أرشيف

وثائق: اليمن عرض سرا حرية دخول القوات الأميركية لشن هجمات ضد «القاعدة»

تعاقب المسؤولون الأمنيون في إدارة أوباما، واحدا تلو الآخر، على اليمن، من أحل مناقشة قضايا الإرهاب، مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي بدا مستمتعا بهذا النفوذ الجديد.

ويقول صالح لضيفه دانييل بنجامين، مدير قسم مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية الأميركيية: «أنتم متحفزون ومتسرعون عندما تحتاجوننا، لكنكم تفتقدون تلك الحماسة وتبدون كالبريطانيين عندما نحتاجكم».

في 31 يناير (كانون الثاني)، وبعد بضعة أسابيع من محاولة الشاب النيجيري، عمر فاروق عبد المطلب، الذي تدرب وزود بالمتفجرات من اليمن، تفجير طائرة ركاب خلال اقترابها من ديترويت. ربما لم تؤثر موجة الاهتمام بفرع القاعدة في اليمن، ومنظرها المولود في أميركا، أنور العولقي، على السياحة، لكنها على النقيض من ذلك أعطت الرئيس اليمني المزيد من النفوذ.

فتنقل إحدى البرقيات التي أرسلت إلى واشنطن قول الرئيس علي عبد الله صالح بحياء: «إنه على الرغم من سعادته بالمعدات العسكرية التي زودته بها الولايات المتحدة، فإنه يرغب في أن يكون أكثر رضا في المستقبل».

وتعرض البرقيات الدبلوماسية التي حصل عليها «ويكيليكس»، والتي أتيحت للكثير من المؤسسات الإخبارية وجهة النظر الصادقة بشأن الرئيس اليمني الذي وصفته بـ«المستبد الماكر وغريب الأطوار في بعض الأحيان»، والشرس في حربه ضد «القاعدة» خلال العام الماضي. لكنه يبدو عازما على القتال وفق شروطه الخاصة؛ فأحيانا تراه مستجيبا للمطالب الأميركية، وفي أحيان أخرى رافضا لها.

لا تعمد المراسلات إلى تغيير الصورة النمطية للرئيس صالح، 68 عاما، والضابط السابق بالجيش، الذي قاد البلاد لثلاثة عقود، لكن من خلال ما نقل عن الاجتماعات، تبدو البرقيات كصور فوتوغرافية ملونة حديثة لصور كانت ملتبسة في السابق بالأبيض والأسود.

كان اليمن بلدا طويلا وقاحلا، مستنزفا بعيدا عن أذهان الولايات المتحدة، لكنه عاد الآن لينال اهتماما بالغا من الحكومة الأميركية يتعدى حجمه. ففي أكتوبر (تشرين الأول)، أرسل المتمردون حبارتي طباعة محشوتين بالمتفجرات إلى عنوانين في شيكاغو، تم اعتراض القنبلتين، لكن المؤامرة أثارت الفزع، وكانت السبب وراء سلسة الاتصالات بين الرئيس أوباما ونظيره اليمني بشان مكافحة الإرهاب والمساعدة.

تُظهر البرقيات، أن الرئيس صالح لم يتردد في بعض الأوقات في استخدام مشكلات بلاده المتراكمة كنوع من التهديد.

فتقول برقية مؤرخة في سبتمبر (أيلول) 2009 من السفير الأميركي، ستيفن سيتشي، واصفا الرئيس علي عبد الله صالح بـ«المحنك»، «مشيرا إلى ارتفاع معدلات الفقر وتدفق السلاح غير الشرعي إلى كل من اليمن والصومال، قال صالح: «إن لم تساعدونا فسيكون هذا البلد أسوأ من الصومال».

وترسم البرقيات صورة لليمن، التي يقطنها 23 مليون شخص، والتي تقارب في حجمها حجم ولاية تكساس، بالمكان المحاصر، والمحير والمليء بالأسلحة، الذي يعصف به الصراع القبلي، حيث تفقد الصواريخ التي تحمل على الكتف، والجهاديون حريصون على الوصول إلى الكثير من المناطق حول العالم.

وترسم البرقيات الأميركيين يتوددون إلى اليمنيين لملاحقة القاعدة، ومحاولة استخلاص القواعد من الضربات الأميركية، ومحاولة الوصول إلى سبيل آمنة لإرسال المعتقلين اليمنيين إلى بلادهم من معتقل غوانتانامو، واستعادة الأميركيين المحتجزين لدى قوات الأمن اليمنية.

كان الرئيس اليمني، الذي ظهر للمرة الأولى في الوثائق طالبا نصف مليون طن من القمح عام 1990 في اجتماع مع جيمس بيكر، الذي كان وزير الخارجية الأميركية آنذاك، محط تركيز السواد الأعظم من الوثائق. في تلك الفترة كانت أهم مطالبه الأسلحة الثقيلة والتدريب العسكري. ولكنه أصبح أيضا أكثر تعاونا مع الحملة الأميركية ضد «القاعدة».

وفي اجتماع لجون أو بيرنان، كبير مستشاري مكافحة الإرهاب للرئيس أوباما، في عام 2009 مع الرئيس علي عبد الله صالح، عرض الأخير صفقة غير عادية، «حيث أكد أن الأراضي اليمنية متاحة بصورة أحادية لعمليات القوات الخاصة الأميركية، لكن مع ملاحظة أنه في حال وقع هجوم على هدف غربي فإن ذلك لن يكون خطأ الرئيس علي عبد الله صالح». وقال: «لقد منحتك تفويضا مباشرا للتعامل مع الإرهاب، لذا أنا لست مسؤولا».

الحقيقة أنه على الرغم من هذه الكلمات الطيبة، فإن الرئيس علي عبد الله صالح فرض قيودا صارمة على العمليات الأميركية في بلاده، على الرغم من محاولة الترويج لها على أنها عمليات للجيش اليمني.

فعندما وقعت الضربتان الجويتان الصاروخيتان ضد معسكرات «القاعدة» في اليمن في ديسمبر (كانون الأول) 2009، زعم صالح أن الضربات قامت بها قوات يمنية لتحاشي توجيه انتقادات إلى الولايات المتحدة، وطار الجنرال ديفيد بترايوس إلى اليمن لشكر الرئيس الذي وعد بالمواصلة، وقال: «سنواصل القول إن هذه القنابل خاصة بنا، لا بكم»، بحسب البرقية. وقال نائب رئيس الوزراء، رشاد العليمي، كان قد أكد بالفعل للأميركيين أن «الذخائر الأميركية التي وجدت في مواقع الهجمات يمكن تفسيرها على أنها معدات اشترتها اليمن من الولايات المتحدة».

علاوة على ذلك، أشار العليمي إلى أن المسؤولين اليمنيين اعترفوا في نهاية الأمر بأن الصواريخ قتلت مدنيين بجانب المقاتلين, وكانوا عائلات بدوية، من الفقراء الذين يبيعون الطعام والإمدادات للإرهابيين، من ثم يتواطأون مع الإرهابيين، ويستفيدون منهم ماليا. بيد أن صالح أخبر الجنرال بترايوس بأن أخطاء ارتُكبت راح ضحيتها مدنيون، ووافق على مقترح القائد العسكري، بزيادة دقة العمليات في الضربات المستقبلية التي ستنفذها الطائرات الأميركية بدلا من صواريخ «كروز» التي تطلق من مسافات بعيدة.

لكنه رفض بشدة طلب الجنرال بترايوس بإرسال مستشارين عسكريين أميركيين يعملون إلى جانب قوات مكافحة الإرهاب اليمنية.

ومن جانبه أرجأ الجنرال بترايوس طلب الرئيس 12 مروحية مقاتلة، على الرغم من وعد الرئيس باستخدامها ضد «القاعدة» فقط؛ فقد أبدت الولايات المتحدة قلقا من أن تعمل بذلك على تغذية النزاعات الدائرة مع ما يسمى بالمتمردين الحوثيين في الشمال والانفصاليين في الجنوب.

* ساهم أندرو ليهرن في كتابة التقرير من نيويورك

 

الشرق الأوسط

زر الذهاب إلى الأعلى