أرشيف

من الوثائق: ليبيا هددت بوقف تجارتها مع بريطانيا.. وصدمة في دمشق وتوتر مع إيران بعد اغتيال مغنية

استمرت أمس وثائق «ويكيليكس»، التي تنشرها عدة وسائل إعلام، في إيراد معلومات مختلفة نقلا عن برقيات وزارة الخارجية الأميركية. فنقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية، عن برقيات دبلوماسية أميركية سرية حصل عليها موقع «ويكيليكس»، أن الزعيم الليبي معمر القذافي هدد بوقف التجارة مع بريطانيا، وحذر من تداعيات هائلة إذا مات عبد الباسط المقرحي المدان في تفجير لوكيربي في السجن.

وأفرجت السلطات الاسكوتلندية عن المقرحي الذي صدر عليه حكم بالسجن مدى الحياة لدوره في تفجير طائرة تابعة لشركة «الخطوط الجوية الأميركية» (بان أميركان) عام 1988 في أغسطس (آب) عام 2009 لدواع إنسانية، لإصابته بسرطان البروستاتا، حيث كان يعتقد أنه لن يعيش لأكثر من عدة أشهر.

وكتب الدبلوماسي الأميركي ريتشارد لوبارون، في برقية إلى واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2008 «أبلغ الليبيون حكومة جلالة الملكة بشكل مباشر بأن العلاقات الثنائية البريطانية الليبية ستتعرض لتداعيات خطيرة إذا لم يتم التعامل مع الإفراج المبكر عن المقرحي بشكل ملائم».

ونقل عن السفير الأميركي لدى ليبيا قوله في برقية أخرى تحمل تاريخ يناير (كانون الثاني) 2009 أن ليبيا «أقنعت مسؤولي السفارة البريطانية بأنه إذا مات المقرحي في السجن فإن العواقب ستكون قاسية وفورية، ولن يكون من السهل علاجها».

وقال السفير الأميركي جين كريتز «شملت تهديدات محددة الوقف الفوري لجميع الأنشطة التجارية البريطانية مع ليبيا، وخفض أو قطع العلاقات السياسية ومظاهرات ضد المنشآت البريطانية الرسمية».

وكان مسؤولون ليبيون لمحوا إلى أن الدبلوماسيين والمواطنين البريطانيين في ليبيا سيكونون عرضة للخطر. وقالت «الغارديان» إن البرقيات أظهرت أيضا أن رئيس وزراء اسكوتلندا أليكس سالموند أساء تقدير حجم الغضب الشعبي في الولايات المتحدة وبريطانيا. وقالت الصحيفة إن موظفا حكوميا بريطانيا أبلغ مسؤولي السفارة الأميركية بأن مسؤولين من الحزب الوطني الاسكوتلندي – حزب سالموند – سعوا إلى لوم الحكومة البريطانية لدفعها الاسكوتلنديين إلى اتخاذ القرار.

وكتب لويس ساسمان، السفير الأميركي في لندن، في برقية «من الواضح أن الحكومة الاسكوتلندية أساءت تقدير رد الفعل السلبي الذي ستتعرض له ردا على إطلاق سراح المقرحي، وهي تحاول الآن تصوير نفسها ضحية».

غير أن سالموند ووزير العدل السابق جاك سترو كررا في حديث لهما مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أمس النفي بأن الضغوط الليبية لعبت دورا في الإفراج عن المقرحي وعودته إلى دياره.

وقال سالموند «من منظور حكومة اسكوتلندا – وبالمصادفة تؤكد المعلومات الأميركية هذا – أننا لم نلق بالا للتهديدات ولا للمداهنة. لم نهتم إلا بتطبيق العدالة الاسكوتلندية». وقال سترو «أليكس سالموند والحكومة البريطانية قالا مرارا وتكرارا الحقيقة، وهي أن هذا القرار اتخذته الحكومة الاسكوتلندية وليس غيرها، وقد فعلت ذلك استنادا للقانون».

ومن الوثائق الأخرى التي سربت برقية تتحدث عن شعور المسؤولين في سورية بالصدمة إزاء الاغتيال الغامض لأحد العناصر البارزة بحزب الله داخل دمشق منذ عامين، وهو ما تسبب في إثارة سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين أجهزة أمنية متنافسة، وأثار موجة من التخمينات في منطقة الشرق الأوسط حول هوية منفذ الاغتيال.

ووصفت تقارير أميركية يعود تاريخها إلى شهر فبراير (شباط) عام 2008، نشرها موقع «ويكيليكس»، كيف كان هناك شعور بالصدمة عندما تم اغتيال عماد مغنية بواسطة قنبلة متقدمة زرعت في سيارته. وكان مغنية، العضو المؤسس في حزب الله، مطلوبا من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا وحكومات أخرى.

وحسب الوثيقة «دخل مسؤولون في جهاز المخابرات العامة والمخابرات العسكرية السورية في نزاع محتدم، ويحاول كل طرف إلقاء اللائمة على الآخر في ما يتعلق بالخرق الأمني الذي أدى إلى مقتل مغنية»، حسبما ذكر تقرير للسفارة الأميركية.

وحسب البرقية، ذكر دبلوماسيون أميركيون في بيروت بأن حزب الله كان يعتقد أن سورية مسؤولة عن عملية القتل التي وقعت في دمشق. ولم يشارك أي مسؤول سوري في جنازة مغنية التي خرجت في الضواحي الجنوبية لبيروت في اليوم التالي. وشاركت إيران في هذه الجنازة ممثلة في شخص وزير خارجيتها، الذي جاء ليهدئ حزب الله، ولكي يمنعه من اتخاذ أي إجراء ضد سورية.

ونقل دبلوماسيون أميركيون أن مقتل مغنية أدى إلى حدوث توترات بين سورية وإيران.

واستغرق الأمر أكثر من عام لكي تتحسن العلاقات السورية الإيرانية، مع الزيارة منخفضة المستوى التي قام بها قاسم سليماني، قائد قوة القدس، التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى دمشق في نهاية عام 2009، والتي وصفها مصدر لبناني بأنها تمت من أجل «المصالح التجارية» للأنشطة التجارية لحزب الله. وخمن مسؤولون أميركيون أن الغياب الطويل لسليماني «ربما يعتبر انعكاسا للتوترات العالقة بين إيران وسورية والتي ظهرت بعد اغتيال مغنية».

من جهة أخرى، كشفت برقيات دبلوماسية سرية سربها موقع «ويكيليكس» ونقلتها صحيفة «لوموند» الفرنسية أن سياسة الانفتاح على سورية التي انتهجها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منذ عام 2008 لم تقنع إدارتي الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما.

وعلقت مذكرة أميركية على دعوة بشار الأسد إلى باريس بمناسبة القمة الأولى للاتحاد من أجل المتوسط في يوليو (تموز) 2008 بأن «السوريين يعتبرون أنفسهم في موقع قوة».

وكشفت البرقية أن قصر الإليزيه قام بمحاولة خجولة سرعان ما تخلى عنها لطرح موضوع حقوق الإنسان. وقد رفض الأسد اقتراحا فرنسيا بالإفراج عن معتقلين سياسيين قبل زيارته لباريس.

وكتب دبلوماسي أميركي أن «السوريين حولوا الرسالة بمهارة واقترحوا على فرنسا أن تمر عبر قطر في ما يتعلق بالطلبات المرتبطة بحقوق الإنسان، حتى لا يعطوا انطباعا بأن سورية ترضخ للضغوط الغربية»، مضيفا «يبدو أن هذه الحجة الواهية انطلت على الفرنسيين». وفي مارس (آذار) 2009، أفاد دبلوماسي أميركي في باريس بفحوى حديث أجراه مع الموفد الفرنسي للعلاقات مع سورية وإسرائيل جان كلود كوسران، فنقل عن الموفد قوله إن «السوريين يحسنون إحاطة محاوريهم بأجواء رائعة» قبل أن «يعيدوهم فارغي الأيدي». إلى ذلك، ذكرت برقية دبلوماسية أميركية نشرها أمس موقع «ويكيليكس»، أن القيادة السورية أبلغت وفدا إيرانيا رفيع المستوى زار دمشق العام الماضي بأنها لن تساعد إيران في الانتقام من هجوم إسرائيلي ضد منشآتها النووية.

وذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، في موقعها الإلكتروني، أن البرقية التي أعدتها السفارة الأميركية في دمشق بتاريخ 20 ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي لخصت زيارات قام بها في ذلك الشهر مستشار الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي، ونائب الرئيس ورئيس إدارة البيئة محمد جواد محمد زاده، ووزير الدفاع أحمد على وحيدي، إلى دمشق.

ونقلت البرقية عن مسؤول سوري لم يتم ذكر اسمه قوله لمسؤولين بالسفارة الأميركية إن السوريين أبلغوا الإيرانيين في المحادثات بأنهم لن يشتركوا في هجوم إيراني انتقامي ردا على أي هجوم إسرائيلي محتمل.

وقال المسؤول السوري بحسب البرقية «لقد أبلغناهم بأن إيران قوية بما يكفي لتطوير برنامج نووي وقتال إسرائيل، ونحن ضعفاء». ووفقا للبرقية فإن سورية قاومت دعوات إيرانية للالتزام بالانضمام إلى إيران في حالة اندلاع قتال بين إيران وحزب الله وإسرائيل.

وأضاف المسؤول السوري أن الوفد الإيراني جاء إلى سورية «لحشد حلفاء»، تحسبا لهجوم عسكري إسرائيلي.

«الشرق الأوسط»

زر الذهاب إلى الأعلى