذيلة والفساد .

* هل هذه الحادثة ستعيق إخراجك لفيلم جديد سمعنا ان به الكثير من الإشكالات وبه مشاهد جنسية وتطرق لموضوع المثلية الجنسية؟

– لا.. لا اعتقد ذلك. وحتى وان تم تقديمي للمحاكمة وتم الحكم عليه بحكم قاس. مشروع فيلمي الجديد مستمر وانا اشتغل عليه بهدوء.

* قد يجابه الفيلم بعاصفة وبركان آخر قد يحرقك؟

* قلت لك انا فنان ومعرض للعواصف وربما قد يجابه الفيلم بعواصف اكبر من كتابتي لمقال نشر بصحيفة محلية. الفيلم في حال انجازه لا ادري هل سنتمكن من عرضه في العالم العربي ام لا. انا لست بصدد البحث عن مشاكل. ما يهمني هو عرض الأفكار بشكل فني بأسلوب مختلف عن المألوف وبشكل شاعري المسألة ليست رغبة في خوض صراعات مع رجال الدين المسألة اني فنان واعرض أفكاري في قوالب فنية ولست المسئول عن ما يحدث بعد ذلك.

* النائب اليمني الإصلاحي محمد الحزمي يريد تقديمك للمحاكمة باليمن وأنت تريد تقديمه للمحاكمة في فرنسا إلى اين وصلتم؟

*بالنسبة لي بدأت اتخذ الإجراءات واستشير هيئات حقوقية وهذا امر يأخذ وقتا طويلا ولكني جاد في رفع قضية ضد النائب الإصلاحي المتشدد محمد بن ناصر الحزمي كونه دعا لقتلي وأهدر دمي بفتاوى غير مدروسة وسبب لي ولأهلي قلقا وحياتي معرضة للخطر وحياة عائلتي والقانون هنا يسمح لي برد اعتباري، وهو من جانبه كما سمعت يجمع تبرعات من اجل محاكمتي وهناك لجنة من مجلس النواب اليمني تحقق في القضية وتدرس مقالي، ولكن أحدا لم يتصل بي الى الآن والمفروض من هذه اللجنة ان تسمعني وتسمع توضيحاتي، ولكن احدهم قال لي انت مدان بالنسبة لهم ولن يرجعوا اليك هذا طبعا ليس عدلا من العدل الاستماع لجميع الأطراف وانا مستعد للرد على أسئلتهم واستجواباتهم ومستعد للمثول أمام محاكمة عادلة لتوضيح وجهة نظري كوني لست مجرما ولا سفاحا انا كاتب وفنان وطرحت وجهة نظر تجاه قضية ولم ارتكب مذبحة او جنحة مخلة بالشرف.

* هل هناك مؤسسات يمنية ودولية تقف بجانبكم بهذه المحنة؟

-في اليمن انا على تواصل مع الدكتورة سعاد القدسي رئيسة مؤسسة ملتقى المرأة والدكتورة سعاد شخصية حقوقية لها سمعتها على النطاق الدولي، وكذا النائب المستقل احمد سيف حاشد وهو أيضا شخصية لها سمعتها الدولية، وهناك مؤسسات نشرت قضيتي عبر مواقعها وتتابع التطورات مثل مؤسسة بلا قيود ومنتدى الإعلاميات وغيرها ولكن لهذه اللحظة لم اجد اي اتصال معهم او لم اسمع عن موقفهم. هناك خوف شديد والقضية حساسة واي شخص يدافع عني يتم إدخاله في دائرة التكفير، ولكن هذا ليس مبررا للصمت والحياد المسألة قمع فكري لرأي تم طرحه وهناك اصدقا من السينمائيين لديهم موقف ايجابي ورمزي اي ان تضامن اغلب المؤسسات والشخصيات الآن كموقف رمزي ومعنوي ولم يسألني احدهم عن وضعي النفسي او المادي او وضع عائلتي، ولم تبادر الى الآن اي مؤسسة بمد يد العون لي.

* نشرت تصريحات لك ولم يرد احد عليك.. ما تفسيرك لتجاهل هذه التصريحات؟

* هم يتجاهلون الحقائق هم يريدون منا ان نعيش خارج الزمان والمكان وخارج نطاق الحضارة، وهذا الاختلاف بيننا وبينهم، وسيظل اليمن في محنته معزولا ومتخلف بسبب هذه الجماعات وهذا الفكر الرجعي وانا لم اقل الا الحقائق الموجودة على الأرض وبإمكان أي صحافي الذهاب لليمن والذهاب ليرى العنف والإرهاب والإشاعات التي تمارس، وننتظر خطوة ايجابية من المؤسسة الأمنية وكذا من وزارة الشؤون الدينية ووزارة التربية والتعليم بمنع تداول المنشورات والخطب واتهام الناس وتكفيرهم عبر منابر دينية وتربوية، هذه الوسائل غير حضارية ولا إنسانية ولا يقرها أي شرع او دين ان تكفر إنسانا وتبيح دمه وتدعو لقتله وتعد من يقتل هذا الشخص اي خصمك بأنه سيذهب للجنة وليس عليه اي حد ولا يعتبر مذنبا هذه دعاية للعنف و الإرهاب .

* هل أنت نادم او تشعر بانك تسرعت؟

* أبدا، لست نادما. ولا اعتقد اني تسرعت بطرح مثل هذه القضية الاجتماعية والمشكلة ليست فقط هذه المقال لو تصفحتم مقالاتي ستجد اني وقفت ضد زواج الصغيرات والعديد من الأمور الأخرى وهي كثيرة من بينها قضايا اجتماعية وفكرية وإنسانية، لكن خصومي استغلوا عبارة واحدة في مقالتي الأخيرة حول فيلم 'حين ميسرة' والمنشورة بالعدد 524 بصحيفة 'الثقافية' بتاريخ 21 آذار (مارس) الماضي وهي قولي 'ربما بعد عشرين سنة سيصبح حضور زواج مثلي امر عادي لا يثير الدهشة والاستغراب' فهل هذه العبارة تستحق ان يباح بها دمي ودم عائلتي هناك أمور كثيرة باليمن كانت مستحيلة مثل ان تقود المرأة السيارة وهي الآن أمر عادي وربما يحدث ما قلته .

* بعد هذه القضية هل تنوي البقاء بفرنسا ام ستعود لليمن؟

* اليمن جزء مني، ولم يكن بخلدي التفكير بترك اليمن والابتعاد عنه. ولا أدري ما هو الحكم الذي سيصدر ضدي والظروف التي سوف أواجهها وأنا أحب بلدي، وفرنسا بلد أيضا أحبه كثيرا واعتبره موطني الثاني ولا اخفي تأثري بالثقافة الفرنسية والغربية، ولكني أيضا اميل للتراث اليمني والثقافة العربية وأتواصل مع مؤسسات يمنية وعربية واحضر مهرجانات سينمائية عربية ومؤتمرات وندوات عربية وانا احلم دائما بتفعيل السينما اليمنية ورغم فشل مشروعي لمهرجان صنعاء السينمائي والانتكاسة المخجلة للمشروع لأسباب كثيرة ومنها تعامل وزارة الثقافة اليمنية وتهربها وأخيرا اتهامي بأني اشوه صورة اليمن في الخارج وغيرها من القضايا الا اني على استعداد للمشاركة بأي مشروع من اجل تأسيس سينما يمنية وحاولت عبر الدراسات والمقالات المنشورة بعدد من الصحف اليمنية ان يظل اسم السينما موجود في الشارع الثقافي اليمني، وعليكم عدم محاسبتي ومحاكمتي ايضا لعدم نجاح مشروع مهرجان صنعاء السينمائي قيل الكثير عن هذا المشروع واحد الأصدقاء باليمن عرض عليه مشروعا مع وزير الثقافة اليمني الحالي الدكتور ابو بكر محمد المفلحي ورغم حكايتي مع هذا الوزير الا اني أقول كلمة حق فيه هو شخص أفضل مليون مرة من هؤلاء الذين يدعون انهم حماة للدين.

'القدس العربي'- عمر منصور

زر الذهاب إلى الأعلى